محمد شو

العالم بين يديك

التونسي أسامة الملولي

من الفناء الخارجي يوجد فقط ضوء قادم من نافذة وحيدة ، ربما هي النافذة الوحيدة بنزل جامعة ساوث كاليفورنيا الذي مايزال مضيئاً في تلك الساعة المتأخرة من ليل سبتمبر ، مجرد مصباح مضيء هو ما يملكه شاب في الثانية والعشرين من عمره ، على طرف سريره ، يقبع في درج ما في غرفته قرار المحكمة الرياضية بإيقافه 16 شهراً  عن منافسات السباحة بداعي المنشطات ، يتابع المكان الذي كان من المفترض أن يضع فيه ميداليته الذهبية الأولى على الإطلاق ، منقوش عليها الحروف المكونة لبطولة العالم في ملبورن 2007 ، واسم بنغمات عربية ...أسامة الملولي ، مكان الميدالية الخالي ، هي مكتوبة الآن باسم الوصيف الكوري الجنوبي ارك تاي هوان ، الميدالية الخالية يوجد مكانها فقط ملف بحيثيات الحكم ، صفر ميداليات ، صفر أرقام ، لا يوجد استئناف ، لا توجد اعتبارات أخرى ، من هنا حتى ما قبل ألعاب بكين بأسبوعين ، حكم ضمني بالإعدام دون حاجة للقفز. 

تلك الليلة التي كان بحاجة فيها إلى البقاء ليلاً في نوفمبر 2006  خلال فترة اختبارات نصف العام ، تلك الثقافة في كل غرف النزل بتناول عقار الأديرال المنبه ، الأنبوبة التي تحمل سوائله تشير إلى نسبة الميتافيتامين المطلوبة لحرمانه من المنافسات خلال عام مقبل ، الطوربيد التونسي الذي حل ثانياً في سباق 400 متر متنوع و حصد الذهب 800 متر حرة ، سيقضي أوقاته بلا طعم الكلور المميز لحمامات الموسم المقبل ، عليه أن يتدرب مع نفسه ، يحمل في ذهنه تعليمات مدربه التاريخي مارك شوبر ، بلا منافس ، في حارة وحيدة ضيقة. 

مراهق ضاحية المرسى الذي كان يذهل رواد حمامات السباحة الخاصة بها عام 2001 ، نجمها الواعد ، نبت لم تعرف تونس مثيلاً له من قبل ، يحاول رفض فكرة مهاتفة والدته في تلك الساعة المبكرة ، مكتوباً عليه أن يصعد سلمه منفرداً ، منذ الرحلة الأولى لمارسيليا ، وصولاً لشواطيء فينيسيا على محيط كاليفورنيا ، الآن عليه تركيب سلم جديد ، نسيان خامس أثينا 2004 في ال400 متر متنوع ، ربما نسيان ال400 متر متنوع نفسه ، تركيب سلم ال1500 متر.

ربما هو السلم الوحيد الذي يمكنه أن يجعله في مواجهة جرانت هاكيت ، أسطورة ال400 متر متنوع وبطل ذهبيتي سيدني وأثينا في 1500 متر ، حامل الرقم العالمي منذ عام 2001 ، العام الذي استقر فيه الملولي في أذهان متابعي اللعبة ، كأبرز مراهق عربي أفريقي يمكنه غزو المسافات المتوسطة الحرة ، نفس ذلك المراهق الذي كان أمله أن يعلق اسمه في مدخل جماعته إلى جانب زميله في ساوث كاليفورنيا إيريك فيندت ، صاحب فضية سيدني 2000 في ال400 متر متنوع ، وصاحب أفضل رقم في موسم 2008 في ال1500 متر ، قبل ثلاثة شهور من ألعاب بكين ، نفس التوقيت الذي كان الملولي يتدرب فيه وحيداً ، في صالة من الفلورسنت ، في أول ساعات الصباح الباكر قبل أن يستيقظ العالم ، يحاول أن يتجاوز كل مرة يتم ربط اسمه بالميتافيتامين.

المرة الأولى التي لمس فيها جسمه لون الكلور الأزرق بحمام تنافسي كانت قبل أيام معدودة قبل بكين 2008 ، تلك الأيام الأخيرة من يوليو ، ما هو مطلوب كان تحقيق رقم يسمح له بدخول مدينة بكين المائية من تحت عقب الباب ، كطريد ، خارج التوقعات ، بلا أرقام مسجلة ، بسجل أبيض ، نسخة مائية من تشارلز برونسون في دقائقه الأولى من فيلم "حدث ذات مرة في الغرب" ، ذلك الغريب الذي يهدد أباطرة بلدة معزولة ، دون أن يدرك أحد طبيعة مهمته. 

