موقع الدكتور: مـحـمـد الـشـعـراوى الشـال

الدراسات العليا، كلية الخدمة الإجتماعية، جامعة حلوان.

 الأسس النظرية التي تعتمد عليها الممارسة العامة


سوف نعرض للأسس النظرية التي تعتمد عليها الممارسة العامة سواء ما يتعلق منها بالوصف والتفسير، أو ما يختص منها بالتدخل، وفيما يلي توضيح لها:
(1) نظريات الوصف والتفسير في إطار الممارسة العامة
1- المنظور النسقي الأيكولوجي:- System / Ecological Perspective
يعتبر المنظور النسقي الأيكولوجي إطاراً شاملاً Framework يسهم في وضع نماذج محددة للممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية مع المشكلات التي تتعامل معها، كما أنه يشكل إطاراً لتوظيف العديد من النظريات في تفسير المشكلات التي يعاني منها العملاء، وإيجاد الأساليب المناسبة للتعامل معها. ويتضمن هذا المنظور مزيج من المفاهيم التي قامت عليها نظرية الأنساق System Theory لبيرتالانفي Bertalanffy ونظرية الأنساق الأيكولوجية ليوري برونفينبريينر Uri Bronfenbrenner مكاناً متميزاً في الإطار النظري للممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية نظراً لما يوفره من مجموعة من الفروض والمفاهيم التي تزود الخدمة الاجتماعية بإطار عمل شامل ومتعمق يسمح بتحليل وتفسير الطبيعة المعقدة للتفاعلات الإنسانية.
ونظراً لاعتماد المنظور النسقي الأيكولوجي على المفاهيم النظرية لكل من نظرية الأنساق والنظرية الأيكولوجية؛ فقد اختلفت وجهات النظر حول هاتين النظريتين؛ حيث يرى كل من جيرمين وجيترمان Germain & Gitterman أن لكل من المنظور النسقي والمنظور الأيكولوجي مفاهيمه الخاصة به، لذا فقد فصل بعض المتخصصين في الخدمة الاجتماعية مثل مير Meyer بين المنظور النسقي والمنظور الأيكولوجي نظراً لأن المنظور النسقي يركز أساساً على بناء النسق وخصائصه، الأمر الذي يساعده على تفسير العلاقة بين المتغيرات، وترتيب هذه الأنساق داخل البيئة طبقاً لدرجة تعقيدها. بينما يركز المنظور الأيكولوجي على التعاملات والتفاعلات بين مكونات هذه الأنساق أكثر من التركيز على البناء. وعلى الجانب الآخر قام بعض المتخصصين أمثال كومبتوم وجالاواي Comptom & Galaway بدمج مفاهيم كلاً من المنظورين في إطار واحد أطلقوا عليه المنظور النسقي الأيكولوجي.
وفي هذا الإطار نتفق مع وجهة النظر التي دمجت بين مفاهيم هذين المنظورين لأن ذلك يتيح للخدمة الاجتماعية تحقيق أقصى استفادة ممكنة من تعدد المفاهيم التي يتضمنها كلا المنظورين مما يوفر إطاراً مناسباً ومتكاملاً لفهم وتفسير مشكلات العملاء وتوفير الاستراتيجيات والأساليب المناسبة للتعامل معها.
ولا شك أن المنظور النسقي الأيكولوجي قد ساهم في تطوير الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية، ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا المنظور قد جعل لممارسة الخدمة الاجتماعية شكلاً مميزاً يختلف عن أشكال ممارسة المهن الأخرى التي تشترك مع الخدمة الاجتماعية في التعامل مع مشكلات الإنسان؛ حيث تساعد فروض ومفاهيم المنظور النسقي الأيكولوجي الأخصائي الاجتماعي (الممارس العام) على تحديد مفهوم واضح للعميل الذي يتعامل معه، وتفهم طبيعة المشكلات التي يتعامل معها، بالإضافة إلى أن المنظور النسقي الأيكولوجي يساعد الأخصائي على تخير نقاط التدخل المهني في الموقف إلا أنه لا يزوده بالأساليب المهنية اللازمة للتطبيق أثناء التدخل، ذلك أن تلك الأساليب تتوقف على حجم الوحدة التي يتعامل معها الأخصائي، وعلى الدور المهني الذي يزمع القيام به، وعلى نظرية أو نموذج التدخل الذي يرى أهمية تطبيقه.. وتلك كلها أدوار تتوقف على المعارف العلمية للأخصائي، ومهارته في التطبيق.
