مصر خالية من وباء التدخين القاتل


بقلم : د‏.‏ محمد عوض تاج الدين

نقلا عن جريدة الاهرام16/8/07

 

يستخدم لفظ وباء للتعبير عن حالة من الانتشار السريع والواسع النطاق والمعدي أو القابل للانتقال من شخص إلي آخر وأعتقد أن الكلمة بمعناها الدارج تطلق في الأصل علي الحالات المرضية‏..‏ أي أنها تستخدم بصفة عامة للتعبير عن حالة مرضية معدية ومنتشرة وتنتقل بين البشر أو من الحيوانات أو الطيور إلي البشر ولاشك أن الانطباع السائد عن الكلمة يحمل في طياته خطورة أو احتمالية الخطورة‏,‏ وبالطبع فإن الكلمة تستخدم الآن لتعبر عن انتشار ظاهرة معينة في المجتمعات لاشك أن الإنسان عامل مشترك فيها ولم أتردد أطلاقا يي استخدام كلمة وباء علي موضوعي اليوم وهو موضوع التدخين‏.‏

أعرف أن هناك أحاديث متكررة وتحذيرات ومؤتمرات ولقاءات تدعو وتعرف وتنصح بالامتناع عن التدخين‏,‏ ولكن الوباء ينتشر ويصيب فئات كثيرة من البشر لم يكن من المعتاد في فترات زمنية ليست بالبعيدة أن تصاب بهذا الداء وهو داء التدخين‏..‏ فئات الشباب والأطفال والنساء‏.‏

وأطرح سؤالا‏:‏ هل الموضوع بهذه الأهمية وهذه الخطورة؟

والإجابة المؤكدة أن الموضوع مهم وخطير لتأثيره السلبي والمرضي علي المجتمع وعلي الانسان صحيا واجتماعيا واقتصاديا‏.‏ وتزداد الخطورة وتتفاقم مع العلم والمعرفة الأكيدة والموثقة علميا وبحثيا بالتأثير التراكمي للدخان علي الانسان‏,‏ بحيث أؤكد أنه يوجد مدخن مستمر أو متقطع لفترات طويلة دون أن يعاني جسمه أو تشكو صحته من تأثيرات بعضها لارجعة فيه‏,‏ وتؤكد هذه المعلومات الطبية أن المدخن كلما ازاداد عدد سنوات تدخينة وعدد السجائر أو عدد مرات تدخينه اليومي لأي نوع آخر من أنواع التبغ تراكمت التأثيرات المؤكدة علي صحته وعلي صحة من يدخنون معه سلبيا‏.‏

وهل التدخين معد؟ والسؤال يتعلق بالعدوي‏..‏ والعدوي هي انتقال الميكروب أو المرض من شخص مريض أو مصاب إلي شخص آخر مخالط أو سليم‏..‏ والإجابة هنا نعم إنه معد‏..‏ كيف؟ ينتقل دخان التبغ المحروق من تنفس المدخن من فمه وأنفه لينتشر إلي الأجواء المحيطة به في منزله‏..‏ في عمله في الأماكن العامة والمغلقة ناقلا خطر الدخان إلي كل هؤلاء‏,‏ ولقد تأكد علميا أن المدخن السلبي يدخن تقريبا ثلث كميات الدخان التي يدخنها المدخن‏,‏ ويحمل ذلك لهم جميعا خطر الاصابة بالأمراض والمشاكل الصحية الحادة والمزمنة الناتجة عن الدخان‏.‏ وتحمل أنواع التدخين بالشيشة احتمالية نقل عدوي الأمراض عن طريق تكاثر الميكروبات والجراثيم وتكرار استخدامها من أكثر من شخص‏.‏

ولهذا فإن كلمة التدخين معد هي كلمة حقيقة‏,‏ وليس فقط لأنه ينتقل العدوي بل لأن الاحصائيات الطبية أثبتت أن من أهم أسباب انتشار ظاهرة التدخين هو التماثل بين الشباب أو بيينهم وبين الكبار وأحيانا إلحاح من الزوج لزوجته أو الصديق لصديقه أو بين الشباب لتجربة التدخين وخاصة في تدخين الشيشة وبالتالي تنتقل عدوي التدخين من شخص لآخر‏..‏

