البرنامج النووى المصرى
مقدمة
g بدأ تاريخ البرنامج النووى المصرى فى منتصف الخمسينيات تحت "شعار إن كان قد فاتنا عصر البخار، فلن يفوتنا عصر الذرة"، وكان الأمل معقوداً على دخول مصر العصر النووى، وكانت الفرصة سانحة جداً فى ذلك الوقت لدخول هذا العصر من أوسع أبوابه، ثم تعطل ولم يتم تنفيذه حتى الآن، كما كان تصوره، ولكن بعد ثورة 25 يناير أصبح قاب قوسين أو أدنى، ونأمل أن تحتفل مصر بتشغيل أول محطة نووية فى الضبعة بالساحل الشمالى فى الزمن القريب. أما أسباب تعطيل هذا البرنامج فهى إما داخلية أو خارجية أو الاثنين معا. وقد كان لوسائل الإعلام المصرية دورا فى هذا التعطيل سيأتى ذكره فى الكتابات التالية.
g من بعد ثورة 25 يناير رأيت من واجبى أن أساهم فى توعية الشباب والأجيال القادمة بالثقافة النووية ؛ فهم الكوادر التى ستقوم بتحمل المسئولية فى البرنامج النووى المصرى, ورأيت أن أُنشأ هذه الصفحة لأقدم خبرتى للأجيال الحالية والقادمة، وسأبدؤها ببعض المقالات التى نشرتها خلال عملى فى الحقل الجيولوجى والنووى، وأرجو من كل من يقرأ ما أكتبه أن ينقده وخاصة وضوح المعلومات التى ترد فيه، حتى أعيد كتابتها بأسلوب أكثر وضوحا.
الكهرباء النووية ومستقبلها فى مصر
د.ممدوح عبد الغفور حسـن
لا شك أن الطاقة الكهربية هى أنسب صور الطاقة اللازمة للمجتمعات الحديثة، وأصبح تقدم الأمم يقاس بمدى مقدرتها على توليد واستخدام الطاقة الكهربية فى مختلف أنشطتها، وأصبح متوسط نصيب الفرد السنوى من الطاقة الكهربية مؤشرا لتقدم الشعوب، حيث نجده يتراوح ما بين 18830 كيلوات ساعة فى كندا و 65 كيلووات ساعة فى بنجلاديش، وفى مصر قدر بحوالى 800 كيلووات ساعة فى عام 1990، ويقدر أنه ارتفع إالى حوالى 1000 كيلووات ساعة أو يزيد قليلا فى عام 1993، ولهذا تسعى جميع الدول، وخاصة الدول النامية، إلى زيادة قدراتها على توليد الطاقة الكهربية. ولكن الطاقة الكهربية طاقة ثانوية يتم توليدها من أحد مصادر الطاقة الأولية، التى تشمل الفحم الحجرى (42%)، والبترول والغاز الطبيعى (22%)، ومساقط المياه (19%)، والطاقة النووية (17%). وبدون الدخول فى تفاصيل المقارنات بين الصور المختلفة، وبالرغم من اعتراض البعض على استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، إلا أن كل التوقعات تشيير إلى أن استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء سيتزايد بمعدل 2-3% سنويا على مدى العشرين سنة القادمة، كما أن كثيرا من الدول المتقدمة قد وصلت إلى توليد الكهرباء النووية بمعدلات كبيرة؛ فمن مجمل الطاقة الكهربية المولدة تصل نسبة الطاقة النووية إلى حوالى 73% فى فرنسا، 59% فى بلجيكا، 51% فى السويد، 40% فى سويسرا، 28% فى ألمانيا، 24% فى اليابان، 22% فى أمريكا، 21% فى انجلترا، 16% فى كندا. أما فى الدول النامية فلا زالت هذه النسب غير محسوسة إلا فى بعض الحالات النادرة مثل كوريا الجنوبية 48% والأرجنتين 19% وتايوان 38%. وقد سعت كثير من الدول النامية إلى دخول العصر النووى بإنشاء مفاعلات القوى دون تردد مثل الهند وباكستان وكوريا الشمالية والجنوبية والأرجنتين والبرازيل، كما تسعى تايلاند وأندونيسيا إلى ذلك أيضا. و كان يوجد فى العالم 424 مفاعل نووى لتوليد الكهرباء فى 37 دولة حتى نهاية 1992 ، وقد تم إغلاق 65 مفاعلا بعد انتهاء عمرها الافتراضى بينما يجرى تشييد 72 مفاعلا جديدا.
