جودة منظومة المنهج
إن جودة منظومة المنهج تعني أن يكون عصريا ومنظوميا أي أن الأهداف والمعايير صيغت منظوميا مع ترتيب المحتوي بصورة منظومية وكذلك التقويم والوسائل وطرائق التدريس بحيث يؤدي إلي منتج تعليمي يحقق الجودة في سوق العمل القائمة علي المنظومية.
فجودة المعايير الأكاديمية تعني أنها تكون دقيقة الصياغة واضحة المعني للكافة بنفس الدرجة ولا يختلف عليها اثنان مثل المتر كمعيار لقياس الأطوال لو استخدمه مليون مستخدم فسوف يكون مقياسا واحدا.
لذا تحتاج المعايير الأكاديمية إلي طرحها علي المؤسسات التعليمية المعنية لتنقيتها مما قد يكون بها من قصور أو لبس أما كتابة التقارير عن المقررات الدراسية في نهاية العام فتحتاج إلي كثير من التفسير للسادة أعضاء هيئة التدريس بإعطائهم نماذج لتقارير عن مقررات معينة حتي يمكن الاقتداء بها وأما التقويم والامتحانات
فيجب أن تكون منظومية تقيس جوانب التعلم المختلفة( معرفي, مهاري, وجداني) والمستويـات العليا للتعـلم مع( التحليل_ التركيب- الإبداع) بعيدا عن نماذج الإجابة وهنا نتوقف ونسأل كيف تطلب وحدات الجودة بالكليات نماذج إجابة الامتحانات من الأساتذة؟ هذا معناه أننا ننادي بالجودة ونمارس عكسها تماما فالجودة ليس لها سقف ولكل طالب قدرات وملكات وبصمة معرفية تختلف عن الآخر
ومن المفترض أن الطالب يقرأ المقرر من كتاب الأستاذ إلي جانب عدة مصادر أخري فكيف نصادر فكر الطالب في كتاب واحد وفي سطور محددة إن هذا معناه إلغاء الجودة من الأساس وتنميط فكر الطالب الجامعي وإعلاء الحفظ والتلقين. لقد حاربنا ومازلنا نحارب نماذج الإجابة اللعينة في مراحل التعليم العام لأنها كرست الحفظ والتلقين في سطور معينة من كتاب الوزارة وجلبت للجام ون المذكرات مع نماذج الامتحانات حتي في الدراسات العليا ونماذج إجابة الامتحانات لبعض الكليات تباع الآن في المكتبات المحيطة بجامعاتنا إننا نريد إجابات صحيحة مختلفة من الطلاب للسؤال الواحد كل حسب قدراته ومصادره. هنا تحدث الجودة في مخرجات التعلم لذا نهيب بالقائمين علي الجودة إلغاء ذلك فورا قبل أن تتحول جامعاتنا الي مؤسسات تكرس الحفظ وتقتل الإبداع وتنمط التفكير وتقتل الإطلاع.
إن جودة الطالب الجامعي تبدأ من حسن اختياره للمسار الجامعي الذي يتلاءم مع قدراته وملكاته وميوله وهنا تأتي أهمية عقد اختبارات قدرات قطاعية للطلاب عند الالتحاق بالجامعات حتي نضع الطالب السليم في المكان السليم ولقد سبقتنا دول كثيرة في العالم لذلك.
