جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
كتب - عماد سيد - كنت قد كتبت عدة مقالات حول بعض التغيرات التي طرأت على شخصية المصري من عادات وطباع وسلوكيات وغيرها، الأمر الذي أثر سلبا على صورتنا كمصريين سواء في الداخل او الخارج، وبات لدى العديد من الشعوب الأخرى صورة في غاية السوء عن مصر والمصريين .
واذا كنا بالفعل ننوي اتخاذ خطوات في طريق الحل فلابد وان نعرض الواقع الحالي بكل مصداقية وصدق مع النفس، وبعدها نتعرف على أسباب المشكلة ثم يمكننا البدء بالتفكير في طبيعة الحلول لهذه المشكلات .
والأمر في غاية الصعوبة وشاق للغاية، ان تغير من سلوكيات بل ومن شخصية شعب لهو امر يستغرق سنوات وسنوات ، ولكن ما المانع في أن نبدأ نحن بأنفسنا فلربما يأتي اليوم الذي يزيد فيه عدد الراغبين في التغيير الى الأفضل الى أن يصبح رقماً من الصعب مجابهته او عدم الاستجابة له ويصبح من يرتكبون السلوكيات الخاطئة قلة قليلة تكاد تخجل من نفسها وهي ترتكب الأخطاء -كما يحدث في المجتمعات المتحضرة أذا ما ألقى احدهم شيئا في الطريق مثلا.
وفي السطور القليلة القادمة سأحاول ان اعرض - من وجهة نظري - بعض أسباب المشكلات التي عرضتها في المقالات السابقة و أرجو ان يواصل زوارنا الأعزاء التفاعل معنا وإضافة ما يرون أنه أحد أسباب المشكلة.
غياب المشروع القومي:
لا يغيب على أحد في مصر إننا لا نعرف إلى أين نسير وماذا سيكون الحال بعد 10 أعوام مثلا في المجال الاقتصادي او السياسي او الثقافي، فمصر ليس لديها أجندة مستقبلية واضحة او خطط تنموية يعرفها او يتوقعها المواطن الذي قضى حياته في مصر معتمدا على المفاجآت التي تحدث له اللهم الا إدخال المياه والكهرباء وخدمات التليفون الأرضي الى بعض القرى المحرومة - ونحن في عام 2009 - وسنظل نتحدث عن البنية الأساسية والمجاري و الطرق الى ان يتوفانا الله ما لم نستفيق من غيبوبتنا او ندفع من يقومون على الأمر إلى ان يغيروا من طريقة تفكيرهم .
هل لدى مصر خطة خاصة بتطوير التعليم الابتدائي او الإعدادي مثلا؟ شاهدت منذ يومين فضائية تعليمية مصرية في غاية الظرف يتحدث فيها السيد المبجل المحترم استاذ العلوم عن تفاعل عنصر المغنسيوم مع العناصر الأخرى وكيف تكون النتائج .. وكله على السبورة !! اين التجارب العملية ؟ هل مطلوب من التلميذ ان تخيل حدوث التفاعل ويتوقع طبيعة النواتج في ذهنه؟ اين مشاركة الطلبة في التعليم بايجابية وتفاعل؟ الى متى سيظل الطالب المصرى يحفظ المعلومات ويلقيها في ورقة الإجابة يوم الامتحان ليتخرج في الجامعة وهو لا يزال يخطئ في الكتابة باللغة العربية؟
هل لدينا في مصر خطة لأن مصر قوة نووية "سلمية" - بلاش سلاح ردع ياسيدي- ونحن في أمس الحاجة الى الطاقة البديلة خاصة بعد فضيحة تصير الغاز المصري الذي يملكه بعض رجال الأعمال المصريين -وليس الشعب ولا الأمة طبعا- الى إسرائيل؟
نحتاج في مصر الى مشروع قومي ضخم وطموح ويقوم عليه اهل الثقة -لا من يعتمد الأمن أوراقه كمواطن صالح للعمل - وأهل الخبرة والأهم في الأمر كله الشفافية .. فلابد ان نعلم من يقوم على الأمر وكيف تنفق الأموال والى اي مدى تطور العمل في هذا المشروع وان نشارك في اتخاذ القرارات المتعلقة به -ما لم بتعلق الأمر بالأمن القومي بالفعل
