الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
في ظل اهتمام الحضارة المعاصرة بالناحية الجسدية من الإنسان، وبسبب ضغط الواقع المادي الذي يعيشه أكثر الناس اليوم، ولضعف صلتهم بربهم وطاعتهم له.. انتشرت ظاهرة غريبة في حياة المسلمين ألا وهي: ظاهرة الملل والسآمة، والشعور بالضيق والضجر.. والتي أصبح لها وجود نسبي يقل ويكثر لدى الكبير والصغير، والذكر والأنثى، وصار كل واحد منهم يعبر عنها بأسلوبه الفريد، وطريقته الخاصة.

مظاهر هذه الآفة

ولعلنا إذا تأملنا بعض التصرفات والسلوكيات التالية رأينا أن من أسباب التعلق بها والإدمان على بعضها، ما يعيشه أحدهم من آثار تلك الظاهرة الجديدة.. وذلك من مثل:
1- سماع الاغاني والموسيقى.
2- ممارسة عادة التدخين.
3-التفحيط والتسكع في الشوارع والأسواق.
4- مشاهدة القنوات الفضائية والإدمان عليها .
5-الهروب يومياً إلى الاستراحات مع الزملاء والأصدقاء.
6- كثرة النوم وحب الراحة والكسل.
7-العزوف عن القراءة الجادة إلى قراءة الجرائد والمجلات الهابطة.
8- الثرثرة بالهاتف من غير فائدة أو للإساءة للآخرين.
9- إهمال الطالب مذاكرة دروسه وضعف الاستعداد للاختبارات.
10-الإسراف في ممارسة الرياضة وقراءة جرائدها ومجلاتها.
11- كثرة الأسفار والرحلات للترفيه البريء وغير البريء.
12-الانصراف عن العمل الجاد والمثمر بأي أسلوب وطريقة.
إلى غير ذلك من العلامات التي تدل على وجود هذه الظاهرة.

من آثار هذا الظاهرة

وقد يستهين البعض بأمر هذه الآفة، ويرى أنها أمر لا مناص من الإنفكاك عنه ولا علاج لها، إضافة أنه ليس لها ذلك الأثر الذي يستحق الحديث عنه. ولكن لو بحث أحدهم بكل صدق وموضوعية عن آثارها السلبية في عدد من جوانب حياته لرأى أن لها آثارا كثيرة، نذكر منها أربعة:


أولاً: ضياع كثير من الخير والطاعة

وذلك أن الذي يشعر بالملل والسآمة والضيق والضجر، تراه لا يستطع القيام إلا بالواجبات من دينه فقط، وعلى تقصير وتفريط فيها، أما غيرها من نوافل الطاعات وأبواب الأجر والثواب، كالمحافظة مثلاً على السنن والرواتب، أو القراءة المفيدة، أو القيام بواجب الدعوة أو غير ذلك، فإنك سترى حجته في عدم إتيانه بها والمحافظة عليها أنه ليس له فيها مزاج أو أنها سنة فقط ولكن تجده بالمقابل عندما تتهيأ له برامج الترفيه والتسلية، ومناسبات الطعام والشراب فإنه يكون أول المسارعين والمشاركين فيها، بل والغاضبين إذا لم يدع. فانظر إلى آثار هذه الآفة على هذا الإنسان وكم فوتت عليه من مواسم الخير وأبواب الأجر؟

ثانياً: حدوث الفشل أو بعضه في تحقيق الآمال والطموحات

حيث إن هذه الآفة تجعل صاحبها ينصرف عن الجد والاجتهاد، والحرص والمتابعة، والاهتمام بتحقيق كثير من الطموحات العلية التي يسعى لها كل إنسان فمثلاً: إن كان طالباً قصر في دراسته، وإن كان موظفاً أهمل في أداء واجبه، وإن كانت زوجة فرطت في حق زوجها وأولادها وبيتها..

