الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

مفهوم اللغة:

تعد اللغة من أخص الظواهر الإنسانية على الإطلاق. ولقد كرم الله () الإنسان بنعمة. وفضله بها على سائر المخلوقات، مصداقاً لقوله تعالى:  الرَّحْمَنُ {1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ {2} خَلَقَ الْإِنسَانَ {3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ  [ الرحمن 1-4]." فهذا البيان الذي امتن به المولى على بني آدم وأكرمهم وشرفهم على سائر المخلوقات يتمثل في مقدرة الإنسان على استخدام عقله ولسانه في تحقيق التواصل والتفاهم. 

فاللغة والفكر والمجتمع هي ظواهر متداخلة تؤدى إلى تطور الحياة وقيام الحضارة الإنسانية الراقية، وتقدم فكرى واجتماعي وحضاري وثقافي باهر. ولما كانت اللغة قديما قدم الإنسان والمجتمع الإنساني فلا نجد تجمعاً إنسانياً إلا ونجد له وسيلة يتفاهم من خلالها مع الآخرين، وأداة يعبر من خلالها عما يجول في خلده من أفكار ومعان وإن كانت بسيطة، وعما يدور في خلجات نفسه من رغبات وتطلعات وانفعالات وأحاسيس. 

فلغة الأمة هي وعاء فكرها وعواطفها عبر العصور ولما كانت ذاك الفكر وهذه العاطفة عرضه للتغيير، فإن اللغة تخضع بدورها لهذا التغير، تتغير مع أهلها في الحالات الحياتية الإنسانية التي تمر بها الجماعة. ولما كانت اللغة تشمل كل ما قاله أو يقوله أو سيقوله أي فرد من أفراد جماعة لغوية ما. فإنها تشكل الإطار الاجتماعي لكلام الفرد والذي يتم في إحدى صورتين: إما النطق وإما الكتابة. 

وباعتبار اللغة نظاماً تركيبياً يؤدى أدواراً وظيفية في جماعة معينة، وباعتبارها ظاهرة إنسانية متطورة، فإن الدراسات اللغوية تكشف عن ميكانيكية النشاط الذهني في الفرد أولاً ثم ما يفرضه المجتمع على هذا النشاط النفسي الفردي من قواعد سلوكية اجتماعية، كما تغطى جانباً مهماً من دراسة التطور الإنساني وتقدم صورة لتطور النشاط العقلي من مكتسبات دلالية، ونظم تركيبية ومن دلالات أو تراكيب سقطت من الاستعمال، قد تساعد معرفته على الكشف عن تطور الحياة العقلية للفرد والمجتمع معاً. 

ونتيجة لذلك نرى تنوعاً كبيراً في تعريف اللغة وبيان مفهومها. لكن يحسن بها أن نعرض للمفهوم لغوياً أولاً قبل أن تناوله في اصطلاح العلماء. 

تعريف اللغة: 

1: مفهوم اللغة لغوياً: أصلها لغى ولغو والهاء عوض، وجمعها لغى ولغات أيضاً، والنسبة إليها لغوى، واللغا: الصوت، ويقال أيضاً لغى به: أى لهج به. 

واللغو النطق، يقال: هذه لغتهم التي يلغون بها أي ينطقون والطير تلغى بأصواتها أى تنغم.  ولغا يلغو لغواً: تكلم. واللغة هي الألسن، وهى فعلة من لغوت: أي تكلمت، أصلها لغوة والجمع لغات ولغون. 

2ً: مفهوم اللغة اصطلاحاً: 

فسرها ابن جني " بأن حدها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم. 

ويشتمل هذا التعريف على أربعة جوانب هي: 

• أن اللغة أصوات. 

• أن اللغة تعبير. 

• أنها تعبير يعبر بها " كل قوم ". 

• أنها تعبير عن " أغراض ". 

في حين أشار ابن خلدون إليها بأنها: 

عبارة المتكلم عن مقصودة، وتلك العبارة فعل لساني ناشئ عن القصد لإفادة الكلام، فلابد أن تصير ملكة متفردة لها وهى اللسان. وهو فى كل أمة حسب اصطلاحاتهم. 

أما ابن سنان الخفاجي فيذكر أن اللغة هي: " ما تواضع القوم عليه من الكلام ". ويذكر هذا التعريف الطبيعة الاصطلاحية للغة الإنسانية فاللغة تتيح لمتكلميها، لتواصل عبرة قناة تواصلية ثابتة بثبات الاصطلاح. 

هكذا عرف العلماء العرب القدامى اللغة، ويلاحظ أن هذه التعاريف تشير إلى كون اللغة هي أصوات أو ملكات في اللسان تختلف باختلاف الأمة، وهذه الأصوات يستخدمها كل قوم للتعبير عن أغراضهم ومعانيهم، وعلى ذلك فهي مواضعه واصطلاح. 

ليس هذا فحسب، لكن تنوعت تعريفات اللغة واختلفت تبعاً للمدارس والاتجاهات الفكرية للعلماء فيما بينهم. ..... فمنهم من يعرفها من خلال المنظور الفلسفي الاجتماعي. 

