نهضة مصر: بعد 25 يناير 2011 -------- أ. د/ ممدوح عبد الغفور حسن

أكثر من نصف قرن مع المواد النووية والثروة المعدنية

authentication required

 

الفصــل الثالث
مكونات الرواسب المعدنية

 تنقسم الرواسب المعدنية من حيث استخداماتها ومن حيث المواد المستخلصة منها إلى ثلاثة أقسام: الرواسب المعدنية الفلزية، والرواسب المعدنية اللافلزية، والوقود المعدني، فالرواسب المعدنية الفلزية: هي الرواسب التي يمكن استخلاص فلز أو أكثر منها، مثل رواسب النحاس والحديد والذهب. أما الرواسب المعدنية اللافلزية: فهي التي تستخدم لاستخلاص عنصر لا فلزي، مثل رواسب الكبريت، أو تستخدم كمواد أولية في أغراض صناعية مختلفة مثل رواسب الطفلة والحجر الجيري ورمل الزجاج، أما رواسب الوقود Mineral fuel فهي رواسب  اليورانيوم والثوريوم الذين يشكلان المواد الأولية للوقود النووى مصدر الطاقة النووية، أما البترول والفحم فهما ليسا رواسب معدنية بالمعنى الذي ذكرناه، ولذك فسوف يستبعدا من الرواسب المعدنية في هذا الكتاب.

تشتق العناصر الكيميائية التي تكون مختلف معادن الرواسب المعدنية الفلزية، واللافلزية من الصخور المتنوعة التي تكون القشرة الأرضية، ومن الصهارات التي تتداخل في صخور هذه القشرة وتبرد لتكون الصخور النارية المختلفة. وإذا أخذنا بالنظرية التي تقول إن الأرض قد مرت في بداية نشأتها بمرحلة كانت فيها كتلة منصهرة أي صهار magma فإننا نستطيع أن نقول: إن كل ما في القشرة الأرضية من معادن وصخور نشأ في البداية من الصهار، نتيجة لعمليات التمايز المختلفة وما تلاها من عمليات ثانوية كعمليات التعرية والترسيب. وهذا يوضح أهمية دراسة الصهار، لأنه الأصل لكل مكونات القشرة الأرضية من معادن وصخور و رواسب معدنية، ولذلك لابد من تكوين الخلفية اللازمة عن المعادن والصخور من منظور الرواسب المعدنية فى القشرة الأرضية.

نبذة عن تركيب القشرة الأرضية:

من جميع العناصر الكيميائية في الجدول الدوري، توجد ثمانية عناصر فقط بنسب أكثر من 1% في القشرة الأرضية، وثلاثة عشر عنصرا تكون حوالي 99.5% من القشرة الأرضية كلها (جدول رقم 3-1). أما باقي العناصر كلها، فهي لا تكون أكثر من 0.5 % من القشرة الأرضية، والكثير من هذه العناصر الشحيحة لها أهمية اقتصادية كبيرة، مثل النحاس والذهب واليورانيوم، وغيرها. من هذا يتبين أنه لتكوين راسب معدني لأحد هذه العناصر التي تتواجد في القشرة بنسب شحيحة جداً، لابد من أن تتضافر بعض العوامل الجيولوجية المختلفة لتجميع هذه العناصر، ثم تركيزها في أجزاء محدودة من القشرة الأرضية، لتكون الرواسب المعدنية. ويبين الجدول رقم (3-2) تركيز بعض العناصر في القشرة الأرضية، والحد الأدنى بالتقريب لتركيز كل عنصر في رواسبه حتى تصبح اقتصادية، ثم عامل التركيز. مثال ذلك: اليورانيوم، فمتوسط تركيز هذا العنصر في صخور القشرة الأرضية حوالي 2 جزء في المليون (0.0002%) ولكي يكون خام اليورانيوم اقتصادياً لابد وأن يحتوي على 0.1% على الأقل، وإزاء هذا يجب أن يتم تركيز اليورانيوم في خاماته حوالي 500 مرة.

أما المعادن التي تكون الجزء الأكبر من صخور القشرة الأرضية، فهي أيضاً قليلة العدد؛ فمن حوالي 1600 معدن تم تعريفها ووصفها حتى الآن، يوجد فقط حوالي 50 معدنا تكون الغالبية العظمى من الصخور، ومن هذه أيضاً يوجد حوالي 30 يمكن اعتبارها معادن شائعة، أما المعادن الاقتصادية، وهي التي نستخلصها من الرواسب المعدنية، فتبلغ حوالي 200 معدن وهي أقل انتشاراً من المعادن المكونة للصخور.