وبالرغم من أن مصر كانت من أوائل الدول التى دخلت مجال الطاقة النووية فى منتصف الخمسينيات، وقامت بنشاط واسع فى مجال استكشاف الخامات النووية، إلا أنها لم تدخل حتى الآن مجال إنتاج الطاقة الكهرونووية، بالرغم من أن التخطيط السابق كان يزمع الوصول إلى إنشاء 8 مفاعلات لتوليد الكهرباء حتى سنة 2002 مجموع قدراتها المركبة حوالى 8400 ميجاوات كهربى، وتحتاج إلى 12000 طن من اليورانيوم الطبيعى لتصنيع الوقود النووى لها، ولكن لم يتبلور هذا التخطيط لعدة أسباب، ربما يكون أحدها حادث شيرنوبيل. ولكن بعد التقدم الهائل فى تصنيع المفاعلات المولدة للطاقة الكهربية وتطوير تقنيات التشغيل وزيادة معاملات الأمان، لابد لمصر من التفكير الجدى فى الإقدام على الخطوة الحاسمة لإنشاء المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وذلك لدفع عجلة التنمية وتحقيق مستقبل أفضل، والمبررات القوية لذلك هى:
1- بلغت جملة الطاقة الكهربية المولدة عام 1992 حوالى 45.5 جيجاوات ساعة، ومن المتوقع أن تزيد إلى ما بين 90 و100 جيجاوات ساعة فى عام 2002، أى تتضاعف تقريبا، واعتمادنا على البترول والفحم معناه إما استهلاك احتياطى البترول إلى حد الاستنزاف، وفى هذا تبديد لأحد المصادر الهامة للدخل القومى والخامة الأساسية للصناعات البتروكيميائية، أو الاعتماد على استيراد الوقود من الخارج، وفى هذا أيضا تبديد للمدخرات من العملة الصعبة فى سلعة استهلاكية.
2- تدل الشواهد الجيولوجية على احتمالات جيدة لوجود خامات اليورانيوم بكميات كبيرة فى الصحارى المصرية، وأن تكثيف أعمال استكشاف اليورانيوم وتنمية مواقعه ستصل إلى تحديد احتياطيات كبيرة منه، وقد بدأت فعلا هيئة المواد النووية برنامجا مكثفا للحفر الآلى فى موقعين من مواقع اليورانيوم فى الصحراء الشرقية، وكل النتائج حتى الآن تعتبر مشجعة للغاية. ووجود مصادر اليورانيوم فى مصر يضمن لها توافر الوقود النووى اللازم لتشغيل المفاعلات النووية.
3- تم استنفاد جميع إمكانيات توليد الكهرباء من مساقط المياه فى مصر، وليس هناك أى احتمالات لمصادر جديدة يمكن أن تضيف قدرات ذات بال إلا من مشروعات ضخمة مثل مشروع منخفض القطارة أو مشروعات الضخ والتخزين، وتكاليف هذه المشروعات لا تقل عن تكاليف المحطات النووية إن لم تكن تزيد كثيرا. كذلك فإن مصادرالطاقة الجديدة والمتجددة لازالت فى بداياتها ولا ينتظر أن تساهم بنسبة محسوسة فى الاحتياجات فى المستقبل المنظور.
4- بالإضافة إلى توليد الكهرباء، فإن المحطات النووية يمكن النظر إليها على أنها مصدر للمياه العذبة عن طريق تحلية مياه البحر، وهذه نقطة هامة جدا إذا أخذنا فى اعتبارنا الاحتياج المتزايد للمياه فى المستقبل القريب وثبوت حصة مصر من مياه النيل عند 55.5 مليار متر مكعب سنويا يتم استخدامها بالكامال، ولا بد من ايجاد مصادر بديلة لتكفى احتياجات السكان الذى ينتظر أن يصل تعدادهم إلى حوالى 70 مليون نسمه مع مطلع القرن الحادى والعشرين، ومصادر المياه الجوفية والأمطار لايمكن الاعتماد عليها، فلا يبقى إذن غير تحلية مياه البحر، وهذا ما حذر منه وزير الأشغال العامة والموارد المائية وطالب بترشيد استخدام المياه العذبة.
وبالإضافة إلى الحاجة الملحة لاستخدامات الطاقة النووية فى مصر، فهناك الآن المبررات القوية التى تحبذ الدخول الفعلى فى مجال الطاقة النووية، وإن لم يكن لدفع عجلة التنمية بالسرعة المطلوبة؛ فمن أجل الأمن القومى من النواحى النووية والتلوث الإشعاعى؛ فالتكنولوجيا النووية تكنولوجيا متكاملة ولا يمكن امتلاكها إلا بإنشاء المفاعلات النووية، ولا توجد أى دولة متقدمة فى التكنولوجيا النووية دون أن يكون لديها مفاعلات نووية، ولنا العبرة فى الهند التى بدأت مشوارها النووى معنا (عام 1955) وأصبح لديها الآن 9 محطات نووية مجموع قدراتها 1593 ميجاوات كما لديها احتياطى من اليورانيوم يقدر بحوالى 66 ألف طن.
نشرت بالأهرام فى 10/8/1994
ساحة النقاش