الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

 مفهوم اللغة: 

واللغة والفكر والمجتمع هي ظواهر متداخلة تؤدى إلى تطور الحياة وقيام الحضارة الإنسانية الراقية، وتقدم فكرى واجتماعي وحضاري وثقافي باهر.  ولما كانت اللغة قديما قدم الإنسان والمجتمع الإنساني فلا نجد تجمعاً إنسانياً إلا ونجد له وسيلة يتفاهم من خلالها مع الآخرين، وأداة يعبر من خلالها عما يجول في خلده من أفكار ومعان وإن كانت بسيطة، وعما يدور في خلجات نفسه من رغبات وتطلعات وانفعالات وأحاسيس.  

فلغة الأمة هي وعاء فكرها وعواطفها عبر العصور ولما كانت ذاك الفكر وهذه العاطفة عرضه للتغيير، فإن اللغة تخضع بدورها لهذا التغير، تتغير مع أهلها في الحالات الحياتية الإنسانية التي تمر بها الجماعة.  ولما كانت اللغة تشمل كل ما قاله أو يقوله أو سيقوله أي فرد من أفراد جماعة لغوية ما.  فإنها تشكل الإطار الاجتماعي لكلام الفرد والذي يتم في إحدى صورتين: إما النطق وإما الكتابة.  

وباعتبار اللغة نظاماً تركيبياً يؤدى أدواراً وظيفية في جماعة معينة، وباعتبارها ظاهرة إنسانية متطورة، فإن الدراسات اللغوية تكشف عن ميكانيكية النشاط الذهني في الفرد أولاً ثم ما يفرضه المجتمع على هذا النشاط النفسي الفردي من قواعد سلوكية اجتماعية، كما تغطى جانباً مهماً من دراسة التطور الإنساني وتقدم صورة لتطور النشاط العقلي من مكتسبات دلالية، ونظم تركيبية ومن دلالات أو تراكيب سقطت من الاستعمال، قد تساعد معرفته على الكشف عن تطور الحياة العقلية للفرد والمجتمع معاً.  

وعلى الرغم أن اللغة الصوتية هي الوسيلة الإنسانية الشائعة بين الأمم إلى حد أنه لم يثبت وجود شعب لا يستعمل اللغة الصوتية في الاتصال، إلا أن الإنسان يستخدم بجانب ذلك وسائل اتصالية غير كلامية، بعضها قد يصاحب الكلام وبعضها الآخر مستقل عنه.

(أ) الملابس والأزياء: وهي تستخدم للتعبير عن الأحوال النفسية كلبس الملابس البراقة والجديدة في الأعياد ومناسبات الزواج والفرح.

(ب) الرسوم والصور: لقد استخدم الإنسان الصور والرسم منذ عصور بعيدة جداً وقد وجدت على جدران الكهوف التي عاش فيها الإنسان القديم ودلت هذه الصور أنها لم تكن جمالية بحته وإنما كانت للاتصال وتبادل الرسائل مع أفراد جنسه. 

(جـ) الإشارات والإيماءات: قيل إن الإنسان يستطيع أن يصنع آلاف الإشارات عن طريق استعماله لكافة حواسه و أطرافة، حتى إن Paget ذهب إلى القول بأن اللغة الإنسانية بدأت بحركات إشارية ثم تطورت إلى صيحات تطورت إلى كلمات تصاحب تلك الحركات، ثم أصبح الإنسان بعد ذلك يعتمد على الصوت أكثر من الإشارات.

(د) النار والدخان: استخدمت النار وسيلة للاتصال في المجتمعات القديمة، فالعربي يشعل النار ليبدي استعداده لاستقبال الضيوف، وقوة النار دليل على صدق كرم صاحبها وضعف النار أمارة على ضعف الجود والمروءة .

(هـ) الطبول: يقال "دقت طبول الحرب" لأنها كانت تستخدم بعضهم استخدمها وسائل للإنذار من عدو داهم أو للدعوة لحشد الجنود والجيوش والناس للحرب والغزو. 

(و) البوق والصفارات والأجراس: يستخدم اليهود البوق للدعوة إلى صلواتهم، وتدق الكنائس أجراسها لدعوة أتباعها. والبوق أيضا أداة للإنذار قال تعالى (فإذا نفخ في الصور )، ونحن اليوم نستخدمه في السيارات لتنبيه المارة أو تنبيه قائدي السيارات الأخرى إلى تجاوزاتهم المرورية. 

(ز) أصوات غير لغوية: هذه الأصوات تستخدم لزجر الحيوانات أو حثها. منها مثلا: ده، جَه، لزجر الإبل، إسّ، هِسّ هج لزجر الغنم، وكخ لزجر الطفل. وقد تستخدم هذه الأصوات للتعبير عن الألم، مثل أح، أخ، أو الحزن والأسف أوّه آه ...الخ.

