موقع محمود هويدى المحامى ( للمعارف والقانون )

معارف * قانون * أخبار * صحة ومجتمع

ابن رشد

 

 

 

 

 

 

 

في بيئة أقل ما توصف أنها كانت عاصمة الفكر والعلم ، في مدينة قرطبة الزاخرة بالعلماء والأدباء والفقهاء ، وفي بيت أُشتهر بالثقافة والفقه نشأ العالم الفيلسوف والقاضي الفقيه النابغة ابن رشد. ومع هذا أعتبر ابن رشد سابقاً لزمانه لتمتعه بميزات عديدة فكرية وعلمية وفلسفية جامعة …

 

هو أبو الوليد محمد بن أحمد ابن رشد الذي ولد وتوفي في الفترة (1126 - 1198) وهو فيلسوف وطبيب وفقيه من أصل عربي أندلسي ولد بقرطبة، وحذق في العلوم الشرعية والعقلية، ولى القضاء في مدينة إشبيلية، ثم في قرطبة، فشغل منصب أبيه وجده، وأصبح يلقب بقاضي قرطبة.. لقب ابن رشد ب(الشارح) لشرحه كتب أرسطو، بتكليف من أمير الموحدين (أبي يعقوب يوسف) ، الذي عرف ابن رشد عن طريق ابن طفيل، فأكبره وقربه منه. وعندما أصبحت الفلسفة موضعاً للسخط، اضطُهد ابن رشد، ونفى في (أليسانة) قرب قرطبة، ثم عفا الأمير عنه، فعاد الفيلسوف إلى مراكش، حيث عاجلته المنية هناك.
شرح ابن رشد كتباً كثيرة لأرسطو منها (الطبيعيات) و (السماء) و (العالم) و (الكون والفساد) و (الآثار العلوية) و (النفس), ومن أهم شروح ابن رشد: (تفسير ما بعد الطبيعة لأرسطو).

أهم مصنفاته الفلسفية: (تهافت التهافت) الذي رد فيه على كتاب الغزالي (تهافت الفلاسفة) وقد عنى الفيلسوف بالتوفيق بين الفلسفة والدين، وبإثبات أن الشريعة الإسلامية حثت على النظر العقلي وأوجبته، وأنها والفلسفة حق والحق لا يضاد الحق، بل يؤيده ويشهد له ، ولهذا وضع رسالتين: أحدهما (فصل المقال فيما بين الحكم والشريعة من الاتصال) والأخرى (الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة) وله في الطب كتاب (الكليات) الذي كان له شأن في العصور الوسطى وقد ألفه ليقابل به كتاب (التيسير) لمعاصره أبي مروان بن زهر الذي عني ببحث الجزيئيات.
تدور فلسفة ابن رشد على قدم العالم وأنه مخلوق، وأن الخلق خلق متجدد، به يدوم العالم ويتغير، وأن الله فاعل الكل وموجده، والحافظ له، وذلك بتوسط العقول المحركة للأفلاك.

وعنده أن علم الله منزه عن أن يكون علماً بالجزيئيات الحادثة المتغيرة المعلومة أو علماً بالكليات التي تنتزع من الجزيئيات، فكلا العلمين بالجزيئيات والكليات حادث ومعلول، أما علم الله فعلم يوجد العالم ويحيط به، فيكفي أن يعلم الله في ذاته الشيء ليوجد، ولتدوم عناية الله به، وحفظه الوجود عليه.

وعنده أن العقل الفعال، الذي يفيض المعقولات على العقل الإنساني، أزلي وأن العقل الإنساني، بحكم اتصاله بالعقل الفعال وإفاضة هذا العقل عليه، أبدى هو الآخر، أما النفس، فصورة الجسم تفارقه وتبقى بعده منفردة وأما الجسد الذي كان سيبعث فهو ليس عين الجسد الذي كان لكل إنسان في الحياة، وإنما هو جسد يشبهه، وأكثر كمالاً منه.
يرى ابن رشد أن يعمل الإنسان على إسعاد المجموع، فلا يخص شخصه بالخير والبر، وأن تقوم المرأة بخدمة المجتمع والدولة، كما يقوم الرجل، وأن المصلحة العامة هي مقياس قيم الأفعال من حيث الخير والشر وإن كان العمل خيراً أو شراً لذاته، وكان العمل الخلقي هو ما يصدر عن عقل وروية من الإنسان. وليس الدين عنده مذاهب نظرية، بل هو أحكام شرعية، وغايات خلقية، بتحقيقها يؤدي الدين رسالته، في خضوع الناس لأوامرهن وانتهائهم عن نواهيه.

