لماذا يكرهون الإسلام
يطالعنا الإعلام بين الحين و الآخر بصور متنوعة من الاستفزاز ضد ديننا الحنيف كان آخرها قرار منع المآذن في سويسرا .... وعلى الرغم من قيام دعاتنا وفضائياتنا الدعوية بتوجيه كافة طاقاتهم دفاعاً عن الإسلام و الرسول المصطفى ( صلّى الله عليه وسلّم ) إلا أن عملية الاستفزاز ما زالت على ما هي عليه من كرٍّ وفرّ ...
لماذا يكرهون الإسلام !! استوقفني هذا السؤال في أحد المنتديات وحُقَّ لسائله أن يستفسر عن هذا الأمر وهو يرى ويسمع كل يوم استفزازاتٍ لا يقبلها العقل والمنطق ، كما قرأتُ الإجابات التي وردت على سؤاله والتي خاضت في خلافات الأمويين وجرائم العبّاسيين وغيرهم فكانت ، هذه الإجابات ، كمن قاد عطشاناً إلى البحر ليشرب ثم أعادهُ بخُفّي حُنين و قد ازداد عطشاً ... مما دفعني للرد بجواب وسطي ، بحمد الله تعالى وفضله ، لا يُدخِلُ السائلَ في متاهات التاريخ ولا يخُرجه منه ، فتاريخنا لم يُكتب لنقف عليه مجرد قرّاءٍ ، بل لنأخذ منه العظة و العبرة لحاضرنا ومستقبلنا ....
إن لمسألة الكره و الحقد ضد الإسلام و المسلمين جذوراً قديمة العهد .... لهذا يجب أن نفرّق بين نوعين من البغض و الكره:
النوع الأول مصدره أعداء الإسلام الذين وجدوا فيه خطراً على مصالحهم و نفوذهم، ومنهم:
1. بنو إسرائيل الذين كانوا ينتظرون ظهور سيد محمد (صلى الله عليه و سلم) ليقتلوه كما كانوا يفعلون مع سائر أنبيائهم .... وقد روى التاريخ بكل مصادره عن حكايات غدرهم مع نبينا الكريم و صحابته الكرام ....
2. المنافقون بزعامة أُبيّ بن سلول الذين تآمروا على الرسول الكريم و صحبه في قلب المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة وكان لهم تحالفات فاشلة مع بني إسرائيل أطفأ الله تعالى نارها ...
3. بعض ملوك النصارى و الفرس الذين أزالت الفتوحات الإسلامية عروشهم ونفوذهم فصبوا جام غضبهم على المسلمين وتآمروا عليهم سراً وعلانية ... وبعضهم من شارك في مخطط استشهاد أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه ... وهذه الفئة ، بالتعاون مع بني إسرائيل، شكّلت طابوراً خامساً بقيادة عبد الله بن سبأ الذي أسلم نفاقاً واندسَّ وجماعته بين صفوف المسلمين لزرع الفتن وتأليب المجتمع على بعضه ، فكان هذا الماكر وجماعته اليدَ التي طعنت الخليفة العادل الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، كما كانت اليد التي أجّجت نار وقعتي الجمل و صفّين وغيرها من المعارك التي نشبت بين المسلمين لزعزعة الدين الحنيف وردِّ الناس عنه ، وهي التي أسست لانشقاق المجتمع الإسلامي إلى طوائف ومذاهب يتناحر أهلها فيما بينهم صباح مساء إلى أيامنا هذه فلا يكسبون إلا سخريةَ العالم منهم وزيادةَ سوء فهمِهم لهم .....
النوع الثاني مصدره المسلمون أنفسهم !!
يمكن أن نصنّف المسلمين اليوم في ثلاث فئات : وسطية .... عشوائية .... ومُغالية ...
فالوسطية فئة تتصف بالعقلانية تحاول أن تحاور الآخر وتحيا معه باتزان و احترام بلا إفراطٍ أو تفريط .
والعشوائية فئةٌ هشّة تحيا بلا اكتراث .... سهلةُ الانقياد والتطويع .... يستغلها الإعلام المعادي وينفث فيها من سُمِّهِ ما يشاء !!
أما المغالية فهي فئة صمَّت آذانها عن سماع غيرها و الحوار معه فلا تسمع إلا صوتها لاعتقادها أن الإسلامَ موجَّه لها وحدها دون غيرها فلم تقرأ القرآن الكريم و السنّة العطرة والتاريخ بعقولها لتدركَ ما بين السطور وتفقهَ العلاقةَ النبيلة لسيدنا محمد (صلّى الله عليه وسلم) وخلفائه بأهل الكتاب والحرص على حقوقهم وعدلِ التعامل معهم ... فكانت نظرة هذه الفئة لكل من يخالفها في المجتمع، مسلماً أو غير مسلم ، نظرةٌ مِلؤها الحقد ... حتى أن أحدهم ، على سبيل المثال، إذا سمع أو قرأ شيئاً عن محاكم التفتيش التي أحرقت الأخضر واليابس في اسبانيا ضد كل ما هو مسلم صار كل نصراني في عينه كافراً محارباً ممقوتاً فلا يتعايش معه و لا يبتاع منه ولا يجاوره لأنه عدو للإسلام و المسلمين !!!
تنامت هذه الفئة جيلاً بعد جيل وأورثت آراءً وأنماط سلوكٍ حملها أتباعها إلى كل مكان حلّوا فيه شرقاً وغربا فيصف بعضهم أهلَ البلد الذين هاجروا إليه بالأعداء والكفرة ، وأنهم يحيون بينهم ويتعاملون معهم ، كما قال أحدهم، للضرورة التي تبيح المحظورات !!
