الشباب هم قوة المجتمعات وعمادها، وصلاح أي مجتمع ـ بل أي أمة ـ مرتبط بل متوقف على صلاح شبابها، وهذه القاعدة تطرد فسادًا بعد ثبوتها في حال الصلاح، فالشباب للأمة كمثل القلب للبدن إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد وانحرف انعكس ذلك على المجتمع كله.
وهناك معوقات تعصف بمسيرة الشباب، تعوق عملهم، وتهدر طاقتهم، بل وتغير وجهتهم.. مما يعود بالسلب عليهم وعلى مجتمعاتهم.. هذه المعوقات التي نقصدها هي عوامل الانحراف عند الشباب.. وقد تنوعت هذه المعوقات (داخلية وخارجية) وتعددت مصادرها وأسبابها بحيث من أفلت من أحدها وقع في حبائل غيرها، والمعصوم من عصمه الله. ومن أهم هذه الأسباب:
الفراغ:
روى الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ".
فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الفراغ نعمة في حق العبد إذا استعمله فيما يعود عليه بالنفع في دنياه وأخراه، أما إذا لم يغتنمه الشاب تحول من نعمة إلى نقمة، ومن منحة إلى محنة، ويصبح شبحًا مخيفًا يحول الشاب إلى ألعوبة بيد شياطين الجن والإنس.
إن الشباب والفراغ والجدة.. ... ..مفسدة للمرء أي مفسدة
وقد قرر علماء النفس والتربية في الغرب أن فراغ الشباب في تلك البلاد يعد واحدا من أكبر أسباب الجرائم فيها. وأجمعوا على أن الشاب إذا اختلى بنفسه أوقات فراغه وردت عليه الأفكار الحالمة، والهواجس السارحة، والأهواء الآثمة، والتخيلات الجنسية المثيرة، فلا يجد نفسه الأمارة إلا وقد تحركت وهاجت أمام هذه الموجة من التخيلات والأهواء والهواجس، فيتحرك لتحقيق خيالاته مما يحمله على الوقوع في كثير مما هو محظور.
وليس هذا مما ينفرد به شباب الغرب بل هو مما يشترك فيه شباب الدنيا بأسرها؛ ولذلك كان اغتنام أوقات الفراغ قبل الانشغال، واستغلال زمان الشباب قبل الهرم، والصحة قبل المرض، والحياة قبل الممات، من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته.
ورحم الله عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة".
التفكك الأسري:
الأسرة هي المحضن الذي ينبت فيه الشاب ويترعرع في كنفه، ولتأثيرها وضوح في صقل شخصية الشاب واكتمال شخصيته. والوالدان يعتبران القدوة الفعالة في نفس الشاب، فكما يعودانه يعتاد، وكما يعلمانه يتعلم، إن كانا صالحين نشأ صالحًا، وإن كانا فاسدين نشأ فاسدًا
وينشأ ناشئ الفتيان منا.. ... ..على ما كان عودُه أبوه
والتفكك الأسري من أكبر الأسباب التي تدفع إلى انحراف الشباب، فإذا وجد الشاب والفتاة أن الأبوان دائما الخلافات، فالأم في ناحية والأب في ناحية أخرى، أو أن الأب لا يأبه للبيت ولتربية أولاده.. فكل هذه الأمور تتسبب في القلق النفسي عند الطفل، ويشب على هذا القلق ثم يتجه إلى الانحراف من شرب للخمور، أو المخدرات لينسى مجتمعه الصغير "الأسرة" ويبحث له عن رفقة خارج الأسرة يكوّن بها مجتمعا آخر لعله يجد فيه ما لم يجده في أسرته. وهذه الرفقة لها دورها في تشكيل هذا الشاب صلاحا أو عكسه؛ كما سنبينه في العنوان التالي.
الرفقة السيئة:
لا شك أن الرفقة تقع في قاعدة الحاجات الاجتاعية فكل إنسان يحتاج الرفقة، لأن الرفقة حاجة نفسية متأصلة في النفس البشرية من يوم يبدأ يدرك ويفهم ما يدور حوله، فإذا صلحت الرفقة صلح الإنسان وإذا حدث العكس فسد الإنسان، ولذلك كان التوجيه النبوي في اختيار الأصدقاء والرفقاء في قوله عليه الصلاة والسلام : [مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك : إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة](متفق عليه)
فإذا صاحبت خيّراً حيا قلبك، وانشرح صدرك، واستنار فكرك، وبصّرك بعيوبك، وأعانك على الطاعة، ودلّك على أهل الخير.