- يوفر هذا المنظور للأخصائي الوسائل المناسبة واللازمة لتنظيم وترتيب كافة المعلومات التي تتجمع لديه عن نسق العميل، بما يكسب تلك المعلومات معاني ذات دلالات معينة، كما يمكن من خلال هذا المنظور أيضاً - وعند الضرورة - جمع كم من المعلومات والبيانات عن وحدات العمل، قد لا يتيسر جمعها من خلال المنظورات أو الأطر الأخرى.
- يسمح هذا المنظور (الإطار)، بل يتطلب من وحدات العمل، مشاركة فعالة في عمليات التغيير اللازمة لها، كما يساعدها على الممارسة الفعلية لمبدأ "حق تقرير المصير" Self-Determination.
وسوف نحاول فيما يلي التعرض بشىء من التفصيل لكل من نظرية الأنساق، ونظرية الأنساق البيئية على اعتبار أن كلاً منهما يشكل جانباً مهماً في المنطلقات النظرية للممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية.
2- نظرية الأنساق:- System Theory
نبتت أفكار الأنساق في الخدمة الاجتماعية من النظرية العامة للأنساق General System Theory لفون برتالانفي Von Bertalanffy عام (1971)، وهي نظرية بيولوجية تفترض أن جميع الكائنات الحية Organisms عبارة عن أنساق Systems تتكون من أنساق فرعية Sub-Systems، ولكنها في نفس الوقت عبارة عن أجزاء من أنساق أكبر Super-Systems. ولقد تم تطبيق النظرية مع الأنساق الاجتماعية مثل الجماعات والأسر والمجتمعات بالإضافة إلى الأنساق البيولوجية، وبالرغم من أن جانب الأنساق الاجتماعية للنظرية يقل تطوراً عن الأنساق البيولوجية أو الفنية (C. Payne, 1994). (Hanson, 1995) أشارا بأن قيمة نظرية الأنساق هي أنها تتعامل مع الكليات أكثر من أجزاء السلوك الاجتماعي أو البشري كما تفعل النظريات الأخرى.
ويوضح مانكوسكي (Mancoske, 1981) أن الأصول الهامة لنظرية الأنساق في علم الاجتماع تعتمد على النظرية الدراونية الاجتماعية لهربرت سبنسر Herbert Spencer.
وقد قام "هيرن" Hearn (1958, 1969) بأولى الإسهامات في تطبيق نظرية الأنساق في الخدمة الاجتماعية. وحدث التأثير الأعظم من خلال نشر تفسيرات لتطبيق أفكار الأنساق في الممارسة (Goldstein, 1973; Pincus and Minahan, 1973)، وقد حققت هذه الأفكار تأثيراً كبيراً في المملكة المتحدة من خلال مفسرين أمثال (Vickery, 1974; Specht and Vickery, 1977 & Olsen, 1978) أما في الولايات المتحدة الأمريكية فكان للتطورات المبكرة بواسطة (Siporin, 1975 & Germain and Gitterman, 1980; Germain, 1979) على نظرية الأنساق الأيكولوجية أثرت بشكل كبير في الولايات المتحدة.
ولقد أشار هيرن، ج Hearn, G. إلى أن نظرية الأنساق تقوم على افتراض مؤداه "أنه يمكن النظر إلى المادة، وفي كل صورها الحية منها وغير الحية، كأنساق، وهي - باعتبارها أنساقاً - لها خصائص متميزة معينة جديرة بالدراسة، فالأفراد، والجماعات الصغيرة - بما فيها الأسر والمنظمات - وسائر التنظيمات الإنسانية المركبة، مثل الجيرة والمجتمعات، واختصاراً، كافة الوحدات التي عادة ما تتعامل معها الخدمة الاجتماعية، كلها يمكن النظر إليها كأنساق ذات خصائص عامة ومشتركة معينة. وعند التعامل بنظرية الأنساق، فمن اللازم - فيما يرى أندرسون وكارتر Anderson, R. & Carter, I - أن نحدد أولاً النسق المركزي Focal System الذي هو بؤرة اهتمامنا في هذا التعامل، ثم نأخذ في الاعتبار أمرين هما:
1- مكوناته الداخلية، أي أنساقه الفرعية Sub-Systems.
2- البيئات ذات المغزى والأهمية بالنسبة لهذا النسق، أي الأنساق الأكبر المحيطة The Super-Systems، التي تؤثر بشكل كبير فيه، والتي يعتبر هذا النسق محل الدراسة جزء منها أو على الأقل على صلة بها.