مكونات الرواسب المعدنية الفلزية:

تمثل الرواسب المعدنية الفلزية تركيزات عالية جداً من بعض الفلزات التي تتواجد غالباً بنسب ضئيلة جداً في القشرة الأرضية، وفي هذه الرواسب يتواجد الفلز المرغوب إما على إطلاقه غير متحد مع غيره من العناصر، مثل الذهب والفضة والنحاس، أو متحداً مع عناصر أخرى مكوناً معادن تعرف بالمعادن الركازية، أو معادن الركاز Ore minerals. وتتواجد المعادن الركازية مختلطة بنسب متفاوتة مع العديد من المعادن الأخرى، التي غالباً ما تكون غير اقتصادية، وتعرف بالمعادن الغثة Gangue minerals. وهذا الخليط من المعادن الركازية والمعادن الغثة يسمى الركاز أو جسم الركاز Ore body، وعادة ما يشمل الراسب المعدني الفلزي على عدد من الركازات محاطة بمواد صخرية، تسمى الصخر الحاوي، أو الصخور المحيطة (Country rock). والشكل (3-1) يمثل قطاع في أحد الرواسب المعدنية لتوضيح هذه التسميات، ويتكون هذا الراسب من تكوينين صخريين: هما الجسم الجرانيتي، ومجموعة الطبقات الرسوبية، وكل تكوين يحتوي على عدد من الأجسام الركازية، في الجسم الجرانيتي، تتواجد هذه الأجسام الركازية على هيئة حبيبات من البيريت والكاكلوبيريت منتشرة في أجزاء من الجرانيت، ومختلطة بمعادن الجرانيت نفسه مثل الفلسبار والكوارتز، وفي هذه الحالة تسمى المعادن الغثة. أما في الطبقات الرسوبية فتتواجد أجسام الركاز على هيئة كتل مدموكة تقريباً Massive bodies من الكالكوبيريت والبيريت، وبعض المعادن الغثة مثل الكالسيت والفلوريت، وقد تكونت هذه الكتل عن طريق ذوبان أجزاء من الحجر الجيري، وترسيب المعادن في مكانها بواسطة المحاليل الممعدِنة Mineralizing solutions.

المعدن الركازي أو معدن الركاز Ore mineral:

وهو المعدن الذي يمكن استخلاص فلز أو أكثر منه. وهذه المعادن إما أن تكون على هيئة الفلز الحر، مثل الذهب والبلاتين، أو على هيئة الفلز متحداً مع عنصر أو عناصر أخرى، مكوناً مركبات كيميائية متعددة. وأهم المعادن الركازية هي ما يوجد فيها الفلز متحداً مع الكبريت مكوناً الكبريتيد مثل الكالكوسيت (Cu2s)، والجالينا (Pbs)، أو مـع الأكسجـين، مكـوناً أكاسيـد مختلفة، مثل الماجنيتيت (Fe3O4) والكاسيتريت (SnO2).

بالإضافة إلى ذلك يوجد كثير من المعادن الركازية في صور كيميائية أخرى مثل الكاربونات والسيلكات .... إلخ. ولكل فلز يوجد العديد من المعادن التي يمكن استخلاصه منها، مثل النحاس الذي يمكن استخلاصه من الكالكوبيريت (CuFeS2) والكالكوسيت (Cu2S) والكوبريت (Cu2O)، كما أن هناك بعض المعادن الركازية التي يمكن منها استخلاص أكثر من فلز مثل الستانيت (Stannite Cu2FeSnS4)، الذي يستخلص منه النحاس والقصدير. ويمكن تقسيم المعادن الركازية من حيث منشأها إلى: معادن أولية، ومعادن ثانوية. فالمعادن الأولية (Primary) هي التي تتكون نتيجة للاتحاد الكيميائي  بين مكوناتها، ثم ترسيبها بأي طريقة من طرق الترسيب المعروفة، مثل الكروميت الذي يتكون نتيجة التبلور من الصهار، أو الجالينا الذي يتكون نتيجة للترسيب من المحاليل الحرمائية، أو معدن الهيماتيت الذي يتكون نتيجة للترسيب من مياه البحر مختلطاً بالصخور الرسوبية، هذا بعكس المعادن الثانوية، التي تتكون نتيجة للتغيرات الكيميائية (Alterations) التي تطرأ على المعادن الأولية مثل: معدن السيروسيت (PbCO3) الذي يتكون نتيجة تأثير عوامل التجوية على الجالينا، أو معدن المالاكيت (CuCO3(OH)2) الذي يتكون نتيجة لتغيير الكالكوبيريت بواسطة المحاليل السطحية. وهناك بعض المعادن التي يمكن أن تتكون بالطريقتين، ففي بعض الظروف تتكون على هيئة معادن أولية، وفي ظروف أخرى تتكون على هيئة معادن ثانوية، مثل الهيماتيت، والنحاس الحر، والكوفليت. وهناك تعبيران آخران يستعملان كثيراً في وصف المعادن من ناحية المنشأ، وهي المعادن الأصيلة، والمعادن الناجمة، فالمعادن الأصيلة Hypogene هي المعادن التي تتكون نتيجة للترسيب من المحاليل الصاعدة، أي المحاليل التي تنشأ من باطن الأرض، مثل المحاليل الحرمائية أو الصهار، ومن هذا التعريف نرى أن كل المعادن الأصيلة لابد أن تكون معادن أولية، ولكن ليست كل المعادن الأولية أصيلة. فمثلاً الهيما تيت الرسوبي يعتبر معدناً أولياً ولكن ليس أصيلاً، حيث أنه لم يتكون بفعل محاليل صاعدة ولكنه ترسب من مياه سطحية. أما وصف المعادن الناجمة Supergene فإنه يستعمل بدلالتين: الأولى كمرادف للمعادن الثانوية، والثانية ليدل على المعادن التي تتكون نتيجة المحاليل المائية النازلة، مثل مياه الأمطار والبحار، وأكثر استعمال هذا التعريف يكون في عمليات الأكسدة والإنماء الناجم (أو الثانوي) كما سيأتي ذكره فيما بعد. ويبين الجدول رقم (3-3) بعض المعادن الهامة لبعض الفلزات.