كذلك فإن هناك أنظمة للاتصال عند الحيوانات والحشرات فهي تصدر الطيور أصواتاً مختلفة، منها ما تستخدمه لتحذير بعضها البعض، ومنها ما تعبر به عن مرحها ولعبها، وتصدر ذكور الطيور أصواتاً، تحذر بها غيرها من الذكور من الاقتراب من أعشاشها. كما تصدر أسراب الطيور أصواتاً معينة، عندما تهم بالهجرة، فيجتمع الآخرون لدى سماع تلك الأصوات للاستعداد للرحيل. أما العصافير، فهناك زقزقة النداء، التي يحدثها الذكر لاجتذاب الأنثى عند التزاوج، وزقزقة التحذير التي تحذر العصافير بها بعضها البعض، عند اقتراب الأعداء.

والفرق بين اللغة الإنسانية ووسائل الاتصال عند الحيوان أنه ليس من بين الحيوانات والحشرات من يظهر استخداما مقصودا وذكيا للرموز والإشارات كما نرى في النشاط اللغوي الإنساني. يقول كلاينبيرغ Klineberg إن الفرق الجوهري بين لغة الإنسان ووسائل الاتصال غير البشرية هو أن الحيوانات والحشرات لا تستطيع التعبير إلا عما هو حاضر وآني، لأنها تصدرها على أنها رد فعل لحالة انفعالية حاضرة ولا تفيد معان رمزية أو مجردة. لذا فالإنسان فريد في المملكة الحيوانية لامتلاكه لهذه الوسيلة التي استطاع بها أن يحرر نفسه من سجن الحاضر.

ويقول فندريس Vedryes: إن الحيوان لا يستخدم الصوت علامة لشئ آخر كما يستخدمه الإنسان، وإنما يستخدمه ردة فعل انعكاسية. وهناك فرق بين استخدام الصوت علامة وبين استخدامه ردة فعل لأن الأول يمكن التعبير به عن الأشياء في حال غيابها، وأما الثاني فتعبير مرتبط بالحاضر ويقابل حالات نفسية خاصة من فرح ورعب ورغبة. 

ويبين نوعام تشومسكي Noam Chomsky اللغوي والنحوي المشهور: إن هناك منطقة خاصة باللغة في مخ الإنسان وهي جزء من التركيبة الوراثية له، وهي كما يبدو وراء القدرة على استغلال مجموعة محدودة من القواعد لتأليف ما لنهاية له من الجمل، الأمر الذي لا نجده عند أي جنس من المخلوقات الأخرى. ويعتقد تشومسكي أن هذه الخاصية هي الأمر المهم عند المقارنة بين وسائل الاتصال عند الإنسان وتلك التي نجدها عند الحيوان.

ولكن لماذا يتم استخدام الصوت وسيلة للاتصال بدلاً من الإشارة وغيرها؟

يقول فخر الدين الرازي كان يمكن للناس أن يستعملوا غير الصوت للتعبير، كالحركات المخصوصة بأعضاء الجسم، ولكنهم وجدوا الأصوات المتقطعة أولى من غيرها لوجوه:

- إدخال الصوت إلى الوجود أسهل من إدخال غيره لأنه يتولد في كيفية مخصوصة قي إخراج النفس وذلك أمر ضروري فصرف ذلك الضروري إلى وجه ينتفع به أولى من تكلف طريق آخر قد يشق على الإنسان الإتيان به.

- الصوت كما يدخل في الوجود بسهولة بنقضي بمجرد استعماله وأما سائر الأمور الأخرى فإنها قد تبقى، وربما يطلع عليها من لا يراد إطلاعه عليها.

- الصوت قابل للإشارة إلى المعدوم والغائب وغير المرئي وأما الإشارة فإنها قاصرة عن ذلك.

- الصوت يمكن الإشارة به إلى المعاني المتعددة المرتبطة بشيء واحد، فيمكن الإشارة إلى لون التفاحة أو طعمها بينما يتعذر ذلك بالإشارة.

- الصوت يمكن استعماله في الظلام ومن وراء حجاب بينما الإشارة لا يمكن استخدامها إلا مع وجود النور وإمكان الرؤية.

ويمكننا أن نضيف إلى ما تقدم بأن الإنسان القديم كان مهدداً بأنواع من المهالك والأخطار من حيوانات وحشرات التي كان أكثرها تدب في الليالي الحوالك وكان يحتاج إلى وسيله اتصال تمكنه من طلب النجدة والعون فلو كان لا يستخدم الصوت وهو في أمس الحاجة إلى الاتصال لانقرض النوع الإنساني منذ زمن بعيد، أي إن امتلاك اللغة الصوتية كان أحد أسباب استمراره وبقائه.

 

وقد اختلف الباحثون قديما وحديثا في موضوع نشأة اللغة الإنسانية الأولى و هذا الموضوع دار بين معارضين للبحث فيه إلى درجة التحريم، باعتباره موضوعا غير ظني لا يمكن التحقق من صحة وقائعه، و بين مؤيدين بل ومصرين على مثل هذه البحوث اللغوية التي تنبع من التراث المعرفي الذي يصب في صميم الدراسات اللغوية و ما يتعلق بها.  