هذا وتضمنت نظرية الأنساق العديد من المفاهيم الرئيسية الخاصة بها والتي نوضح معظمها مثل النسق، الأنساق المفتوحة، والأنساق المغلقة، الحدود، التوازن، العلاقات، وعملية التفاعل، المدخلات، المخرجات، التغذية العكسية، العمليات التحويلية، الأنتروبي.
- النسق:- A System
النسق هو وحدة تتكون من أجزاء أو وحدات متبانية ومتماسكة معاً؛ حيث كل وحدة معتمدة على غيرها في اعتمادية متبادلة، وتتفاعل المكونات والتي تشترك في خصائص عامة لينتج عنها إطار كلي، والنسق هو أكبر من مجموع أجزائه المعتمدة داخلياً على بعضها، ويسعى في إطار التفاعل المستمر بين أجزاءه لتحقيق التوازن.
ويعرف النسق أيضاً بأنه "كيان له حدود يجرى بداخله تبادل الطاقة الفيزيقية والعقلية". ويوجد نوعين من الأنساق:
أنساق مغلقة Closed Systems؛ حيث لا يوجد أي تبادل بينها وبين الأنساق الأخرى خارج حدود النسق، أما الأنساق المفتوحة Open Systems؛ فيوجد تبادل للطاقة خارج حدودها مع الأنساق الاجتماعية الأخرى.
ويتوقف انفتاح أو انغلاق النسق على مدى ما يحيطه من حدود تمثل مجموعة من القيم والعادات والتقاليد والأعراف وغيرها التي تؤثر في حركة وسلوك الأجزاء المكونة للنسق. فإذا كانت الحدود صارمة لا تسمح بالتفاعل وبتبادل الطاقة بين مكونات النسق والبيئة الخارجية كان النسق مغلقاً. أما إذا كانت الحدود مرنة وتسمح بدرجة أو بأخرى بتبادل الطاقة مع الأنساق الأخرى كان النسق مفتوحاً.
وهناك مجموعة أخرى من المفاهيم تركز على الطريقة التي تعمل بها الأنساق وعن كيفية تغيرها.
- الحدود:- Boundaries
هي الأوصاف الخاصة للأنساق الفرعية، وحدود نسق معين هي القواعد التي تحدد من يشارك في تعاملات هذا النسق، وكيفية هذه المشاركة، ويجب أن تكون هذه الحدود واضحة، ومعرفة بشكل جيد، كي يتم التوظيف الاجتماعي بشكل مناسب، مما يسمح لأعضاء الأنساق الفرعية بالقيام بوظائفهم المختلفة، دون تداخل كبير فيما بينهم.
بمعنى أن الحدود هي التي تفصل بين كل نسق وآخر من حيث (درجة أهمية النسق - الدور الذي يؤديه النسق - أشكال القوة التي تمارس داخل وخارج النسق - أشكال المهارات التي يمكن تعلمها داخل النسق)، لذا فإن الحدود وظيفتها حماية التباين والتمايز والاختلاف، الذي يميز كل نسق عن سواه، وكلما كانت هذه الحدود واضحة ومعرفة بدقة لمن هم في داخل النسق، ولمن هم بخارجه، كلما كان ذلك ادعى لأن يؤدي هذا النسق دوره بشكل أكثر توافقاً، ودون تداخل بينه وبين الأنساق الأخرى.
- التوازن:- Homeostasis
ويقصد بحالة التوازن أمران:
الأول: تناسب وتجانس التركيب الداخلي للنسق وتوافق أجزائه وعناصره وإقبالها على التعاون معاً بلا تناقضات أساسية.
الثاني: هو تكيف النسق مع البيئة ومعايشته للأوضاع والظروف السائدة.

- العلاقات:- Relationships، وعملية التفاعل Transactional Process
يعبر عن ذلك جولد نبرج، أ. وجولدنبرج، ﻫ. Goldenberg, I. & Goldenberg, H في قولهما "النسق هو مركب مكون من أجزاء في تفاعل متبادل بينهما، وبدلاً من النظر إلى كل جزء باعتباره معزولاً ومنفصلاً عن سواه، ثم جمع الأجزاء معاً لتكوين وحدة كلية، فإن المنظور النسقي يؤكد على العلاقات بين تلك الأجزاء، كي يمكن فهم مكونات النسق وأجزائه بشكل أوضح، باعتبارها وظائف للنسق الكلي.. ولفهم كيف يعمل شىء ما، فإننا يجب أن ندرس العملية التفاعلية التي تحدث بين مكونات النسق.. وليس مجرد جمع ما يسهم به كل جزء من مكونات النسق.
- مدخلات:- Inputs طاقة تغذي النسق عبر الحدود.
- مخرجات:- Outputs تأثيرات الطاقة الخارجة من النسق عبر حدوده على البيئة.
