عتاب القلب والعين

إن الغرائز والميول العاطفية هو شيء فطرى لايمكن ضبطه ولا يمكن كبته
إن الاسلام أمرنا بضبط هذه الغرائز وليس بكبتها وانما بتصريفها بنظام أخلاقي وشرعي
ده رائعة من روائع العــلامة (ابن القيم الجوزى) من كتاب (روضة المحبين ونزهة المشتاقين)
عتاب القلب والعين
لما كانت العين رائدا والقلب باعثا وطالبا ،
وهذه لها لذة الرؤية وهذا له لذة الظفر ، كانا في الهوى شريكي عنان.
ولما وقعا في العناء واشتركا في البلاء أقبل كل منهما يلوم صاحبه ويعاتبه.
فقال القلب للعين
أنت التي سقتني إلى موارد المهلكات ، وأوقعتني في الحسرات بمتابعتك اللحظات
ونزهت طرفك في تلك الرياض وطلبت الشفاء من الحدق والأمراض.وخالفت قول أحكم
الحاكمين (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (النظر إلى المرأة سهم
مسموم من سهام إبليس ، فمن تركه خوف الله عز وجل أثابه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه) رواه الإمام أحمد.
وفى حديث اخر قال الرسول صلى الله عليه وسلم
(نظر الرجل في محاسن المرأة سهم من سهام إبليس مسموم ،فمن أعرض عن ذلك السهم أعقبه الله عبادة تسره)
فمن الملوم سوى من رمى صاحبه بالسهم المسموم ؟
أو ما علمت أن ليس شيء أضر على الإنسان من العين واللسان؟
فما عطب أكثر من عطب إلا بهما ،وما هلك أكثر من هلك إلا بسببهما.
فكم من مورد هلكة أورداه ، ومصدر رديء عنه أصدراه
فمن أحب أن يحيا سعيدا أو يعش حميدا فليغض من عنان طرفه ولسانه ليسلم من الضرر
فإنه كامن في فضول الكلام وفضول النظر وقد صرح الصادق المصدوق بأن العينين تزنيان
وهما أصل زنى الفرج ، فإنهما له رائدان ، وإليه داعيان وقد سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن نظرة الفجأة فأمر السائل أن يصرف بصره، فأرشده إلى ما ينفعه ويدفع عنه ضرره .
أوما سمعت قول العقلاء : من سرح ناظره، أتعب خاطره، ومن كثرت لحظاته، دامت حسراته،
وضاعت عليه أوقاته، وفاضت عبراته.
وقول الناظم :نظر العيون الى العيون هو الذي جعل الهلاك الى الفؤاد
ما زالت اللحظات تغزو قلبه حتى تشحَّط بينهن قتيلا
تمتعتما يا مقلتي بنظرة وأوردتما قلبي أمر الموارد
أعينى كفا عن فؤادى فإنه من الظلم سعى اثنين فى قتل واحد.
فقالت العين
ظلمتني أولا وآخرا،وبؤت بإثمي باطنا وظاهرا،
وما أنا إلا رسولك الداعي إليك ورائدك الدال عليك،
فأنت الملك المطاع ونحن الجنود والأتباع أركبتني في حاجتك
خيل البريد ثم أقبلت علي بالتهديد والوعيد فلو أمرتني أن أغلق علي
بابي وأرخي علي حجابي،لسمعت وأطعت ولما رعيت في الحمى ورتعت،
أرسلتني في صيد قد نصبت لك حبائله وشراكه، واستدارت حولك فخاخه وشباكه
فغدوت أسيرا، بعد أن كنت أميرا، وأصبحت مملوكا بعد أن كنت ملكا
هذا وقد حكم لي عليك سيد الأنام وأعدل الحكام عليه الصلاة
والسلام حيث يقول
(إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهو القلب)
وقال أبو هريرة رضي الله عنه (القلب ملك والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث خبثت جنوده)
ولو أنعمت النظر لعلمت أنّ فساد رعيتك بفسادك وصلاحها ورشدها برشادك،ولكنك هلكت و أهلكت
رعيتك، وحملت على العين الضعيفة خطيئتك ، وأصل بليتك أنه خلا منك حب الله وحب ذكره
وكلامه وأسمائه وصفاته و أقبلت على غير هو أعرضت عنه، وتعوضت بحب من سواه والرغبة
فيه عنه هذا وقد سمعت ما قص عليك من إنكاره سبحانه على بني إسرائيل
استبدالهم طعاما بطعام أدنى منه، فذمهم على ذلك ونعاه عليهم
وقال (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)
فكيف بمن استبدل بمحبة خالقه وفاطره ووليه ومالك أمره،الذي لا صلاح له ولا فلاح، ولا نعيم
ولا سرور ،وفرحة ونجاة إلا بأن يوحده في الحب ويكون أحب إليه ممن سواه فانظر
بـ الله بمن استبدلت،وبمحبة من تعوضت ،رضيت لنفسك بالحبس في الحش وقلوب محبيه
تجول حول العرش.فلو أقبلت عليه وأعرضت عمن سواه لرأيت العجائب ولأمنت من
المتآلف والمعاطف،أو ما علمت أنه خص بالفوز والنعيم من أتاه بقلب سليم. أي سليم
ممن سواه،ليس فيه غير حبه واتباع رضاه.
قالت وبين ذنبي وذنبك عند الناس كما بين عماي وعماك في القياس.
وقد قال من بيده أزمة الأمور (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) الحج46