ونتيجة لذلك نرى تنوعاً كبيراً في تعريف اللغة وبيان مفهومها.  لكن يحسن بها أن نعرض للمفهوم لغوياً أولاً قبل أن تناوله في اصطلاح العلماء.  

تعريف اللغة: 

1- مفهوم اللغة لغوياً: أصلها لغى ولغو والهاء عوض، وجمعها لغى ولغات أيضاً، والنسبة إليها لغوى، واللغا: الصوت، ويقال أيضاً لغى به: أى لهج به.  

واللغو النطق، يقال: هذه لغتهم التي يلغون بها أي ينطقون والطير تلغى بأصواتها أى تنغم. ولغا يلغو لغواً: تكلم.  واللغة هي الألسن، وهى فعلة من لغوت: أي تكلمت، أصلها لغوة والجمع لغات ولغون.  

2ً- مفهوم اللغة اصطلاحاً: 

فسرها ابن جني " بأن حدها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم.  

ويشتمل هذا التعريف على أربعة جوانب هي: 

• أن اللغة أصوات.  

• أن اللغة تعبير.  

• أنها تعبير يعبر بها " كل قوم ".  

• أنها تعبير عن " أغراض ".  

في حين أشار ابن خلدون إليها بأنها: 

عبارة المتكلم عن مقصودة، وتلك العبارة فعل لساني ناشئ عن القصد لإفادة الكلام، فلابد أن تصير ملكة متفردة لها وهى اللسان.  وهو في كل أمة حسب اصطلاحاتهم.  

أما ابن سنان الخفاجي فيذكر أن اللغة هي: " ما تواضع القوم عليه من الكلام ".  ويذكر هذا التعريف الطبيعة الاصطلاحية للغة الإنسانية فاللغة تتيح لمتكلميها، لتواصل عبرة قناة تواصلية ثابتة بثبات الاصطلاح.  

هكذا عرف العلماء العرب القدامى اللغة، ويلاحظ أن هذه التعاريف تشير إلى كون اللغة هي أصوات أو ملكات في اللسان تختلف باختلاف الأمة، وهذه الأصوات يستخدمها كل قوم للتعبير عن أغراضهم ومعانيهم، وعلى ذلك فهي مواضعه واصطلاح.  

ليس هذا فحسب، لكن تنوعت تعريفات اللغة واختلفت تبعاً للمدارس والاتجاهات الفكرية للعلماء فيما بينهم...... فمنهم من يعرفها من خلال المنظور الفلسفي الاجتماعي.  

ومن هؤلاء " مالينوفسكي"، الذي يعرفها بأنها " ليست مجرد وسيلة للتفاهم والاتصال، فهي حلقة في  سلسلة النشاط الإنساني المنظم وأنها جزء من مواقف العمل هي التي تعمل في تنويع اللغة ".  

وعليه فإن " مالينوفسكي " يرى أن اللغة وسيلة لتنفيذ الأعمال وقضاء حاجات الإنسان فالكلمة في وجهة نظره إنما تستعمل في أداء الأعمال وإنجازها لا لوصف الأشياء أو ترجمة الأفكار.  

فندريس Vedryes: إن أعم  تعريف للغة هي "أنها نظام من العلامات." هذا التعريف يخرج الأصوات التي ينتجها الحيوان لأن الفارق بين لغة الإنسان والحيوان أن الحيوان لا يستخدم الصوت علامة، ولكن هذا تعريف عام لأنه ليس كل نظام من العلامات يعتبر لغة. فالإشارات المرورية الضوئية نظام ولكنها ليست بلغة، وكذلك الإشارات الموسيقية وما أشبهها، وقد أغفل من التعريف أهم سمات اللغة وهي مادتها الصوتية.

في حين وصفها " سابير " بأنها وسيلة لا غريزية خاصة بالإنسان يستعملها لإيصال الأفكار والمشاعر والرغبات عبر رموز يؤديها بصورة اختيارية وقصدية.  

ويتضمن تعريف "سابير" أن: 

• اللغة وسيلة للتعبير.  

• اللغة قائمة على رموز.  

• اللغة قصدية.  

أما تعريف كاتز Katz: للغة فيرى أن اللغة : "وسيلة للاتصال ذات عناصر مركبة نحوياً وموجدة صوتياً لنقل رسائل مفيدة من متكلم إلى آخر." هذا التعريف يأخذ في الاعتبار النظريات والآراء التي أصبحت متداولة في هذا الحقل وخاصة نظريات دي سوسير. فقد ميز أمرين مهمين في اللغة أولا:النظام اللغوي وهو القواعد النحوية والصرفية والمعجمية الفطري منها والمكتسب المخزونة بالذاكرة، ثانيا: استعمال هذه القواعد وهذا النظام لإنتاج رسائل مسموعة .

فهذه التعريفات السابقة جميعاً نظرت إلى اللغة على أنها ظاهرة اجتماعية، تقتضيها حاجة الإنسان إلى التفاهم مع أبناء جنسه.  