 
وهكذا تتساهل فئات كثيرة من المجتمع المصابة بهذا الداء عن الأخذ بأسباب النجاح والتفوق الدنيوي في وقته، ويكسلون عن البذر والزرع في أوانه، منشغلين عن ذلك باللهو والترفيه لهذه النفس المضطربة، موسعين صدورهم بما لا يجدي ولا ينفع من البرامج، فإذا جاء زمن الحصاد وقطف الثمار لم يجدوا شيئاً، أو حصلوا على ثمرة رديئة، أو معدلاً منخفضاً، لا يؤهلهم للمستوى الذي يطمحون إليه، ولا للمستقبل الذي يتمنونه، وعندها يشعرون بشيء من الحزن والأسى، عندما لا ينفعهم ذلك لفوات وقته.

ثالثا: خسارة العمر والمال

فالذي يعيش هذه الحالة تجد أن همه وتفكيره أن يرفه عن نفسه باستمرار، ويضيع وقته بأي عمل، فما تحين أية فرصة من ساعات، أو أيام من إجازة إلا وتجد تفكيره منصبا فقط في استغلالها بتلك البرامج الترفيهية والممارسات اللامسؤولة، بغض النظر عن أنها ستقطع جزءاً من عمره فيما لا طائل تحته، أو أنها لن تنفعه أو تنفع أمته بوجه من الوجوه، المهم الترفيه وكفى!!


ليس معنى هذا أن نحجر على واسع، أو نحرم شيئا أحله الله، ولكن نقول: إن هناك فرقاً بين إنسان ضيع كثيرأ من عمره وأيامه التي هي رأس ماله في هذه الحياة ببرامج الترفيه في البر والبحر، والتمشيات والسفريات، والقيل والقال، والذهاب والإياب، وأنفق الكثير من المال في تنفيذ وملاحقة تلك البرامج التي ليس لها كثير فائدة.


وبين إنسان يفكر في الطموحات الأخروية، والأعمال الباقية بعد موته، ويهتم بإصلاح نفسه وإصلاح أمته، ويجتهد لذلك غاية الاجتهاد بحفظ وقته وماله وجوارحه، ما بين علم إلى عمل، ومن دعوة إلى عطاء، ومن صدقة إلى إحسان، ومن تعاون إلى تكافل، ومع ذلك لم يضيق على نفسه بما أباح الله -كما يتصور أولئك الجاهلون- إنما أعطاها من الترفيه قدر حاجتها وما يعينها على القيام بتلك الواجبات والطاعات، مع احتساب نية الأجر والعبادة في كل ذلك.

رابعا: الوقوع في المعاصي والذنوب

وقد يصل بضغط هذه الآفة النفسية عند هذا الإنسان وما يشعر به من ضيق وملل أن يفكر في إزالة هذه الحالة والتخفيف من معاناته بأية طريقة وأسلوب، حتى ولو كانت عن طريق ارتكاب المحظور وفعل الحرام، بحجة أن المباح لا يكفيه ولا يحقق له ما ينشده من سعادة وطمأنينة! فتجده مثلأ يقع في سماع الأغاني والموسيقى، ومشاهدة القنوات الفضانية، وشرب الدخان والشيشة، ومصادقة الصحبة المنحرفة، وممارسة الفواحش والمنكرات، إلى أن يصل به ذلك إلى استعمال المخدرات وترك الصلاة -نعوذ بالله من ذلك-. وهكذا ينحدر من سيئة إلى سيئة أسوأ منها، كل ذلك حدث لأنه لم يفكر جدياً بعلاج هذه الآفة في بدايتها بالطرق الصحيحة والأساليب السليمة التي تتفق مع الدين والعقل، وإنما تساهل في صدها إلى أن أوصلته إلى هذه الآثار السيئة.