- حلقات التغذية العكسية (الرجع):- Feedback Loops الطاقة والمعلومات الداخلة إلى النسق والناتجة عن مخرجاتها المؤثرة على البيئة لتنقل نتائج المخرجات إليه.
- العمليات التحويلية:- تعتبر هذه العمليات هي الأنشطة والطاقة والجهد الذي يبذله النسق بكافة أجزائه لتحويل المدخلات بنوعيها (التي ينتجها بنفسه أو يحصل عليها من الخارج) إلى مخرجات أي تحقيق الأهداف المطلوبة.
- الإنتروبي:- Entropy والذي يشير إلى الطاقة الضائعة التي لا يقوم النسق باستغلالها.
وتتميز الأنساق بمجموعة من الخصائص أهمها:
(1) الاستقرار: كيف يحافظ النسق على وجوده بالحصول على المدخلات واستخدامها.
(2) التوازن: الحفاظ على الطبيعة الأساسية للنسق بالرغم من حدوث تغيرات عند تلقيه المدخلات.
(3) التميز أو الاختلاف: فكرة أن النسق ينمو بصورة أكثر تعقيداً تتضمن العديد من الأجزاء المتنوعة طوال الزمن.


(4) التبادل: فكرة أنه إذا تغير أحد أجزاء النسق فإن التغير يتفاعل مع باقي الأجزاء الأخرى، والتي تتغير بدورها.
وبالنسبة لتطبيق نظرية الأنساق في ممارسة الخدمة الاجتماعية لـ (بينكس وميناهان) Pincus and Minahan`s اللذان قدما مدخلاً للخدمة الاجتماعية يقوم على تطبيق نظرية الأنساق ويعتمد المبدأ الرئيسي لهذا المدخل على أن الأفراد يعتمدون على الأنساق في بيئاتهم الاجتماعية الحالية من أجل حياة مرضية، وبالتالي فإن الخدمة الاجتماعية تركز على ثلاثة أنواع من الأنساق يمكن أن تستخدم لمساعدة الناس وهي:
‌أ- الأنساق غير الرسمية أو الطبيعية مثل: الأسرة، الأصدقاء، زملاء العمل.
‌ب- الأنساق الرسمية مثل: جماعات المجتمع، نقابات العمال.
‌ج- الأنساق المجتمعية مثل: المستشفيات، المدارس.
وتظهر مشكلات الأفراد نتيجة عدم قدرتهم على استخدام تلك الأنساق لأسباب متعددة منها:
- عدم وجود مثل هذه الأنساق في حياتهم أو لا توجد لديهم الموارد الضرورية التي تعاونهم على مواجهة مشكلاتهم.
- قد لا يعرف الناس شىء عن تلك الأنساق، أو عدم رغبتهم في التعامل معها.
- قد تخلق سياسات النسق مشكلات جديدة لمستخدميها مثل الاتكالية وتضارب المصالح.
- قد تتصارع أو تتعارض الأنساق فيما بينها.






ومن هنا فإن الخدمة الاجتماعية تهتم بتحديد عناصر التفاعل بين العملاء وبيئاتهم والتي تسبب مشكلاتهم، وليس من الضروري أن يتم النظر إلى العميل أو البيئة على أن لديهما مشكلات، فقد يكون التفاعل بينهما هو المشكلة. إن الهدف من ذلك هو مساعدة الناس على إنجاز مهام حياتهم ومحاولة تجنب الضغوط وتحقيق أهدافهم، وبناء أوضاع قيمية تشكل ركائز هامة في حياتهم. ولكي يتحقق هذا الهدف فإن الخدمة الاجتماعية تقوم بمجموعة من المهام نذكر منها:
- مساعدة الناس على استخدام وتحسين قدراتهم لحل المشكلات.
- بناء علاقات جديدة بين الناس وبين أنساق الموارد بالمجتمع.
- تحسين التفاعلات بين الناس وبين أنساق الموارد مثل (الأسر والمؤسسات الأخرى).
- المساعدة في تغيير وتطوير السياسة الاجتماعية.
- تقديم المساعدة العملية.
- العمل كوسيط وعامل هام للضبط الاجتماعي.
3- نظرية الأنساق البيئية:- Ecological System Theory
يعتبر النسق الأيكولوجي مفهوماً جديداً لتحليل علاقة الإنسان بالبيئة، فيعد "النسق الأيكولوجي" من المفاهيم البيولوجية التي استعارتها الأيكولوجيا البشرية عند تطوير إطارها التصوري المبكر ومؤداه أن كل المجتمعات الطبيعية للكائنات الحية التي تعيش وتتفاعل مع بعضها البعض ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببيئاتها، ومن ثم يبدو من الملائم تصور طرفي العلاقة (الكائنات الحية وبيئاتها المختلفة) كما لو كانا يشكلان كلاً واحداً ومركباً وهو ما يشير إلى مفهوم النسق الأيكولوجي.


