الكائنات الحية الباعثة للضوء
هل رأيتم الأضواء التي تتحرك ليلا على الأشجار؟ إن هذه الكائنات التي تثير الضوء هي اليراعات, وهي تعتبر أكثر الكائنات الحية الباعثة للضوء, وتتميز بأنها تضيء الأشجار في ظلام الليل الدامس. وهي كذلك من أكثر الكائنات الحية التي خضعت لأبحاث رجال العلم, وسوف نعرف سبب ذلك فيما بعد, ونتحدث هنا أولا عن كيف تستعمل هذه الكائنات الحية الضوء؟ تنتج اليراعات ضوءا أخضر وأصفر في جسمها ويعتبر هذا الضوء هو وسيلة التخابر بينها. فالأضواء تستعمل رسالة للمعاشرة أو وسيلة للدفاع ضد الأعداء, ويفهم أعداء اليراعات أن طعمها سيء من خلال النظر إلى الضوء، وبالتالي يصرفون النظر عن التهامها, أما أهم خصائص هذه الحشرات، فهي أنها تنتج من جسمها أكبر كمية من الضوء، ورغم ذلك لا تفقد أي مقدار من الطاقة. ولهذا السبب أصبحت اليراعات لفترة من السنوات مجالا للبحث من قبل العلماء
حاول العلماء لسنوات طويلة أن يستحدثوا ضوء يماثل الضوء المنبعث من اليراعات، إلا أنهم لم يجدوا بغيتهم؛ لأن من أودع هذه القدرة الضوئية لدى اليراعات هو الله سبحانه وتعالى المتفرد بإبداعه.
ورغم جميع الأبحاث، إلا أن الإنسان لم يستطع أن ينتج ضوء يماثل ضوء اليراعات, إنّ مقدرة كائن حي على إنتاج الضوء وفي الوقت نفسه لايتأثر بحرارة هذا الضوء لهو أمر يدعو إلى الدهشة, ونستطيع أن نبين سبب ذلك على النحو التالي: فأنتم تلاحظون وجود حرارة حول المصابيح المضاءة. وإذا لامست يد أحدكم مثلا مصباحا مضيئا فإنه يعتفد أنها قد احترقت,وهنا قد يتبادر إلى أذهانكم سؤال! لماذا لا تتضرر اليراعات بسبب هذه الحرارة؟ وهذا هو الأمر المثير للدهشة. فالكائنات الحية التي تنتج الضوء لاتتأثر أصلا بهذه الحرارة. ذلك لأن الكائنات الحية الباعثة للضوء تختلف اختلافا كليا عمّا نستعمله نحن من أجل الإضاءة, ويقال لهذا الضوء ''الضوء البارد''، وذلك لأنه لا يسبب أية حرارة في الخارج. ولهذا السبب؛ فإن إنتاج مثل هذا النوع من الضوء يكون بكمية وافرة جدا. ويعمل العلماء منذ سنوات على تقليد هذ النوع من الضوء, وهناك كائنات حية إلى جانب اليراعات تقوم كذلك بإنتاج ضوئها، مثل مختلف الكائنات الحية التي تعيش في أعماق البحار والحشرات وأنواع كثيرة من الكائنات الحية الأخرى. وهي تختلف عن بعضها البعض في طريقة إنتاج الضوء ومجال استعماله ومدته ونوعه, وكل نوع من هذه الكائنات يمثل معجزة
فواهب هذا النظام لهذه الكائنات الحية من أجل إنتاج الضوء ومؤمّن استمرارية هذه الأنظمة، بالطبع ليست الكائنات نفسها, كما لا يمكن للمصادفة أن تكون هي التي أعدت هذا النظام الذي يستطيع أن ينتج الضوء ولا يمكنها كذلك أن تكون هيأت هذا الأمر بحيث لا يصيب الكائن الحي بأي ضرر خصوصا أثناء عملية الإنتاج, وتبين هذه الكائنات الحية الباعثة للضوء قدرة الله تعالى الفائقة في الخلق، فالله عز وجل بخلقه هذه الكائنات يعرفنا بعلمه اللامحدود وقدرته المطلقة, وهو في الوقت نفسه يذكّر الإنسان أنه مهما عمل واجتهد يظل ضعيفا أمام ما سطره الله تعالى في الطبيعة من أنظمة بلا نقائص ولا عيوب