من وسائل العلاج

أما علاج هذه الظاهرة فهو موجود ومتيسر لمن يريده، وعزمت عليه نفسه بكل جدية، إذ لا يكفي للإنسان أن يكون راغباً في العافية، متمنياً للخلاص، دون أن يفكر باتخاذ حياله الخطوات العملية، والإصلاحات الجذرية، خاصة وأن هذه الوسائل مرتبط نجاحها وظهور آثارها بالأخذ بالوسائل الأخرى كذلك.. أي: أن يعود المسلم إلى حظيرة إسلامه ودينه وأن يطبقه تطبيقاً كاملاً في كل مجالات حياته: عقيدة وعبادة، سلوكاً ومنهاجاً، وفكراً وشعوراً، وما لم يحقق تلك العودة الكاملة، فإن أي خطوة في هذا المجال لن تؤتي ثمارها بالصورة المرجوة.. لهذا فإن من وسائل العلاج:


أولا: تحديد الهدف

ولعل هذا الأمر من أهم وسائل العلاج، إذ أن غالب الذين يشعرون بآفة الملل أصيبوا به بسبب أنهم حصروا هدفهم في هذه الحياة على الجوانب المادية منها، فحين تسأل أحدهم: ما هدفك في الحياة؟

 

 يجيبك بأن هدفه وأمنيته أن يكون مهندساً أو ضابطاً أو أستاذاً أو ذو مال كثير أو وظيفة عالية، أو غير ذلك من الأهداف الدنيوية، أو الطموحات الذاتية، أو أن تجد أحدهم قد حصر هدفه على جزء قليل من العبودية والطاعة لله، أما المساحة الكبرى من حياته والأعمال الكثيرة التي يؤديها فقد أخرجها من عبودية الله إلى عبودية نفسه وهواه وشيطانه وما يبتغي من محرمات ومنكرات، فانقلبت بهذا المفهوم الوسائل من مال ووظيفة وزوج وولد إلى أهداف كبرى في هذه الحياة.

 

 وأما طاعة الله وعبوديته وهي الهدف من خلق الإنسان فقد انقلبت عنده إلى وسيلة ثانوية غير مهمة، لهذا فإن أول شرط مطلوب توفيره للتخلص من هذا المرض وكل آفة نفسية أن يجعل المسلم هدفه وغايته في هذه الحياة عبادة الله وطاعته بمفهومها الشامل وليس الجزئي أو الضيق، وذلك بأن يضبط حياته ضمن دائرة لا تخرج عن حدود أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يفعل ولا يقول ولا يأخذ ولا يعطي، ولا يحب ولا يكره، إلا ما كان لله ويرضيه على وفق شريعته وسنة رسوله، وعندها سيجد بإذن الله للحياة طعم، ولوجوده قيمة، وسيذهب عنه كل ما يجد من شعور بالملل والسآمة في مختلف عموم حياته، ولا نقول كلها؛ إذ أن المسلم لابد وأن يصيبه شيء من الهم والحزن، أو الضيق والملل كما يصيب غيره من البشر، ولكنه يتميز عن غيره بأن تلك الحالات لا تمر عليه إلا لفترات قليلة وقصيرة، وأنه كذلك يحتسب الأجر والثواب وتكفير الذنوب والسيئات على كل ما يصيبه حتى الشوكة يشاكها، كما جاء في الحديث.



ثانيا: القيام بالواجبات على الوجه المطلوب

كل مسلم حقيقة لا ادعاء تجده ولله الحمد يؤدي واجباته الإسلامية ولا يترك منها شيئاً سواء كانت الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج، أو غيرها من أركان الإيمان وبقية الواجبات، ولكن عندما ينظر الواحد منا في كيفية أدائه لهذه الواجبات يلحظ على نفسه أنها ليست على الوجه المطلوب ويعتريها شيء من النقص والخلل. ومن أهم الأمثلة على ذلك شعيرة الصلاة التي أصبح البعض إما مضيع لوقتها، فهو يؤديها متى استيقظ من نومه خصوصاً (الفجر والعصر)، أو فرغ من عمله أو انتهى من لهوه ولعبه.