ومع زيادة معدلات التدخين وزيادة أعداد المدخنين فإن أعداد المدخنين سلبيا أو الذين يدخنون بالإكراه في الأماكن العامة والمغلقة‏,‏ تتزايد‏,‏ وكذلك أعداد المصابين بأمراض سوف تزداد‏,‏ ومن المعروف أن عدد المدخنين في العالم حاليا حوالي‏1,3‏ بليون‏(‏ مليار‏)‏ مدخن ويصل عدد الوفيات الناتجة عن تعاطي الدخان بأنواعه كل عام في الوقت الحاضر إلي مايقرب من‏5‏ ملايين انسان ومع استمرار استخدام الدخان بهذه المعدلات فإن هذا العدد سيرتفع إلي‏10‏ ملايين شخص بحلول عام‏2020‏ والنقطة المهمة هنا أن‏70%‏ من هذه الوفيات ستتركز في الدول النامية‏.‏

ويزداد الخطر والتأثير علي السكان في البلدان التي يتكون فيها الهرم السكاني من أعداد كبيرة من الشباب وصغار السن‏,‏ حيث كما ذكرت أن تأثير التدخين تراكمي وتظهر المشاكل الصحية بعد عدة سنوات‏,‏ وبالتالي فإن المشاكل الصحية والاجتماعية والاقتصادية تصيب مجموعات من السكان في الفئات العمرية والمنتجة والمؤثرة والتي يعتمد عليها المجتمع في النمو ودفع عجلة التقدم‏.‏

ومازال الدخان والتدخين هو العامل الرئيسي الذي يؤدي إلي الوفاة التي من الممكن الوقاية منها‏,‏ وتتسع يوميا قائمة الأمراض التي تنتج عن التدخين وأصبحت تضم أنواعا متعددة من السرطان‏,‏ بالإضافة إلي الأنواع المعروفة عن التدخين علاوة علي أمراض القلب والأوعية الدموية‏.‏

ويشكل التأثير التراكمي المباشر للدخان بكل أنواعه‏‏ السجائر ـ البايب ـ السيجار ـ الشيشهةـ الجوزه‏‏ خطرا داهما علي الجهاز التنفسي والجهاز الدوري‏:‏ القلب والأوعية الدموية‏.‏ وتشكل التهابات الشعب الهوائية الحادة والمزمنة والربو الشعبي والضيق الشعبي الهوائي المزمن والأمفيزيما حزءا مهما من مخاطر التدخين المباشر أو التدخين السلبي الناتج عن التعرض للدخان المنبعث من المدخنين‏.‏

وتشكل هذه المجموعة من الأمراض التأثير التراكمي للتدخين لعدة سنوات‏,‏ وكلما زاد عدد سنوات التدخين زاد عدد السجائر أو كمية الدخان المستخدمة يوميا و زاد التأثير ويصاب المدخن بمجموعة من الأمراض المرضية تتمثل في صعوبة التنفس المتزايدة والشديدة ومع الأسف الشديد في بعض الحالات تكون هذه الحالة غير قابلة للتحسن الملحوظ نظرا لما أصاب الجهاز التنفسي من تدمير‏.‏

ولهذه الأسباب فإن النجاح في منع غير المدخنين من التدخين وتوقف المدخن عن الاستمرار في التدخين عملية حيوية لمنع استمرار التدهور‏.‏

والتركيز علي شباب المجتمع من الجنسين مهم للغاية لأن الفترات الأولي من التدخين قد لايشعر المدخن بأي مشاكل أو أعراض ولهذا يستمر في التدخين لعدة سنوات‏.‏

