لما كانت اللغة العربية لغة الاسلام ؛فقد أنزل بها كتابه العزيز، وجعلها لغة نبيه صلى الله عليه وسلام؛ فقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} (الشورى 7)، وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يوسف 2)، وقال -عز وجل-: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (النحل 3). قال الإمام ابنُ كثير في تفسيرهٍ: لغة العرب أفصحُ اللغات، وأَبْيَنُها، وأَوْسَعُها، وأكثرُها تَأْدِيةً للمعني الذي تقوم به نفوس الناس ؛ لذا أُنزل الله بلغتها أفضل كتاب (ابن كثير :31 )، وقال الإمام الشاطبي رحمه الله : من أراد أن يفهم القران الكريم يكون من جهة لسان العرب ليُفهم، ولا سبيل إلى طلب فهمه من غير هذه الجهة. وإذا كان الدعاة هم ورثة الأنبياء في تبليغ رسالة الإسلام ونشرها بين الناس خالية من الشوائب خالصة من العيوب.. فمن الواجب عليهم تعظيم شعار الدين الإسلامي التى تتمثل في تعلم اللغة العربية حتى يستطيعوا فهم النصوص فهما صحيحا ويبلغوها الناس بفهم خال من التحريف أو التبديل والتغيير، وقد ذكر الشافعي رحمه الله تعالى في حديثه عن البدعة: ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا بسبب تركهم لسان العرب.( رمضان فوزي 2024)
فلغة الخطاب الديني فن من فنون اللغة العربية له أصوله وضوابطه وأشكاله وتفرعاته فالخطاب يعد مهارة من مهارات التحدث الفعال يضم مهارات فرعية يجب أن يتقنها الخطيب كى يؤدى الغاية المرجوة من الخطاب ألا وهى الاقناع والامتاع و الخطاب فنا من فنون اللغة الشفهية يحتاج اليها الإنسان فى كثير من المواقف الحياتية كإلقاء كلمة او خطبة فى مناسبة معينة كالمناسبات الدينية او الاحتفالات الوطنية او عرض تقرير عن مؤتمر أو رحلة(سليمان حموده، 2017).
ولفظة "الخطاب" عربية فصيحة مستخدمة، والأصوليون كان يستخدمونها كثيراً، والخطاب هو المحاورة والمحادثة بين طرفين، ونسبته للدين يقصد فيها الخطاب الذي يعتمد على مرجعية دينية في مخاطبته وأحكامه وبياناته، وإنني أقصد بالخطاب الديني ما يطرحه العلماء والدعاة والمنتمون إلى المؤسسات الإسلامية في بيان الإسلام والشريعة، سواء كان ذلك من خلال الخطب أو المحاضرات أو التأليف أو البرامج الإعلامية الأخرى، وقد يدخل في ذلك المناهج الدراسية الدينية في المدارس والجامعات الشرعية، بل يمكن أن يوسع مفهوم الخطاب الديني ليشمل النشاط الإسلامي والنشاط الدعوي وعمل الجماعات الإسلامية والمؤسسات الإسلامية بشكل عام الفقهي منها والعلمي والدعوي والتربوي ونوع النشاط الذي تقوم به لتقييم مدى نجاحه وفشله وقربه من المقاصد العامة للتشريع ومن بعد ذلك تقويمه وإصلاحه وتجديده.
والتجديد لغة: مصدر جدد، و َيجدُّ عكس يبلى، وأَجدَّ الشيء أي: صيَّره جديداً، أْصبَحْت ُخْلقانُهم ُجدُدا"(الصاحب بن عباد،385هـ)، فالتجديد ليس إنشاء لمحدث بديع على غير مثال سابق، بل عود بالشيء إلى سابق عهده، قبل أن يصبه البِلَى.