 

 وإما مضيع لجوهرها وحقيقتها فهو يؤديها بلاروح، قياماً وقعوداً وركوعاً وسجوداً، لا يعرف ولا يعقل ماذا قرأ في صلاته ولا ماذا قرأ إمامه، يشعر أنها حمل ثقيل، وأشغال شاقة يريد التخلص منها. فإذا كانت الصلاة معك بهذا الوضع فلا تستغرب أن تشعر بشيء من الملل والسأم فهذا شيء من عقوبة الله للمقصر، والمخرج من ذلك أن تعيد النظر في عمود دينك بالمحافظة على إقامتها في وقتها مع الجماعة وأدائها على الوجه الأكمل، خشوعاً وطمأنينة، وتدبراً لمعاني قراءتها ، وتضرعاً وتذللاً ودعاءً لله سبحانه وتعالى لعل الله أن يقبلها كاملة منك لا أن ترد عليك، أو لا يقبل منها إلا القليل، نعوذ بالله من الغفلة والخذلان.

ثالثا: المنافسة في الطاعات والقربات

وحتى يزداد المسلم إيمانا ويكفيه الله شر هذه الآفة الضارة، ويحصل على سعادة الدنيا والفوز بالنعيم المقيم في الآخرة فإنه حري به ألا يكتفي بالواجبات المفروضة عليه فحسب، وإنما المطلوب أن يسارع في القيام بما يقربه إلى الله ويحببه إليه ويرضيه عنه، لأن القلب إذا اتصل بربه وامتلأ بمحبته والخوف منه، لم يعد للأوهام والأحزان والقلاقل موضعاً فيه، وعلى قدر حرص المسلم على الطاعات والإكثار منها على قدر ما يفوز المؤمن بجنة الله في أرضه ألا وهي رياض الأنس والطمأنينة والسعادة كما عبر عنها أحد الصالحين حينما قال: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف".


ولعل من أهم الطاعات والقربة التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها يومياً كمرحلة أولية لزيادة الإيمان وتخطي هذه العقبة ما يلي:


ا - المحافظة على السنن الرواتب، وهي عشر أو اثنتا عشر ركعة، فمن حافظ عليها بنى الله له بيتا في الجنة كما جاء في الحديث.
2- الالتزام بقراءة نصيب من القرآن الكريم، إما أربع، أو ست، أو عشر صفحات، ولا يتركه مهما كانت المشاغل، ويحرص على أن يزيده كل شهر صفحة بحيث يصل إلى قراءة جزء كامل يومياً.
3- صلاة الوتر ولو ركعة واحدة في المسجد.
4 - صلاة الضحى.
5 - صيام الأيام الفاضلة كست من شوال، وعاشوراء، وعرفة، ويومي الاثنين والخميس.
6- الصدقة بين فترة وأخرى ولو بالقليل.

رابعاً: الابتعاد عن الذنوب والمعاصي

الذنوب في حياة المسلم كالحيات والعقارب تنفث سمومها القاتلة، وأمراضها الفتاكة وهو لا يشعر إلا بشيء من آثارها المؤلمة وثمارها المرة كحصول الهم والقلق، والملل والسآمة، وحرمان الرزق، ونقص البركة في العمر والملل إلى غير ذلك.

خامسا: التحصن بالأذكار والأدعية

وهذا أمر مهم لكل مسلم عامة، ولمن يعيش تلك الآفة النفسية خاصة، لأن الأخذ بها من أسباب الحصول على الراحة النفسية والطمانينة القلبية، قال الله تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب}. إذاً، فلأجل أن يتعافى المسلم مما أصابه، أو يسلم منها ابتداءً ممن لم يقع فيها، عليه أن يتحصن بعدد من الأذكار والأدعية المشروعة في اليوم والليلة ولا يتهاون في الأخذ بها، لأن فيها الأجر العظيم، والحصن المنيع لجملة كبيرة من الأمراض النفسية التي يعيشها كثير من الناس اليوم.


ومن أهمّ الأذكار :

1 - أذكار الصباح والمساء.
2- أذكار الأحوال والمناسبات كدعاء النوم والاستيقاظ ، ودخول البيت والخروج منه.
3- أذكار ما بعد الصلوات الخمس.
4- النفث على الجسم عند النوم ثلاثاً بقراءة سورة الإخلاص والمعوذتين.
5- ذكر التهليل مائة مرة.
6- قراءة الآيات والأدعية المعروفة (بالرقية الشرعية).
7- كثرة الدعاء والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى بأن يخلصك، من هذه الآفة ومن كل شر ومصيبة.