ويمكن وصف المعادن الركازية من ناحية خواصها الطبيعية بأنها فلزية أو غير فلزية، فالمعادن الركازية الفلزية: هي تلك التي لها خواص تشبه الفلزات، مثل التوصيل الكهربائي، والوميض... الخ، كالجالينا والكالكوبيريت، أم المعادن الركازية غير الفلزية: فهي تلك التي ليس لها خواص فلزية مثل المالاكيت والسفاليريت. ويلاحظ هنا أن بعض المعادن التي لها خواص فلزية، وأهمها وأكثرها شيوعاً (البيريت)، لا يعتبر معدن ركاز لأنه لا يستعمل لاستخلاص الحديد.

المعادن الغثة:

وهى المعادن التى تصاحب المعادن الركازية فى الرواسب المعدنية الفلزية، وغالبا ما تكون نفس المعادن التى تكون الصخور. وقد تتكون المعادن الغثة أثناء تكون المعادن الركازية نفسها و مصاحبة لها، جزءا من الصخر الحاوى للركاز التى تمت فيه عمليات التمعدن. وأكثر المعادن الغثة الشائعة معادن غير فلزية، أى معادن ليس لها خواص فلزيةإلا أن بعضها، و أشهرها البيريت، تكون فلزية. و يحتوى جدول رقم (3-4) على أكثر المعادن الغثة شيوعا فى الرواسب المعدنية الفلزية.

وبعد استخراج الركاز من باطن الأرض، تجرى عليه عمليات تركيز للمعادن الركازية لفصلها عن المعادن الغثة قبل إجراء عمليات الصهر وفصل الفلز، وفى كثير من الأحيان تكون المعادن الغثة ذات قيمة اقتصادية ولها استخدامات مختلفة، وهذا يزيد من اقتصاديات الراسب الفلزى، مثال ذلك: كسر الصخور الذى يستخدم فى رصف الطرق، أو الكوارتز الذى يستخدم فى التجليخ، أو البيريت الذى يستخدم أحيانا لاستخلاص الكبريت. علاوة على ذلك فإن بعض المعادن الغثة التى ليس لها استخدام فى الوقت الحاضر ربما يظهر لها استخدام فى المستقبل.

الركاز أو جسم الركاز:     (Ore, ore-body)

وهو كتلة صخرية محددة، تتكون من خليط من المعادن الركازية والمعادن الغثة، بنسب تسمح باستخلاص الفلز بصورة اقتصادية، وتختلف هذه النسب اختلافاً كبيراً، فهناك بعض الركازات التي تتكون أساساً من المعادن الركازية مع نسبة قليلة جداً من المعادن الغثة، كما يحدث العكس تماماً. أما إذا كانت المعادن الركازية موجودة بنسب لا تسمح باستخلاص الفلز اقتصادياً فإن الجسم الصخري لا يسمى ركازاً، ويختلف الحد الأدنى لتركيز الفلز الذي يسمح باستخلاصه اقتصادياً اختلافاً كبيراً حسب قيمة الفلز نفسه، ويتضح هذا من المقارنة بين الحديد، والنحاس، والذهب، (جدول رقم 3-1)، فأقل نسبة تسمح باستخلاص الحديد من ركازاته هي 30%، أي أن أي ركاز للحديد لابد أن يحتوي على 30% أو أكثر من الحديد، أما بالنسبة للنحاس فإن هذه النسبة تكون في حدود1%، والذهب 0,001% تقريباً. وهنا أيضاً تتدخل العوامل الاقتصادية الأخرى، التي تحدد إذا ما كانت عمليات التعدين والنقل والاستخلاص اقتصادية أم لا. وباختصار: لابد أن تكون قيمة الفلز المستخلص أكبر من تكاليف كل العمليات التي تجري لاستخلاصه. وقد تستخدم كلمة ركاز بصورة عامة لتدل على أي مادة صخرية تستخرج من المناجم، لاستخلاص فلز أو أكثر منها.

