التوازن بين الأخلاق والدين
الكثيرون في الوقت الراهن يحاولون الفصل بين الدين بقيمه وتعاليمه والأخلاق كعلم منفصل من العلوم لذلك حاولت أن نجمع بعض الأفكار عن الأخلاق ومن ثم تطبيق هذه السلوكيات و الأفكار على تعليمات التي ينادي بها الدين وبشكل خاص الإنسان.
الأخلاق في اللغة جمع للفظ الخُلُق، وهي مُشتقَّة من الجذر اللغوي خَلَقَ، وهو راجع إلى أصلين؛ أحدهما دالّ على ملامسة الشيء، والآخر دالّ على تقديره؛ وهو المعنى المُراد، وإلى هذا الأصل ترجع لفظة الخُلُق؛ لأنّ صاحب الخُلق يُقدَّر عليه، ويُقال: فلان خليق بكذا؛ أي يُقدّر فيه ذلك، والخُلق هو الدِّين، والطّبع، والسّجيّة كما قال ابن منظور في كتاب لسان العرب.
والأخلاق عند الفلاسفة لها تعريف، وعند علماء الاجتماع لها تعريف، والأخلاق من وجهة نظر علم الاجتماع هي مصطلح مُشتَقّ من الكلمة اللاتينيّة (موس)، ويُقصَد بها التقاليد والأعراف، والأخلاق وفْقاً لهذه النظرة هي التصورات والتمثّلات التي تساعد البشر على إدراك الخير والشّرّ، وإدراك ما هو صحيح وما هو خاطئ.
وتُقسَم الأخلاق في النّظرة الفلسفيّة بوجهٍ عامٍ إلى أخلاقٍ نسبيّةٍ؛ يُراد بها مجموع قواعد السّلوك الخاصّة بمجتمعٍ معيّنٍ، وتختلف من مجتمعٍ لآخر ومن زمانٍ لآخر، أمّا الأخلاق المطلقة فهي مجموع قواعد السّلوك الثّابتة التي تصلح لكلِّ زمانٍ ومكانٍ. ويُعرِّف الفكر الإسلاميّ الأخلاق على أنّها مجموعة المبادىء والقواعد النّاظمة لسلوك الإنسان، التي يُحدّدها الوحي؛ لتنظيم حياة النّاس، وتحديد علاقتهم بغيرهم على نحو يحقّق الغاية من وجودهم في هذا العالم على الوجه الأكمل والأمثل،
إنّ للأخلاق أهميّةً بالغةً، ولا تقتصر على الفرد وحده، بل تتعدّى هذه الأهميّة لتعمّ المجتمع كلّه؛ ويتجلّى ذلك عند الفرد في العديد من الأفعال والسلوكات، حيث تمنحه إمكانيّة اختيار السلوك الصادر عنه، وتحديد شكله، ممّا يعني الإسهام في تشكيل شخصيّة الفرد، وتحديد أهدافه في الحياة. الأخلاق تمنح الفرد الشعور بالأمان؛ إذ بالأخلاق والتّحلّي بها يتمكّن الفرد من مواجهة ضعف نفسه، ومجابهة التّحديات والعقبات التي تواجهه في حياته. الأخلاق تساعد الفرد على ضبط شهواته وهواه ومطامع نفسه، حيث تكون تصرّفاته كلّها متّسقة على ضوء ما يتحلّى به من الأخلاق الحُسنة. الأخلاق تسمو بالإنسان فوق الماديّات المحسوسة، فيرتفع الإنسان بالأخلاق إلى درجاتٍ رفيعةٍ من الإنسانيّة.
إنّ تمسُّك المجتمعات والأُمم بالأخلاق الحَسنة والتزامها بها، يُعدّ سبباً في حفظ المجتمعات والأمم وبقائها، ودوام مجدِها وعزِّتها، بينما يُعدّ انحلال الأخلاق سبباً في زوال المجتمعات، وانحلالها، وتلاشي أثرها، فسُوء الأخلاق مؤْذِنٌ بخراب المجتمع ودماره وانهيار كيانه،
الأخلاق تحفظ للمجتمع تماسكه واستقراره، بتحديدها للمُثُل العُليا، والمبادئ الأساسيّة التي يقوم عليها، ممّا يجعل الحياة الاجتماعيّة سليمةً ويُبقيها متواصلةً. تساعد المجتمع على مواجهة التغيّرات التي تحدث فيه؛ وذلك بتحديدها للاختيارات الصحيحة والسليمة التي تسهّل حياة عموم النّاس، وتحفظ كيان المجتمع في إطارٍ موحّدٍ ومحدّدٍ. الأخلاق تُسهم في ربط أجزاء المجتمع الثقافيّة بعضها ببعض؛ إذ تجعلها تبدو متناسقة ومتجانسة، كما تُعطي الأخلاق أيضاً النظام المجتمعيّ أساساً إيمانيّاً وعقليّاً. الأخلاق تقي المجتمعَ من الأنانيّة المُفرطة، وطيش الشّهوات، ونزوات الأهواء التي تضرّ بأفراده، وتُخلّ بنظامه و تزوّد المجتمع بالعلاقة الملائمة التي تربط بين نظمه الداخليّة المختلفة، منها: الاقتصاديّة، والسياسيّة، والإداريّة، ممّا يؤدي إلى إحاطته بسياجٍ واقٍ يقيه من التفكّك والانحلال.