وفى ذلك تأكيد على ما قاله دى سوسير " بأن اللغة أساساً ظاهرة اجتماعية ينبغي دراستها في ضوء علاقتها بالمتحدثين بها ومشاعرهم النفسية، وأنها دائرة تشمل المسموع والملفوظ والمتصدر، وهى تحرك قسماً نفسياً وآخر وظيفياً.  تستمد قاعدتها من ذاتها وجميع المؤثرات في اللغة ترجع إلى المجتمع والظواهر الاجتماعية.  

يرى " دى سوسير " أن اللغة في جوهرها " نظام من الرموز الصوتية أو مجموعة من الصور اللفظية التي تختزن في أذهان أفراد الجماعة اللغوية، وتستخدم للتفاهم بين أبناء مجتمع معين، ويتلقاها الفرد عن الجماعة التي يعيش معها عن طريق السماع ".  

وهناك العقلانيون وأبرزهم تشومسكي الذي اللغة على أنها: " نظام عقلي فريد تستمد حقيقتها من أنها أداة التعبير والتفكير الإنساني ".  

ويذهب تشومسكي بهذا التعريف إلى أن اللغة كفاية، أو طاقة إنسانية قوة إنتاجية توليدية فائقة. وبذلك تكون الفكرة الأساسية التي توجه منهج تشومسكي هي السمة الإنتاجية في اللغة، والتى بمقتضاها يستطيع المتكلم أن يؤلف ويفهم جملاً جديدة غير متناهية لم يسبق له أ، سمعها من قبل، وهى السمة التي تميز الإنسان عن الحيوان.  

في حين ذهب Bangs إلى كون اللغة " نظام من الرموز يخضع لقواعد ونظم، والهدف من اللغة هو تواصل المشاعر والأفكار "، وهى تتكون من النظم التالية: 

- النظام الدلالي: Semantic System: وهو الذي يتعلق بمعنى الكلمات ودلالتها وتطورها.  

- النظام التركيبي: Syntactic System: وهو النظام الذي يتعلق ببناء الجمل وترتيب الكلمات في الجملة وقواعد الإعراب.  

- النظام الصرفي: Morphologic System: وهو النظام الذي يتعلق بالتغيرات التي تطرأ على مصادر الكلمات من الناحية الصرفية.  

-النظام الصوتي: Phonologic System: وهو النظام المتعلق بالأصوات الكلامية، وبالأصوات الخاصة بالاستخدام اللغوي.  

وعرف آخرون اللغة بأنها " مجموعة من الرموز تمثل المعاني المختلفة أو هي نظام عرفي لرموز صوتية يستغلها الناس في الاتصال ببعض، وهى مهارة اختص بها الإنسان وتشمل الكلمات واللهجة والنغمة الصوتية والإشارة وتعبيرات الوجه والجسم، وأية رموز أخرى تستعمل للتعبير ".  

ونظراً لهذا التنوع الكبير في تعريفات اللغة فإننا نحصر تعريف اللغة في أنها: مجموعة من الرموز ذات المعاني المختلفة يستعملها الإنسان في التوصل مع الآخرين، وهى تميزه عن غيره من الكائنات الحية وتشمل اللغة جانبين: جانب مادي ويتمثل في الألفاظ والكلمات سواء كانت هذه الألفاظ أصواتا منطوقة أو حروفاً مكتوبة، وجانب مادي ويتمثل في الإشارات والإيماءات والرسم والموسيقى.  

لكننا نلخص من العرض السابق للتعاريف المختلفة للغة إمكانية الحديث عن خصائص اللغة والتى يمثل بعضها مقومات أساسي للغة، ويمثل البعض الآخر تطبيقات تربوية يمكن أن تأخذ مكانها في منهج تعليم العربية وتتلخص هذه الحقائق والتطبيقات في خصائص اللغة.  

ثانيا: نظريات نشأة اللغة الإنسانية: أهم النظريات أو الفرضيات: 

تعددت الآراء والفرضيات التي تفسر نشأة اللغة الإنسانية الأولى، من اعتماد المعقول والمنقول.  ومن أهم هذه النظريات ( الفرضيات (، النظريات الآتية: 

1ـ نظرية محاكاة أصوات الطبيعة: 

تذهب إلى أن أصل اللغة محاكاة أصوات الطبيعة، كأصوات الحيوانات وأصوات مظاهر الطبيعة، والتي تحدثها الأفعال عند وقوعها، ثم تطورت الألفاظ الدالة على المحاكاة، وارتقت بفعل ارتقاء العقلية الإنسانية وتقدم الحضارة.  وقد ذهب إلى هذه النظرية " ابن جني" قديما، و "ويتني " حديثا في القرن التاسع عشر.  

وتهب إلى أن أصل اللغة محاكاة أصوات الطبيعة، كأصوات الحيوان وأصوات مظاهر الطبيعة، والتي تحدثها الأفعال عند وقوعها، وقد عرض ابن جني لرأي أصحاب هذه النظرية فقال: " وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعة، كدوي البحر، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي، ونحو ذلك.  ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد.  

