موقع محمود هويدى المحامى ( للمعارف والقانون )

معارف * قانون * أخبار * صحة ومجتمع

تفسير قوله تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه...) 1
قال الله جل جلاله: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87]. واذكر يا محمد! واذكر يا تالي هذا الكتاب الكريم من المؤمنين والمسلمين، الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، اذكر مع الأنبياء الماضين ذا النون، وذو: صاحب، والنون: الحوت، وذو النون هو يونس بن متى، لقّبه الله تعالى بذي النون لقصته مع النون عندما ذهب مغاضباً، فجوزي بأن يزدرده الحوت، ويعيش في بطنه زمناً الله أعلم بتقديره: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا [الأنبياء:87] أي: يونس بن متى إذ ذهب مغاضباً، ما قصة ذي النون؟ ذو النون أرسله الله إلى مائة ألف أو يزيدون، أُرسل في نينوى في أرض العراق من أرض الموصل إلى أقوام كانوا يسكنون في هذه النواحي، أرسله إليهم نبياً رسولاً وداعياً إلى الله، دعاهم وأطال الدعوة، ومكث بينهم دهراً، وإذا بهم لا يستجيبون؛ فضجر وضاق وغضب منهم، وتركهم وأنذرهم بعذاب الله لمدة أيام ثلاثة، حيث لم يستجيبوا لرسالته ولا لدعوته، ذهب اليوم الأول ثم ذهب في اليوم الثاني، وإذا باليوم الثالث يجتمع قومه ويتفقون على أن يخرجوا إلى الصحاري ومعهم أطفالهم ودوابهم وكل حي يتحرك وينبس، وقد قال لهم حكماؤهم: إن كان يونس بن متى نبياً صدقاً فالنبي إذا دعا الله على أحد أو دعاه لأحد يستجيب الله دعاءه، فلنذهب إلى الله ونضرع إليه ألا يعاقبنا ويعذّبنا، ومضت الأيام الثلاثة واستجاب الله دعاء قوم يونس؛ فصرف عنهم العذاب والمقت، فلم يجر عليهم عذاب، فغضب منهم عندما لم يحدث ذلك، وظن أنهم سيعتبرونه مدّعياً كاذباً لا شأن له، ولم تستجب دعوته. وقيل: ذهب مغاضباً ربه، إن قلنا: مغاضباً لقومه، فالمغاضبة مفاعلة أي: ارتكبوا ما يُغضب؛ فغضب، فالغضب والمغاضبة منهم جميعاً، وإذا ذكرنا غاضب ربه فالكلمة ليست على تصريفها أي: غضب من ربه، ومعنى كونه (غضب) أي: عتب على ربه كيف يترك دعوته مع هؤلاء الذين عصوه وخالفوه؟! ثم بعد ذلك عندما دعوا وتضرعوا صرف الله عنهم العذاب الذي دعا به يونس، وعلى أي اعتبار فقد ذهب مغاضباً لربه، فهو عتاب منه لربه وللأنبياء، والرسل دالة على الله، وإن كان غضب على قومه فالأمر سهل والخطب يسير. ذهب وإذا به يجد نفسه على شاطئ بحر، وإذا بسفينة تأخذ الركاب فيصعد السفينة، وإذا بالأمواج تتلاطم بالسفينة، وتترنح بها يميناً وشمالاً، وأماماً وخلفاً، تكاد السفينة أن تغرق، فقال ربان السفينة: السفينة تحمل أثقالاً، ولا بد أن نخفف بعض أثقالها، ولا بد أن نُلقي في البحر بعض الركاب؛ لينجو الباقون، فضربوا القرعة، وإذا بالقرعة تخرج فيه أن يُلقى للبحر، فقال ركاب السفينة: هذا الرجل الصالح لا يليق أن يُقذف في البحر، فأعادوا القرعة مرة ثانية فخرجت عليه، فعادوا فقالوا: لا يجوز أن نقذف بهذا الرجل الصالح في البحر، فأعادوا وضربوا القرعة مرة ثالثة فخرجت في يونس بن متى، عند ذلك رأى أن أمر الله لا محيد عنه، فقذفوه للبحر، وإذا بحوت كبير يتلقفه ويزدرده. وقد روينا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مسند أحمد وسنن أبي داود و الترمذي و ابن ماجة و الحاكم أن الله قال للحوت: (لا تأكل له لحماً ولا تكسر له عظماً، وهو سجين في بطنك) فذهب به الحوت إلى قعر البحار، وإذا بيونس كان يظن أنه قد مات وإذا به يشعر أن رجله أخذت تتحرك، وأن يده أخذت تتحرك، وحينئذٍ أخذ يضرع إلى الله، وعلم أنه أتي من غضبه، فأخذ يستغيث ويعترف بخطيئته، وأخذ يضرع إلى الله أن ينجيه مما هو فيه، فقال تعالى: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ [الأنبياء:87] والقصة مطوية بين هاتين الفقرتين يدل عليها السياق، أي: إذ ذهب مغاضباً فركب السفينة، فضُربت القرعة، فقذف في البحر فأصبح في جوف الحوت في ظلمات ثلاث: ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، والظلمة الثالثة قالوا: حوت داخل حوت، الحوت الذي ابتلعه وازدرده جاء حوت أكبر منه فازدرده بيونس الذي في بطنه، فكانت الظلمات ثلاثاً. فأخذ يجأر إلى الله ويضرع، قال تعالى: إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ [الأنبياء:87] ضرع ودعا ربه وهو في هذه الظلمات الثلاث في قعر البحار. ومعنى (ظن أن لن نقدر عليه) على ظاهرها: أنه ظن أن الله لا يقدر عليه، وهذه لا تكون من مسلم فضلاً عن نبي، ولكن المعنى ليس كذلك، بل المعنى: ظن أن لن نضيّق عليه، ولن نعاقبه، كقوله تعالى: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [الرعد:26] أي: يبسط الرزق ويوسعه لمن شاء، ويقدره ويضيقه بالفقر والتقصير على من شاء؛ ومعنى (يقدر) هنا

