بقلم - الإعلامي العراقي عامر الكبيسي

 

كنت أخال الأمر لا يخرج عن وجود زرار أو لاصق حتى تثبت ، لكنهم يضعون طبقات القماش بعضها فوق بعض ولا ترتد إلى منزلها الأول ، وعليه فإن في الدراعة فنون ، ومهما كانت سحنتك ومشيتك فإن اللابس الجديد للدراعة سيسقط في اختبار القدرة ، وذلك في أمور من بينها تثبيت قماشها وجوانبها على الكتف باحترافية ، ثم كيف تمشي بها مشوقا لا يعتريك سقط ولا عرج ولا ميلة ، وأقوى اختباراتها في الصلاة .. فأنت أمام حركات منسقة لتثبيت الدراعة ما قبل الصلاة على هيئتها الجديدة ، ثم لها طوقس ما بعد تكبيرة الإحرام كنت أتابعها باهتمام ، فيسحب المتمرس جانبيها يمينا وشمالا ليستجمع قماشها الفضفاض ، ثم يصفها جميعا إلى الأمام ، وكأن الدراعة تتجه إلى القبلة مع مصليها حيث يتجه ، إقرار " من تمكن من إ دارة دراعته في الصلاة نجح " ومثلما يقول علماء الإجتماع ، فإن ثياب الأقوام وهندامهم ينبع من بيئتهم ومعتقدهم وأعمالهم ، وهكذا يلبس من يريد صعود الجبال سروالا فضفاضا مثل زي الأكراد ، ومن تخنقه درجات الحرارة الصاعدة ويبقى معظم وقته ماكثا لا حركة له ، يتقي الحر اللاهب ، فإنما يكفيه ثوب خفيف أشبه ب " الدشداشة " ومن الأمرين كانت الدراعة ، ومنها شرط البيئة عليها ، أدركت ذلك يوم كنت في الصحراء المتحركة رمالها ، وذهبت بعيدا عند نقطة فيها كثيب عال ، ثم هبت الريح بقوة ما كنت أتوقعها ، فصارت الرمال بحرا له موج كالظلل ، وكاد النَفَس ينقطع ، ففتحت أزرار القميص وجذبته إلى الأعلى مدخلا وجهي بين حافتيه ليبعد عني الرمال القاسية قل أنجاني الله منها ، لكني لو كنت لابسا الدراعة وهي مفتوحة من الجانبين على غير عادة الثياب ،فإنها دواء رمال الصحراء على حالتها تلك ، ثم إنها مظلة الرأس يوم الحر الشديد ، فكونها واسعة كبيرة تمكن لابسها من رفعها أعلى الرأس ، فإنه يحتال على الشمس بأن يجعلها مظلته ، وهي كذلك للنوم ان لم يتيسر المكان ، وأنها مفتوحة الجانبين يمينا وشمالا يستطيع تيار الهواء المرور منها إلى الجسم ثم إلى الخارج وهي فسحة صيفية
بينما الأمر يختلف في الشتاء باختلاف الغرض منها فتكون مصدة للبرد ، فيتكوم القماش على بعضه البعض فوق الجسم ، ليقي البرد ، ....إن كل ما تقدم يقر أن الأمم إنما تلجأ إلى ابتكار أدوات ما حولها وفقا لحاجتها ثم بعد ذلك تدخل عليها بهرجة من الألوان والزينات لتصير مقبولة أو تبعدها عن شكل الحاجة إلى شكل المعطف الحضاري ثم تقدمها إلى الجمهور القريب والبعيد ، وفي الدراعة لونان أساسيان – والحديث عن دراعة العرب دون الزنوج- أولهما الأخضر وهو ليس بأخضر إنما هو أزرق سماوي لكنهم يسمونه "الخضرا "وفي هذا النوع عدة درجات لاسيما لدى الشباب بين غامق وفاتح والخلاف يكون في التطريز الموجود عليها ،وفي الدرجة اللونية ، والنقش يأخذ أبعادا هندسية لا تبدو دقيقة، وكأنها غير مدروسة والأشكال من الأمام تعتمد على تثبيت الجيب الكائن دائما من جهة اليسار باستثناء البعض النادر لأسباب متشددة يضعونها يمينا . 