صدقوني نحتاج الى أن نفخر ببلدنا وان نلتف جميعا حولها وأن نرفع رأسنا بتطورها وتقدمها .. هل يذكر أحدنا اي أمر جعله يفخر ببلاده خلال 30 عاما مضت غير حصول بعض ابناء مصر على جوائز نوبل بمجهوداتهم الشخصية فقط؟ وهل انعكس فوزهم بهذه الجوائز ايجابيا على حياتك وعلى طريقة تفكيرك .. هذا هو المعيار
فساد العملية التعليمية
وان كنت قد تحدثت عن هذه المسألة في العامل السابق الا اني لن امل من الحديث عنها .. لقد تربى ابناؤنا - وربما نحن أيضا - على الخجل والخوف من المدرس او استاذ الجامعة اذا ما سألناه عن أمر عنَ لنا او صعب علينا فهمه، فقد يسخر منا الاستاذ او يحرجنا أمام "البنات" او يهاجمنا ويتهمنا بالغباء لأننا لم نفهم طريقته العبقرية في ايصال المعلومة .. وكلها أمور عانيتها بنفسي وشاهدتها خلال مراحل التعليم و لم اتخلص منها الا بالتسجيل في الدراسات العليا حيث لا يمكن ان تظل جالسا وتؤمن برأسك على كل ما يقال دون ان تعترض او تبدي رأيك وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة على المستوى الشخصي وعلى المستوى العملي وخاصة ذا ما أهلتك دراستك ودرجتك العلمية للسفر الى الخارج .. الا اذا كان الشخص من هواة لعق اقدام المشرف للحصول على درجته العملية ولا يريد ان يتعلم بالفعل .
نحن نحتاج الى تغيير تلك الرؤوس والقيادات "التسعينية" و"السبعينية" التي تقود العملية التعليمية بنفس طريقة ادراتها لمزرعة ريفية خاصة او لمجموعة من عمال التراحيل .. الأمر جد خطير ولا يحتمل التجارب في أبنائنا .. لابد من ان تعتمد العملية التعليمية على الفهم والاستيعاب والمشاركة الفعالة بين الطالب و أساتذته وزرع الشجاعة والايجابية في الصغار .. ولكن كيف يحدث ذلك في ظل تعليم مجاني جعل سعة الفصل الواحد 90 تلميذا - اعتقد انه كان عدد الطلبة في فصلي في أحد السنوات بالمرحلة الإعدادية - وكيف يسيطر المدرس على هذا العدد وكيف يمكنه التأكد من وصول المعلومة الى الطلبة ؟ ..لا بد للمنظومة كلها أن تتغير .
غياب الديمقراطية وعزل المواطن
وفي رأيي هو اخطر الأمور وأهمها وبغيابها نشأت العديد من المشكلات الاجتماعية بل والأمراض النفسية وتطور الأمر الى جرائم قتل بشعة وامور غريبة لم نسمع عنها من قبل .. فصار هناك قناعة لدى المواطن بأنه لا يمكنه انتخاب شخص نزيه نظيف اليد ليعبر عن رأيه ويشرع القوانين التي تصون آدميته وحقوقه وبأنه من المستحيل ان يرى تداولا للسلطة وتغيرا في الخطاب الرسمي المصري وبان رجال الأمن في مصر تحولوا الى آلهة يتدخلون في كل الأمور حتى في تعيين وترقي اساتذة الجامعات بل في بعض الجامعات في مواعيد وعنوان الرسائل الاكاديمية -يمكنكم العودة الى كتابات الدكتور محمد أبو الغار في هذا الشأن .
نشأ عن كل ما سبق خوف قطاع كبير من البسطاء من اللجوء الى الشرطة لعرض شكوى او قضية ما خوفا من ان يتم الزج بهم في قضايا لا يعلمون عنها شيئا او يتم يتم الاعتداء عليهم وتصويرهم في اوضاع فاضحة وبالتالي تطور الأمر الى أن أصبحنا نعيش في غابة يأكل القوي فيها الضعيف ويأخد البعض حقوقهم بأيديهم .
