تنابلة السلطان وداعا

تشخيص وتحليل ومعالجة التنبلة وبناء مصر الحرة

المجلس العسكري والثقة في الحكومة

مع رجاء نشر هذه الرسالة

بقلم                                         

5 يوليو 2011

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

0127435754

[email protected]

"الثقة" كلمة سحرية في عالم أداء وتطور الدول والمجتمعات. ويعبر عنها اليوم في الأدب العلمي بتعبير "رأس مال الثقة Trust capital"، فقد كانت و لا تزال الثقة هي عماد المعاملات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالإضافة إلى كونها من عوامل الصحة النفسية. اجتماعيا تعتبر الثقة، أو رأس مال الثقة، مكونا أساسيا من مكونات رأس المال الاجتماعي الذي يساهم بمقدار أربعة أضعاف رأس مال المهارة الفنية في نمو ثروة الفرد. وبالنسبة للمجتمع تزداد صلابته وترابطه وقوته بازدياد رأس مال الثقة بين أفراد المجتمع وثقتهم فيه، ومن الناحية الاقتصادية تزداد الاستثمارات والمعاملات الاقتصادية بازدياد رأس مال الثقة في البيئة الاستثمارية للمجتمع.

أما من الناحية السياسية، موضوع هذا المقال، فقد أظهرت دراسات التنمية أن الثقة في الحكومة، أي ثقة الشعب في الحكومة، تعتبر من أهم عوامل الحكم الرشيد، ومن أهم العوامل المحددة  لمستوى تقدم الدول والمجتمعات الإنسانية. ولهذه الحقيقة تفسيرات كثيرة سنتجاوزها إلى التساؤل المباشر "ما هو مقدار الثقة في الحكومة الحالية وخاصة في قمتها الحاكمة وهي المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟"

أمام الأداء الحالي المتباطئ والمتراجع للحكومة، وأمام المواقف غير المتوافقة بين المجلس العسكري من ناحية ورئيس الوزراء وحكومته من ناحية أخرى، والتي تنتهي دائما بتنفيذ مواقف المجلس العسكري، وأمام سعي وزير المالية لجمع التبرعات وللحصول علي قروض من أهل الخير، وأمام إصرار الحكومة على تباطؤ تغيير القيادات القديمة المختارة بمعايير أمن الدولة، وأمام التباطؤ الشديد في محاكمة رموز النظام الشيطاني السابق، وأمام مهزلة الانفلات الأمني المستمر وعدم هيكلة وزارة الداخلية، وأمام الأداء الحكومي المترهل، وأمام تراجع الحريات الإعلامية ورصد 82 برنامج أو موقع إعلامي حسب تصريح أحد لواءات المجلس العسكري في برنامج أون تي في، وملاحقة المتظاهرين بالعنف القديم، وأمام عدم تطبيق إجراءات تحقيق العدالة، وأمام تسرب عطر الروح الثورية من النخبة الحاكمة الآن، وأمور أخرى كثيرة يقرأ كاتب هذه السطور بخبرته التحليلية الاجتماعية ثلاثة مواقف يتقاسمها الشعب المصري تجاه الثقة في المجلس العسكري.

في بداية الثورة، كانت الفئة الغالبة من الشعب المصري تنظر إلى المجلس العسكري نظرة إيجابية للغاية (نفترض أنها 80% من الشعب)، ثم هناك فئة متوسطة قليلة كانت تنظر للمجلس العسكري على أنه موكل من الرئيس السابق لإدارة أمور البلاد، هذا الرئيس الذي فضل المجلس العسكري لهذه المهمة ولم يتركها لرئيس مجلس الشعب آنذاك كما كان الدستور ينص على ذلك. ومن هنا كانت هذه الفئة المتوسطة من الشعب تنظر إلى المجلس العسكري على أنه جزء وفي عمل طويلا مع حسني مبارك ومن ثم فهو يحاول أن يسير بالبلاد إلى أن يسلمها للحكم المدني مع إحداث أقل الأضرار الممكنة لرموز النظام السابق وعلى رأسها مبارك وأسرته بطبيعة الحال (ولنفترض للتوضيح أن هذه الفئة تمثل حوالي 15% من الشعب). وأما الفئة الثالثة الباقية وهي قليلة جدا (حوالي 5%) فكانت تنظر إلي المجلس العسكري آنذاك على أنه جزء من النظام السابق ولن يعتنق الروح الثورية وسيؤدي في النهاية إلي إرجاع النظام السابق أو الوصول في النهاية إلى الحكم العسكري.