ويرجع تطبيق نظرية الأنساق الأيكولوجية في ممارسة الخدمة الاجتماعية إلى كتابات "ويليام جوردن" William Gordon عن العمل المحدود في الخدمة الاجتماعية وأفكاره الأساسية في مجال الخدمة الاجتماعية لوصف ما يحدث عند الحد الفاصل أو نقطة الالتقاء بين الفرد وبيئته المحيطة.
ولقد لخص "هيرن" Hearn هذه الأفكار السبعة كما يلي:
- أن الخدمة الاجتماعية لها تركيز ذا بعدين مزدوجين متلازمين فهي تركز على الشخص والموقف من ناحية وعلى النسق وبيئته من ناحية أخرى.
- تعمل الخدمة الاجتماعية عند التقاء النسق الإنساني والبيئة.
- التفاعل هو جهد بين طرفين يركز على سلوك الكائن الحي من ناحية وظروف البيئة من ناحية أخرى.
- التلاقي بين الكائن والبيئة يجعل كلاً منهما يتغير.
- أفضل التفاعلات هي التي تسمح بنمو وتطور الكائن وفي نفس الوقت تعمل على تحسين البيئة المحيطة حيث تصبح البيئة مكاناً مناسباً لكافة الأنساق التي تعتمد على البيئة.
- الأنساق التي لا تلقى الاهتمام الكافي تتجه نحو الاضطراب وعدم التنظيم أو الزيادة الإيجابية في الطاقة غير المستفاد منها وهكذا. فإنه من أجل النمو يجب أن يكون هناك إعادة توزيع مستمر للطاقة بين الكائن والبيئة.
لذا فإن هذه النظرية توجه رؤية العميل كنسق والأخصائي الاجتماعي نحو التفاعلات المعقدة في المواقف مما يساعد على الاتصال بينهم.
ومن خلال هذا المنظور فإن التفاعلات أو التحولات والاعتماد المتبادل بين الفرد (النسق الفرعي) والبيئة (النسق الكبير) يعتبران شيئاً هاماً من أجل بقاء كلاً منهما، وأن أي تغيير في أي منهما قد يكون له تأثير إيجابي أو سلبي على الآخر، وبالنسبة للأخصائيين الاجتماعيين فإن هذا المنظور يساعد في تعضيد وتعزيز المنظور الشمولي للشخص في البيئة، كما يوضح أنه ليس كافياً للعمل مع الناس بمفردهم أو البيئات بمفردها أو بعزل كل منهما عن الآخر، وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك حاجة إلى التركيز على طبيعة الحدود التي يتلاقى فيها الإنسان والبيئة، لأن عند الحدود التي يتلاقى فيها الاثنان تحدث كثيراً من المشكلات وتوجد العديد من الموارد.
ومن هنا فإن المفاهيم المستوحاة من المنظور الأيكولوجي لا تشير فقط إلى البيئة بمفردها ولكن يعبر كل مفهوم عن علاقة من نوع ما بين الفرد والبيئة سواء كانت إيجابية أم سلبية أم علاقة محايدة. وثم عدد من المفاهيم التي يستند إلى المنظور الأيكولوجي، نشير إليها فيما يلي:
1- التواؤم بين الفرد والبيئة:- Person: Environmental Fit
هي حالة الانسجام والتفاعل الإيجابي البناء بين كل من أهداف، وحقوق، وحاجات، وقدرات وحدة العمل المهني (الفرد - الأسرة - الجماعة الصغيرة ... الخ) من جانب، وسمات ومكونات ومتغيرات البيئة المادية والاجتماعية المحيطة بوحدة العمل المهني من جانب آخر، وذلك ضمن سياقات تاريخية وثقافية معينة.
2- التوافق:- Adaptation
يعني ما يقوم به الناس من جهود لاستبقاء أو رفع مستوى التواؤم بينهم وبين البيئة وهم لتحقيق ذلك قد يغيرون من أنفسهم استجابة لما قد يحدث في البيئة من تغييرات (كالتغييرات الثقافية أو الكوارث الطبيعية أو تلك التي من صنع الإنسان كالحروب وغيرها)، أو قد يغيرون في بعض عناصر البيئة إذ أن ذلك ممكناً، أو قد يغيرون البيئة كلية (بأن يتركوها مهاجرين إلى بيئة جديدة) والناس - من أجل القيام بتغيير أنفسهم أو بيئاتهم أو الاثنين معاً - يقومون بعملية معرفية تتضمن إدراكاً، وإحساساً، وتصوراً، وسلوكاً.