وإذا اخذنا بعين الاعتبار الاخلاق من حيث سلوك إيجابي يجب أن يتحلى به الفرد فنجد أن الإسلام فصل كثيراً في ذلك فالأمانة من الصفات الأساسية في شخصية المسلم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون:8
ولذا نهى الله عن خيانتها وعدم حفظها بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].
وحديث النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ ) الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ(
أن الذي يدعو الناسَ إلى التعلُّق بالدين هو حسنُ الخلق ، وأن الذي يبعِد الناس عنه هو سوءُ الخلق ، الأمانة خلقٌ ثابت من أخلاق المؤمن ، بل هي مؤشِّر على إيمانه ، و بل إن الأمانة والإيمان شيئان متلازمان ، فإذا فُقد الأول فقِد الآخر .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ:
((لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ))
الأمانة التي أرادها الله جلا و علا حينما قال ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾
[سورة النساء: 58]
نجد أن الأمانة وحدة لا تتجزَّأ، يجب أن تكون أمينا على أموال الناس وأعراضهم و على حقوقهم إن لم تنصح المسلمين فلست أميناً ، حينما تقول كلامًا خلاف الواقع ، فلست أمينا ، إن لم تبلِّغ الرسائل تبليغا صحيحا دقيقا فلست أمينا ، إن لم تنصح المسلمين فلست أمينا على دينهم ولا على دنياهم ، إن الاستقامة في معاملة الناس هي جوهر الدين ، لذلك قال عليه الصلاة و السلام: ( غبن المسترسل ربا ، غبن المسترسل حرام) المسترسل الجاهل بقيمة الشيء
الأمانة أن تحفظ ما استُؤمِنت عليه ، ولا تتلفه ، ولا تستهلكه ، ولا تنتفع به ، ولا تهمله
وأن تتقيد بالآية الكريمة في قوله تعالى﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ سورة النساء 58
جاءت بلفظ الجمع والداك أمانة ، أولادك أمانة ، طلابك أمانة ، مرضاك أمانة ، المشترون وأنت بائع أمانة ، المراجعون وأنت موظَّف أمانة ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)
عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)
النبي عليه الصلاة و السلام جعل الأمانة مطابقة للدين ، بل جعل الدين هو الأمانة ، بل جعل الأمانة هي الدين و أنه من ضعفت أمانتُه ضعف دينه ومن خان فقد برئت منه ذمَّةُ الله عز وجل ، لذلك فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ))
: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ
((لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ))
والخيانة علامةٌ قطعية من علامات النفاق ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثَةٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ )
منافق ، وإن صلى وصام ، وزعم أنه مسلم ، وإن تظاهر بكل مظاهر الإسلام ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان فليس مسلما ، و إن لم تكن أمينا فلن يستمع الناس إليك ، ولن يصدِّقوك ، والأمانة من ثمراتها الثقة ، يثق الناسُ بأقوالك و بصدقك ومن ملَك ثقةَ الناس ملك كلَّ شيء ، ومن فقَد ثقة الناس فقد كل شيء،و النبي عليه الصلاة و السلام عرَّف الأمانة بأنها غنى ، من كان أمينا أقبل الناسُ عليه ، و المقصود بالغنى الغنى المادي ، ( من أراد أن يكون في بحبوحة العيش فليكن أمينا )
وتشمل الأمانة الأموال و البيوع و الديون و المواريث ، وكفُّ النفس ، واللسان عن أعراض الناس لذلك كانت الغيبةُ محرَّمة ، فإذا كففت لسانك عن أعراض الناس فأنت أمين ، قال تعالى
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
[سورة الحجرات: 6]
قال تعالى﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ سورة الإسراء: 36
وتشمل الأمانة كذلك الأجساد والأرواح ، والمعارف والعلوم ، هذا الذي ينتحل النصوص ، ويسرق من الكتب ، ويدَّعيها لنفسه والشهادةُ أمانة والقضاء أمانة ، والكتابة أمانة ، والأسرار التي يأتمنك الناسُ عليها أمانة ، والرسالات أمانة ، وحواسُك أمانة ، وللأمانة بحث طويل تتمركز في معظمها حول قوله تعالى﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾ سورة الأحزاب 72
ونجد في نهاية هذا السرد أن مقولة لا أخلاق لمن لا دين له حقيقة ثابته لأن الأخلاق هي نتاج العرف والتقاليد واتفاق أفراد المجتمع على فعل الصحيح ولا يحقق ذلك عند الأفراد أو الجماعات مثل الرقابة الداخلية والاعتقاد الجازم بالحفاظ على هذا السياق والذي يؤمن استمرار هذه القيم الدين .
ارجو ان نكون قد وفقنا بأعداد هذا الموضوع وبالإجابة على سؤال مهم ما علاقة الدين بالأخلاق
محمد اللكود
المصدر: مجموعة مصادر وأولها القران الكريم
نشرت فى 7 ديسمبر 2018
بواسطة lkoud
عدد زيارات الموقع
148,241
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
محمد اللكود
تعددت وسائل الاتصال والأعلام المزيف والمخداع ، وأوشكت كلمة الحق أن تزول وتختفي ، لهذا بدأنا بالكتابة عسى أن نسهم في عودة الصدق في المقالة وشفافية الموقف. والمساهمة مع الأحرار في صناعة سياسية مسلحة وكلمة حرة لا تخاف ولا تتراجع أمام القمع أو الاضطهاد ، بمساعدة الأحرار المؤمنين بالله الواحد »