الطلقة الأولى كانت في التصفية ، إلى جانبه يوجد بطل العالم 2007 البولندي ماتيوش سافريموفيتش ، ثم الإيطالي خامس العالم فيديريكو كولبيرتالدو ، الأسترالي كريج ستيفينز سادس العالم ، النتيجة هي الفوز بالتصفية بخامس أفضل رقم في التصفيات على الإطلاق 14.47.76 دقيقة ، إقصاء كل هذه الأسماء ، والصعود فقط إلى النهائي فقط إلى جانب نابغة صيني في السابعة عشرة من عمره يدعى سون يانج "البطل المستقبلي لذلك السباق في بطولة العالم 2011". 

حتى بارك تاي هوان سقط في التصفية برقم يفوق ال 15 دقيقة ، الوحيد الذي يدرك أن هناك طوربيدا تونسيا يمكن الخوف منه في النهائي هو جرانت هاكيت ، صاحب أفضل رقم في التصفيات ، الوحيد الذي انخفض تحت حاجز ال14.40 ، هو نفسه الذي أتى سابعاً خلف الملولي في ذلك السباق المشئوم في ملبورن قبل عام ببطولة العالم ، وهو يعلم أن ذلك الفتى التونسي قد يكون عائقه الوحيد خلال ربع الساعة القادمة ، ليكون أول سباح في التاريخ يحقق ثلاث ميداليات ذهبية أوليمبية متتالية في نفس السباق.

أسامة على منصة البداية رأي ذلك السباق مرات عديدة في رأسه ، على يساره الأمريكي لارسن يانسن خامس العالم ، وعلى يمينه قنبلة موقتة كندية اسمها رايان كوكرين ، أول كندي يمتلك حظوظاً في ذلك السباق منذ بدايات القرن الماضي ، إلى جانب هاكيت يوجد الروسي يوري بريلوكوف ثاني العالم ، إلى جانبه ديفيد ديفيز البريطاني رابع العالم ، وأخيراً النابغة الصينية ومعه مواطنه من الجيل الآسيوي الجديد زانج لين. 

خلال النصف الأول  من السابق كان هاكيت يبدو واثقاً ، متقدماً بفارق كبير على كوكرين الثاني ، في الوقت الذي بدا فيه الملولي صبوراً ، في المركز قبل الأخير ، لكن دون هلع ، مزاحماً دون فارق كبير مع البريطاني ديفيز الذي جاء ثالثاً ، مع اكتمال الكيلو كان الملولي قد قفز للمركز الثالث ، مزاحماً هذه المرة المتصدر كوكرين ، وبفارق زائد 52 جزء من الثانية.

حتى المائة متر الأخيرة كان الملولي قد طبق استراتيجيته في إنهاك هاكيت وكورين ، وصولاً إلى تصعيد سرعته خلال المائة متر الأخيرة ، حتى وصل إلى فارق 91 جزء من الثانية خلال الخمسين مترا الأخيرة ، كان الحفاظ على إيقاعه خلال الأمتار الأخيرة مهماً في ظل مطاردة محمومة من هاكيت ، حتى جاءت الأمتار العشرين الأخيرة في أضيق فارق بين التونسي والأسترالي ، إلا أن الأول حافظ على إيقاعه السريع حتى النهاية ، منهياً السباق بزمن 14.40.84 ، ورقم أفريقي جديد ، وبفارق 63 جزءا من الثانية من الأسطورة التي كان قهرها بحر ال1500 متر يبدو مستحيلاً.

يوم 17 أغسطس كان اليوم الذي عاد فيه تشارلز برونسون من المجهول ليضع البلدة الجديدة على أطراف أصابعها ، مبلغاً الجميع بمهمته الحقيقية ، ربما هي تحقيق أول ذهب عربي أفريقي تونسي في الباحة الأوليمبية ، أو وضع اسمه إلى جانب القمودي أو  الزميل إيرك فيندت ، أو ربما الانتقام لحرمانه من أمجاد شخصية سابقة ، إلا أن مهمته الحقيقية كانت ببساطة عدم قدرته على المضي قدماً دون التخلص من ماضٍ ما ، كان يكبله طيلة الوقت ، أغلال التاريخ والجغرافيا والمحاليل الطبية ، كان عليه أن يشعر بالخفة لكي يكون من الصعب إيقافه. 

شاهد ملخص سباق 1500 متر سباحة حرة بأولمبياد بكين 2008 وتتويج الملولي بالذهبية:

<!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 43 مشاهدة
نشرت فى 3 يوليو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

257,187