سادسا: ملء الوقت بما يفيد من الأعمال

يمكن تشبيه القلب في وظيفته بالمصباح الزجاجي يضيء ما دام مغلقاً، فإذا انكسر! ودخله الهواء أفسد عليه تركيبه وتكوينه، وعندها ينطفىء المصباح أسرع ما يكون.


وهكذا القلب فإنه يؤدي دوره ويطمئن ويهدأ ما دام مغلقا، فإذا دخله الهواء والفراغ وانفتح على المعاصي والآثام وتعلق بغير الله احتوته الهموم والقلاقل والضنك والأحزان. لهذا كان من طرق العلاج أن لا يعيش الإنسان في فراغ مطلقاً، وإنما يحرص على ملء وقته بالبرامج والأعمال التي تعود عليه بالخير والنفع في أخراه ، أو يساعده ويطوره للنجاح في دنياه، رابطاً كل ذلك بالهدف والرسالة التي من أجلها خلقه الله، حريصاً على القيام بالواجبات، منافساً في الطاعات والقربات، وهو متى فعل ذلك سيجد أن أبواب العمل والبذل والعطاء أكثر من أن تحصى، وأن وقته سيضيق عن الإتيان بها كلها، وعندها لن تراه يسأل: ماذا أعمل؟ أو لأجل ماذا أعمل؟ أو أن يعمل أعمالأ أقرب إلى اللهو والعبث منها إلى الجد والفائدة، ويدعي أنه مشغول وهو ليس كذلك.


أما نماذج الأعمال التي يحسن بالمسلم أن يختار منها ما يناسب ظروفه ليملأ بها وقته فعلى النحو التالي :
ا- حضور دروس أهل العلم ومجالسة العلماء وزيارتهم.
2- القراءة والاطلاع في كتب التراث العلمية أو الكتب المعاصرة، ومتابعة أحوال العالم الإسلامي من خلال المجلات المختصة الجادة.
3- الالتحاق بحلقات تحفيظ القران الكريم تجويده في بعض المساجد، دارساً أو مدرساً.
4 - الدخول في ميادين تجارية وأعمال مهنية مدروسة ليستفيد منها ويفيد.
5 - الزيارات الهادفة وصلة الرحم للأقارب والأرحام والأصدقاء.
6- المشاركة في الأنشطة الخيرية والأعمال المفيدة للمجتمع، مثل جمعيات البر، ومكاتب الجاليات، ومؤسسات الإغاثة والدعوة وغيرها.
7- الالتحاق بالدورات الفنية والبرامج العلمية التي تقام في بعض الجهات والمصالح لاكتساب خبرات إدارية ومهارات شخصية.
8- ممارسة الرياضة البعيدة عن المحرمات وما ينافي الأخلاق.
9- تعلم الحاسب الآلي والاستفادة من برامجه العلمية، واستغلاله في الدعوة إلى الله.. إلخ.

سابعاً: العيش في بيئة صالحة

ما أحسنَ قول من قال إن أهمية البيئة الصالحة للمسلم في هذا العصر كأهمية توفير الأرض الخصبة، والحرارة المناسبة، والتغذية الجيدة لبعض النباتات والأشجار، فإذا لم يتوفر لها هذه العناصر فإما أن يكون مصيرها إلى التلف، وإما أن تخرج ثمارها ضعيفة.


وهكذا إذاً المسلم في هذا العصر بحاجة ماسة إلى هذه البيئة الصالحة التي تعينه على تطبيق مبادىء ومثل الإسلام بالصورة الكاملة، وتساعد على القيام بالكثير من الواجبات والطاعات، وتكون سبباً في ثباته واستقامته، وتزيل عنه ما يعيشه أكثر الناس اليوم من الهم والحزن، والملل والقلق. لأجل أهمية هذه الأهداف فإن عليه أن يبحث عنها كما يبحث عن الماء البارد في قائلة الصيف أو أشد، لأنه بها ومعها يكسب خيرات كثيرة ومصالح عدة في دينه ودنياه وبدونها يقع في خسائر لا تعد ولا تحصى، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتمسك بها والحرص عليها وهو النبي المعصوم، فنحن المساكين التي تحيط بنا الفتن من كل جانب أولى بهذه الدعوة، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

