هل يمكننا السؤال عن موقع "الراوي" من سرده الغنائي ؟ .. إن الشعر في واحد من وجوهه الأكثر وضوحا هو الحساسية الفائقة تجاه المفردة واستبدالاتها الممكنة ، والفروق الدلالية الدقيقة للتحول ، في الجدول الاستبدالي لأفعال الرؤية ، من "لمحت" إلى "شفت" يستبطن اختلافا في المسافة أو لنقل "المنظور" ، فبينما يدل الفعل الأول على بعد ما بين الراوي ومشهد سرده ، يدل الآخر على اقتراب أكثر فأكثر منه . في حين يدل التعليق الختامي على التورط في المشهد وتحول الراوي عن وظيفته إلى شخصية من شخصيات المشهد ، لينتهي هذا النص/المشهد لعدم وجود "راو" يقدمه .
ثالثا : الأسئلة : ليه ... وهل ...في المواجهة الإعجازية بين "الصوت" و"الطلقة" عند "هيثم الحاج علي" ، تتفجر أسئلة الوعي والحقيقة . يقول "ماهر مهران" :الغضب ثورةوالثورة نارشايلها من سنينبين الضلوع جوّه.. .. .. وليه تضغط على الطيبلحد ما تحوّله فتوّة!؟ملامحه نارعيونه شرارمسكته إعصاروزعله يشبه النوّة !؟(ماهر مهران – قصيدة : الطيب - أذيعت ببرنامج بشاير التحرير بإذاعة الشباب والرياضة)في المثال السابق ، يبدو الشاعر مؤرخا لمسيرة الحدث/الثورة من الداخل السيكولوجي إلى الخارج الواقعي ، مبررا طيبة الشعب بأنها القدرة على الاختزان ، مقدما تعريفا متسلسلا للغضب العام في 25 يناير بأنه "ثورة" ، وأن الثورة "نار" وأن هذه النار قائمة ومتوقدة ومختزنة "بين الضلوع" كناية صريحة عن القلب الذي اختزنها واحتملها صابرا محتسبا على حدود الانفجار. وتكون خطيئة الطاغية ألا يحترم هذا الحد ، هذا الذي عبر عنه الشاعر بسلاسة معادلة لعفوية الثورة "وليه تضغط على الطيب لحدّ ما تحوّله فتوة" .
أولا : الالتحام بـ ..في قصيدة الخوف لماهر مهران يقدم الشاعر تسجيلا شعريا للحظة سيكولوجية ، لحظة الخطر الذي لا يكون للخوف في مواجهته معنى ، فيقول :"لما لمحتسالي رايحة على القناصةلما شفتبسمة ميدو وهو بينزفوف قلبه رصاصةلما شفتحبيبتي مريمفاتحة الصدر للمولوتوفلما شفتالواد بسيوني وسط الغازوتحتِ جْمالووسط الموت عمّال بيطوفْاتأكدت ان احنا خلاصاتخلصنا كلنا م الخوفْ"(الثقافة الجديدة – العدد : 248 – مايو – 2011 – ص : 103)إن الالتحام المباشر بالفعل الثوري يعني الانحياز إلى معجم نوعي ، وإلى طرائق صوغ خاصة ، ونوع من الإنتاجية لا يفقد في السبيل إلى جمالياته مقاصده . أما المعجم النوعي فهو يحمل تاريخ وقائع الثورة (28/1/2011) حيث الكلمات : "قناصة" ، "رصاصة" ، "مولوتوف" ، "غاز" ، "ينزف" ، "جِمال" ، كلها تشير إلى تلك الوقائع ، ولكل مفردة / واقعة شخوصها : "سالي" ، "ميدو" ، "مريم" ، "بسيوني" . ومن أول القصيدة يأخذ الشاعر مكان الراوي لما يرى ، وبالتالي يلتزم التزاما حاسما بقانون الشفافية الدلالية الذي للغة السرد ، تاركا حركة الحدث/الفعل السردي ليوقّع المشهد عبر اختيارين وحيدين : "بيطوف" و"الخوف" ، وهما اختياران عملت مفردة "المولوتوف" على ترشيحهما على محور الاختيار . أما دلاليا فالشاعر كان يبني سرد مشاهداته على التناقض بين فعلين : التقدم باتجاه القناصة .. الابتسامة على الشفة والرصاصة في القلب .. كشف الصدر في مواجهة المولوتوف .. الطواف والغاز المسيل للدموع والجِمال ، هذا التضفير للتناقضات في تركيب ينتصر فيها الإنساني دون أن ينهزم القمعي/الوحشي يؤسس لتعليق الراوي الأخير : "اتأكدت ان احنا خلاص .. اتخلصنا كلنا م الخوفْ" ..
المصدر: جزء من مقال كبير بنفس العنوان لنفس المؤلف
نشرت فى 8 أغسطس 2012
بواسطة mahermohran
الشاعر : ماهر مهران
هنا صوتُ المهمشين والبسطاء والمقهورين ، وهنا شاعريةُ ُالدفاع عن حق الناس فى العيش بعدل وكرامة وحب وإنسانية ، هنا صوت لايشبه الآخرين من حيث التناول والمفردة وتركيبة الجمل الشاعرة ، هنا شاعرٌ اضطهده الجميع لحدة موقفه ، فهو مستقلٌ منذ بدأ الكتابة ، لم ترض عنه الحكومات ، ولم »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
26,296