ما زلت أذكر ذاك المشهد المصوّر على التلفاز لمجموعة من المصلّين وقد اصطفت في منتصف أحد الشوارع ، في فرنسا على ما أذكر ، و تسببت بأزمة مرور لأنها كانت تؤدي صلاة الجماعة !!
من العجيب أن تتغافل هذه الفئة عن قوله سبحانه وتعالى في وصف أهل الكتاب في سورة آل عمران الآية 110 :
{ ...... وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }
فالـ ( الْمُؤْمِنُونَ ) الذين ذكرهم الله تعالى في هذه الآية الكريمة ليسوا فقط أتباع سيدنا موسى وعيسى عليهما السلام في زمنهما ولكن هم أيضاً كل كتابي عرف الحق الذي أمر الله تعالى به فاتّبعه وذلك منذ بعثة الرسول ( صلّى الله عليه وسلّم ) إلى آخر الزمان ، فنذكر مثلاً سيدنا عبد الله بن سلام كبير أحبار اليهود وقصة إسلامه المعروفة في كتب الأحاديث و السير ، وهناك أيضاً القائد الرومي جُرجَة ، الذي أسلم واستُشهد في معركة اليرموك بُعيدَ تحاوره مع الصحابي الكريم سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ... وفي عصرنا هذا كان وما زال الكثير من أهل الكتاب يعتنقون الإسلام منهم على سبيل المثال المفكر الفرنسي روجيه غارودي و المنشد يوسف إسلام والمفكر اليهودي ليوبولد فايس (محمد أسد) و غيرهم .... ومن المؤكد أن إسلام هؤلاء لم يكن على يد أحد أفراد الفئة المغالية ولكنها إرادة الله تعالى أن يُعمِلَ هؤلاء الكتابيون فِكرَهم ليصلوا إليه بإيمان مَشوبٍ بالحبّ، فالحمد للهِ على دين الإسلام وكفى به نعمة ....
بعد أن فشل أعداءُ الإسلام في النيل من ديننا الحنيف عبر التاريخ قدّمت الفئة المغالية، من فرط جهلها، للعدو فرصته الذهبية لضرب الدين من جديد من خلال مؤامرته التي تهدف إلى تشويه الإسلام بأيدي المسلمين ... فغدت الفئة المغالية أرضاً صالحة يزرع فيها هذا العدو ما يشتهيه من دسائس الحقد والكيد على الآخَر والتي أثمرت في عصرنا الحالي بغضاً وحقداً وعنفاً ملأ العالم أجمع ، واجتهاداتٍ وفتاوى مضحكة تهدف إلى خلخلة بناء هذا الدين وزعزعة ثقة أهله به ....
عالمنا الإسلامي اليوم يدفع ثمن أخطاء هذه الفئة التي ظنّت أنها تفعل خيراً ... لهذا وجب علينا تصحيحَ الصورة المغلوطة عنّا كمسلمين وذلك بإعادة النظر في أنفسنا وفي علاقاتنا مع الغير فيكون كل واحد منّا داعية وصاحب رسالة في مجال عمله بسلوك يطابق القول وهذا وحده كفيل بإزاحة هذا الغمّة ودحرها بإذن الله ومدده .....
لقد ختم الله تعالى شرائعه السماوية المباركة بالإسلام ، هذه الشريعة الغرّاء التي جاءت شاملة للناس جميعاً فهي لا تخصّنا وحدنا ... وقد وصف الله تعالى ذاته العليّة في سورة الفاتحة بـ ( ربِّ العالمين ) أي أنه ربُّ المسلمين وغير المسلمين ... وكذلك قولهُ سبحانه وتعالى لنبيّه الكريم ( صلّى الله عليه وسلّم ): ( وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين ) مما يدلُّ على شمولية وعالمية شريعتنا الغرّاء كرسالة خاتمة للدنيا كلها مَنْ التزمها اهتدى ومن ضلَّ عنها هلك ... فالمجتمع الإسلامي الذي قام منذ عهد النبوة الكريمة واستمر في زمن الخلافة الرشيدة وما تلاها لأكبر دليل على أن هذه الشريعة الكريمة إنما جاءت لخيرِ الناس ونفعِهم جميعاً .... فما الذي يحتاجه مجتمع حضاري ومنظم كالمجتمع الياباني اليوم سوى أن يرى أفراده داعية صادقاً يقرن القول بالعمل فيسهم في تحوّل أفراد هذا المجتمع من عبادة غير الله لعبادة الله الواحد الأحد ...
خلق الله سبحانه وتعالى الأرض لنا جميعاً بسماءٍ واحدة ، وهواءٍ واحد نتنفسُه ، وشمسٍ واحدة تشرق علينا ، وقمرٍ واحد يضيء عتم ليلنا ... لهذا وجب علينا جميعاً أن نبحث عن نقاط الالتقاء بيننا للحوار و العيش المشترك ... ومتى فعلنا ذلك حققنا الهدف الذي خلقَنا الله سبحانه وتعالى من أجله ألا وهو إقامة مجتمعٍ لا أصفه بالملائكي أو المثالي ولكن بالإنساني الذي يحترم ويصون الحقوق بين الناس جميعاً على اختلافهم ...
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ....
محمد جمال الدين السباعي
حلب 19/12/2009
ساحة النقاش