السلوك الاجتماعي بين الواقع والمأمول

 

الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، فلابد من التواصل بين مجموعة من الأفراد الذين يعيشون متجاورين في مجتمع فالمجتمع هو:

مجموعة من الناس يشتركون في خلفية ثقافية واحدة ومنطقة جغرافية محددة.

والسلوك الاجتماعي هو: التفاعل بين أعضاء الجماعة بعضهم مع بعض أمر مع الجماعات الأخرى والعلاقات ثلاثة أنواع:

(1) علاقات وقتيـــــــــــــة: مثل التعامل بين البائع والمشترى - السائق والراكب وغيرها.

(2) علاقات طويـــلة الأجل: كالزواج أو البنوة أو الصداقة.

(3) علاقــــــــات محـــدودة: بين شخصين أو أكثر.

وأنا لا أريد  أن أسترسل في مثل هذا الكلام المرتبط بعلم الاجتماع وإنما دعونا نحاول المساس بواقعنا الماثل وما ينبغي أن نكون عليه.

الحقيقة أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده، وإنما لابد أن يخالط الناس ذلك أنه ابن لأب وأم وله إخوة يعيشون معه في بيته وله زملاء في المدرسة ثم في الجامعة أو العمل ثم له بعد ذلك زوجة وأولاد وله جيران وهو فرد في منظومة مجتمعية وكل دائرة من هذه الدوائر يتفاعل معها لأن لها عليه واجبات وله منها حقوق.

والإنسان الذي   يعيش لنفسه أناني في عرف الناس وفي عرف الدين أيضا بل إن هناك قسمين من العبادة عبادة لا يتعدى نفعها شخص الإنسان، وعبادة تتعلق بالآخرين.

 

وأفضل العبادات ما تعدى نفعها شخص الإنسان ففي الحديث الذي رواه الترمذي يقول النبي  - صلى الله عليه وسلم -:"ألا أخبركم بأفضل من درجة  الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة؛ لا أقول: تحلق الشعر،ولكن تحلق الدين"فالإصلاح بين الناس - في الإسلام - مقدم على الصيام والصلاة والصدقة.

وروى الإمام أحمد أن عبدالله بن عباس كان معتكفا في مسجد النبي فرأى رجلا يجلس في المسجد حزينا فقال: مالك؟ قال: دين لفلان حضر أجله وليس عندي ما أقضيه به .فقال: ألا أكلمه فيك؟ قال: إذن يجزيك الله خيرا، فقام عبدالله ليخرج من المسجد فقال الرجل: إلى أين؟ أنسيت أنك معتكف؟ فقال: لا والله ولكنى سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب، ثم ذرفت عيناه يقول:"من مشى في حاجة أخيه قضاها أو لم يقضها كان خيرا من اعتكاف في مسجدي هذا شهرا"فقضاء حوائج العباد أفضل من الصلاة والاعتكاف في مسجد النبي حيث تكون الصلاة فيه بألف صلاة.

والذين يتقنون العبادات ولا يحسنون المعاملات ليس لهم أجر على عباداتهم، والذين يخشعون لله ولا يتواضعون للناس عملهم مردود عليهم. روى البزار في مسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"قال الله تعالى: إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصرًا على معصيتي، وقطع النهار في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة، ورحم المصاب"فإذا لم يكن من الصلاة رفق بالنفس (في التواضع وعم الاستطالة) وإذا لم يكن رفق بالضعاف فلا صلاة مقبولة. وكذلك الصيام لا يقبل ففي صحيح مسلم:"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"([1])   فشاهد الزور غير مقبول العمل وليس للصيام أثر فيه فليفطر إن شاء لأنه شاهد زور، ومن يعمل بالزور كذلك؛ فالغاش يعمل بالزور، والمخادع المادح المرء بما ليس فيه عامل بالزور، وغير ذلك.