الآن وبعد أكثر من 100 يوم على الثورة واستمرار حكم المجلس العسكري يبدو أن النسب السابقة قد تغيرت كثيرا أمام الحكم المترهل وتزايد قوى الثورة المضادة بحيث أصبحت نسبة الفئة الشعبية الأولى ذات الاتجاه الإيجابي نحو المجلس العسكري تقدر بحوالي 30% فقط بعد أن كانت 80%، أما الفئة المتوسطة (فئة التسامح والصبر مع المرحلة الانتقالية) فقد ازدادت من 15% عند بداية الثورة إلى أن أصبحت الآن حوالي 40%، وتبقى الفئة الثالثة ذات الاتجاه السلبي للغاية نحو المجلس العسكري والتي يعتقد أنها قد ازدادت من 5% عند بداية الثورة إلى 30% الآن.

والخوف كل الخوف أن يستمر هذا التشكك المتزايد نحو المجلس العسكري إلى أن تنقلب الصورة التي كانت في بداية الثورة إلى ضدها تماما وننتهي إلى أن تصبح نسبة المؤيدين للمجلس العسكري 5%، والفئة الوسطى 15%، والفئة الثالثة المتشككة للغاية في المجلس العسكري 80%. وهنا يتجه المجتمع لثورة ثانية بالفعل، وهذه المرة ستكون بالطبع ضد المجلس العسكري، وهنا تكون الكارثة، لا قدر الله، التي تصيب مصر الحبيبة. فما الحل إذن لتجنب تلك الكارثة.

الحل يتمثل في ضرورة قيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو الهيئة الحاكمة بالفعل، وليست الحكومة كما نرى، بالجدية في القيام بتحقيق أهداف الثورة، فلن يعود الزمن إلى الوراء بعد أن تنسم الشعب روح الحرية. نناشد المجلس العسكري أن يداوم على كتابة تاريخه الذهبي ويقوم بالآتي على أقل تقدير:

<!--الجدية في هيكلة وزارة الداخلية وتحقيق أمن المواطنين والشارع المصري.

<!--الإسراع الجدي في محاكمة المتهمين بكافة فئاتهم.

<!--الاستفتاء على مبادئ التوافق حول القيم الأساسية فوق الدستورية.

<!--التخلص السريع من الطبقة الحاكمة العليا في الدولة وإحلالهم بشخصيات مؤمنة بالثورة.

<!--تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال الإصلاحات المالية السريعة والسهلة مثل تنفيذ الضريبة التصاعدية لتصل إلى 45% وليس فقط 5% على الأرباح التي تزيد على 10 مليون جنيه، وترشيد الإنفاق الحكومي، وتنفيذ الحد الأقصى والحد الأدنى للأجور بكل جدية، والجدية في استعادة الأموال المنهوبة، وتقليل دعم الطاقة الذي يذهب للأغنياء (100 مليار جنيه) وزيادة دعم السلع الغذائية للشعب (البالغ 13 مليارا فقط) مع وجود 40% على الأقل تحت خط الفقر، وإلغاء المستشارين الكثيرين بالحكومة والحفاظ على الحد الأدنى فقط بما لا يزيد عن مستشارين اثنين فقط لكل وزير، وتشغيل العاطلين.

<!--نرجو من المجلس العسكري أن يستعيد كافة الثقة الشعبية، ويستغل الفرصة الذهبية لصحوة الشعب، وينطلق به إلى بناء مصر الحديثة، وهذا أملنا فيه.

المصدر: محرر الموقع
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 222 مشاهدة
نشرت فى 7 يوليو 2011 بواسطة mngamie

ساحة النقاش

أ.د. محمد نبيل جامع

mngamie
وداعا للتنبلة ومرحبا بمصر الحرة: يهدف هذا الموقع إلى المساهمة في التوعية الإنسانية والتنمية البشرية، وإن كان يهتم في هذه المرحلة بالذات بالتنمية السياسية والثقافية والإعلامية نظرا لما تمر به مصر الآن من تحول عظيم بعد الثورة الينايريةا المستنيرة، وبعد زوال أكبر عقبة أمام تقدم مصر الحبيبة، ألا وهو الاستبداد »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

92,226