تفسير قوله تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه...)
قوله تعالى : وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين .

أي : واذكر ذا النون . والنون : الحوت . " وذا " بمعنى صاحب . فقوله : وذا النون معناه : صاحب الحوت . كما صرح الله بذلك في " القلم " في قوله : ولا تكن كصاحب الحوت الآية [ 68 \ 48 ] . وإنما أضافه إلى الحوت لأنه التقمه كما قال تعالى : فالتقمه الحوت وهو مليم [ 37 \ 142 ] .

وقوله : فظن أن لن نقدر عليه [ 21 \ 87 ] فيه وجهان من التفسير لا يكذب أحدهما الآخر :

الأول : أن المعنى لن نقدر عليه أي : لن نضيق عليه في بطن الحوت . ومن إطلاق " قدر " بمعنى " ضيق " في القرآن قوله تعالى : الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر [ 13 \ 26 ] أي : ويضيق الرزق على من يشاء ، وقوله تعالى : لينفق ذو سعة من سعته [ ص: 241 ] ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله الآية [ 65 \ 7 ] . فقوله : ومن قدر عليه رزقه [ 65 \ 7 ] أي : ومن ضيق عليه رزقه .

الوجه الثاني : أن معنى لن نقدر عليه [ 21 \ 87 ] لن نقضي عليه ذلك . وعليه فهو من القدر والقضاء . " وقدر " بالتخفيف تأتي بمعنى " قدر " المضعفة : ومنه قوله تعالى : فالتقى الماء على أمر قد قدر [ 54 \ 12 ] أي : قدره الله .

المصدر : موقع العدل والإحسان

 

المصدر: المصدر : موقع العدل والإحسان
  • Currently 67/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 6166 مشاهدة
نشرت فى 24 ديسمبر 2010 بواسطة mahmoudhweedy

ساحة النقاش

موقع محمود هويدى المحامى ( للمعارف والقانون )

mahmoudhweedy
الموقع يهتم بكافة المعارف والعلوم القانونية وأحدث المستجدات على الساحتين المصرية والعربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

271,834