3- ضغوط الحياة:- Life Stressors
هي المواقف التي يمر بها الفرد في حياته، ويتصور بأنها تفوق إمكاناته وموارده الشخصية والبيئية اللازمة للتعامل معها، وبالتالي يعتري الفرد بسببها شعور بالقلق أو الخوف أو عدم القدرة على السيطرة عليها.
4- الضغط:- Stress
هو الاستجابة الداخلية لضغوط الحياة وتتسم بحالة من عدم الاتزان العاطفي والجسدي أو لكليهما، وتختلف تلك الاستجابة طبقاً لإدراك النسق لمعنى الضاغط.
5- إجراءات وأساليب التوافق:- Coping Measures
وتشير إلى طبيعة السلوكيات النشطة التي تصمم للتعامل مع المطالب التي يفرضها عنصر ضغوط الحياة بهدف رفع معدلات التلاؤم مع البيئة عن طريق تحسين نوعية التبادل وتحقيق معدلات أعلى من الارتباط والكفاءة وتحقيق الذات، ويتوقف النجاح في تلك الإجراءات على ما يستخدمه النسق من موارد شخصية وبيئية.
6- الترابط:- Relatedness
وتشير إلى العلاقات كقدرة داخلية للكائن البشري ومنها علاقات الصداقة والقرابة والجيرة والزمالة بالعمل... الخ، والتي تمثل شبكة اجتماعية توفر للشخص قدراً مناسباً من الانتماء، ويستند مفهوم الترابط إلى نظرية الشبكة الاجتماعية Social Network Theory وأطر فكرية عن الوحدة الاجتماعية والانفعالية، والعزلة الاجتماعية، والارتباط بالعالم الطبيعي المحيط بالإنسان.
7- الكفاءة:-Competence
تقوم الكفاءة على فرضية مؤداها، أن كل الكائنات الحية - بما فيها الإنسان - مدفوعة فطرياً إلى التأثير في بيئاتها من أجل البقاء، والإنسان أكثر تأثيراً في البيئة، بشكل لا يقارن بغيره من الكائنات، لذا لابد أن تتاح له الفرصة المناسبة ليقوم بإجراءات فعالة في بيئته، يكون من شأنها أن تنمي لديه الإحساس بالكفاءة والاقتدار والدافعية المستمرة للعمل، واتخاذ القرار وتنفيذه، ذلك أن شعور الفرد بهذه الكفاءة والقدرة يمكن أن يستثمره الفرد في مواجهة مشاكله الحياتية، فيكون أقدر على التعامل معها. لذلك فعلى الأخصائيين الاجتماعيين استثاره هذه الدافعية، والإحساس بالكفاءة في العملاء والتي ربما تكون ضغوط الحياة قد أخمدتها في نفوسهم، مما يجعلهم ينشطون لاتخاذ الإجراءات اللازمة، لمواجهة مشاكلهم القائمة من خلال قيامهم بتطوير أو تعدي لبعض عناصر البيئة، أو تغيير شكل تفاعلهم معها.
8- تقدير الذات:- Self-Esteem
ويقصد به نظرة الإنسان لنفسه وتقييمه لها وتحديد أسس تقديره على مدار سنين حياته منذ طفولته من خلال الأسرة ثم الأصدقاء، والزملاء، وترجع أهمية تقدير الإنسان لنفسه في أن ذلك يوجه تفكيره، وبالتالي سلوكه، فمن يظن نفسه إنساناً جديراً بالاحترام والتقدير، سوف يسلك بطريقة تتناسب مع هذا الظن، ومن يرى نفسه ناقصاً ولا قيمة له فسوف يسلك غالباً سلوك الناقص الذي لا قيمة له... وهكذا.
وبالتالي، فعلى الأخصائيين الاجتماعيين عموماً، أن يرفعوا في عملائهم - وبشكل واقعي ودون مبالغة - تقدير لأنفسهم، ليس فقط لأن الشعور بتقدير الذات هو شعور سار وسعيد، بل بهدف أن يتعدل سلوك العملاء، بما يتناسب مع هذا التقدير للذات.