وليست هذه النظرية من اختراع "ماكس ميلر "، كما أشار بعضهم بل عرفها العلامة ابن جني.  وذكر أنه نقله عمن سبقه، مما يدل أنه كان مذهبا شائعا و مقررا حيث يقول: وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها، انما هو الأصوات المسموعات كدوي البحر وحنين الرعد، وخرير الماء، و شحيح الحمار ونعيق الغراب...    ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد" وقد كان ابن جني معجبا بهذه النظرية، حيث أفرد لها بابا في كتاب الخصائص سماه (باب في أمساس الألفاظ أشباه المعاني )، قال فيه " و لو لم يتنبه على ذلك إلا بما جاء عنهم من تسميتهم الأشياء بأصواتها، كالخازبار لصوته، والبط لصوته و نحو ذلك قولهم حاحيت، و عاعيت، هاهيت، إذا قلت حاء، عاء، هاء، وقولهم: بسملت، هللت، حوقلت.  كل ذلك أشباهه انما يرجع اشتقاقه إلى الأصوات و الأمر أوسع ". 

والواقع أن لهذا النظرية ما يؤيدها.  فالطائر المسمى في الانجليزية CUOKOO إلى جانب الهرة المسماة "مو " في المصرية القديمة، ويذهب بعض الباحثين إلى أن هذه النظرية هي أقرب النظريات إلى الصحة و إلى المعقول، وأكثرها اتفاقا مع طبيعة الأمور وسنن النشوء.  

ويذهب بعض اللغويين المحدثين إلى أن هذه النظرية أدنى نظريات هذا البحث إلى الصحة وأقربها إلى المعقول.  

وقد وجّه إلى هذه النظرية انتقاد أساسي من جهة أنها تعجز عن أن تفسر لنا كيف استغل مبدأ " حكاية الصوت " في آلاف الكلمات التي لا نرى الآن أية علاقة بين معناها وصوتها ! فما العلاقة بين لفظة " إبريق " ومعناها ؟ وما العلاقة بين لفظة " المنضدة " ومعناها ؟ وما العلاقة بين لفظ " الكتاب " ومعناه ؟ ليس هناك من علاقة ظاهرة.  

ومن أهم أدلتها أن المراحل التي تقررها بصدد اللغة الإنسانية، تتفق في كثير من وجوهها، مع مراحل الارتقاء اللغوي عند الطفل: فقد ثبت أن الطفل في المرحلة السابقة لمرحلة الكلام، يلجأ في تعبيره الإرادي إلى محاكاة أصوات الطبيعة، فيحاكي الصوت قاصدا التعبير عن مصدره، أو عن أمر يتصل به. 

وثبت كذلك أنه في هذه المرحلة ـ و في بدأ مرحلة الكلام ـ يعتمد اعتمادا جوهريا في توضيح تعبيره الصوتي، على الإشارات اليدوية والجسمية. 

وقد وجه إلى هذه النظرية انتقاد أساسي، فهي من جهة تعجز عن تفسير مبدأ كيفية(حكاية الأصوات )، في آلاف الكلمات التي لا نرى الآن أية علاقة بين معناها وصوتها.  فما العلاقة بين لفظ الكتاب و معناه، مثلا ؟ 

2- نظرية الإلهام و الوحي والتوقيف: 

وتذهب إلى أن اللغة وحي من عند الله، وقد قال بهذه النظرية ابن فارس في الصاحبي وغيره، ودليل هؤلاء دليل نقلي لا عقلي، وهو قوله تعالى: " وعلّم آدم الأسماء كلها ".  ويخرج البعض الآية على أن الله أقدر الإنسان على وضع الألفاظ، وقد ذهب إلى هذا الرأي في العصور القديمة الفيلسوف اليوناني هيراقليط ( ت: 480 ق.  م )، و في العصور الحديثة طائفة من العلماء على رأسها لامي والفيلسوف دونالد.  ومن علماء المسلمين في العصور الوسطى: أبو عثمان الجاحظ (ت 255 ه) و أبو الحسن الأشعري (ت 324 ه)، و أحمد بن فارس (ت 395ه )، الذي يرى أن لغة العرب توقيفية. 

ويبدو من قول ابن فارس أن اللغة العربية هي لغة آدم عليه السلام، لأنه ذكر أن أول من كتب الكتاب العربي والسرياني و الكتب كلها آدم ـ عليه السلام ـ قبل موته ب300سنة.  وقد ذكر السيوطي عن ابن عساكر في التاريخ عن ابن عباس، أن آدم (عليه السلام ) كانت لغته في الجنة العربية. 

قال عبد الملك بن حبيب: " كان اللسان الأول الذي نزل به آ دم من الجنة عربيا.  إلا أن بعد العهد و طال صار سريانيا، وكان يشاكل اللسان العربي إلا أنه محرف....     وبقي اللسان في ولد أرفشذ بن سام إلى أن وصل إلى يشجب بن قحطان من ذريته وكان باليمن، فنزل بنو إسماعيل، فتعلم منهم بنو قحطان اللسان العربي.  

