تروي كتب السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتد به الكرب يوم وفاته قال : سبحان الله إن للموت لسكرات ، ولما رأت ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها ما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة الكرب قالت : واكرباه على كربك يا أبي ، فقال صلى الله عليه وسلم : ليس على أبيك كرب بعد اليوم.
يا لها من كلمة جديرة بأن نجعلها لنا هدفا ، أن نصل إلى مرحلة من العمل والخلق وإرضاء الله عز وجل تجعلنا راجين لأن تكون الدنيا نهاية كروبنا وأحزاننا وبداية عهد لا يعرف الكرب ولا الأحزان.
هكذا يقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد انتهى عهد الأحزان وعهد التعب والنصب ، فكم لاقى صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته من تعنت المشركين ومعاداتهم وكيدهم ، وكم تحمل من أذاهم وإساءاتهم ، وكم صبر على جهلهم وحماقاتهم ، وكم تعب في حروبهم ومجاهدتهم ، ولكن عندما حانت ساعة الموت ؛ فقد صارت إذن ساعة الراحة وساعة الطمأنينة وساعة الرضا وساعة الزفاف إلى الجائزة وساعة توديع المتاعب والمصاعب.
ما أجدرنا أن نضع هذه المقولة أمام أعيننا لتكون دافعا لنا إلى العمل الصالح ، فنؤدي فرائض ربنا علينا كما أمر ، وأهمها الصلاة لوقتها في جماعة ما أتيحت لنا الجماعة ، ونؤدي الزكاة ونخرج الصدقات ، ونصوم رمضان إيمانا واحتسابا ، ولا نؤجل فريضة الحج إذا ما استطعنا فإننا لا ندري هل نعيش إلى العام القادم إذا أجلنا الحج أم تضيع منا الفرصة إلى الأبد ، ونبر أمهاتنا وآباءنا ، ونكرم ضيفنا ونحترم جيراننا ونحسن جوارهم ، ونرحم صغيرنا ونوقر كبيرنا ونعطي فقيرنا ونصل أرحامنا ونعود مريضنا ونهنئ من أصابه خير ونواسي من أصابه سوء ، ونساعد المحتاج والضعيف ونتواضع للناس ولا نتكبر على خلق الله ، ونطهر قلوبنا ونفوسنا من كل حقد وحسد وضغينة وبغضاء حتى نلقى جميع الناس بصدور سليمة تحمل لهم كل المودة والحب والعطف والشفقة ولا تحمل غلا ولا كراهية ولا شحناء لأحد منهم ، وخلال ذلك لا ننسى تعاليم ربنا من غض البصر وحفظ الفرج والبعد عن المحرمات وأكل أموال الناس بالباطل ، ومجاهدة النفس الأمارة بالسوء ، وإذا تغلبت علينا النفس الأمارة مرة أو مرات فلا يجب أن نستسلم لها وإنما هي مجاهدة مستمرة فإذا كسبت هي جولة ينبغي أن نكسب منها جولات ، ولنحمد الله على ما كسبناه منها ونستغفره لما انهزمنا فيه ، وليعلم كل منا أن الحرب بيننا وبين النفس الأمارة لن تنتهي ولن تضع أوزارها ما دامت القلوب تنبض وما دامت الأنفاس تتردد.
فإذا فعلنا ذلك فلن نجزع من مجيء الساعة المحتومة ، بل سنرجو أن تكون فيها راحتنا من نصب الدنيا وتعبها ، ويزداد رجاؤنا في ربنا تبارك وتعالى أن تكون تلك الساعة هي آخر كروبنا وألا يكون علينا بعدها أي كرب.
ساحة النقاش