9- التوجيه الذاتي:- Self-Direction
من الأهمية بمكان، أن تكون لدى الشخص القدرة على تقدير مصيره، من خلال اتخاذ قراراته لنفسه، وبنفسه، وأن يسيطر على شئون حياته، وأن يتحمل في النهاية مسئولية هذه القرارات، أياً كانت نتائجها، شريطة ألا يتعدى في قراراته على حريات وحقوق واحتياجات الآخرين. لكن الفرد - حتى لو كان قادراً على اتخاذ قراراته بنفسه - فإنه للقيام بذلك، يلزم أن تكون أمامه عدة خيارات للانتقاء من بينها، وليس مجرد خيار واحد يجد نفسه مجبراً عليه، هذا مع ملاحظة أن الفئات التي تعاني من محدودية الخيارات المتاحة، أو من الاضطهاد أو الظلم، أو الحرمان من القوة Power Lessness بمعناها العام، سوف تكون فرصتها في اتخاذ قراراتها بنفسها، وممارسة التوجيه الذاتي محدودة، الأمر الذي يتعين معه على الأخصائي الاجتماعي، معاونتها في هذا الموقف، بما يسمح لها بممارسة حقها في التوجيه الذاتي.
ونظراً لتركيز الممارسة العامة للخدمة الاجتماعية على التعامل مع مختلف الأنساق لمساعدتها على حل مشكلاتها وتحقيق أهدافها، فإنها قد اتخذت المنظور النسقي الأيكولوجي كواحد من أهم الأطر النظرية التي توجه الممارسة. ولعل هذا المنظور قد أضاف مميزات كبيرة على شكل وجوهر هذه الممارسة بدءاً بتوسيع النظرة إلى العميل ودور البيئة المادية الاجتماعية في حدوث مشكلاته وانتهاء بتنويع أساليب واستراتيجيات التدخل المهني - التي كانت تعتمد على أطر نظرية محدودة مثل التحليل النفسي وسيكولوجية الأنا وغيرها - في إطار توجهات وافتراضات المنظور النسقي الأيكولوجي.
وعموماً يمكن تحديد أهم المميزات التي أضافها المنظور النسقي الأيكولوجي للممارسة العامة في الخدمة الاجتماعية، وذلك على النحو التالي:
1- يسمح المنظور النسقي الأيكولوجي للأخصائي الاجتماعي بالتعامل مع كمية كبيرة من المعلومات التي يحصل عليها من مصادر متنوعة، ويساعده أيضاً على تنظيم وترتيب هذه المعلومات في إطار المفاهيم الأساسية التي يتضمنها هذا المنظور.
2- تتيح هذه المعلومات للأخصائي الاجتماعي الوصول إلى العديد من العوامل التي من الممكن أن تؤثر في مشكلات عملائه، وفي العلاقات المتبادلة بينهم وبين أنساق بيئتهم التي يعيشون فيها.
3- توسيع نطاق اهتمام الأخصائي الاجتماعي بحيث يشمل بجانب النسق صاحب المشكلة كلاً من الأنساق الأخرى مثل الأسرة والجماعات التي ينتمي إليها، والمنظمات والهيئات التي تقدم الخدمات والمجتمعات المحلية وسائر أنساق المجتمع الأكبر.
4- لا يتوقف تركيز الأخصائي الاجتماعي الممارس العام على بناء أو تكوين الأنساق الاجتماعية المرتبطة بالعميل ولكن يركز أيضاً على التفاعلات التي تحدث داخل هذه الأنساق والاعتماد المتبادل فيما بينها، ومن ثم فقد يتحول الأخصائي من التركيز على خصائص هذه الأنساق إلى التعاملات التي تحدث فيها بينها.
5- النظر إلى العميل كمشارك نشط في بيئته ولديه القدرة على التغيير في شخصيته وفي بيئته من أجل تحقيق التوافق المناسب معها.
6- يحتاج الكائن الإنساني إلى التعاملات (التفاعلات) المستقرة مع الأنساق المحيطة به من أجل بقائه واستمراره، لذا يحاول الأخصائي الاجتماعي عن إتاحة الفرصة للعملاء للتفاعل بإيجابية مع جميع الأنساق المحيطة به والتقليل من العزلة بين الإنسان وباقي أنساق مجتمعه.
7- يجب أن يغير الكثير من الأخصائيين الاجتماعيين الفكرة المسيطرة عليهم والتي تنظر إلى مشكلات الإنسان وصراعاته نظرة مرضية Pathological وأن أي تغيير في نسق العميل أو الأنساق الأخرى المحيطة به يواجه دائماً بالمقاومة.
8- يحتاج الأخصائيون الاجتماعيون إلى فهم الأنساق المرتبطة بالعميل، وإدراك أن أي تغيير في أحد هذه الأنساق له تأثيره الإيجابي على العميل، لذا يجب اختيار استراتيجيات التدخل المهني المناسبة بعناية ودقة كافية للتعامل مع هذه الأنساق.
