جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الشعاب المرجانية سوف تزول مع نهاية هذا القرن!
يقول عالم بارز في الأمم المتحدة أن الشعاب المرجانية في سبيلها لأن تكون أول نظام بيئي تبيده نشاطات الإنسان إبادة كاملة وتزيله من على وجه الأرض. ويضيف هذا العالم أن الحدث المذكور قد يقع قبل نهاية قرننا الحالي، وهذا معناه أن هناك أطفالا ولدوا في زمننا سيقدّر لهم أن يعيشوا في عالم خال من المرجان.
ورد هذا الرأي في كتاب نشر مؤخراً يدعي أن الأنظمة البيئية القائمة في الشعاب المرجانية يحتمل أن تختفي خلال هذا القرن بسبب ما وصفه بأنه «سابقة جديدة يرتكبها الجنس البشري – انقراض نظام بيئي بأكمله». وكان مؤلف الكتاب، البروفسور بيتر سيل، قد عكف على دراسة حاجز الحيد الكبير طيلة 20 عاماً في جامعة سدني، وهو يرأس حالياً فريقاً من معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة.
هذا التدهور المتنبأ به مردّه بالأساس التغيرات المناخية وتحمض مياه المحيطات، ولو أن النشاطات المحلية الموقعية، مثل الصيد الجائر للأسماك والتلوث وأعمال تطوير السواحل، قد أضرّت هي الأخرى بالشعاب. يحتوي الكتاب، المعنون: «كوكبنا المحتضر» الصادر عن مطبعة جامعة كاليفورنيا، على تنبؤات أخرى مثيرة للقلق، كقوله مثلاً أننا نواجه احتمالا أن لا تعود عندنا شعاب مرجانية بالصورة التي عرفناها خلال فترة قد لا تتعدى 30 أو 40 عاماً.
يقول البروفسور سيل: «إننا نخلق وضعاً جعل الأحياء الصانعة للشعاب المرجانية مهدّدة بالفناء بفعل ما نقوم به نحن، بحيث أن كثيرا منها في طريقه للإنقراض، أما المتبقية فقد غدت بمنتهى الندرة. لهذا السبب لن تعود تلك الأحياء قادرة على مواصلة عملية البناء التي أنتجت الظاهرة التي نصفها بالشعاب المرجانية. لقد محونا كثيراً من الأنواع على مرّ السنين، وهذه ستكون المرة الأولى التي نبيد بها بالفعل نظاماً بيئياً بكامله.»
تأتي أهمية الشعاب المرجانية من ذلك التنوع الأحيائي الواسع الذي تحتضنه أنظمتها البيئية، فهي تضم ربع العدد الكلي من الأنواع البحرية رغم أنها من حيث المساحة لا تمثل سوى 0.1 بالمئة من مساحة المحيطات في العالم، وهي أغنى وأوسع تنوعاً حتى من الغابات المطرية حين يؤخذ الأمر بمعيار التنوع على أساس وحدة المساحة.
وقد عثرت البحوث الحديثة على كثير من المركبات المفيدة في الصناعات الطبية ضمن التركيبة الكيميائية الفريدة والشديدة التنوع للشعاب المرجانية، وهذه المركبات يمكن أن تضيع إذا ما استمرت التوجهات الحالية. فخلال الأشهر الماضية أعلن عن التوصل إلى وسائل جديدة للتعامل مع مرض السرطان تم استخلاصها وتطويرها من النظام البيئي للشعاب المرجانية، من ضمن ذلك علاج جديد لمرض اللوكيميا (سرطان الدم) مستخلص من نوع من الإسفنج الذي يعيش في الشعاب. ومن التطبيقات الأخرى المطروحة للنقاش مركبات وجد أن لها قدرة عالية على العمل كواقيات من أشعة الشمس.