وجليس الخير يذكرك بالله، ويحفظك في حضرتك ومغيبك، ويحافظ على سمعتك، ومجالس الخير تغشاها الرحمة وتحفّها الملائكة، وتتنزّل عليها السكينة، فاحرص على رفقة الطيبين المستقيمين، ولا تعد عيناك عنهم، فإنهم أمناء.
والحذر كل الحذر من رفيق السوء، فإنه يُفسد عليك دينك، ويخفي عنك عيوبك، يُحسّن لك القبيح، ويُقبّح لك الحسن، يجرّك إلى الرذيلة، ويباعدك من كل فضيلة، حتى يُجرّئك على فعل الموبقات والآثام، والصاحب ساحب، فقد يقودك إلى الفضيحة والخزي والعار، وليست الخطورة فقط في إيقاعك في التدخين أو الخمر أو المخدرات، بل الخطورة كل الخطورة في الأفكار المنحرفة والعقائد الضالة، فهذه أخطر وأشد من طغيان الشهوة؛ لأن زائغ العقيدة قد يستهين بشعائر الإسلام، ومحاسن الآداب، فهو لا يتورع عن المناكر، ولا يُؤتمن على المصالح، بل يُلبس الحق بالباطل، فهو ليس عضواً أشل، بل عضو مسموم يسري فساده كالهشيم في النار.
وفي الأثر: "إياك وقرين السوء فإنك به تُعرف".
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وإن كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
التأثير السلبي للإعلام:
إن للإعلام تأثيرا سلبيا على عقول الناس جميعًا كبيرهم وصغيرهم وقد تنوع الإعلام بين مرئي ومسموع كلها تقصف العقول قصفا وتخاطب غرائز الشباب خطابا مشبوبا، أججت معه العواطف وأثارت مكنونات النفوس وعرضت نماذج للقدوات غير صالحة مما أثر في شخصية الشباب، حتى أخذ كثير من الشباب يشكل ثقافته وشخصيته بالطريقة التي يحبها ويهواها.
والإعلام بشكل عام سلاح ذو حدين من الممكن أن يكون نافعًا للشاب، ومن الممكن أن يكون عاملاً من عوامل الانحراف، ولكن المشاهد في الواقع هو أن ماتعرضه وسائل إعلامنا بداية من أفلام الكارتون إلى الأفلام والمسلسلات الأجنبية البوليسية، أو الإثارة أو الرعب، مع التفصيل في مواطن الانحراف كالرقص والزنا وشرب المخدرات وجرائم السرقة، كل هذا ما هو إلا طريق للانحراف الفكري والسلوكي لدى شبابنا.
البيئة المحيطة بالشباب:
للبيئة تأثير خاص في الإنسان، فالإنسان كما يقال ابن بيئته، فإن تربى في بيئة تعتز بالفضيلة والأخلاق الحسنة، صار الإنسان يعتز بالفضيلة والأخلاق، وإن عاش في بيئة موبوءة بالسموم الأخلاقية والفكرية، أصبح كذلك، فالإنسان يؤثر ويتأثر.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه" والنفس الإنسانية قابلة للخير والشر، وعندها استعداد للاستقامة أو الانحراف والبيئة هي التي تعزز ذلك وتيسره
هي الأخلاق تنبت كالنبات.. ... ..إذا سقيت بماء المكرمـات
تقوم إذا تعهــدها المربـي.. ... ..على ساق الفضيلة مثمرات
وأكبر الأخطار على الشاب أن يعيش في بيئة يشوبها القلق والاضطرابات النفسية والسلوكية، سواء كانت بيئة البيت أو بيئة الشارع، فكل يؤثر في مجاله، لذلك يرى كثير من المربين: أن الإنسان منذ مراهقته يجب أن يهيأ له جو صالح في البيت أولاً ثم خارجه في المدرسة والشارع لأنه حتمًا سوف يتأثر بما يختلط به ويعايشه والبيت، والمدرسة، والشارع هي المحيط والبيئة التي تستغرق أكثر حياة الإنسان، فإذا صلحت هذه الأماكن صلح الإنسان.
هذه كانت بعض العوامل التي تساعد على انحراف الشباب، ذكرناها للتنبيه على خطرها والتصدي لمعالجتها ولينتبه أخواننا الشباب والمربون لها.. ونسأل الله لنا ولإخواننا الشباب الحفظ والسلامة.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ساحة النقاش