وتختلف السعة في النقش باختلاف اللابس وذوقه أو قل وماله وهذا إقرار ثان مني بموضوع الدراعة ... فقد كنت أول من أكتشف في موريتانيا أن سعة جيبها الكبير ، يمكنه من إخفاء جهاز شركة أبل الشهير " الآي باد " ولا أظن أن هناك ثوبا يمكن أن يحمل في جيبه جهازا بهذا الحجم غير الدراعة وإن وجد فنادر ، وقد كنت حاملا جهاز " الآي باد " ولبست الدراعة ومشيت في بعض الطرق وعندها علمت أن مساحة الجيب تكفيه ، فوضعته في جيب الدراعة ، ثم قلت لأصدقاء لي في مكان آخر إنني وجدت اختراعا في دراعتكم وأسميته " بدعة البلاد ...في إخفاء الآي باد "
فأخرجت لهم الجهاز من الجيب ، لكن أحدا منهم لم يكن قد مسك هذا الجهاز بيده وقليل منهم سمع عنه في تقارير تلفزيونية أو شاهدوا صوره في الانترنت ، فسجلوها لي كبراءة اختراع ...وهي مزحة تجاذبنا بها أطراف الحديث بعض الوقت .
واللون الثاني من الدراعة أبيض ، وهو ابيض نقي ن وأظنه بقي في القوم لان وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في لبس البياض فنافس اللون الأبيض اللون الأزرق ،على أن لابسه أقل لأن الأبيض في بيئة الصحراء يحتاج الى مزيد تنظيف ، وقد يكون طرزهما على شاكلة واحدة ، ويستحب في النقش اللون الترابي أو الجوزي الشبيه بلون الجلود المدبوغة ، لكن الحداثة أخذت أمرها في النقش وفي دخول المكينة للخياطة والتطريز فالأصل أن تحاك الخيوط والنقشات باليد ويستغرق فيها الصانع أسابيع ، لكن الشباب استسهلوا الأمر وراقهم سعر المكينة الرخيص فتركوا صناعة اليد إلى صناعة المكائن ، وإني مع مذهب صناعة اليد ، وهو الأرقى قطعا ، وأتمنى أن يكون لكل واحد من شباب موريتانيا دراعة خاصة صنعت باليد ، حتى لو كان ثمنها غاليا جدا ، خوفا من اندثار العائلات الماهرة و العارفة ببواطن الصنعة ، فهي فن جيد يحتاج إلى تطوير ، وإبداع نقشات جديدة ،وإدخال قصات ومركبات في جسد الدراعة ، من فعل اليد وليس المكينة .
أما عني فقد أحببت فيها اللون الأبيض على أن الغالبية من هواة "الخضرة " وأخذت نقشا يميل إلى اللون الرصاصي .
أما مالا يُنسى أبدا ، فهو أنني ومعي نحو مائة ضيف كنا في دعوة على العشاء في منزل الشيخ محمد الحسن ولد الددو ، وبعد أن انتهينا وبينما كنت أتحدث مع الصديقين الحبيبين – كرار و أوفى – عن بعض الأمور طلب الشيخ أن يأتي إليه الأخ أوفى ، وبعد دقائق رجع إلي أوفى ليخبرني أن الشيخ أمره بأن يعطيني دراعته الشخصية ، أي دراعة الشيخ محمد الحسن الددو التي يلبسها ، وهذه وعلى ما فهمت كبيرة عند القوم ولم تمنح من الشيخ لأحد قبلي في ذلك كما قالوا لي ، ولكنه باع في يوم عمامته لصالح دعم غزة ، فصار الشباب يغبطونني على ذلك ، وكانت إشارة أحببتها من الشيخ الددو إلى أنه يريد إكرامي بشيء كبير وقد فعل – فجزاه الله خيرا .

 

المصدر: الاخبار المستقلة
  • Currently 240/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
50 تصويتات / 191 مشاهدة
نشرت فى 2 يوليو 2011 بواسطة medouhamed

ساحة النقاش

محمدو ولد محمد ولد أعمر

medouhamed
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,953