ومن هؤلاء " مالينوفسكي"، الذي يعرفها بأنها " ليست مجرد وسيلة للتفاهم والاتصال، فهي حلقة في  سلسلة النشاط الإنساني المنظم وأنها جزء من مواقف العمل هي التي تعمل في تنويع اللغة ". 

وعليه فإن " مالينوفسكي " يرى أن اللغة وسيلة لتنفيذ الأعمال وقضاء حاجات الإنسان فالكلمة فى وجهة نظره إنما تستعمل في أداء الأعمال وإنجازها لا لوصف الأشياء أو ترجمة الأفكار. 

أما " فندريس " فيرى أنها الصورة المثالية التي تفرض نفسها على جميع الأفراد في مجموعة واحدة، فاللغة نتاج طبيعي للنشاط الإنساني نتيجة لتطابق ملكات الإنسان مع حاجاته الاجتماعية. 

في حين وصفها " سابير " بأنها وسيلة لا غريزية خاصة بالإنسان يستعملها لإيصال الأفكار والمشاعر والرغبات عبر رموز يؤديها بصورة اختيارية وقصدية. 

ويتضمن تعريف "سابير" أن: 

• اللغة وسيلة للتعبير. 

• اللغة قائمة على رموز. 

• اللغة قصدية. 

فهذه التعريفات السابقة جميعاً نظرت إلى اللغة على أنها ظاهرة اجتماعية، تقتضيها حاجة الإنسان إلى التفاهم مع أبناء جنسه. 

وفى ذلك تأكيد على ما قاله دى سوسير " بأن اللغة أساساً ظاهرة اجتماعية ينبغي دراستها في ضوء علاقتها بالمتحدثين بها ومشاعرهم النفسية، وأنها دائرة تشمل المسموع والملفوظ والمتصدر، وهى تحرك قسماً نفسياً وآخر وظيفياً. تستمد قاعدتها من ذاتها وجميع المؤثرات في اللغة ترجع إلى المجتمع والظواهر الاجتماعية. 

يرى " دى سوسير " أن اللغة في جوهرها " نظام من الرموز الصوتية أو مجموعة من الصور اللفظية التى تختزن في أذهان أفراد الجماعة اللغوية، وتستخدم للتفاهم بين أبناء مجتمع معين، ويتلقاها الفرد عن الجماعة التي يعيش معها عن طريق السماع ". 

وهناك العقلانيون وأبرزهم تشومسكي الذي اللغة على أنها: " نظام عقلي فريد تستمد حقيقتها من أنها أداة التعبير والتفكير الإنساني ". 

ويذهب تشومسكي بهذا التعريف إلى أن اللغة كفاية، أو طاقة إنسانية قوة إنتاجية توليدية فائقة.  وبذلك تكون الفكرة الأساسية التي توجه منهج تشومسكي هي السمة الإنتاجية في اللغة، والتى بمقتضاها يستطيع المتكلم أن يؤلف ويفهم جملاً جديدة غير متناهية لم يسبق له أ، سمعها من قبل، وهى السمة التي تميز الإنسان عن الحيوان. 

في حين ذهب Bangs إلى كون اللغة " نظام من الرموز يخضع لقواعد ونظم، والهدف من اللغة هو تواصل المشاعر والأفكار "، وهى تتكون من النظم التالية: 

- النظام الدلالي: Semantic System: وهو الذي يتعلق بمعنى الكلمات ودلالتها وتطورها. 

- النظام التركيبي: Syntactic System: وهو النظام الذي يتعلق ببناء الجمل وترتيب الكلمات في الجملة وقواعد الإعراب. 

- النظام الصرفي: Morphologic System: وهو النظام الذي يتعلق بالتغيرات التي تطرأ على مصادر الكلمات من الناحية الصرفية. 

-النظام الصوتي: Phonologic System: وهو النظام المتعلق بالأصوات الكلامية، وبالأصوات الخاصة بالاستخدام اللغوي.   

وعرف آخرون اللغة بأنها " مجموعة من الرموز تمثل المعاني المختلفة أو هي نظام عرفي لرموز صوتية يستغلها الناس في الاتصال ببعض، وهى مهارة اختص بها الإنسان وتشمل الكلمات واللهجة والنغمة الصوتية والإشارة وتعبيرات الوجه والجسم، وأية رموز أخرى تستعمل للتعبير ". 

ونظراً لهذا التنوع الكبير في تعريفات اللغة فإننا نحصر تعريف اللغة في أنها: مجموعة من الرموز ذات المعاني المختلفة يستعملها الإنسان فى التوصل مع الآخرين، وهى تميزه عن غيره من الكائنات الحية وتشمل اللغة جانبين: جانب مادي ويتمثل في الألفاظ والكلمات سواء كانت هذه الألفاظ أصواتا منطوقة أو حروفاً مكتوبة، وجانب مادي ويتمثل في الإشارات والإيماءات والرسم والموسيقى. 

لكننا نلخص من العرض السابق للتعاريف المختلفة للغة إمكانية الحديث عن خصائص اللغة والتى يمثل بعضها مقومات أساسي للغة، ويمثل البعض الآخر تطبيقات تربوية يمكن أن تأخذ مكانها في منهج تعليم العربية وتتلخص هذه الحقائق والتطبيقات في خصائص اللغة. 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 312 مشاهدة
نشرت فى 10 مارس 2012 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,660,057