وتأكيد الخطورة قائمة ومؤكدة ولكنها تراكمية مهم للغاية وحقيقي وكانت هذه المضاعفات أو الأمراض الناتجة عن التدخين ظاهرة لدي الرجال لسنوات طويلة وخلال العقود القليلة الماضية‏,‏ ومع انتشار ظاهرة التدخين بأشكاله المختلفة لدي النساء يزداد بشكل مخيف في بعض الأحصائيات وبين أعمار محددة و بين الفتيات أكثر من الفتيان‏.‏

وبالاضافة إلي ما تم ذكره علي سبيل المثال وليس الحصر للأمراض والمشاكل الصحية الناتجة عن الدخان فإن هناك الأطفال وما يتعرضون له نتيجة لتدخين الأمهات ومنها إنجاب أطفال أقل وزنا‏,‏ والطفل المولود بوزن منخفض يتعرض بشكل أكبر لخطر الوفاة‏,‏ علاوة علي أن تدخين السجائر يمكن أن يسهم في ضعف إنتاج لبن الأم المرضعة‏,‏ وتعرض أطفال المدخنات لأمراض الجهاز التنفسي والتهاب الأذن وخطر ظاهرة الوفاة المفاجئة لدي الرضع‏.‏

وتؤكد التقارير الطبية العالمية أن معدل الإصابة بسرطان عنق الرحم يصل إلي أربعة أمثال نظيره لدي غير المدخنات وأن هذا الخطر يتزايد مع طول فترة التدخين وفي حديث علمي مع عالم فرنسي صديق متخصص في علاج أورام الجهاز التنفسي أكد لي أن نتائج مجموعة للأبحاث قد أثبتت أن هناك زيادة واضحة في نسبة إصابة السيدات بأنواع السرطان الناتجة عن استخدام الدخان وأن النساء أكثر عرضة لمخاطر التدخين السلبي وأن أنسجة الجسم لدي النساء أكثر حساسية للمواد المسرطنة في الدخان‏.‏

وتتزايد الأبحاث العلمية التي تربط بين التدخين وزيادة خطر العدوي بمرض الدرن‏(‏ السل‏)‏ وما يؤدي إليه من مشاكل صحية واجتماعية وقد أجريت في الهند عدة دراسات مهمة تظهر أن نصف عدد الوفيات لدي الذكور المصابين بالسل في هذا البلد نتج عن التدخين وأن ثلاثة أرباع المدخنين الذين أصيبوا بالسل لم يكونوا ليصابوا به لو لم يكونوا من المدخنين‏.‏

ومن الأسباب التي قد تفسر علميا هذه العلاقة التغيرات الكبيرة والجوهرية التي تلحق بالطبقة المخاطية للرئتين نتيجة للدخان مما يجعلها أكثر عرضة للعدوي‏,‏ بالاضافة إلي سوء التغذية وفقدان الشهية ونقص الوزن‏,‏ مما يسهم في الاستعداد الأكبر للإصابة بالعدوي‏,‏ بالإضافة إلي النقل المباشر للعدوي والميكروبات والفيروسات بما في ذلك ميكروب الدرن‏(‏ السل‏)‏ الذي ينتقل عن طريق الشيشة أو الجوزة‏,‏ خاصة أن الكثير من المدخنين بهذه الطريقة عادة يتكرر استخدامهم لنفس الأدوات المشتركة لأنها إما لقاءات مشتركة أو في نفس أماكن التردد‏,‏ ويسعي البعض إلي تقليل مخاطر استخدام الدخان عن طريق الشيشة وهذا غير حقيقي من ناحية ومن ناحية أخري فإن استخدام‏(‏ مبسم‏)‏ لكل مدخن لا يقلل من نسبة الإصابة بالعدوي‏,‏ بما في ذلك مرض الدرن‏(‏ السل‏)‏ لأن الميكروب عنده القدرة علي أن يكون في مرحلة انتشار أو كامنا في الخراطيم أو الجزء المعدني أو الزجاجي للأدوات المستخدمة‏.

المصدر: www.egynews.net
mkhaled

أدع من أستطعت فوالله لأن يهدى الله بك رجل واحد خير لك من حمر النعم

  • Currently 106/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 635 مشاهدة
نشرت فى 8 أكتوبر 2010 بواسطة mkhaled

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

498,632