باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة المنعقدة يوم الأحد السابع عشر من فبراير سنة 2013 م ، الموافق السابع من ربيع الآخر سنة 1434 هـ.
برئاسة السيد المستشار / ماهر البحيري رئيس المحكمة
و عضوية السادة المستشارين / عدلى محمود منصور و أنور رشاد العاصي و عبد الوهاب عبد الرازق و الدكتور/ حنفي علي جبالي و محمد عبد العزيز الشناوي و ماهر سامي يوسف نواب رئيس المحكمة
و حضور السيد المستشار الدكتور/ محمد عماد النجار رئيس هيئة المفوضين
و حضور السيد/ ناصر إمام محمد أمين السر
الإجراءات
بتاريخ العشرين من يناير سنة 2013 ورد إلى المحكمة الدستورية العليا كتاب السيد الدكتور رئيس مجلس الشورى رقم 146 المؤرخ 19/1/2013 مرفقاً به مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانونيين رقمي 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب و 73 لسنة 1956 بشأن تنظيم مباشرة الحقوق السياسية ، و الذي يطلب فيه عرض مشروع القانون المرفق على المحكمة الدستورية العليا إعمالاً لحكم المادة (177) من الدستور.
و بعد تحضير الطلب أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها .
و نظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة ، و قررت المحكمة إصدار القرار فيه بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الدستور و على مشروع القانون المعروض ، و المداولة .
و حيث إن المادة (177) من الدستور الصادر في ديسمبر سنة 2012 تنص على أن ( و يعرض رئيس الجمهورية أو مجلس النواب مشروعات القوانين المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية و للانتخابات الرئاسية و التشريعية و المحلية على المحكمة الدستورية العليا قبل إصدارها لتقرير مدى مطابقتها للدستور.
و تصدر قرارها في هذا الشأن خلال خمسة و أربعين يوماً من تاريخ عرض الأمر عليها ؛ و إلا عُد عدم إصدارها للقرار إجازة للنصوص المقترحة .
فإذا قررت المحكمة عدم مطابقة نص أو أكثر لأحكام الدستور، وجب إعمال مقتضى قرارها .
و لا تخضع القوانين المشار إليها في الفقرة الأولى للرقابة المنصوص عليها في المادة (175) من الدستور).
و حيث إن النص المتقدم حدد الجهات التي يحق لها عرض مشروعات القوانين المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية و للانتخابات الرئاسية و التشريعية و المحلية على المحكمة الدستورية العليا لإعمال رقابتها السابقة في شأنها ، حصرها في جهتين اثنتين هما : رئيس الجمهورية و مجلس النواب ، و من ثم فإنه كان يتعين عرض مشروع القانون المعروض على هذه المحكمة من إحدى هاتين الجهتين ، إلا أنه نظراً لأن الدستور قد نص في المادة (230) منه الواردة في الفصل الثالث من الباب الخامس الذي يحوي الأحكام الختامية الانتقالية على أن ( يتولى مجلس الشورى القائم بتشكيله الحالي سلطة التشريع كاملة من تاريخ العمل بالدستور حتى انعقاد مجلس النواب الجديد .... ) ، مما مؤداه أن مجلس الشورى أصبح الجهة التي تتولى سلطة التشريع كاملة خلال الفترة الانتقالية التي تقع من تاريخ العمل بالدستور و حتى انتخابات مجلس النواب الجديد ، فإن هذه المحكمة تقرر قبول الطلب الماثل .
و حيث إن هذه المحكمة وهي بصدد مراجعة مشروع القانون المعروض تؤكد ان رقابتها السابقة تقف عند عرض نصوص المشروع المعروض على الدستور للتأكد من مطابقتها لأحكامه ، و من ثم فإنه يخرج من نطاق هذه الرقابة ما يلي :
1- مراجعة الصياغة القانونية للمشروع .
2- النظر في أي تناقض بين نصوص مشروع القانون بعضها البعض أو تعارضها مع أية نصوص قانونية أخرى ، ما لم يرق هذا التناقض إلى مخالفة دستورية .
3- تقرير مدى ملاءمة بعض الأحكام التي حواها المشروع باعتبار أن ذلك الأمر يدخل في نطاق السلطة التقديرية للمشرع .