 

* وعند الإمام أحمد أن رجلا قال: (يا رسول الله، إن فلانة تذكر من صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذى جيرانها بلسانها، فقال: هي في النار، ثم قال: يا رسول الله، فلانة تذكر من قلة صلاتها وصيامها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذى جيرانها. قال: هي في الجنة ([2]) فإيذاء الجار باب لدخول النار، والإحسان إليه باب إلى الجنة.

 

*  وفي الحديث الذي رواه مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته ... " ([3]) فقد فعل العبادات الشخصية لكنه لم يفعل العبادات الأخرى؛ وهى حقوق العباد فيكون فقيرا كتاجر عنده ألف وعليه ألفان، كيف يكون غنيا؟

* وفي الحديث الذي رواه مسلم:"ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وحج واعتمر وقال إني مسلم ... "([4]).

 

* إذن: هذا الكم الهائل من الآيات والأحاديث تجعل العبادة التي فيها التعامل مع الناس حسن أعلى شأنا عند الله، بل هناك ما هو أشد من ذلك؛ وهو أن الله يغفر للمذنب بسبب شفقة تحركت في داخله نحو حيوان عطف عليه، وصورة أخرى يعذب فيها مؤمن لأنه قسا قلبه على حيوان ففي الحديث الصحيح أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها لا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت ([5]). وبغى من بنى إسرائيل دخلت الجنة في كلب سقته. وفي الحديث أن رجلا أصابه العطش فنزل بئرا فشرب منه فبينما هو يمشى رأى كلبا يلهث يأكل الثرى من العطش فقال لقد نزل بهذا الكلب الذي نزل بي فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم سقى الكلب فشكر الله فغفر له([6]).

 

وإذا كان علماء الاجتماع يقسمون الجماعة التي يعيش فيها الناس إلى أقسام منها:

-         بعض يشعر بالراحة والاطمئنان لوجوده داخل الجماعة.

-          وبعض آخر يشعر بالضيق والاضطراب فأنا أقول:

إن الإنسان الانعزالي مخطئ في حق نفسه ومجتمعه ودينه؛ أما خطؤه في حق نفسه لأنه يكون أنانيا يحرم نفسه من الخير الذي يعود عليه من اجتماعه مع الناس. وأما في حق المجتمع فلأنه يحرم مجتمعه من الاستفادة من طاقاته. وأما في حق دينه فلأن الدين يدعو إلى الامتزاج بين أفراد المجتمع وفي القرآن والسنة أوامر تدعو إلى هذا منها.

(1)   أن الإسلام نهى عن الرهبانية.

(2)   أن صلاة الفرد أقل من صلاة الجماعة بخمس وعشرين درجة .

(3)    أن صلاة الرجلين معا أفضل من صلاة أربعة تترى وصلاة أربعة خير من صلاة ثمانية تترى وهكذا.

(4)   أن الجماعة والجمعة إنما فرضتا لإقامة علاقات اجتماعية ناجحة بين الأفراد والأدلة كثيرة.

 

مرفق الملف لمن يريد تكملة القراءة

 

 


[1]) أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبى هريرة - كتاب الصيام - باب من لم يدع قول الزور والعمل به - حديث رقم (1903 -2/31)- ط السلفية.

 ([2]) أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبى هريرة -  حديث رقم 9298 -    19/341.

([3]) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبى هريرة في كتاب الر والصلة والآداب - باب تحريم الظلم - حديث رقم 4678   - 12/459 ط الحديث.

([4]) أخرجه مسلم في صحيحه - حديث العلاء بن عبدالرحمن في كتاب الإيمان - باب بيان خصال المنافق - حديث رقم 90 - 1/192.

([5]) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله في كتاب الكسوف - باب ما عرض على النبي  - صلى اله عليه وسلم - من صلاة الكسوف حديث رقم 1507- 4/452.

([6]) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبى هريرة في كتاب السلام باب فضل سقى الهائم - حديث رقم 4162 - 11/304.

د/ إبراهيم عبد الفتاح رمضان عبد الباقي

metmen
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

28,631