 

ولكن من المسلمين من ليست الصحبة الصالحة على باله وليس لها موضع في اهتمامه وتفكيره بحجة أنه يعرف مصلحة نفسه وفي غنى عنها مادياً أو معنوياً. ومنهم من تجده العكس يعيش مع صحبة وأصدقاء يكاد لا يفارقهم ولا يفارقونه، غير مبال أن يكونوا صالحين أو طالحين. وهذا وذاك كلاهما على خطأ، لأن المطلوب أن يكون الإنسان اجتماعياً وإذا أراد أن يكون له صحبة عليه أن يختارها بعناية وشروط دقيقة حتى ينتفع بها في كل جانب من جوانب حياته لا أن تكون العكس سبباً في إفساد خلقه، وتمييع دينه وتضييع مستقبله، وإصابته بالهموم والأحزان، وعض أصابع الحسرة والندم كما هو وضع بعض من وصلت بهم إلى السجون والزنازين المظلمة نعوذ بالله.

ثامنا: القيام بواجب الدعوة والإصلاح

وإن إشغال النفس، بواجب الدعوة والإصلاح للناس لهو كفيل بإذن الله تعالى بإسعاد القلب، وطمأنينة النفس، وإزالة ما تشعر به من تلك الهموم التي يشعر بها كثير من الفارغين عن مثل هذه الهموم الدعوية، ومن تقتصر اهتماماتهم وتفكيرهم حول أنفسهم وحاجاتهم الذاتية، وملذاتهم الخاصة، ومستقبلهم الدنيوي.


إذ الداعية يكسب بهذه الوظيفة الاستجابة لأمر الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، ويكسب طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم القائل: «بلغوا عني ولو آية» و «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم»، وأكرِم بهما من طاعة واستجابة، وينشغل برسالة الأنبياء، أشرف مهمة، وأكثرها أجراً بعد إصلاح النفس وتزكيتها. أما أولئك الناكصون والمقصرون عن القيام بهذه الرسالة بحجة جلب الراحة لأنفسهم، وقطع التفكير في قضايا وأمور هم في غنى عن الانشغال بها، فمع ما هم عليه من إثم لتخلفهم عن طاعة ربهم ورسوله ، فهم يعيشون في فراغ قاتل وملل وهمّ، ولا يعلم مقداره إلا الله، فأين أرباح ما هربوا منه بالمقارنة إلى خسارة ما وقعوا فيه؟


فيا من تريد السعادة، ولذة العيش، وامتداد العمر بعد الموت، إن الطريق إلى ذلك سهل وميسور، ومن أفضلها طريق الدعوة الذي لا يتطلب منك أن يكون لديك العلم الكامل، والفقه الشامل بأمور الدين كلها، كلا؛ إنما يكفي أن تبلغ غيرك ما لديك من علم وأحكام، بالأسلوب الحكيم والطريقة الجذابة، وأن تحمل هذا الهم والحرص عليه في أي مكان وزمان، سواء عبرت عنه بالكلمة الطيبة، أو النصيحة الصادقة، أو القدوة الحسنة، أو إهداء الكتاب والشريط المناسب، أو الدلالة على الخير، أو غير ذلك مما له الأثر الفعال، والثمرة المرجوة.