فلما سمعت الكبد تحاورهما الكلام وتناولهما الخصام قالت أنتما على هلاكي تساعدتما وعلى قتلي تعاونتما.

ولقد أنصف من حكى مناظرتكما وعلى لساني متظلما منكما يقول طرفي لقلبي هجت لي سقما والعين تزعم أن
القلب أنكـاها والجسم يشهد أن العين كاذبــة وهي التي هيجت للقلب بلواها لولا العيون وما يجنين
من سقم ما كنت مطرحا من بعض قتلاها فقالت الكبد المظلومة اتـئـدا قطـعتماني وما راقبـتما الله



ثم قالت أنا أتولى الحكم بينكما، أنتما في البلية شريكا عنان كما أنكما في اللذة والمسرة
فرسـارهان ،فالعين تتلذذ والقلب يتمنى ويشتهي ولهذا قال فيكما القائل ولما سلوت
الحب بشر ناظري لقلبي فقال القلب لي ولك الهنا تخلصت من إحياء ليلك ساهرا وخلصتني
من لوعة الهجر والضنا كلانا مُهنّأ بالبقاء فإن تعد فلا أنت يبقيك الغرام ولا أنا وإن لم
تدرككما عناية مقلب القلوب والأبصار وإلا فما لك من قرة ولا للقلب من قرار
قال الشاعر: فاوالله ما ادري نفسي الومها على الحب أم عيني المشومة أم قلبي
فإن لمت قلبي قال لي العين ابصرت وإن لمت عيني قالت الذنب للقلب
فعيني وقلبي قد تقاسمتما دمي فيارب كن عونا على العين والقلب
ثم ختمت الكبد بقولها والحاكم بينكما الذي يحكم بين الروح والجسد اذا اختصما بين يديه فإن في الأثر المشهور
لا تزال الخصومة يوم القيامة بين الخلائق حتى تختصم الروح والجسد فيقول الجسد للروح أنت التي حركتني
وأمرتني وصرفتني، والا فأنا لم أكن أتحرك ولا أفعل بدونك، فتقول الروح له وأنت الذي أكلت وشربت
وباشرت وتنعمت فأنت الذي تستحق العقوبة فيرسل الله سبحانه اليهما ملكا يحكم بينهما فيقول
مثلكما مثل مقعد بصير وأعمى يمشي دخلا بستانا فقال المقعد للأعمى أنا أرى ما فيه من الثمار
ولكن لا أستطيع القيام وقال الأعمى أنا أستطيع القيام ولكن لا أبصر شيئا فقال له المقعد تعال
فاحملني فأنت تمشي وأنا أتناول فعلى من تكون العقوبة؟ فيقول عليهما، قالت الكبد فكذلك
أنتما فمهما اختلف الزمان وتغير المكان فيظل الانسان هو الانسان لا فارق بين الاناث
والذكران، فقد اودع الله في كل منهما الغريزة والميلان، ان هما ضبطاها وهذباها كانا
كملائكة الرحمن، وان أطلقا لها العنان كانا أسوأ من الشيطان، ومصيرهما النيران ،
فلا تقل هي ولا تقولي هو بل قولا كما قال آدم وحواء
(ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)
ياريت كلنا سواء بنات او ولاد نغض البصر ونحفظ قلوبنا من الشهوات

 

المصدر: كلية حقوق الزقازيق
mkhaled

أدع من أستطعت فوالله لأن يهدى الله بك رجل واحد خير لك من حمر النعم

  • Currently 76/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
23 تصويتات / 149 مشاهدة
نشرت فى 11 أغسطس 2010 بواسطة mkhaled

ساحة النقاش

amr20101636
<h1 style="text-align: center;">جزاك الله خيرا</h1>

عدد زيارات الموقع

492,132