واصطلاحا :أصل قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم وقال الزين العراقي : سنده صحيح اهـ. وقال السيوطي رحمه الله في مرقاة الصعود : اتفق الحفاظ على تصحيحه لوجوه من التجديد، أولها: حفظ الدين من التشدد والتعمق، والتهاون، وخلط ملة بملة، والثاني: الاجتهاد، والثالث: الإصلاح واليقظة برد الاعتبار للقيم الإسلامية، ورفع ما اثير حولها من شبهات، والرابع تغيير الشكل وتطوير الوسائل والتقنيات والآليات ؛ لتيسير المضمون مع حفظ ثوابت أصول الدين وفروعهمن تغيرات قيم العصر المصادمة للوحي وهذا يتفق مع الدلالة اللغوية ، ويخالف التجديد الغربي بالثورة على الدين وتنحيته عن الحياة رفضا منهم للتسلط الكنسي عليهم.(أسماء فاروق، وائل كمال ،2022، 5).
تجديد الخطاب الديني هو عملية إعادة صياغة وتجديد الأساليب والأسس والمفاهيم المتعلقة بالدين، بهدف تجديد الفهم والتفاعل مع العالم الحديث والمتغير. يهدف تجديد الخطاب الديني إلى جعل الدين أكثر قابلية للتطبيق والفهم، وتعزيز دوره في توجيه الناس نحو الخير والإصلاح.
ومن أمثلة تجديد الخطاب الديني، هو تجديد الأساليب والأسس المتعلقة بالدعوة إلى الإسلام وتوجيه المسلمين، بحيث تتوافق مع الثقافات والتحديات الحديثة. كما يمكن أن يشمل تجديد الخطاب الديني التركيز على قيم الحوار والتعايش والتسامح بين المختلفين، وترسيخ أهمية العدل والإنصاف في كل جوانب الحياة الإنسانية.
ومن الأهمية بمكان أن يتم تجديد الخطاب الديني بما يتوافق مع القيم والمبادئ الأساسية للدين، وأن يتم الاستفادة من المناهج العلمية والأدبية الحديثة في عملية التجديد. ويجب أن يكون هذا التجديد قائماً على تحليل دقيق للظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تشهدها المجتمعات المختلفة، والعمل على تقديم الحلول الواقعية والعملية التي تلبي حاجات هذه المجتمعات.
وتجديد الخطاب الديني يحتاج إلى العديد من المتطلبات، بعضها يتعلق بالمحتوى وبعضها الآخر يتعلق بالشخصية المتحدثة والأسلوب الذي يستخدمه. ومن أبرز هذه المتطلبات:
1- الاستماع لمتلقي الخطاب: يجب أن يتم توجيه الخطاب بطريقة تتلاءم مع المجتمع الذي يستهدفه ويكون بلغة سهلة ومفهومة له.
2- التحديث والتطور: يجب تحديث المفاهيم والمعارف المتعلقة بالدين وإعادة صياغة القيم الدينية بشكل يتناسب مع الواقع المعاصر والمتغيرات الاجتماعية والثقافية.
3- الاعتماد على المنهج النقدي: يجب تحليل الخطاب الديني والتأكد من صحة ما يتم تقديمه من مفاهيم ومعلومات.
4- استخدام أساليب جذابة: يجب أن يكون الخطاب مبتكرا وجذابا بأسلوبه وتقنياته المختلفة مثل القصص والمثل والأمثلة الواقعية.
5- الالتزام بالأخلاق والمبادئ الدينية: يجب على المتحدث الالتزام بالأخلاق والمبادئ الدينية التي ينتمي إليها والتأكد من أن الخطاب يعكس هذه القيم.
6- الالتزام بالوضوح والصدق: يجب على المتحدث الالتزام بالوضوح والصدق فيما يقوله، وتجنب الخطأ والتضليل في الإفادة.
7- القدرة على التواصل: يجب على المتحدث أن يتمتع بالقدرة على التواصل الفعال وتحفيز الجماهير على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق ما يدعو إليه.
أما كيف يتم تجديد هذا الخطاب الديني؟ فكما سبق ذكره فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.أخرجه أبو داود والحاكم وصححه، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم تجديد الدين نفسه، والخطاب الديني جزء من هذا الدين وتجديده, والذين يقومون بعمل هذا التجديد جاؤوا بلفظ (مَن) فهو عام يشمل الفرد والجماعة، وفي ظل توسع الأمة واتساع رقعتها والانفتاح العالمي وتضخم الخلل الموجود في واقعها فإن هذا الواقع يفرض أن هذا العمل التجديدي ليس شأن فرد واحد، بل مجموعات تتكامل فيما بينها، وتؤدي أدواراً مختلفة وتخصصات علمية متباينة وحقول معرفية كلها تنتهي عند مصب المصدر الأصلي (الشريعة).
