الشخصية القيادية
كتبه/ محمد بن شاكر الشريف
بناء جيل قيادي فعَّال كان وما يزال حلم يراود كل صاحب رسالة سامية، وكل ذي همة عالية يطمح لاسترداد مجد الأمة الضائع. وبعيداً عن الجدلية القديمة "هل يولد القائد أم يصنع؟ "، يسعى جميع طلاب المجد ورواد صناعة التغييرـ كلٌّ على شاكلته ـ لتحقيق هذا الحلم وصياغة طليعة من الرواد القياديين المؤثرين القادرين على استعادة زمام الأمور وقيادة البشرية على مدارج الهداية والنور.
وسنة النصرالخالدة تؤكد أننا لا ننصربالكم بل بالكيف، وهذا ما تقرره العلوم الإدارية الحديثة في مجال القيادة؛ حيث تؤكد الدراسات أن 2% فقط هم من يقودون أممهم نحو ذرى المجد، وينهضون بمجتمعاتهم، ويصنعون الحضارات، ويحدثون التأثيرعلى مدى التاريخ، والبقية ليسوا سوى أتباعٌ ويكون تأثيرهم ثانوي ولكنهم يمثلون الوجه الآخر لعملة القيادة وبقدرما تعطيهم قيادتهم من احترام وتقدير بقدر ما يعظم دورهم وتأثيرهم في مشروع النهضة الحضاري.
فالأصل أن لا يخلو زمان من الأفذاذ المتوقع منهم القيام بنهضة أممهم ولكن الإشكالية تكمن في غياب المحاضن التي تتبناهم وتصقل قدراتهم وتنمي مهاراتهم.
كان عمربن الخطاب الرجل الملهم يقول: "أريد رجلا إذا كان أميرهم كان كأنه واحد منهم وإذا لم يكن أميرهم كان كأنه أميرهم!!".
معادلة غابت عن أذهاننا دهراً، والآن وبعد سنوات عديدة سعى فيها المربون والمصلحون بكل دأب وبجهد ومشقة لاستعادة مجد الأمة وبث روح الفداء والإيجابية في أبنائها، وبعد العديد من المحاولات القائمة على التجربة والخطأ، أدرك الكثير منا أن هناك أخطاء قاتلة في منهجيتنا لصناعة الشخصية القيادية منها: عدم الاهتمام بتنمية المهارات القيادية لدى الأبناء، وتغييب الروح القيادية في أوساط الأفراد وطمس معالمها في ذواتهم، ربما لأنه عند ذكر القيادة يذهب الذهن إلى معنى الزعامة وطلب الرياسة حيث يبدو أننا لم نسمو بذواتنا لنبلغ مرحلة متقدمة من الصدق والتجرد في حمل الرسالة، ولم نستطع فهم القيادة والنظر إليها بصور جديدة كالإيجابية والمبادرة.
وتولد من هذا علل كثيرة منها:
* غياب الإيجابية لدى الأفراد وانطفاء روح المبادرة فيهم، ذلك لأنهم تم برمجتهم ليكونوا فقط أتباعاً وربما أتباعاً من الدرجة العاشرة فانخفض سقف عطائهم وطموحهم بناءً على النظرة السلبية لقياداتهم إليهم.
* عدم مراجعة مناهج ونظريات القيادة القديمة، وتجديد برامج التدريب والتأهيل القيادي والإفادة من التقنيات الإدارية الحديثة في هذا المجال.
* عدم إتاحة الفرصة للشباب لاستلام مواقع قيادية عليا إما لأنهم فئة مهمشة أو مكبوتة أو لأنهم لم يعدوا الإعداد اللازم لتسلم هذه المواقع، وأحيانا لتشبث القيادات الكهلة بمواقعها.
* انعدام أو ضعف المحاضن الصالحة لصناعة الشخصية القيادية بإخلاص وتجرد وفي أجواء إيمانية خالية من التعصب والتحزب.
والذي أراه وسط الحرب الشعواء التي تشن على المحاضن الدينية أن حلق تحفيظ القرآن الكريم هي المحضن المناسب كونها تمثل معقل التغيير الخالد ولا يمكن لأيدٍ آثمة أن تطاله بسوء فهي محفوظة بوعد الله أنه سيحفظ كتابه الكريم، فالحلقات القرآنية هي خير محضن للتصحيح والعودة بالركب إلى الجادة، وصناعة القادة وصياغة الشخصية القيادية على منهج الكتاب العزيز وروحه التي أحيت أول هذه الأمة ولسوف تحيي آخرها؛ وذلك بتطوير مناهج الحلقات القرآنية بما يكفل إحياء روح المبادرة والإيجابية وبثها بين أنفاس الجيل حتى يصبح شعارهم "أنا لها، وإن كان من خير مأمول فأنا المسؤول".
إن الشباب الصاعد يعاني من جفاف روحي، وخواء فكري، وسطحية معرفية، وهشاشة في العقيدة والانتماء، وغياب لمعاني القيم، والتي أضحى جلها عبارة عن شعارات جوفاء لا أثر لها في صناعة الحياة وصياغة الأهداف وتشكيل الرأي وتحرير الدافع.
وإن على القادة والمربين والمصلحين الوقوف وقفة جادة لإصلاح هذا الخلل العميق في شخصية الفرد المسلم، والذي ينشأ أحدهم بين أحضان أم جاهلة أو مهضومة الحق، غير مقدرة من قبل أب مطحون بين سندان العيش ومطرقة القهرفي مجتمع فقيرمتخلف، ثم تتلقفه مؤسسات تعليمية يسودها الفساد وتغيب عنها القيم السامية ومبادئ الحق والصدق والشجاعة إلا ما رحم ربي وقليل ما هم.
فلا بد من إعطاء هذه القضية حقها من الاهتمام والسعي بكل جد ومثابرة، وإرادة صلبة، لتفعيل هذه المحاضن المتوفرة وبكثرة والمهملة بشكل يدعو للعجب!
فبإمكاننا أن نلقن هذه الفئات مع الآيات القرآنية سمات القائد الفذ، ورسم نهج القيادة، وحفره في وجدانهم منذ الصغر، وغرس معنى القيادة بمفهوم المبادرة والإيجابية في أذهانهم الطرية وقلوبهم النقية، واكتشاف المبدعين منهم واحتضانهم ليكونوا نواة لغرس صالح لعل الله أن يخرج هذه الأمة من تيهها والذي امتد حتى ضاقت بنا الأرض بما رحبت، وتساءل المخلصون بصمت: متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب، ورحمة الله قريب من المحسنين.