فن المونتاج في القرآن الكريم

 

قد يبدو العنوان للوهلة الأولى غريباً بعض الشيء .... لكنني أحب بداية أن أضع بين أيديكم تعريفاً مبسطاً لعلم المونتاج ، منقولاً :

يعرّف المونتاج على أنه ترتيب لقطات الفيلم وفق شروط معينة للتتابع وللزمن . ولا شك أن قيمة فيلم ما تعتمد إلي حد كبير على قيمة المونتاج ...... ونستطيع القول بأن نشأة عملية المونتاج ترجع إلي يوم التفكير في تعديل وجهة نظر الكاميرا في مشهد ما أثناء حدوثه . أي عند التفكير في تغيير وضعها للوصول إلي وصف أوضح للحدث أو إلى بناء درامي أفضل . وقد ارتبط مفهوم المونتاج ارتباطاً وثيقاً بمفهوم التقطيع : وهما لحظتان يكمل كل منهما الآخر ولا ينفصلان في عملية الإبداع السينمائي : اختيار وتنظيم الواقع من أجل إنتاج عمل فني .

 

بعد هذه المقدمة القصيرة أستطيع الدخول إلى صلب الموضوع مباشرة لأشير إلى وجود هذه الظاهرة – المونتاج - في القرآن الكريم بشكل واضح للعيان في حواريات سورة (طه) وغيرها من سور القرآن الكريم كسورة يوسف أيضاً .....

كثيراً ما كان يلفت انتباهي ، و أنا أشاهد بعض الأفلام أو المسلسلات العربية منها و الغربية ، حركة سريعة للكاميرا تنقل الممثل من مكان لآخر ضمن نفس مضمون الحدث ..... ولمزيد التوضيح : لنفترض أن هناك ممثلاً ما يقف لوحده في غرفته ويتحدث عن رغبته بالاعتراف بسره لصديقه ، الذي لم يقابله بعد ، ثم يلتفت هذا الممثل بحركة ما أياً كانت لنجده مباشرة في مشهد آخر مع صديقه وهو يعترف له بهذا السر ...... وهذا التكنيك يستخدمه كثير من المخرجين ......

 

أنتقلُ الآن لسورة (طه) الآيات من 42 إلى 52 ولنقرأها أولاً :

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي{42} اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى{43} فَقُولَا لَهُ فقَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى{44} قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى{45} قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى{46} فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى{47} إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى{48}

 

قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى{49} قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى{50} قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى{51} قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى{52} .......

نلاحظ أنه من الآيات 42 حتى 48 كان الخطاب بين الله تعالى وموسى وهارون عليهما السلام في مكان بعيد عن قصر فرعون .... ولكن في الآية 49 التي تلتها مباشرة انتقل الحوار إلى قصر فرعون وصار الحديث بين موسى وهارون عليهما السلام وفرعون ضمن نفس سياق الحدث ألا وهو دعوة فرعون للإيمان بالله ونبذ الكفر ....

 

أعود لأقتبس من جديد : وقد ارتبط مفهوم المونتاج ارتباطاً وثيقاً بمفهوم التقطيع : وهما لحظتان يكمل كل منهما الآخر .... فكما تلاحظون أن النقلة بين الآيات المذكورة أعلاه هي بحد ذاتها عملية مونتاج إلهي رائع دمجت صوراً مكمّلة لبعضها البعض بأسلوب تصويري بالغ الروعة و الجمال وهذا ، فيما أعتقد ، شكل آخر من أشكال إعجاز كتاب الله تعالى الذي سبق هذه الظاهرة الفنية منذ أكثر من ألف و أربعمائة عام ...

 

والشواهد في القرآن الكريم أكثر من أن يحصيها هذا الموضوع كسورة يوسف و غيرها ... و الله تعالى وحده أعلم ...

 

محمد جمال الدين السباعي

7/9/2008

 

المصدر: من أوراقي
mjamalsibaee

إذا الأقوالُ أتبعها فعالٌ *** يحقُّ لنا إلى الدين انتسابا

  • Currently 31/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 280 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة mjamalsibaee

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

محمد جمال الدين السباعي

mjamalsibaee
»

عدد زيارات الموقع

59,856