والشعاب المرجانية ذات قيمة اقتصادية كبيرة للإنسان، سواء من حيث كونها مصادر وفيرة لصيد الأسماك أو لأنها مناطق جذب للسائحين (وهو غالباً الميدان الأوفر ربحاً). وتقول الإحصائيات أن هناك 850 مليون إنسان يعيشون ضمن نطاق 100 كيلومتر من الشعاب يعتمد 275 مليونا منهم غالباً على النظام البيئي للشعاب في توفير قوتهم وغذائهم. كذلك تعمل الشعاب الواقعة بمحاذاة الحواف على حماية الجزر والمناطق الساحلية المنخفضة من هيجان الأنواء وذلك بامتصاصها صدمات الأمواج قبل وصولها إلى المناطق المأهولة.
الإنبعاثات الكاربونية الناتجة عن نشاطات الإنسان، وخصوصاً الاستعمال المفرط للوقود الأحفوري، هي السبب الأعظم وراء هذا الإنحدار السريع المتوقع لأنها تؤثر على الشعاب المرجانية بطريقتين رئيسيتين. فالتغيرات المناخية ترفع درجة حرارة سطح المحيط، التي سجلت ارتفاعاً مقداره 0.67 درجة مئوية على مدى القرن المنصرم. هذا الارتفاع يسلط إجهاداً هائلاً على المرجان ويؤدي إلى اضمحلال لونه حتى يقارب البياض في المواضع التي تختفي منها الطحالب القائمة بعملية التمثيل الضوئي، وهي العملية التي تقوم عليها المخلوقات العاملة في بناء الشعاب. لذا يكون المرجان مهدداً بالموت إذا ما حرم من هذه الطحالب ولو لأسابيع قليلة.
ثم تأتي مشكلة تحمض مياه المحيط. فثلثا كميات ثاني أوكسيد الكربون الزائدة التي نطرحها في الجو يعاد امتصاصها عن طريق سطح مياه البحر، وهذا يؤدي إلى تحمض المياه في المناطق الضحلة. والمشكلة التي تم تشخيصها مؤخراً في أنظمة الشعاب في المناطق الاستوائية هي أن اضطراب التوازن المتولد عن عملية التحمض يجعل من العسير على مخلوقات الشعاب أن تستخلص المعادن التي تحتاج إليها لبناء هياكل أجسامها ذات القوام الكاربوني. ويقول بول جونستون من جامعة أكسيتر ومؤسس مختبر أبحاث السلام الأخضر في بريطانيا: «إذا عجزت هذه المخلوقات عن بناء هياكلها، أو إذا ترتب عليها صرف مزيد من الطاقة لبنائها على حساب الوظائف الأخرى المطلوبة منها .. مثل التكاثر .. فإن ذلك سيكون له أثر مدمر على الشعاب المرجانية.»
ثمة تحذير خطير تشير إليه تنبؤات الكتاب. فكائنات المرجان نفسها، وهي تلك المخلوقات المتناهية الصغر المسؤولة بالدرجة الأساس عن بناء وتكوين الشعاب المرجانية، قد يسعدها الحظ فتتمكن من البقاء، إذا ما جاز لنا الرجوع إلى أحداث زوال شامل مشابهة للمرجان سبق أن وقعت في الماضي البعيد. يوضح لنا مارك سبالدنغ، العضو في الجماعة البيئية المسماة «صيانة الطبيعة» والمنتسب أيضاً إلى جامعة كامبردج، أهمية هذه الظاهرة فيقول: «رغم أن المرجان كائن مغرق في القدم وأنه كان على قيد الوجود منذ مئات الملايين من السنين، فقد تعاقبت على الأرض حقب فيها شعاب مرجانية وحقب أخرى خلت من تلك الشعاب. فحين تكون الظروف المناخية مواتية ينطلق المرجان ببناء تلك التكوينات المذهلة، وعندما لا تكون مواتية فإنه يكمن في ملاذات آمنة ويبقى منتظراً متحيناً.»
فترات الخلو من المرجان تلك كانت طويلة الإمتداد حتى عند أخذها بالمقاييس الجيولوجية، حيث وصفها الكتاب بأنها: «تقطعات أمدها عدة ملايين من السنين.» وقد لوحظ أن اختفاء الشعاب المرجانية كان دائماً مقدمة لوقوع حالات انقراض بيئية أشمل وأوسع. وفق هذا المنظور يمكن اعتبار الشعاب المرجانية بمثابة جرس إنذار مبكر، أو تشبيهها بالكناري في مناجم الفحم. وها نحن نرى في يومنا الحاضر كيف يكثر الحديث عن فقدان التنوع البيولوجي ضمن عملية انقراض شاملة ماضية في التوسع. هذا معناه أن انقراض الأنواع الذي نشهده الآن يأتي متوافقاً من جميع الوجوه مع حالات الإنقراض الشاملة التي تكرر وقوعها في الماضي.
