محمد شو

العالم بين يديك

انهما الايتين 190 و191 من سورة ال عمران 

(إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ * ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) 

اخي الكريم اختي الكريمه قفا هذه اللحظه وتفكرا معي في هذه الايه بارك الله فيكم ... 

الحديث الشريف 

روي أن عائشة أم المؤمنين رضيالله عنها سئلت عن أعجب ما رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت ثم قالت: كانكل أمره عجباً، أتاني في ليلتي التي يكون فيها عندي، فاضطجع بجنبي حتى مس جلديجلده، ثم قال: ياعائشة ألا تأذنين لي أن أتعبد ربي عز وجل؟ فقلت: يارسول الله: والله إني لأحب قربك وأحب هواك- أي أحب ألاّ تفارقني وأحب مايسرك مما تهواه- قالت: فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلي ويتهجد فبكىفي صلاته حتى بل لحيته، ثم سجد فبكى حتى بلّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبكى، حتىإذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الفجر، رآه يبكي فقال يارسول الله: مايبكيك وقد غفر اللهلك ماتقدم من ذنبك وماتأخر؟ فقال له: ويحك يابلال، ومايمنعني أن أبكي وقد أنزل اللهعليّ في هذه الليلة هذه الآيات : (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهارلآيات لأولي الألباب ....) فقرأها إلى آخر السورة ثم قال: 
ويل لمن قرأها ولم يتفكرفيها. 



هذه الآيات التي أبكت نبينا صلى الله عليه وسلم أيها الأحبة وأقضت مضجعهولم تجعله يهنأ بالنوم في ليلته تلك فكان يقرأها في صلاته ويبكى قائماً وساجداًوبكى وهو مضطجعاً، نعم إنها لآيات عظيمة تقشعر منها الأبدان وتهتز لها القلوب ،قلوب أولى الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلقالسموات والأرض وليست كل القلوب كذلك ! فهلا تفكرنا في ملكوت الله ؟ وهلا أكثرنا منذكر الله ؟ 

واستشعرنا عظمته سبحانه وتعالى ؟ لو فعلنا ذلك لبكينا من خشية الله عندسماع أو قراءة هذه الآيات ولكن لله المشتكى من قسوة في قلوبنا وغفلة في أذهاننا 


قوله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) 

يعني في خلقهما من حيث الحجم و الكبر و العظمة، و غير ذلك مما أودع الله فيهما، في هذا الخلق آيات ففي النجوم آية من آيات الله، و في الشمس آية من آيات الله، و كذا القمر، آيات من آيات الله، و كذا الأشجار و البحار و الأنهار،و في كل ما خلق الله في السماوات و الأرض آيات عظيمة، تدل على كمال وحدانيته جل و علا، و على كمال قدرتهن و على كمال رحمتهن و على كمال حكمته 

( وَٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ ) 
يكون من وجوه متعد:
أولا: من جهة أن الليل مظلم و النهار مضي ، كما قال الله تعالى : 
(وجعلنا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً)(الإسراء: من الآية12) .

ثانيا: اختلافهما في الطول و القصر، أحيانا يطول الليل، و أحيانا يطول النهار، و أحيانا يتساويان كما قال الله تعالى: ( يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ) (الحج: من الآية61) ،أي: يدخل هذا في هذا مرة فيأخذ منه، و هذا في هذا فيأخذ منهن هذا من اختلاف الليل و النهار. 

ثالثا: ومن اختلاف الليل و النهار اختلافهما في الحر و البرودة تارة يكون الجو باردا و تارة يكون حارا. 

رابعا: ومن اختلافهما أيضا، الخصب و الجدب، تارة تكون الدنيا جدبا و قحطا و سنين، و تارة تكون خصبة و ربيعا و رخاء. 

خامسا: ومن اختلاف الليل و النهار اختلافهما في الحرب و السلم، تارة تكون حربا و تارة تكون سلما و تارة تكون عزا و تارة تكون ذلة، كما قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)(آل عمران: من الآية140). 

ومن تأمل اختلاف الليل و النهار وجد فيهما من آيات الله_ عز وجل_ ما يبهر العقول. 


و قوله تعالى: ( لَآياتٍ ) 
أي: علامات واضحات على وحدانية الله، و كمال قدرته و عزته و علمه و رحمتهن و غير ذلك من آياته.

و قوله: (لِأُولِي الْأَلْبَابِ) 

أي: لأصحاب الألباب و الألباب جمع لب: وهو العقل، و أولوا الألباب: هم أصحاب العقول و ذلك لان العقل لب، و الإنسان بلا عقل قشور بلا لب، فالأصل في الإنسان هو العقل، فلهذا نسمي لبا، و أما الإنسان بلا عقل فانه قشور. 
و لكن ما المراد بالعقل؟ هل المراد بالعقل الذكاء؟ 
الجواب: لا، الذكاء شيء و العقل شيء آخر، رب ذكي نابغ في ذكائه لكنه مجنون في تصرفاتهن فالعقل في الحقيقة هو ما يعقل صاحبه عن سوء التصرف، هذا العقل، و أن لم يكن ذكيا فإذا من الله على الإنسان بالذكاء و العقل تمت عليه النعمة، و قد يكون الإنسان ذكيا و ليس بعاقل، أو عاقلا و ليس بذكي.
جميع الكفار_ و أن كانوا أذكياء_ فانهم ليسوا عقلاء، كما قال الله : 
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) لأنفال:22) .
كل إنسان يتصرف تصرفا سيئا فليس بعاقل، فأولوا الألباب هم أولوا العقول الذين تفكرون في خلق السماوات و الأرض و ينظرون في الآيات، و يعتبرون بها، و يستدلون بها على على من هي آيات له، هؤلاء هم أصحاب العقول، و هم أصحاب الألباب فاحرص يا أخي على أن تتفكر في خلق السماوات و الأرض، و أن تتدبر ما فيهما من الآيات، و كذلك في الأيام و الليالي، و كيف تتغير الأحوال، و كيف تنقلب من حال إلى حال و كل ذلك بيد الله عز وجل، و كل ذلك من آياته. 