و حيث إنه بمراجعة مشروع القانون الماثل فقد استبان للمحكمة ما يلي :
أولاً – نصت المادة الثانية المستبدلة بنص المادة الأولى من المشروع على أنه ( في تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بالفلاح من امتهن الزراعة لمدة عشر سنوات على الأقل سابقة على ترشحه لعضوية مجلس النواب .
و يعتبر عاملاً كل من يعمل لدى الغير مقابل أجر أو مرتب ، و يعتمد بصفة رئيسية على دخله بسبب عمله اليدوي أو الذهني في الزراعة أو الصناعة أو الخدمات .
و لا تتغير صفة العامل بعد انتهاء خدمته طالما توافرت فيه الشروط السابقة ).
و النص على النحو المتقدم رددّ التعريف الذي أورده نص المادة (229) من الدستور للعامل و الفلاح ، إلا أنه بالنسبة للعامل أضاف إلى هذا التعريف شرطاً مؤداه أن يعتمد العامل بصفة رئيسية على دخله بسبب عمله اليدوي أو الذهني في الزراعة أو الصناعة أو الخدمات ، و هذا الشرط لا يعد من قبيل الضوابط و المعايير التي فُوض المشرع في بيانها لاعتبار المرشح عاملاً ، إعمالاً لنص المادة (229) من الدستور بل يُعد تقييداً لما أطلقه النص الدستوري في تعريف العامل ، إذ يستبعد من الترشح كل عامل يعتمد على مصدر رئيسي لدخله خلاف أجره ، كما أن اشتراط العمل في مجالات الزراعة أو الصناعة أو الخدمات مؤداه انحسار صفة العامل عن كل من يعمل لدى الغير في المجالات الأخرى ، و من ثم فإن ما ورد بالنص المذكور من عبارة ( و يعتمد بصفة رئيسية على دخله بسبب عمله اليدوي أو الذهني في الزراعة أو الصناعة أو الخدمات ) يخالف نص المادة (229) من الدستور.
ثانياًَ – نصت الفقرة الأولى من المادة الثالثة المستبدلة بالمادة الأولى من المشروع على أن (...... و تسقط العضوية إذا غير عضو مجلس النواب الصفة التي ترشح بها ).
و لكي يتفق هذا النص مع أحكام الدستور، فإنه يتعين أن يمتد حكمه و هو إسقاط العضوية إلى جميع الحالات التي يغير فيها عضو مجلس النواب الصفة التي ترشح بها سواء كانت صفة العامل أو الفلاح أو إذا غير انتماءه الحزبي أو تخلى عنه و أصبح مستقلاً أو صار المستقل حزبياً . إذ بذلك وحده يتأكد حق الناخب في الاختيار و تحترم إرادته و هو ما يتحقق به المشاركة في الحياة العامة على نحو ما استهدفه نص المادة (55) من الدستور. و القول بغير ذلك فيه انتقاص لحق الناخب الذي كفلته المادة المذكورة بما يخالف أحكام الدستور.
ثالثاً – نصت الفقرة الرابعة من المادة الثالثة المستبدلة بالمادة الأولى من المشروع على أن ( و يحدد نطاق و مكونات كل منها طبقاً للجداول المرفقة ).
و حيث إن المادة (113) من الدستور تنص على أن ( يشكل مجلس النواب من عدد لا يقل عن ثلاثمائة و خمسين عضواً ، ينتخبون بالاقتراع العام السري المباشر.
و يشترط في المرشح لعضوية مجلس النواب أن يكون ......
و يبين القانون شروط العضوية الأخرى ، و نظام الانتخاب ، و تقسيم الدوائر الانتخابية بما يراعي التمثيل العادل للسكان و المحافظات ).
و حيث إن النص الدستوري المتقدم وضع ضابطين أساسيين لتقسيم الدوائر الانتخابية ، هما التمثيل العادل للسكان و التمثيل العادل للمحافظات .
وحيث إن التمثيل العادل للسكان يعني أن يمثل النائب في أية دائرة من الدوائر الانتخابية ذات العدد من الناخبين الذي يمثله باقي النواب في الدوائرالأخري مما مؤداه وجوب مراعاة التمثيل المتكافئ للناخبين في المجالس النيابية ، و لا يعني هذا المبدأ أن يكون التساوي بين أعداد من يمثلهم النائب في كل دائرة تساوياً مطلقاً ، لاستحالة تحقق ذلك عملياً ، و إنما يكفي لتحقيق هذا المبدأ أن تكون الفروق بين هذه الأعداد و بين المتوسط العام لأعداد من يمثلهم النائب على مستوى الدولة في حدود المعقول ، كما أن تقسيم الدوائر يجب أن ينضبط بحيث يتناسب عدد السكان في كل دائرة من الدوائر التي تقسم إليها البلاد بمراعاة التجاوز الجغرافي ، كما يجب ألا تُرسم الدوائر بطريقة تعسفية و دون مراعاة للصالح العام .