وقد يعتمد تقييم الركاز أو الراسب المعدني أيضاً على وجود بعض العناصر الشحيحة الهامة، فمثلاً وجود البزموت أو الكادميوم أو الزرنيخ في بعض رواسب الرصاص والزنك، يرفع من قيمتها الاقتصادية بشكل ملحوظ، وقد يستخدم الراسب أساساً لاستخلاص تلك العناصر الشحيحة، ويعتبر الفلز الأساسي نفسه ناتج جانبي (By-product)، وفي العادة نجد أن كل راسب معدني يتكون من عدة أجسام ركازية، مثال ذلك طبقة من الدولوميت تحتوي على معادن الجالينا والسفاليريت ولكنها ليست موزعة توزيعاً منتظماً، بل تتواجد على هيئة كتل ركازية في أجزاء معينة من تلك الطبقة، ففي هذه الحالة تعتبر الطبقة ككل، راسباً معدنياً للرصاص والزنك، يحتوى على عدة كتل ركازية، ونلاحظ أن البعض قد يستعمل تعبير "جسم الركاز" كمرادف لراسب معدني.

رتبة الركاز: (Tenor of ore)

وهي النسبة المئوية للفلز في الركاز، وهذه بالطبع ليس لها حدا أعلى، ولكن لها حد أدنى، إذا قلت عنه لا يعتبر الراسب ركازاً، لأنه بذلك يصبح غير اقتصادي كما ذكر قبل ذلك.

مكونات الرواسب المعدنية اللافلزية (أو الصناعية):

(Non-metallic or industrial mineral deposits)

في هذه الرواسب لا تستعمل كلمة الخام للدلالة على الأجزاء المرغوبة من الرواسب المعدنية، ولكن يشار إليها باسمها مباشرة، مثل: رواسب الميكا والتلك والأسبستوس، وليس خام الميكا أو التلك أو الأسبستوس، ولا تستعمل أيضاً كلمة المعادن الغثة للدلالة على المواد غير المرغوبة فيها، ولكن تستعمل بدلاً منها كلمة العادم (Waste). وعلى العموم فإن هذه الرواسب تتكون في معظمها من المادة المرغوبة، مع نسبة بسيطة من العادم، وقد لا يوجد عادم إطلاقاً كما يحدث في حالة طبقات الجبس، أو الحجر الجيري.

وتشكل الرواسب المعدنية اللافلزية عدداً كبيراً من المواد التي تستخدم في مختلف أغراض الصناعة، مثل: الصخور المختلفة، والرمل، والأملاح، والأسبستوس، والتلك، والطفلة، وغيرها. ولهذا فإن من الشائع أن يطلق على هذه الرواسب اسم الرواسب المعدنية الصناعية، وتعتمد قيمة هذه الرواسب أساساً على ثمنها، وعلى خواصها الطبيعية، والكيميائية، حيث أنه لا تجرى عليها عمليات استخلاص معقدة، كما في حالة

 الرواسب المعدنية الفلزية، ويتم تنقيتها من العادم  بالطرق الميكانيكية، مثل التنقية اليدوية، والغسيل، والتعويم وغيرها.

تسميات الصخور: (nomenclature)

تبنى تسميات الصخور على التركيب المعدنى وليس التركيب الكيميائ، وفى نفس الوقت التركيب الكيميائى له دلالات مهمة فى دراسات الرواسب المعدنية، وخاصة فى الاستكشاف الجيوكيميائى. وفى معالجة الخامات المعدنية Ore-dressing، هناك وسائل توضيحية تستخدم فى للتعبير عن التركيب المعدنى والتركيب الكيميائى للصخور.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 212 مشاهدة
نشرت فى 7 فبراير 2013 بواسطة mamdouhgeo

ساحة النقاش

ممدوح عبد الغفور حسن

mamdouhgeo
تسجيل خبرتى على 56 عام مع الجيولوجيا والرواسب المعدنية والبحوث العلمية والتطبيقية والإ شراف على رسائل الماجستير و الدكتوراه والتدريس فى الجامعات العربية. »

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

78,095