ويرى علماء العبرانية وتابعهم كثير من مشاهير علماء النصرانية وغيرهم: أن اللغة العبرانية هي اللغة التي فتق الله بها لسان آدم ـ عليه السلام ـ في ولده شيث حتى انتهت إلى إبراهيم عن طريق عابر بن سام ويستدلون على ذلك بعدد من الأسماء الواردة في حديث الخلق وما بعده إلى الطوفان مثل آدم وعدن و فيشون وجيجون وغيرها أسماء عبرانية.  

ويعتمد علماء الغرب المؤيدون لهذه النظرية على ما ورد بهذا الصدد في العهد القديم من الإنجيل" و الله خلق من طين جميع حيوانات الحقول، و جميع طيور السماء، ثم دعا آدم ليرى كيف يسميها.  وليحمل كل منها الاسم الذي يضعه له الإنسان.  فوضع آدم أسماء لجميع الحيوانات المستأنسة، ولطيور السماء و دواب الحقول.  وهذا النص لا يدل على شيء مما يقوله أصحاب هذه النظرية بل يكاد يكون دليلا على عكس النظرية. 

وقد ارتضى أبو عثمان الجاحظ هذه النظرية حيث قرر أن الله سبحانه و تعالى أنطق نبيه إسماعيل بالعربية دون سابق تمهيد أو تعليم وأنه ـتعالىـ فطره على الفصاحة على غير النشوء والتمرين، و يضيف القائلون بالتوقيف إلى ذلك ثلاثة وجوه: 

- أنه سبحانه وتعالى ذم قوما في إطلاقهم أسماء غير توقيفية في قوله تعالى: " ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ضيزى *إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى " وذلك يقتضي كون البواقي توقيفية. 

- قوله تعالى: " ومن آياته خلق السماوات والأرض و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم " و الألسنة اللحمانية غير مرادة لعدم اختلافها.  و لأن بدائع الصنع في غيرها أكثر.  فالمراد هي اللغات. 

- هو عقلي: فلو كانت اللغات اصطلاحية لاحتيج في التخاطب بوضعها إلى اصطلاح آخر من لغة أو كتابة، يعود إليه الكلام، و يلزم أما الدور أو التسلسل في الأوضاع و هو محال فلا بد من الانتهاء إلى التوقيف.  

وبناء على كلام أهل التوقيف، لا يجوز قلب اللغة مطلقا: فلا يجوز تسمية الثوب فرسا مثلا  وقدم ابن جني تفسيرا آخر هو أن الله تبارك وتعالى: علم آدم أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات: العربية والسريانية و الفارسية والعبرانية و الرومية وغير ذلك من سائر اللغات.  فكان هو و ولده يتكلمون بها، ثم إن ولده تفرقوا في الدنيا وعلق كل منهم بلغة من تلك اللغات، فغلبت عليه و اضمحل عنه ما سواها عهدهم بها. 

أما الخفاجي فيذهب إلى أن التوقيف الإلهي مستند الى لغة سابقة له يفهم بها المقصود بافتراض أن المواضعة تقدمت بين آدم والملائكة.  

3-نظرية الاتفاق والمواضعة والاصطلاح: 

وتذهب إلى أن اللغة ابتدعت بالتواضع والاتفاق و ارتجلت ألفاظها ارتجالا، ومن أنصار هذه النظرية ابن جني وغيره، وليس لهذه النظرية دليل، غير أنهم يشيرون إلى أن كل شيء لا يرتجل ارتجالا بل يتكون بالتدرج.  ومال كثير من العلماء والمفكرين إلى هذه النظرية، منهم: الفيلسوف اليوناني ديموكريط و أرسطو والمعتزلة 

وقال بها من المحدثين أيضا: آدم سميث الانجليزي. وليس لهذه النظرية أي سند عقلي أو نقلي أو تاريخي بل أن ما تقرره يتعارض مع النواميس العامة التي تسير عليها النظم الاجتماعية، وعهدنا بهذه النظم، أنها لا تخلق خلقا، بل تتكون بالتدريج من تلقاء نفسها.  إضافة إلى ذلك فالتواضع على التسمية يتوقف في كثير من مظاهره على لغة صوتية يتفاهم بها المتواضعون فبأي لغة تواصل هؤلاء ؟ هذه النظريات هي أشهر النظريات و هناك نظريات أخرى نكتفي بذكرها دون تفصيل ومنها: 

4- نظرية الاستجابة الصوتية للحركة العضلية: نظرية yo _he –ho: 

كان يقول بهذه النظرية الفرنسي  Noiré نويري، وهي تفترض أن اللغة بدأت بأصوات غير مقصودة كانت تصاحب النشاط الجسماني للبشر، وهذه الأصوات كان يراد منها تنظيم إيقاع العمل، خاصة عند الجر أو الدفع أو الحمل أو القطع أو ما شابه ذلك من النشاطات. ثم تطورت هذه الأصوات غير المقصودة مع الزمن لتصبح أغان وأناشيد وشعرا.