9- يعتبر الأخصائي الاجتماعي الممارس العام نسقاً اجتماعياً بل أنه يعتبر نسقاً فرعياً من شبكة الأنساق الاجتماعية المحيطة بالعملاء الذين يعمل معهم. وقد اقترح كل من "بينكس وميناهان" Pincus & Minahan إطاراً للتغيير المخطط يتكون من أربعة أنساق هي:
(‌أ) نسق التغيير Change Agent System: ويستخدم لوصف مختلف الأخصائيين الذين يقدمون المساعدة بتخصصات مختلفة، وغالباً ما يتكون من الأخصائي الاجتماعي المحدث الأساسي للتغيير، والمؤسسة أو المنظمة التي يعمل بها ممثلة في مديرها وأحياناً مسئولون آخرون وأخصائيون اجتماعيون آخرون، وأي مهني آخر مثل الأخصائي النفسي لمساعدة العملاء على مقابلة حاجاتهم، وتسهيل التدخل المهني المخطط.
(‌ب) نسق العميل Client System: ويشمل الشخص أو الأشخاص الذين سوف تتم مساعدتهم، أو تقدم لهم الخدمة بواسطة نسق التغيير، أي الذين يتعرضون لطلب تلقي الخدمات وهم أفراد أو أسر أو جماعات أو مجتمعات محلية، وبالتالي فهم الذين يطلبون خدمات نسق التغيير، وهم أيضاً المتوقع استفادتهم من الخدمة، أو متوقع حصولهم على الخدمة أو هم الذين يملكون الموافقة أو التعاقد مع نسق التغيير أي المفوضون لطلب تلقي الخدمات.
(‌ج) النسق المستهدف Target System: ويتكون من الشخص أو الأشخاص الذين يشملهم التغيير لتحقيق الأهداف التي يضعها نسق التغيير، أي الشخص أو الأشخاص المحتاجون للتغيير والتأثير عليهم لكي يمكن مساعدة نسق العميل.
(‌د) نسق العميل Action System: ويشمل على كل هؤلاء الأشخاص المنهمكين مع الأخصائي الاجتماعي لإحداث التغيير، ويستخدم مصطلح نسق العمل أو الفعل ليصف هؤلاء الذين يتعامل معهم الأخصائي الاجتماعي من خلال جهوده المهنية لإنجاز المهام وتحقيق الأهداف من جهود التغيير.
وخلاصة القول: إن المنظور النسقي الأيكولوجي قد وفر لممارسة الخدمة الاجتماعية إطاراً مناسباً للعمل يتيح للأخصائي الاجتماعي الفرص لرؤية حاجات ومشكلات العملاء في صورة متكاملة تتضمن جميع العوامل الشخصية والاجتماعية والبيئية والثقافية والمادية وليس التركيز على جانب واحد أو على جوانب محددة ترتبط بمثل هذه المشكلات.
وبالرغم من أهمية المنظور النسقي الأيكولوجي في الخدمة الاجتماعية ومساعدة الأخصائيين الاجتاعيين في تقدير وصياغة مشكلات عملائهم وتحديد الأنساق الشخصية والبيئية المرتبطة بهذه المشكلات وما ترتبط به من معاملات أو تفاعلات سلبية يجب تغييرها أو تعاملات وتفاعلات إيجابية يمكن توظيفها لمصلحة العملاء، فإننا نجد أن هذا المنظور لا يتضمن اقتراح استراتيجيات أو أساليب مناسبة للتدخل المهني يمكن أن تساعد في التعامل مع هذه المشكلات. إن أهم ما يميز المنظور النسقي الأيكولوجي أنه يعمل على تنظيم وترتيب استخدام النظريات العلمية ومداخل التدخل المهني المتنوعة أمام الأخصائيين الاجتماعيين بحيث يأخذوا منها ما يتناسب وطبيعة المشكلات التي يتعاملون معها وبما يتفق مع مصلحة عملائهم.    

المصدر: د. أيمن أحمد جلاله مدرس مجالات الخدمة الاجتماعية - كلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان أستاذ الخدمة الاجتماعية المساعد ومستشار وكيل الجامعة للجودة والتطوير الأكاديمي - جامعة نجران - المملكة العربية السعودية
malshaarawy

"هذا والله أعلم" "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك"

محمد الشعراوى

malshaarawy
الموقع الرسمى للباحث : مـحـمـد الـشـــعـراوى الدراسات العليا ، كلية الخدمة الإجتماعية ، جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

732,482