من حق المصريين ان يتمتعوا بالحرية والديمقراطية .. من حق المصريين أن يقرروا من يمثلهم في مجلسي النواب .. من حق المصريين ان يصوتوا مع أو ضد الأمور التي تمس حياتهم اليومية .. من حقنا ان نتنسم هواء الحرية .. من حقنا أن نشعر أننا بشر لا حيوانات تساق.
غياب الرقابة
وهو أمر بالطبع يأتي كأحد توابع تولي أهل الحظوة لا أهل الخبرة للمناصب.. هل يمكن لأحد ان ينكر ما حدث له أثناء محاولته الحصول على فيش وتشبيه وكيف يمكن انجاز الأمر في سرعة كبيرة؟ هل لا يعرف أحد مثلا ما يحدث في قطاع المحاكم اذا ما طلب أحد المحامين تصوير ورقة او ملف قضية حتى وان كان القانون يمنعه من مجرد النظر إليها وماذا عليه ان يفعل ليحصل على بغيته؟
للأسف رسخ في ذهن المواطن المصري انه طالما لا يوجد من يشرف على عمله دقيقة بدقيقة فإنه سوف يستغل ذلك في الانحراف .. والانحراف ليس المقصود به فقط تلقي الرشاوى او "الزوغان" الى الوظيفة الأخرى، بل يدخل في الانحراف قراءة الصحف والتحدث مع الزملاء والخوض في الأعراض والتحرش بالزميلة الفلانية .. واذا كان المدير او المشرف على العمل ليس بقدوة ويتلقى الرشاوى ولديه انحرافات مالية او أخلاقية فبالله عليكم كيف سيحاسب من يعملون تحت قيادته .. وإذا كانت الرقابة لا تسفر عن عقوبات رادعة تمنع الآخرين من اتخاذ المسلك نفسه فكيف نتوقع ان نتنهي المخالفات؟.
غياب الشفافية
وهو عامل يدخل فيه أمرين في غاية الأهمية وهما :
نظرة القيادة للشعب: فبعض الحكومات تنظر الى شعوبها على أنهم مجموعة من السوقة والرعاع وبعض السوفسطائين ممن يدعون الثقافة والعلم وبالتالي فلا داعي لإشراكهم في الأمر او اخذ رأيهم لأنهم لا بفقهون شيئأ ويستهلكون وقتا ثمينا لا يستحقونه
الخوف من المحاسبة: وهو شأن كل الأنظمة الفاسدة او الحكومات الفاشلة والتي تخشى من مساءلة قانونية في يوم م، لذا تراها تشرع من القوانين ما يمنع اذاعة ونشر المعلومات تحت اي حجة -كما حدث في فضيحة بيع عمر افندي- او ان تنشر بيانات وارقام غير صحيحة ولا تمت للواقع بصلة او ان تنشر أرقاما صحيحة ولكن دون نشر باقي الأرقام التي توضح معناها او دلالتها.
في العالم المتحضر الذي تحترم فيه الحكومات مواطنيها وتعلم ان الشعب يمكنه خلعهم من على عروشهم يتم نشر المئات من الوثائق الحكومية التي تعدها الأنظمة الشمولية والديكتاتورية وثائق تمس الأمن القومي وبالتالي تستطيع هذه الشعوب -المتحضرة- ان تساءل حكوماتها عن أفعالها وتنزلهم من مصاف الآلهة إلى مصاف البشر العاديين الذين يمكنهم ارتكاب الخطأ .. اما في الدول "اياها" فالحكومات لا تخطئ بل لا تعترف بالخطأ من الأصل وقراراتها دائما تصب في صالح المواطن - ولنا في مشروع توشكى الفاشل خير مثال الإعلام .