على مدى العقود القليلة الماضية فقد العالم ما يقارب 20 بالمئة من مجموع الشعاب المرجانية على وجه الكرة الأرضية. أما ظاهرة اضمحلال اللون الشامل المؤدية إلى موت المرجان على نطاق واسع فهي ظاهرة حديثة نسبياً. تلك الظاهرة لم تلاحظ لأول مرة إلا في عام 1983، رغم أن العلماء كانوا عاكفين على دراسة الشعاب المرجانية بكل دأب وجد منذ سني الخمسينيات.
يقول الدكتور سبالدنغ، الذي شهد عملية اضمحلال اللون بأبعاده الكارثية في عام 1998 في المحيط الهندي مشاهدة مباشرة: «لقد كانت صرخة استنفار هزت عالم العلم، كما كانت صحوة مزلزلة لي شخصياً أن أرى موت 80 إلى 90 بالمئة من مجموع المرجان في شعاب جزر سيشيل والجزر الأخرى القريبة منها في ظرف أسابيع لا غير.» ذلك الحدث المفرد لوحده أسفر عن تدمير 16 بالمئة من مجموع المرجان في العالم.
ولكن وفقاً لما يقوله مؤلف الكتاب: «إن اضمحلال اللون في عام 1998 جاء مذهلاً بسبب شدة تأثيره وسعة رقعته فكان صارخ الوضوح. ولكن عدداً من الحالات الشاملة المماثلة الأخرى تكررت منذ ذلك الحين على نطاق الكرة الأرضية. فقد كان عام 2005 سيئاً وكذلك كان عام 2010، إلا أن المظهر الخارجي لهذه الحالات لم يأت بنفس شدّة تلك التي وقعت في عام 1998 لأن المرجان نفسه قد انحسرت رقعته كثيراً.»
هذه الأحداث الدراماتيكية يتوافق وقوعها مع حدوث أنماط جوية غير اعتيادية، مثل النينو، وتزداد شدّة وتكراراً بسبب التغيرات المناخية. بناء على هذا فإن معالجة مشكلة ارتفاع درجات حرارة الأرض هو الحل الأوجه والأعجل الذي يوصي به الكتاب. يقول البروفسور سيل: «إذا ما تمكنا من إبقاء مستويات ثاني أوكسيد الكربون دون حد 450 جزء في المليون فإننا سنتمكن من إنقاذ بقايا من شعابنا المرجانية. هذه الشعاب لن تضاهي شعاب سني الخمسينيات أو الستينيات ولكنها شعاب مرجانية على أي حال وسوف تؤدي نفس وظائفها.» وتبلغ مستويات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي حالياً نحو 390 جزء في المليون، ولكن قلة من الخبراء يعتقدون أنها يمكن أن تبقى دون مستوى 500 لأمد طويل.
هنالك دلائل تشير إلى أن جهود الصيانة المحلية يمكن أن تسفر عن نتائج إيجابية، حيث يقول البروفسور ألكس روجرز من جامعة أوكسفورد: «نحن على يقين من أن المرجان الذي يتعرض لدرجات خفيفة من الإجهاد يكون أكثر قدرة على استرداد عافيته. فإذا ما تمكنا من إزالة بعض الضغوط، مثل صيد السمك الجائر والتلوث، سيكون لذلك تأثيره البالغ على عملية التعافي. ولكن كل ما يمكننا عمله لن يتعدى كسب الوقت لكثير من هذه الأنظمة البيئية. وإذا ما واصل التغير المناخي مساره بنفس السرعة الحالية فإن تلك الأنظمة سيقضى عليها نهائياً في آخر المطاف.»
المصدر: صحيفة الاندبندنت
ساحة النقاش