الاعلام الاسرائيلي يتغنى بالحرب البرية على قطاع غزة منذ بداية الحرب الجوية على قطاع غزة ولعل القادة الإسرائيليين اصبحوا يتنافسون في الدعوة والتحريض على الحرب البرية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يهدد بالحرب البرية وهو الذي يتهمه خصومه من اليمين بانه "أضعف وأجبن" رئيس وزراء في تاريخ دولة اسرائيل ووزير الجيش يلوح باستدعاء 8000 جندي من قوات الاحتياط ليضافوا الى 40000 جندي احتياط تم استدعائهم في ايام الحرب الاولى، وليس انتهاءً بوزير الخارجية "ليبرمان" الذي انفصل عن ائتلافه الحزبي مع نتنياهو بدعوة ضعف نتنياهو في مواجهة حماس بل ودعوته الدائمة للهجوم على غزة براً واحتلالها والقضاء على حماس.
ان المراقب للوضع الاسرائيلي يستطيع ان يلاحظ ان هذه التهديدات لا تتعدى ان تأتي في سياق السباق الانتخابي الاسرائيلي الدائم وتسجيل مزيداً من النقاط على حساب الدماء الفلسطينية وذلك عبر ارضاء الشارع الاسرائيلي المتطرف والذي توهمه قيادته بان الحرب البرية ستضع حداً لصواريخ حماس المنهمرة عليهم.
هذا من ناحية ولكن من ناحية عملية فان صناع القرار في حكومة الاحتلال يدركون بانه من الصعب ان لم يكن من المستحيل خوض غمار حرب برية حقيقة على قطاع غزة بهدف تقويض حركة حماس وذلك للأسباب التالية:
1. إنه واذا كان باستطاعة الحكومة الصهيونية اخفاء خسائرها خلال الحرب الجوية والناتجة عن سقوط مئات الصواريخ على ثكناتها العسكرية و مدنها وقراها فإنها لن تستطيع اخفاء خسائر الحرب البرية التي ستتواجه فيها وجها لوجه في حرب شوارع.
2. في الهجوم البري على غزة سيقوم الجيش الإسرائيلي بمواجهة خصم عنيد ومقاتل ومتخصص في حروب الشوارع والمدن بل و ينتظر الجنود الإسرائيليين على أحر الجمر على اعتبار ان الجندي الحمساوي يقاتل عن عقيدة فيما يقاتل الجندي الإسرائيلي في حرب لا يعرف لماذا يخوضها وبل يسعى للهروب منها.
3.ان الحرب البرية ستكلف الكيان الصهيوني كثيرا من سمعه التي سعت خلال الاسبوعين الماضيين الى الضغط من أجل اظهار نفسها بصورة الضحية التي يتساقط على (شعبها البريء) صواريخ صباح مساء، اما في حالة الحرب البرية فان مظاهر القتل والدمار والدماء والاشلاء التي سترتكبها اسرائيل والتي ستكون عنوانا للحرب البرية ولن يكون من السهل تغطيتها والتغلب عليها وخداع الراي العام العالمي.
4. خشية الحكومة الصهيونية من مفاجآت المقاومة الفلسطينية ومدى التطور الذي طرأ على منظومة الصواريخ القسامية والذي فشلت كافة اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية في تحديد وتقدير المدى الذي وصل اليه القسام في تطوير قدراته الجوية والبحرية والبرية وخصوصا في ظل الحديث عن شبكة من الانفاق اسفل مدن قطاع غزة (او غزة ثانية تحت غزة كما يصفها الاعلام الاسرائيلي).
5. خشية الحكومة الصهيونية أن تكون لدى حماس شبكة انفاق جديدة خارج غزة تربط حدود غزة بمدن الاحتلال وفي هذه الحالة سيكون من المؤلم لجيش الاحتلال ان يجد قوات وجيش حماس تحاربه داخل الاراضي "الاسرائيلية" التي طالما حرص على الا تكون أي من معارك الجيش الاسرائيلي داخل اراضيه مع العلم ان كثيراً من المحللين العسكرين لا يستبعدون هذا الخيار وخصوصاً بعد اكتشاف نفق العين الثالثة قبل عدة شهور شرقي مدينة خانيونس.