وهي مشكلة كبيرة في جامعات الأعداد الكبيرة لأن سياق التعليم يقتضي تناسب مساحات المدرجات والمعامل والورش والمكتبات والتجهيزات مع أعداد الطلاب إلي جانب حداثتها لذا يجب التوسع في إنشاء الجامعات لاستيعاب الأعداد الزائدة ولنا أن نعلم أن دولة عربية مثل الأردن الشقيقة بها الآن ثلاثون جامعة بين حكومية وخاصة وتعدادها نحو6 ملايين نسمة وهـذا يقتضي تشجيع
إقامة الجامعات الخاصة والجامعات الأهلية التي لا تبغي الربح و إيجاد مصادر غير تقليدية لتمويل الجامعات الحكومية مثل إنشاء صندوق خدمة وتحسين التعليم تكون مصادره نسبة من رسوم كل طالب يلتحق بالجامعات والمعاهد الخاصة ولتكن(5%) وإضافة ضريبة قدرها(1%) علي شرائح الدخل العليا التي تزيد علي50 ألف جنيه في العام واستحداث طابع بقيمة( جنيه أو اثنين) علي كل طلب يقدم إلي الجامعات وإضافة رسم قدره(2%) علي الفنادق والمطاعم السياحية وتذاكر الطيران تخصص لهذا الصندوق وتشجيع رجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني علي الإسهام في تمويل هذا الصندوق وإنشاء بنك مثل بنك الإسكان والتعمير يطلق عليه بنك التنمية والتعليم يقوم الآباء فيه بفتح حسابات توفير لأبنائهم عقب ولادتهم بحيث ينفق من عائد هذه الأموال علي تحسين خدمات التعليم لأبنائهم ولغيرهم كما تسهم في مصاريف الأبناء عند الالتحاق بالجامعات ويسترد ما قد يتبقي من هذه الأموال بعد التخرج وتستخدم حصيلة الأموال السابقة في تحسين وتحديث المعامل والمكتبات والمدرجات والورش إلي جانب إنشاء جامعات حكومية جديدة تتوافر فيها متطلبات الجودة..
ولتحقيق ما تقدم من عناصر الجودة في منظومة التعليم الجامعي يجب أن تتم من خلال إستراتيجية متعددة المراحل قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدي مع ضرورة تناول كل مرحلة تطوير جميع مكونات منظومة التعليم بدرجات متفاوتة حسب الإمكانات المتاحة لكل مرحلة وعلي أرض الواقع وبعيدا عن التطبيق الورقي الشكلي كما يجب أن نركز علي الكيف لا الكم والجودة في كل مرحلة مهما يكن حجم إنجازاتها إن التطبيق الشكلي الورقي للجودة يفقد التطوير مصداقيته ويفقد أعضاء هيئة التدريس حماسهم والمصداقية للتغيير والتحديث كما يجب أن يكون التحديث والتغيير من القاعدة للقمة وليس العكس لأننا بصدد التعامل مع أساتذة جامعات لهم مدارس فكرية وطموحات مختلفة لذا فإن تطوير الجامعات يكون جذريا حينما يأتي من قواعدها العلمية المتوافرة في أساتذتها حتي نضمن التطوير والتحديث واستمراريتهما.
ويختتم الدكتور فاروق فهمي رؤيته قائلا: إنها رسالة مبلغة لكال القائمين علي التعليم ونظم الجودة في مصرنا الغالية بأنه لا بد من إحداث تطوير حقيقي يحقق الجودة في عصر العولمة الذي يتصف بالمنظومية في كل شيء ولنسأل أنفسنا بأمانة هل أسهم ما نقوم به من تطوير في تحسين مستوي نظامنا التعليمي بحيث يرضي طلابنا؟ وهل هروب الطلاب من المدارس والجامعات إلي أوكار الدروس الخصوصية مؤشر من مؤشرات رضاء الطلاب لتحقيق الجودة ؟ إننا نريد تطويرا حقيقيا يعيد الطلاب إلي فصولهم ومدرجاتهم بعيدا عن أوكار الدروس الخصوصية التي تهدم الجودة التي ننشدها وتنفق الدولة الملايين علي تحقيقها.
في النهاية هل من أذن صاغية تسمعنا وتعيد الأمور إلي نصابها في وقت تواجه فيه الأمة الكثير من التحديات لأمنها القومي ونظام تعليمنا من أهم مقومات أمننا القومي الذي نحرص عليه جميعا؟!