الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد/
فهذه أولى مقالات هذا القسم الذي أريده أن يكون متخصصا في مناقشة الأسباب التي تدعو الناس للإيمان بدين سماوي معين وإنكار دين سماوي آخر أو عدم الإيمان مطلقا بأي دين سماوي مكتفين بما يحلو لهم من المناهج والأفكار البشرية الوضعية.
وسوف أطرح هذه المقالات والخواطر والأفكار دون المساس بحرمة كل دين ودون المساس باحترام حرية كل شخص في اعتناق ما يراه صوابا من وجهة نظره ودون استخدام ألفاظ أو عبارات مسيئة أو مستفزة ترسخ البغضاء والعداوة بين أصحاب الرؤى المختلفة.
وأيضا فإنني أرحب بكل مشاركة أو تعليق تلتزم هذه الأسس من الاحترام وعدم الإساءة فكلنا إخوة في الإنسانية أصلنا واحد و مصير كل واحد منا - بعد الموت - يتحدد بنفس الأسس التي يتحدد بها مصير الآخرين ، ولا شك أنه لا يوجد واحد منا يرغب أن يكون مصيره ومآله إلى الجحيم أو الهلاك ، لذلك فمن الأجدر بنا أن نتعاون جميعا على اختلاف معتقداتنا في محاولة التعرف على أفكار بعضنا البعض وحجج كل منا في التمسك بعقيدة دون الأخرى حتى تتضح الحجج للجميع فيختار كل منا الطريق الذي قويت لديه حججه وازدادت بها قناعته ، ويدع الطريق الذي وهنت حججه ورآها غير مقنعة ولا يثبت لها قدم أمام الحجج التي اقتنع بها.
وللوصول إلى هذه النتيجة ينبغي أن يلتزم كل منا بالتجرد ، والتجرد يقتضى منا أن ننحي الهوى والتعصب والأحكام المسبقة جانبا لأن عدم التجرد يؤدى إلى تشبث كل واحد برأيه حتى وإن كان واضح الخطأ ، وبذلك يستحيل الوصول إلى نتيجة صحيحة ، وتكون المحصلة كالذي يحرك قدميه دون أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام.
وباب المشاركة مفتوح للجميع ما داموا ملتزمين بالأسس المذكورة فنرحب بمشاركة أتباع كافة الأديان السماوية على اختلاف مذاهبهم ونرحب أيضا بمشاركة منكري الأديان السماوية لنتعرف على حججهم في ذلك وليتعرفوا هم أيضا على حجج أتباع الأديان السماوية.
ولا ضرورة لمشاركة من يجد في نفسه عدم القدرة على التجرد لأن هذا يعنى عدم التخلي عن رأيه حتى إن ظهر له خطؤه.
ونبدأ في هذا المقال الأول بطرح عدد من المسلمات وهي :
1- فريق كبير من البشر يؤمنون بالإله الخالق وأنه أرسل رسلا للناس على مر العصور والأزمان حاملين لهم تعاليم السماء ، وإن اختلفوا في تصديق بعض الرسالات وإنكار بعضها الآخر ، بينما يوجد فريق كبير من الناس ينكر الأديان السماوية جميعا ولا يعتقد في إرسال الرسل وربما أنكر وجود الإله الخالق ابتداء.
2- المؤمنون بالرسالات السماوية لهم قصة مشتركة وهى أنهم يؤمنون بنبيهم وبمن سبقه من الأنبياء لأن نبيهم أخبر بصدقهم ولكنهم لم يؤمنوا بالأنبياء من بعده لأن كبار رجال الدين عندهم لم يسمحوا لهم بذلك لحجج ساقوها إليهم.
3- أن رجال الدين ليسوا أنبياء ولا يوحى إليهم ويختلفون مع بعضهم البعض ويفترقون فرقا ، وقد يكفر بعضهم البعض بعد الافتراق وقد يقتل بعضهم البعض ، وهذه ملاحظة في غاية الأهمية ، لأنهم إن كانوا يختلفون معا وهم أتباع نبي واحد ، وإن كانوا يفترقون ويكفر بعضهم بعضا وقد كانوا أتباع نبي واحد ، فلا شك أن هذا يعني أن أكثرهم على الباطل ، لأنه إن كانت إحدى فرقهم على الحق فهذا يعنى أن بقية الفرق على باطل.
4- لا غرابة أنه إن كان أكثر كبار رجال الدين على باطل كما هو ظاهر من الفقرة السابقة ، فلا غرابة أن يستمروا على باطلهم فيكذبوا أي نبي صادق يأتيهم بعد ذلك بينما تؤمن به طائفة واحدة ممن بقي على الحق ، وبذلك لا يبقى من ذلك الدين إلا من كان على باطل ، إذ الفرقة الوحيدة التى كانت على الحق انتقلت إلى دين جديد بتصديق واتباع نبي جديد.
5- أن المذاهب التي تسود وتبقى ليس بالضرورة أن تكون مذاهب أهل الحق وإنما غالبا ما تكون المذاهب المرضي عنها من أهل السطوة والسلطة والحكم.
6- بناء على ما سبق فليس من العقل أن أظل أسير المذهب الذي ورثته عن أبوي فربما يكون أحد المذاهب التي على باطل.
7- وبناء على ذلك يجب أن أنظر إلى جميع كبار رجال الدين من مختلف الأديان والعقائد نظرة متساوية ، وأن أدرك أنهم ماداموا مختلفين فجميع فرقهم على الباطل إلا واحدة على الحق ، ويجب أن أتجرد تماما لأستطيع معرفة تلك الواحدة التي على الحق.
8- أن الأمر يشبه تماما أن معك مائة تفاحة ثم علمت أن جميعها مسمومة إلا واحدة ، فهل يمكن أن تخدع نفسك وتتناول أي واحدة منها وتأكلها أم أنك سوف تأخذ حذرك وتفحص كل واحدة منها جيدا بكافة طرق الفحص حتى يتبين لك التفاحة السالمة وتتيقن من سلامتها تماما قبل أن تهم بأكلها.
9- أن أشهر الديانات السماوية الآن وبحسب ترتيبها التاريخي هي اليهودية والمسيحية والإسلام.
10- أن أكبر كتلتين بشريتين من أتباع الديانات السماوية في هذا الزمان هم المسلمون والمسيحيون.
11- أنه لا ينبغي الاستهانة بأفكار وحجج هذين الفريقين الكبيرين من الناس وقد بلغ كل منهما ما بلغ من علم وتقدم ، فالغرب المسيحي يقود العالم الآن منذ أكثر من مائتي عام ، بينما قاد المسلمون العالم لمئات السنين أيضا وقدموا للعالم من العلوم ما بنيت على أسسه أكثر العلوم الحديثة التي تعرفها البشرية الآن ، إذن فلا استهانة بعقلية هذين الفريقين ولا بقدرة أي منهما في إمكانية توصله إلى المنهج الحق.
هذه هي المسلمات التي سوف ننطلق منها للوصول إلى الحق أو لمحاولة الوصول إليه بصيغة أدق ، فمن كان يتفق معي على هذه المسلمات أو يختلف معي أو يرى إضافة مسلمات أخرى تفيد في وصولنا - كبشر من كافة المذاهب والملل - إلى الحقيقة فليشاركنا بما يريد أن يطرحه وكلنا آذان صاغية بكل تجرد وعدم انحياز مسبق.
وإلى مقال آخر استودعكم الله.
ساحة النقاش