كما أن عدالة تمثيل المحافظات تقتضي أن تمثل كل محافظات الدولة في مجلس النواب بصرف النظر عن عدد سكانها .
و حيث إنه باستعراض الجداول المرفقة بالمشروع المعروض يتبين أنها قد خالفت حكم المادة (113) من الدستور، فعلى سبيل المثال فإن محافظة دمياط التي يبلغ جملة عد سكانها 971ر254 ،1نسمة طبقاً للبيان الإحصائي الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة و الإحصاء في 1/7/2012 خُصصّ لها ثمانية مقاعد للقائمة و أربعة للفردي بإجمالي مقداره اثنا عشر مقعداً ، في حين أن محافظة أسوان التي يبلغ عد سكانها 279 ر 340ر1 نسمة خُصصّ لها أربعة مقاعد للقائمة ، و اثنان للفردي بإجمالي مقداره ستة مقاعد ، أما محافظة جنوب سيناء التي يبلغ عد سكانها 647ر160 نسمة فقد خُصصّ لها أربعة مقاعد للقائمة و اثنان للفردي بإجمالي ستة مقاعد ، في حين أن محافظة الأقصر التي يبلغ عدد سكانها 219ر079ر1 خصص لها ذات العدد من المقاعد أربعة للقائمة و اثنان للفردي بإجمالي ستة مقاعد ، بالرغم من زيادة عدد السكان فيها على محافظة جنوب سيناء زيادة كبيرة .
رابعاً – تنص الفقرة السادسة من المادة الثالثة المستبدلة بالمادة الأولى من المشروع على أن ( و يجوز أن تتضمن القائمة الواحدة مرشحي أكثر من حزب ، كما يجوز أن تُشكل القائمة من مرشحين مستقلين غير منتمين لأحزاب ، أو تجمع بينهم ) ، و يتعين حتى يكون هذا النص متفقاً و أحكام الدستور أن يضاف إليه أنه في حالة جمع القائمة الواحدة بين منتمين لأحزاب و مستقلين أن تظهر صفة المرشح كمستقل أو منتم لحزب معين لتعلق ذلك بحق الناخب الذي يجب أن يقف على حقيقة المرشح عند الإدلاء بصوته لاختيار من هو أحق به و الذي كفلته المادة (55) من الدستور.
خامساً – أوضحت المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنة 1972 الشروط الواجب توافرها في المرشح لعضوية مجلس النواب ، و قد عدّل المشروع المعروض في المادة الأولى منه البنود أرقام ( 1 ، 3، 4 ، 5 ، 6 ) ، و ورد في البند (1) من هذه الشروط أن يكون المرشح مصرياً ، في حين أن نص المادة (113) من الدستور لم تكتف بكون المرشح مصرياً فقط بل نصت على ( أن يكون مصرياً متمتعاً بحقوقه المدنية و السياسية ) ، لذا و حتى يكون هذا النص متفقاً و حكم المادة (113) من الدستور يتعين إضافة عبارة ( متمتعاً بحقوقه المدنية و السياسية ).
كما ورد في البند (5) من المادة ذاتها أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفي من أدائها أو استثني منها طبقاً للقانون . و إذ تنص المادة (6) من قانون الخدمة العسكرية و الوطنية الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980 على أن يستثنى من تطبيق حكم المادة (1) منه – أداء الخدمة العسكرية – الفئات التي يصدر بقواعد و شروط استثنائها قرار من وزير الدفاع طبقاً لمقتضيات المصلحة العامة أو أمن الدولة ، و من ثم فإن النص الماثل يُجيز أن يترشح لمجلس النواب من سبق استثناؤه من أداء الخدمة العسكرية طبقاً لمقتضيات أمن الدولة ، في حين أنه مادام أن هذا الأخير قد استثني من أداء الخدمة العسكرية للسبب المتقدم ، فلا يكون مقبولاً أن يُسمح له بالترشح للمجلس النيابي الذي يتولى مهمتي التشريع و الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ، لذا فإن الأمر يقتضي قصر الشرط الوارد في البند (5) على من أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفي من أدائها طبقاً للقانون .
