كتبت: الداعية ألفت مهنا
قال تعالى:{........ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} البقرة222
نعم يحب الله المتطهرين .. فمن طهر جسده كانت قبلته الأحجار، ومن طهر قلبه كانت قبلته الأنوار، ومن طهر عقله كانت قبلته الأسرار، ومن طهر سره كانت قبلته الواحد القهار. فكما لا يقبل الله صلاة إلا بطهارة الجسد، كذلك لا يقبل الله سائرا إليه دون أن يطهر قلبه من الشهوات، ولا يقبل باحثا عن أسراره إلا بطهارة العقل من الشك والشبهات، ثم لا يتجلى إلا لمن تطهر سره من الأغيار.
ولأننا في مقام الحديث عن مقام السائرين إلى الله فسيكون الكلام عن طهارة القلب، فكيف يتطهر؟ يقول العارفون أن ذنوب القلب منها ما هو يشبه الحدث الأصغر الذى يستوجب الوضوء ومنها ما هو يشبه الجنابة ولذلك يستوجب الغسل.
أما الحدث الأصغر فهى الذنوب التى تنكت نكتة فى القلب فإن استغفر العبد وذكر الله محيت النكتة وإذا لم يتب أجتمعت عليه حتى أسود القلب. قال رسول الله صل الله عليه و سلم: "إِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةً سَوْدَاءَ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ صَقَلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ، قَالَ: فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} سورة المطففين آية 14
وأما الجنابة فهى الغفلة .. فمن عاش غافلا عن الله لا يدرى ما مراده منه فهو فى حاجة إلى عودة قوية ويقظة تنقله إلي حالة الحضور. {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} الأعراف179.
ولذلك قال سيدى أحمد بن عطاء الله السكندرى: كَيْفَ يُشْرِقُ قَلْبٌ؛ صُوَرُ الأَكْوانِ مُنْطَبِعَةٌ في مِرْآتهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَرْحَلُ إلى اللهِ وَهُوَ مُكَبَّلٌ بِشَهْواتِهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَطمَعُ أنْ يَدْخُلَ حَضْرَةَ اللهِ وَهُوَ لَمْ يَتَطَهَرْ مِنْ جَنْابِةِ غَفْلاتِهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَرْجو أَنْ يَفْهَمَ دَقائِقَ الأَسْرارِ وَهُوَ لَمْ يَتُبْ مِنْ هَفْواتِهِ؟!
فالغفلة عن الله وشغل القلب بالسوى لا تمح إلا بيقظة يعود بها إلى الله فيتوب ويدعوا الله، وإذا قبله الله بفضله وكرمه نظر إليه نظرة رضا فمن نظر إلى قلبه بالرضا محقت الأغيار وأشرقت الأنوار ورفعت الأستار. إذا علينا أن ندرك أن أول خطوة فى الطريق إلى الله هو اليقظة.... نعم يقظة تنفض عن القلب ما ران عليها وتعيد إليه حيويته وتصقل مرآته ليرى ببصيرته معالم الطريق إلى الله ويدرك أن الغافلون لا يصلحون لهذا الطريق.
اليقظة هى أن تعرف أن الدنيا ليست دار بقاء ولكنها دار إختبار وإبتلاء.
اليقظة .. أن تدرك أنك مخلوق لك خالق له الخلق وله الأمر فيما خلق وعليك طاعته.
اليقظة .. أن تعرف من أين أتيت و إلى أين أنت ذاهب وما هو الطريق الذى تسير عليه ولا تكون كمن غفل حتى قال: جئت لا أعلم من أين ولكنى أتيت، ولقد أبصرت أمامى طريقا فمشيت، كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقى، لست أدرى.
اليقظة .. أن تعلم قيمة الأشياء فتدرك أن الدنيا لا تساوى عند خالقها ومالكها جناح بعوضة فكيف وأنت لا تملكها تدفع من أجلها الغالى والنفيس.
اليقظة .. أن تدرك النعم التى أنعم الله بها عليك فتشكره وتستخدمها فى الوصول إليه.
اليقظة .. أن تحبه وتبذل الجهد وكل غالى ونفيس فى مرضاته.
اليقظة .. أن تدرك أن رؤيته ليس حلم فتنام لتراه ولكن تدرك أن رؤيته والشوق إليه تحرمك النوم.
فلو تحققت بمقام اليقظة .. وهتفت بقلب صادق رباه .. إنى تبت إليك فقبلنى، هنا تكون على أبواب المقام التالى وهو مقام التوبة. نسأل الله .. أن يوقظنا من غفلتنا وأن يأخذنا منا إليه .. أخذ الكرام عليه بجاه سيدنا محمد أكرم الخلق عليه وآله وأصحابه أجمعين أمين.
ساحة النقاش