وملخصها أن اللغة الإنسانية بدأت بالمقاطع الطبيعية التي يتفوه بها الإنسان عفويًا عندما يستعمل أعضاء جسمه في العمل اليدوي، كما نسمع إذا وقفنا بقرب رجل يحمل ثقلا أو حداد يعمل...    وقد رفضت هذه النظرية للأسباب نفسها التي رفضت بها سابقتها. 

5- نظرية Bow-Wow: 

يرى أصحابها، أن اللغة نشأت من تقليد أصوات الطبيعة، وهي النظرية التي أشار إليها ابن جني بقوله: "وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها، إنما هو من الأصوات المسموعات، كدوي الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي، ونحو ذلك. ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح متقبل".

وترى هذه النظرية أن الإنسان الأول، عندما أراد أن يميز بين الكائنات، بأسماء ليتحدث عنها، أو يشير إليها في حين غيابها، أخذ في محاكاة أصواتها الطبيعية، فنباح الكلب، مثلاً، اتخذ رمزاً ليدل على هذا الحيوان، ومثل ذلك عواء الذئب، وزئير الأسد، ومواء القط، ومن ثم أصبحت هذه الأصوات الحيوانية المختلفة رموزاً، يشير بها الإنسان الأول إلى هذه الحيوانات، ومثل ذلك في حفيف الشجر، وزفير النار، وقصف الرعد، وخرير الماء وغيرها. ومن هذه الأصوات، تكونت مجموعة من الكلمات، هي أقدم الكلمات في لغات البشر، ثم تطورت هذه الأصوات، أو الكلمات من الدلالة على هذه المعاني الحسية المباشرة، إلى معان أخرى، أكثر تجريداً، ومن هذه الأصوات البدائية، تكونت اللغات فيما بعد على مدى قرون طويلة.[12]

وقد لاقت قبولاً كبيراً، في القرن التاسع عشر، والعشرين وأيدها علماء بارزون، مثل Jesperson جسبرسين ، و Herder هيردر، ومن العرب: إبراهيم أنيس، وعلي عبد الواحد وافي، ودافعوا عنها دفاعاً شديداً ووصفوها بأنها: "أدنى النظريات إلى الصحة، وأقربها إلى المعقول، وأكثرها اتفاقاً مع طبيعة الأمور.[13] والسؤال الذي يفرض نفسه:كيف حوكيت وسميت الأشياء الجامدة ، كالحجر والجبل، والشجر. وأهم ما يؤخذ على هذه النظرية، أنها تحصر أساس نشأة اللغة، في الملاحظة المبنية على الإحساس بما يحدث في البيئة وتتجاهل الحاجة الطبيعية الماسة إلى التخاطب والتفاهم، والتعبير عما في النفس، تلك الحاجة، التي هي من أهم الدوافع إلى نشأة اللغة الإنسانية. 

6- نظرية فندريس  Vedryes: 

 يرى فندريس في نظريته  أن اللغة كانت لدى الإنسان الأولى انفعالية محضة. ويرى أن الحيوان لا يستخدم الصوت علامة لنشيء آخر كما يستخدمه الإنسان، وإنما يستخدمه ردة فعل انعكاسية. وهناك فرق بين استخدام الصوت علامة وبين استخدامه ردة فعل لأن الأول يمكن التعبير به عن الأشياء في حال غيابها، وأما الثاني فتعبير مرتبط بالحاضر ويقابل حالات نفسية خاصة من فرح ورعب ورغبة.[4]

7- نظرية الأصوات التعجبية العاطفية: نظرية pooh _ pooh 

أو ما يمكن أن نسميها بنظرية وتذهب إلى أن اللغة الإنسانية بدأت في صورة تعجبية عاطفية، صدرت عن الإنسان بصورة غريزية للتعبير عن انفعالاته من فرح أو وجع أو حزن أو استغراب... فالساميون عامة يتحسرون أو يتلهفون فيقولون " وي ".  وقد رفضت هذه النظرية للأسباب نفسها التي رفضت بها سابقتها.  

وهذه النظرية، تقرر أن الفضل في نشأة اللغة، يرجع إلى غريزة خاصة تحمل الإنسان على التعبير عن انفعالاته، بحركات وأصوات خاصة، مثل انقباض الأسارير، وانبساطها، أو الضحك، أو البكاء، أو غير ذلك، مما يعبر به عن انفعالات كالغضب، والخوف، والحزن، والسرور، نحو: أح، أخ، أف، أوّه، آه. وهذه الألفاظ كانت متحدة عند جميع الأفراد في طبيعتها، ووظائفها، وما يصدر عنها، وأنه بفضل ذلك اتحدت المفردات، وتشابهت طرق التعبير عند الجماعات الإنسانية الأولى، فاستطاعوا التفاهم فيما بينهم.