ثم قال تعالى: في وصف أولي الألباب: 
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)

أي: يذكرون الله في كل حال قياما و قعودا و على جنوبهم، 
و ذكر الله_ عز وجل_ نوعان:
النوع الاول :
نوع مطلق في كل وقت، وهو الذي يشرع للإنسان دائما، أوصى النبي صلى الله عليه و سلم رجلا قال له: أن شرائع الإسلام كثرت علي، و أني كبير فأوصيني. فقال : (( لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله))([4].)
و قالت عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه و سلم يذكر الله على كل احيانه، أي في كل حين، فذكر الله هنا مطلق لا يتقيد بعدد، بل هو إلى الإنسان على حسب نشاطه.
و النوع الثاني:
ذكر مقيد بعدد، أو في حال من الأحوال، وهو كثير، منها أذكار الصلوات في الركوع و السجود و بعد السلام، و أذكار الدخول للمنزل، و الخروج منه، و أذكار الدخول للمسجد و الخروج منه، و أذكار النوم و الاستيقاظ و أذكار الركوب على الدابة و أشياء كثيرة شرعها الله عز و جل، لعباده من اجل أن يكونوا دائما على ذكر الله عز وجل، فالمهم أن الله شرع لعباده من الأذكار ما يجعلهم إذا حافظوا عليها يذكرون الله، قياما و قعودا و على جنوبهم.
و اعلم أن الذكر أيضا يكون على وجهين: 
ذكر تام: وهو ما تواطأ عليه القلب و اللسان.
و ذكر ناقص: وهو ما كان باللسان مع غفلة القلب، و اكثر الناس_ نسأل الله أن يعاملنا جميعا بعفوه_ عندهم ذكر الله باللسان مع غفلة القلب، فتجده يذكر الله وقلبه يذهب يمينا و شمالا، في دكانه و سيارته و في بيعه و شرائه.
لكن هو مأجور على كل حال، و لكن الذكر التام هو الذي يكون ذكرا لله باللسان و بالقلب، يعني انك تذكر الله بلسانكن و تذكر الله بقلبك، فأحيانا يكون الذكر بالقلب انفع للعبد من الذكر المجرد، إذا تفكر الإنسان في نفسه و قلبه، في آيات الله الكونية و الشرعية، بقدر ما يستطيع، حصل على خير كثير.

قال: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) 

و يقولون: 
( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً )

يتفكرون في خلق السماوات و الأرض لماذا خلقت؟ و كيف خلقت؟ وما أشبه ذلك، ثم يقولون بقلوبهم و ألسنتهم ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً ) 
أي: لا بد أن يكون لخلق السماوات و الأرض غاية محمودة، يحمد الرب عليها عز وجل،ليس لخلق السماوات و الأرض باطلا، خلقت ليوجد الناس يأكلون و يشربون و يتمتعون كما تتمتع الأنعام! لا، بل هي مخلوقة لغرض عظيم.
قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56) .
( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً) فالذين يظنون خلق السماوات و الأرض باطلا، هم أصحاب النار، قال الله تبارك و تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) (صّ:27) .
فكل من ظن أن الله_ سبحانه تعالى_ خلق هذه الخليقة لتوجد و تفنى فقط، بدون أن يكون هنالك غاية و مرجع، فانه من الذين كفروا( ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) .
فالناس لا بد أن يموتوا، و لا بد أن يحاسبوا، و لا بد أن يبعثوا، و لا بد أن يؤولوا إلى دارين لا ثالث لهما، أما الجنة و أما النار، نسأل الله أن يجعلنا و إياكم من أهل الجنة و أن يعيذنا من النار.

و قوله: ( سُبْحَانَكَ) 

أي: تنزيها لك أن تخلق هذه السماوات و الأرض باطلا. 

(فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) 

فيتوسلون إلى الله_ عز وجل_ بما يثنون عليه من صفات الكمال، أن يقيهم عذاب النار،و الوقاية من عذاب النار تكون بأمرين: 
الأمر الأول: أن يعصمك الله من الذنوب، لان الذنوب هي سبب دخول النار .
الأمر الثاني: أن يمن الله عليك إذا عصيت بالتوبة و الإقلاع، لان الإنسان بشر لا بد أن يعصي، و لكن باب التوبة مفتوح و لله الحمد، قال الله: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)(الزمر: من الآية53) 
مهما عملت من المعاصي، إذا رجعت إلى الله، و تبت، تاب الله عليك، و لكن إذا كانت المعصية تتعلق بآدمي، فلا بد من الاستبراء من حقه، إما بوفائه أو باستحلاله منه، لأنه حق ادمي لا يغفر، فحق الله يغفره مهما عظم، وحق الآدمي لا بد أن تستبراء منه أما بإبراء أو أداء، بخلاف حق الله.
ومع هذا، لو فرض انك لم تدرك صاحبك و لم تعرفه، أو لم تتمكن من وفائها، لأنها دراهم كثيرة، و ليس عندك وفاء، و علم الله أن نيتك انك صادق في توبتك، فان الله يتحمل عنك يوم القيامة و يرضي صاحبك.

( شرح رياض الصالحين المجلد الاول )
<!--EndFragment-->

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 250 مشاهدة
نشرت فى 16 يونيو 2012 بواسطة mhmadshoo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

255,735