وهو بالطبع أحد وسائل السيطرة على الشعوب وأداة التلقين الأولى في ايدي حكومتنا الرشيدة، وقد ساهم الإعلام المصري في تسطيح فكر وثقافة المواطن المصري على مر العقود حتى وصلنا الى نموذج الشباب الذي نراه اليوم في الطرقات من الجنسين، يكفي ان يشاهد أحد أطفالنا برامج البرامج الموجهة إليه لمدة شهر واحد-مثل فقرة "الشغل بايدينا" في أحد البرامج- ليصاب بنوع من العته أو الغباء الذي لا تجدي معه جلسات العلاج النفسي ولو كانت على أيدي العالم الكبير الدكتور أحمد عكاشة ..
بل إن التليفزيون المصري قد تحول إلى تليفزيون للمرأة من برامج طبيخ وموضة وبرامج سب وقذف في الرجل الذي يأبي ان يتحول الى حيوان أليف فتشرع من أجل إخضاعه قوانين المرأة الى جانب عدد من البرامج الحوارية الفاشلة والتي أعد حوارها بل وإجاباتها مسبقا مثل "حالة حوار" او "اتكلم" او غيرها مما لا يعبر الا عن رأي الحزب الواحد والفكر الواحد والرأي الواحد والمخطط الواحد وكأن كل من يعيش على أرض مصر لابد وأن يدخل في زمرة هؤلاء ولا اعتبار لتفكير مخالف او رأي آخر او فكر جديد .. حقيقى وليس الفكر إياه
ولا بد لإعلام مصر الرسمي ان يتغير وان يعلم السيد أنس الفقي ان الملايين من المصريين باتوا يتأففون من حجم الكذب والمعلومات المغلوطة التي يسمعون عكسها في كل مكان بل ولا يسهم في رفع درجة وعيهم او ثقافتهم او تغيير سلوكياتهم الى الأحسن وإنما الى العكس
العوامل الاقتصادية
وهو أمر آخر في غاية الخطورة .. فتضييق الخناق على المشروعات التي تنافس اخرى موجودة بالفعل على الأرض امر واقع -وأتحدى ان يحاول احد المواطنين ان يدخل مجال انتاج الحديد او مستحضرات التجميل وهو لا يزال على قيد الحياة او خارج السجن هو أو أسرته - الأمر الذي يدفع بأي مستثمر عاقل إلى أن يحجم عن اتخاذ مثل هذه الخطوة في سوق لا يعرف إلا الاحتكار -وكله بالقانون.
ولا بد اننا جميعا او أغلبنا قد رأينا او سمعنا او قرأنا عن ذلك الشاب الطموح الذي حاول إنشاء المشروع الفلاني فكان لابد له من الحصول على عشرات التصاريح والأختام والتوقيعات وان يدفع الآلف الإكراميات بدءا من عامل النظافة او الساعي في الهيئة الحكومية، وحتى بعد نجاحه في اطلاق مشروعه تجد من يمر عليه يطالبه بتعليق لافتة تأييد للسيد المحافظ او تهنئة المسئول الفلاني بتوليه المنصب للعام التاسع والتسعين على التوالي والا سيتم اغلاق محل رزقه الى الأبد او ضرورة دفعه للإتاوة المقررة على أصحاب المشروعات في هذا المكان والذي يخضع لسلطة فلان بيه او علان باشا .
كل هذه الامور الأمور الى جانب جشع غير عادي وتوحش من التجار مع نفض للسلطة لأيديها من هذه المعركة الشرسة لابد وأن تدفع البسطاء الى اعتماد أساليب اخرى "علشان اللبية تلعب -كما قال السيد وزير المالية لنقيب الصيادلة-" و كان لابد للغش والتزوير والسرقة والنصب وكل هذه الأمور أن تظهر على سطح مجتمعنا حتى بات البعض يخشي من أن يتم تحصيل الرشوة والإتاوة بالبريد الالكتروني او بال Credit Card.
هذا بالطبع غيض من فيض ولا أريد ان احتكر المجال لنفسي وانما لابد ان نشارك كلنا في عرض أسباب الأزمة لعلنا نتوصل سويا الى الحلول لننهض ببلدنا ونفتخر بها بين الأمم
http://kenanaonline.com/mkhaled2
ساحة النقاش