 

ابن رشد في محنته 

لقد نال ابن رشد مكانة عالية عند الخليفة “أبي يوسف” الذي لقب بالمنصور، ورفع هذا الخليفة منزلته إلى درجة عالية بالقدر الذي جعله يقلق لعلمه أن كل ذي نعمة محسود، وأن أعداءه الحاقدين عليه لن يتركوه هكذا، فوقع ما توقعه ابن رشد بحدوث الفتنة عندما قام بعض الفقهاء والحاقدين عليه فأوقعوا بينهما، وهو ما أزرى به وجعل الخليفة يسومه سوء العذاب، ويعريه من كل نعمة كان قد أعطاه إياها، فنفاه إلى بلدة معظم سكانها من اليهود إمعانًا في العقاب والتعذيب ، ولم يتورع عن حرق جميع مؤلفاته الفلسفية وحظر الإشتغال بالفلسفة وعدد من العلوم ماعدا الطب والفلك والحساب، وكانت إحدى التهم التي وجهت له هي إشتغاله بعلوم الكفار كأرسطو. 

لم تطل محنته كثيراً فخرج إلى مراكش وتوفي هناك رحمه الله 595 هـ. 

 

التوفيق بين الشريعة والفلسفة 

قضايا مهمة عمل عليها “ابن رشد” كان من ضمنها مسألة التوفيق بين الشريعة والفلسفة، وهي المسألة التي احتلت حيزًا كبيرًا في اهتماماته ودفعته للتوفيق بينهما (أي الشريعة والفلسفة) وذلك لأسباب كثيرة من ضمنها أنه فيلسوف متدين، وذلك ما دفعه إلى أن يحرص على إظهار التوافق بين الدين والفلسفة، كما أنه تميز عمن سبقوه؛ لأنه كان فقيها وقاضيا، وكان عليه أن يبين للناس أن انشغاله بالفلسفة لا يتعارض مع هذه الوظيفة الدينية التي يتقلدها، والتي يجب عليه بمقتضاها أن يكون حارسا للشريعة عاملا على تطبيق أحكامها، إضافة إلى مجيء ابن رشد بعد حملة الغزالي وهجومه الضاري على الفلسفة والفلاسفة في كتابه “تهافت الفلاسفة”، وذكر الغزالي أن الفلسفة أدت بكثير من الناس إلى الكفر والإلحاد؛ فكان لزاما على الفقيه الفيلسوف أن يرد على هذا الزعم مبينا خطأه من صوابه.
تضاعف ذلك في ظل الظروف التي عاشها ابن رشد، وهي ظروف اقتضت أن يتصدى لهذه القضية بالذات نظرا لأن المذهب المالكي كان سائدا في الأندلس، وأن فقهاء المالكية لا يتحمسون للفلسفة، بل كثير منهم كانوا يعادونها، ويحرمون الاشتغال بها. 

أما المبادئ التي اعتمد عليها ابن رشد في التوفيق بين الدين والفلسفة فكانت: أولا أن الدين يوجب التفلسف، وثانيا أن الشرع فيه ظاهر وباطن، وثالثا أن التأويل ضروري للتوفيق بين الشريعة والفلسفة أو بين الدين والفلسفة. 

 

ابن رشد واوربا 

أثر ابن رشد في العالم الإسلامي والمسيحي وأوربا وقد بحث عن أسباب إنتهاء حضارة المسلمين في الأندلس فرأى أنها بسبب تراجع دور المرأة آنذاك. دارت حول شروحه الفلسفية وكتاباته الطبية نقاشات عديدة في جامعة السوربون وتلقف الأوربيون شروحه لمؤلفات أرسطو وتُرجمت أعماله إلى لغاتهم ورغم أن لابن رشد دور بالنسبة لفلسفة أرسطو إلى أن هذا الأخير ذهب إلى مجموعة من الحقائق تؤلف نسقا فلسفيا شامخا يختلف مع بعض الحقائق الدينية، وأن ابن رشد قدم توفيقا عبقريا بين هذا البناء الفلسفي الشامخ وبين الدين الإسلامي، وهو توفيق يصلح للمسيحيين واليهود على السواء لأن الأديان في جوهرها واحد.

المصدر: منتدى هويدى ، إسلام أون لاين
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2254 مشاهدة
نشرت فى 5 ديسمبر 2011 بواسطة mahmoudhweedy

ساحة النقاش

موقع محمود هويدى المحامى ( للمعارف والقانون )

mahmoudhweedy
الموقع يهتم بكافة المعارف والعلوم القانونية وأحدث المستجدات على الساحتين المصرية والعربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

268,772