والنقد الذي يوجه إلى هذه النظرية هو أنه لا يمكننا أن نتصور أن اللغة بدأت من هذه الكلمات لأنها مازالت في اللغة على شكل تعبيرات وأسماء أصوات اعتراضية، مما يبين أن طبيعتها تختلف عن بقية كلمات اللغة. وبعض هذه الألفاظ أيضاً ليس قديما بل نشأ حديثا، والإنسان يغيرها دائما، وهي ولا تخضع لقواعد الجمل النحوية بل هي كلمات خاصة لها طبيعة معينة ولا يمكن اعتبارها أصلا لكلمات اللغة إضافة إلى أن بعض أصواتها لا يشبه بقية أصوات اللغة.

8-نظرية النشوء والتناسل: 

و ترى هذه النظرية أن اللغة نشأت بالطفرة و بشكل تلقائي، فتفترض أن اللغة نشأت متكاملة في لحظة معينة ثم أعقبها التوالد والتكاثر. 

وتعتمد هذه النظرية اعتمادا كثيراً على معطيات نظرية Darwin دارون في النشوء والتطور في الأحياء. هذه النظرية أثرت في كثير من العلوم الإنسانية كالأنثروبولجيا (علم الإنسان) وعلم الاجتماع والفلكلور وغيرها. وقد وجد بعض علماء اللغة فيها وسيلة لتفسير أصل اللغة، لذا نجدهم يفترضون أن اللغة لم تبدأ كاملة منذ الوهلة الأولى وإنما تطورت مع تطور جسم ومخه وقدراته العقلية. ويقارنون أطوار تطور لغة الإنسان القديم بمراحل النمو عند الأطفال. وهذه المراحل في نظرهم كالتالي:

1- مرحلة الأصوات الانبعاثية الساذجة حين كانت أعضاء النطق غير ناضجة والميول والرغبات غير واضحة، هذه المرحلة في نظرهم تشبه حالة الطفل في الشهور الأولى من حياته.

2- مرحلة الأصوات المكيفة المنبئة عن الأغراض والرغبات المصحوبة بإشارات متنوعة. في هذه المرحلة يظهر التمييز للأصوات كالجهر والهمس، والشدة والرخاوة، والتمييز في نطق بعض الأصوات الشفوية (ب، م) وهذه المرحلة تناظر حالة الطفل في أواخر السنة الأولى عندما يبدأ بترديد أصوات مثل: با با، ما ما، دا دا ...إلخ.

3- مرحلة المقاطع التي أصبح الإنسان فيها ينطق أصوات محددة المعالم في صورة مقاطع قصيرة محاكية أصوات الحيوانات والأشياء في الطبيعة، وتشبه هذه المرحلة حالة الطفل في بداية السنة الثانية عندما يبدأ يسمى الأشياء بحسب أصواتها مثل تسمية الكلب "هوهو" والقطة "نَوْ نوْ" والساعة "تك تك".

4- مرحلة تكوين كلمات من مقاطع، وهذه تمثل الجذور اللغوية الأولى التي استعملها الإنسان الأول لقضاء حاجاته، وقد بلغ هذه المرحلة اللغوية بعد أن اكتملت قدراته العقلية ونضجت أعضاؤه الصوتية، واشتدت حاجته إلى التفاهم مع غيره، ويناظر هذه المرحلة من أطوار نمو الطفل تلك التي  يبدأ فيها التفاهم مع من حوله ويصبح لديه قدرا من المفردات التي تساعده في الإشارة إلى الأشياء في محيطه وبيئته. 

ومما سبق نلاحظ أنه لا توجد نظرية واحدة يمكن أن تفسر نشأة اللغة الإنسانية وأن ثلاث نظريات متكاملة يمكن أن تفسر ذلك.  فالله سبحانه وتعالى أهل الإنسان وأعطاه القدرات الخاصة، فألهمه لكي ينطق وينشئ اللغة.  كما  نرى أن النظريات التي حاولت تفسير نشأة اللغة رفضت جميعًا، لأنها لم تفسر إلا جانبًا ضيقًا جدًا من اللغة، وعلم اللغة الحديث لا يبحث إلا فيما تؤكده المادة المحسوسة فهو يرفض الحدس والخيال، وهذا ما جعل الجمعية اللغوية الفرنسية تمنع بقانون إلقاء محاضرات في موضوع نشأة اللغة.  

غير أنّا لا نحتاج إلى الخوض في كل ذلك، فلدينا نص محفوظ يقول " وعلّم آدم الأسماء كلها " فالله - سبحانه وتعالى - علّم آدم اللغة سواء أكان التعليم بالتلقين أم بإلقاء علم ضروري في نفس أبينا آدم - عليه السلام - بحيث يخطر في ذهنه اسم شيء عندما يعرض عليه أو أن الله علمه المسميات؛ سواء كان هذا أو ذاك فإن الله علّم آدم اللغة.  

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 4419 مشاهدة
نشرت فى 2 إبريل 2012 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,475