الكائنات الحية التي تعيش في أعماق البحار وتنتج الضوء
تملك الكائنات الحية التي تعيش في أعماق البحار أنظمة لإنتاج الضوء شأنها في ذلك شأن اليراعات, عدد كبير من الكائنات الحية التي توجد في قاع البحر, وبصورة عامة تستعمل ضوءها من أجل إرهاب أعدائها وتخويفهم, ويوجد على ظهر جميع هذه الكائنات تقريبا خلايا مثبتة في شكل شريط -يشبه الخياطة الموجودة في الأقمشة- مهمتها إنتاج الضوء. والآن تعالوا لنعرف الخصائص العامة لهذه الكائنات: هناك نوع من هذه الكائنات يتغذى بصورة خاصة على النباتات التي لا ترى بالعين وعلى حيوانات البحر الصغيرة, ويتم صيد بعضها مثل السمك بصنارة تحرك في الماء, ويوجد نوع آخر يملك حلقوم يستطيع أن يفتحه بشكل واسع ويبلع به عدد كبير من الكائنات الحية. ويوجد على جسمه ريش مصفوف، حيث يستعمله من أجل أن يدفعه إلى الأمام في الماء, وتحتوي الكائنات الحية الباعثة للضوء على خصائص عجيبة في داخلها ومثال على ذلك: أنه عند لمسها، تستطيع هذه الكائنات أن تترك جزيئات مضيئة تلمع في الماء, وتستعمل هذه الوسيلة من أجل التضليل والهروب من أعدائها. أما ''نجوم البحر'' و''كستناء البحر'' والأسماك ذات الريش فهي تسمى ''حيوانات شوكية''، ومعظمها يُغطّى جسمه بشوك حاد يستعمله في الدفاع عن نفسه. وهي تعيش في سواحل البحار وأعماقها وكذلك في الصخور المرجانية, وتنتج هذه الكائنات الضوء بنفسها من أجل حماية ذاتها من أعدائها, وتستطيع هذه الكائنات التي تملك أذرعا وعمودا فقريا أن تشكل سحبا من الضوء في الماء عند تعرضها لأي هجوم
"وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم"
أما أهم خاصية مدهشة تتصف بها هذه الكائنات المنتجة للضوء هي استعمالها له في التمويه, ونعطي هنا مثال نجمة البحر كنموذج لذلك, فهذه الكائنات تعيش على عمق 1000 متر في البحر. وهي تنثر أضواء خضراء و زرقاء لامعة من أطراف أذرعها. وهذا الإنذار الضوئي هو بمثابة إعلام العدو بأن هذا الكائن الحي صاحب مذاق سيء. ونذهب الآن إلى نوع آخر من أنواع ''نجمة البحر''، وهو نوع يبدأ في اللمعان عند مهاجمته ويطلق إحدى أذرعه في اتجاه العدو من أجل الابتعاد عنه. ويستمر هذا الذراع المقطوع في نثر الضوء الأخضر وبالتالي يوجه العدو انتباهه إلى هذه الذراع, وهكذا تجد نجمة البحر وقتا كافيا للهرب
وكما ترون، فقد قدمنا لكم بعض الأمثلة التي تظهر عظمة الله وقدرته المتمثلة في هذه الأنظمة الخارقة التي تتمتع بها الكائنات الحية المنتجة للضوء. وهذه الكائنات التي تحدثنا عنها تعيش تحت الماء وفي أغلب الأحيان يكون قسم كبير من أجسامها متكونا من الماء وهي كائنات حية لا تملك عقلا ولا علما. ولكن نوعا واحدا فقط منها يصيب أهل العلم بالدهشة والحيرة وذلك لخصائصه العجيبة
وهذا يوضح لنا أن الله تعالى خالق لا نظير له, وهذه الأمثلة تبين أنه لا إله غير الله، وأنه هو الخالق الوحيد لكل شيء, والذي يفهم هذه الحقيقة يدرك قوة الله غير المحدودة
اعداد م لبنى نعيم
ساحة النقاش