تاسعا: الصبر والشجاعة في مواجهة الأقدار

يتصور كثر من الناس -خاصة الشباب- أن الحياة يجب أن تمتلىء جنباتها دائماً بالسعادة والسهولة، والاجتماع والأنس، والتفوق والنجاح، والصحة والسلامة، والغنى والرفاهية، إلى غير ذلك من الأمنيات التي يتمناها كل إنسان في هذه الحياة، لهذا ترى أحدهم إذا أصيب بعكس ما يتوقعه من أحلام: أصابه الملل والضجر، وحزن وتسخط، متناسياً أن الله جبل هذه الحياة على شيء من المشاق والمصاعب، والآلام والمتاعب، وحكمته في ذلك ليكون دافعاً للإنسان أن يزهد في هذه الدار الفانية، وأن يعلق قلبه بالآخرة، وما فيها من لذة النظر إلى وجه الله الكريم، والفوز بالجنة، دار النعيم، والراحة والطمأنينة الأبدية. أما الإنسان ذو الإيمان القوي فتجده عندما يصاب بأي مصيبة سواء كانت عائلية، أو نفسية، أو صحية، أو مالية، أو دراسية، أو غيرها، فإنك تراه صابراً عليها، مستسلماً لها من الجانب القلبي (المعنوي ) ويحمد الله تعالى عليها، أنها لم تكن في دينه إنما في دنياه، وأنها ليست أكبر من هذه الواقعة التي حصلت، ولأنه يرجو ثوابها من الله، ولأمله في الفرج والمخرج منها قريباً. لذا فهو مطمئن القلب، هادىء الضمير، راض بقضاء الله وقدره، بل إنه ينظر إليها من زاوية أخرى، إذ يتوقع أن تكون قد حدثت بسبب ذنوبه وتقصيره في حق الله تعالى، فيكثر عند ذلك من التوبة والاستغفار، ويلح في العودة إلى ربه، وهذا خير كثير، ومكسب عظيم، فتكون مفتاحاً وسبباً لمستقبل دنيوي وأخروي أفضل.

عاشراً: الترويح الهادف

ولعل من الطرق الناجعة لعلاج هذا الملل هو: الترويح عن النفس بالأساليب المباحة وفي الأوقات والأمكنة اللائقة. لأن البعض إما أنه لا يعرف شيئا اسمه الترويح والاستجمام بحجة ارتباطه بأعماله الدائمة، فينتج عنه أن تمل نفسه وتضيق.


وإما أن تجده حريصاً على الترويح والاستجمام والإكثار منه، حتى أفقده متعته، وأصبح بالنسبة له شيئاً مملاً، وممارسة روتينية، وذلك تركيزه وأمثاله في ترويحهم على جانب واحد أو جانبين وهما جانب النفس والجسم، فتراهم يتقلبون في برنامجهم ما بين ملاعب الكرة وأنواع الرياضة، إلى موائد الأكل والشرب، إلى مجالس الكلام والضحك، ولا شيء غير ذلك من البرامج المفيدة الأخرى هذا إذا لم يتجاوز تريحهم إلى ممارسة الحرام وقوله وسماعه.

والعجب أنهم رغم كثرة ما ينفق هؤلاء من الأموال والأوقات والجهود، ويبذلون من التعب والنصب لأجل ذلك المتعة، إلا أنهم مع ذلك كله وبسبب ارتكاب المعاصي والمنكرات يعود بعضهم وقد ضاقت نفسه، وحزن قلبه، وشعر بالمهانة والاحتقار من بعضهم ، بالإضافة إلى تحمله الكثير من الآثام.
فالترفيه الهادف هو الذي لا يتجاوز حدود المباح في عرف الشرع وليس في عرف الناس، وهو الذي يشبع حاجات الناس الرئيسة بكل تكامل وانسجام، ويعطي كل جانب فيه من الإهتمام والعناية، ومن أهم تلك الجوانب: الجانب العلمي، والإيماني، والعقلي، والجسمي، والنفسي.. فإذا أعطى كل من هذه الجوانب نصيبها - خصوصاً في أوقات الترويح الطويلة - فإن الهدف المرجو بإذن الله يتحقق وذلك من مثل: تجديد النشاط، وإزالة الملل، والشعور بالأنس والسعادة، وغير ذلك من الأهداف الأخرى التي يعرفها من جرب هذا الترويح الهادف.

mkhaled

أدع من أستطعت فوالله لأن يهدى الله بك رجل واحد خير لك من حمر النعم

  • Currently 63/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 174 مشاهدة
نشرت فى 3 سبتمبر 2010 بواسطة mkhaled

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

503,834