وهناك فرق بين الخطاب الديني والوحي المنـزل، بمعنى أن الخطاب الديني يعتمد على الوحي في كثير من الحالات، لكنه يبقى في حدود العمل العقلي البشري أو العمل الاجتهادي الذي يرتبط بإمكانيات الإنسان وقدرته وطاقته، فهو مثل خطاب الفقهاء والوعاظ والمصلحين الذي يمثل اجتهاداً من عندهم.
. إن تجديد هذا الخطاب ضرورة فطرية وبشرية؛ لأن هذا الخطاب الديني الحالي مفكك وفردي بينما يشهد العالم تجمعات وتطورات هائلة في مجال التقنية والمعلومات والاختراعات، وأعتقد بأن أية نهضة أو تنمية في العالم الإسلامي التي ينادي بها المخلصون من دعاة الإصلاح إن لم تصدر من مفهوم ديني فهي محكوم عليها بالفشل، فلا بد من خطاب ديني واع ومعاصر ومنضبط يستطيع أن يضع هذه النهضة ويساعد عليها ويدفعها لإخراج الأمة من هذا التيه والدوران الذي تدور فيه حول نفسها.
إن هذا التجديد الحي قراءة واعية واعدة للنفس والآخر والواقع، و قراءة قادرة على إيجاد الحلول الشرعية المناسبة لمشكلات الواقع. كما أنه لا مناص من التجديد، وإذا لم نؤمن بذلك فأمامنا خياران:
الأول: الجمود ويعني ذلك الإطاحة بحق الحياة وسحقها في عصر تكتنفه الحركة الثائرة من كل جهة.
والثاني: الذوبان، وذلك معناه الإطاحة بحق الدين والشريعة والثقافة والتراث.
إن هذا التجديد يجب أن يكون عن طريق المتخصصين الإسلاميين، كما يجب أن تكون أدوات هذا التجديد ووسائله داخلية تلمس مشاعره وتتحدث من داخل إطاره، وعلينا أن نتفق على الضرورات والقواعد الشرعية والمحكمات الدينية الثابتة.
أما ماهية هذا التجديد فترتيبٌ لسلّم الأوليات وتنظيم للأهم والمقاصد الكبرى للعلم والدعوة والإصلاح واتفاق على ذلك وتسهيل تطبيق ذلك وتوجيهه في أرض الواقع، وإبراز لجانب القيم والأخلاق الإسلامية الإنسانية العامة التي يحتاج إليها الناس كلهم دون استثناء، وتطبيع قيم العدل التي يأمرنا بها الإسلام تجاه الخلق كلهم ومعاملة الناس كلهم بالحسنى، فهو يعني العناية بالنظريات العامة في الإسلام مثل النظريات السياسية والاجتماعية والفقهية الفرعية والأصولية، ودعم المشاريع العلمية التي تصل تراث الأمة بهذا العصر وتضيف إليها تراكماً علمياً ومعرفياً، والاهتمام بالمبادرات في الخطاب الشرعي والدعوي فالأمر قبل النهي، والأمر بالمعروف مقدم على النهي عن المنكر، والإصلاح ينفي الإفساد بالضرورة والعملة الجيدة تطرد العملة الرديئة -كما يقول الاقتصاديون-، فهذا الجهد يقوي عنصر "المزاحمة" في الفكر الإسلامي والخطاب الديني.
ومما سبق يجب على دعاة التجديد أن ينتقلوا من ضيق الرأي والمذهب والجماعة إلى سعة الشريعة مع أهمية هذه كلها في العلم الإسلامي والديني، بل بالاعتصام بسعة الشريعة لتجديد الاجتهاد الإسلامي وتيسيره، يقول جل وعلا: () وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (النساء83).
ساحة النقاش