6.شبح "شاليط" وهو مصطلح ما زال يسيطر على العقلية الاسرائيلية حينما تم خطف وأسر الجندي الإسرائيلي (جلعاد شاليط) في عملية جريئة استهدفت موقع عسكري اسرائيلي في يونيو-2006 وتم أسره لأكثر من 6 سنوات في قطاع غزة و تم اطلاق سراحه في صفقة وفاء الاحرار في اكتوبر 2012 ،مقابل الافراج عن اكثر من 1000 أسير فلسطيني من السجون الاسرائيلية.
وهنا في الحرب البرية فان احتمالات أسر جنود إسرائيليين واردة جداً في ضوء اصرار المقاومة على ذلك بهدف اطلاق سراح الاسرى و تبيض السجون وليس ادل على ذلك من المحاولات العديدة لخطف جنود في الحربين السابقين وما بعدهما.
7.ان تجربة الكيان الصهيوني في العدوان البري في حرب الفرقان عام 2008-2009 لم تكن ناجحة على الرغم من الكذب الاعلامي الكبير في تصوير التوغل في قطاع غزة و الذي لم يتجاوز عشرات الامتار وبالمقابل كان هناك مجازر كبيرة مثل مجزرة "ال السموني" وغيرها والتي كانت سبباً للملاحقة القانونية لقادة في الجيش الاسرائيلي في اوروبا باعتبارهم مجرمي حرب عدا عن ادانة تقرير (جولد ستون) لهم.
8.غياب سلاح الطيران الهليكوبتر "الاباتشي" والذي كان يقوم بتوفير التغطية الجوية في الحرب البرية في الحربين السابقتين ، حيث اعلنت القيادة العسكرية الاسرائيلية بان حماس اصبحت تمتلك مضاداً لطائرات الاباتشي وهذا ما يحرم الحرب البرية من اقوى الاسلحة التي كانت تحمي به قوات الجيش على الارض حيث كانت تقوم الطائرات بقصف كل مجموعات المجاهدين والتغطية على محاولة اقتحام القوات البرية ورغم ذلك لم تنجح..فما بالك لغياب هذا السلاح الاستراتيجي الهام؟؟
8. ان الحرب الجوية الدائرة الان في معركة (العصف المأكول) والتي تجاوزت اكثر من 2000غارة جوية لم تكسر قوة حماس بل وإن قصف الصواريخ الحمساوية على داخل اسرائيل يزداد يوماً بعد يوم ، عدا عن أن الحكومة الصهيونية تقر بأنه ورغم القصف المكثف فان شهداء المقاومة لا تتجاوز نسبتهم 15 % من إجمالي الشهداء حسب التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية، كما ان قصف مواقع اطلاق الصواريخ لم يؤدي الى شل قدرة المقاومة على الاستمرار في اطلاق الصواريخ – كما اعلنت قوات الاحتلال -.
وعليه فانه من الواضح ان عملية التهديد بالحرب البرية والبدء بها ما هي الا عملية " عض اصابع " تستهدف ممارسة المزيد من الضغط على حركة حماس من اجل ابداء مزيد من التنازل والقبول بالمبادرة المصرية الهزيلة والتي اعلنت حماس رفضها في صورة اظهرت حماس بالمنتصر الذي يفرض شروطه وهذا ما لا يروق للكيان الصهيوني ومصر وبعض دول الخليج المتحالفة معها .
يقيناً بالله ان هذه الحرب المجنونة على قطاع غزة لن تنجح وثقتنا به ان المقاومة تخبئ لهم مفاجآت جديدة في عدوانهم البرى الذى بدأ في المناطق الحدودية الرخوة والذى يبدو انها لن تغادر منطقة الكيلومتر الحدودي الذي يربط قطاع غزة مع دولة الاحتلال والذي يتعرض للقصف المستمر منذ عشر سنوات وهو للأسف معزول ولا يوجد به كثافة سكانية كبيرة.