سادساً – تنص الفقرة الأولى من المادة التاسعة مكرراً (ب) المستبدلة بالمادة الأولى من المشروع على أن ( يكون الطعن على القرار الصادر من اللجنة المنصوص عليها في المادة الثامنة من هذا القانون أمام محكمة القضاء الإداري خلال سبعة أيام تبدأ من تاريخ قفل باب الترشح بالنسبة للمرشح أو الحزب أو ممثل القائمة ، و على المحكمة أن تفصل في الطعن ، دون عرضه على هيئة مفوضي الدولة ، خلال سبعة أيام على الأكثر).
و البين من هذا النص أنه يهدف إلى سرعة البت في الطعون على القرارات الصادرة من اللجان المشكلة طبقاً لنص المادة الثامنة من القانون ذاته و هو ما لا مطعن عليه ، إلا أن اشتراط أن تفصل المحكمة في الطعن دون العرض على هيئة مفوضي الدولة هو مما يعد تدخلاً في أعمال جهة القضاء الإداري و اعتداءً على استقلاله على النحو الذي نصت عليه المادة (174) من الدستور، إذ قد ترى هذه الجهة عند نظر الطعن إحالته إلى هيئة مفوضي الدولة مع التقيد بالحد الزمني الذي وضعه النص و هو سبعة أيام للفصل في الطعن المعروض عليها .
سابعاً – نص البند رقم (7) من المادة الخامسة المضاف بالمادة الثانية من المشرع على ( ألا يكون من قيادات الحزب الوطني المنحل ) ، و يقصد بالقيادات كل من كان عضواً بأمانته العامة أو بمكتبه السياسي أو بلجنة السياسات في الخامس و العشرين من يناير 2011 ، أو عضواً بمجلسي الشعب أو الشورى في أي من الفصلين التشريعيين السابقين على قيام الثورة .... ).
و النص على هذا النحو يخالف نص المادة (232) من الدستور الذي اشترط لمنع قيادات الحزب الوطني المنحل من ممارسة العمل السياسي و الترشح للانتخابات الرئاسية و التشريعية كونه عضواً بمجلس الشعب أو الشورى في الفصلين التشريعيين السابقين على قيام الثورة ، و من ثم فإن النص على كونه عضواً في أي من الفصلين التشريعيين يخالف نص المادة (232) من الدستور التي اشترطت كونه عضواً في الفصلين التشريعيين معاً .
ثامناً – نصت المادة الثامنة عشرة مكرراً المضافة بالمادة الثالثة من المشروع المعروض على أن ( تتم أعمال الفرز و إعلان نتائجه باللجان الفرعية بحضور مندوبي المرشحين الفرديين و القوائم ، ويسلم رئيس اللجنة الفرعية صورة من نتيجة الفرز إلى مندوب وزارة الداخلية لتعليقها بلوحة تعد لذلك بالقسم المختص ، و تسلم صورة رسمية منها لكل من يطلبها من المرشحين ، كما يقوم رئيس اللجنة الفرعية بلصق صورة من نتيجة الفرز على باب اللجنة الفرعية و يثبت ذلك بالمحضر.
و على رئيس اللجنة العامة الإعلان عن عدد الأصوات الصحيحة التي حصل عليها كل مرشح و كل قائمة .
ويسمح بحضور مندوبي وسائل الإعلام و ممثلي منظمات المجتمع المدني لمتابعة الانتخابات و عملية الفرز و إعلان النتيجة ).
و حيث إنه فيما يتعلق بقيام كل لجنة فرعية بإعلان نتيجة حصر و فرز أصوات الناخبين بها ، و قيام اللجنة العامة بإعلان النتائج على نحو يوضح عدد الأصوات الصحيحة التي حصل عليها كل مرشح من مجموع اللجان الفرعية التابعة لها ، فإنه لما كان إعلان النتيجة العامة للانتخابات التشريعية منوطاً - و على ما ينص عليه البند ثامناً من المادة (3) مكرراً (و) من القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية – باللجنة العليا للانتخابات دون غيرها ، فإن إعلان النتيجة من قبل اللجان الفرعية و اللجان العامة و هو في حقيقته إعلان لحصر عددي مبدئي للأصوات التي حصل عليها كل مرشح من هذه اللجان لا ينبئ عن فوز مرشح و خسارة آخر .
لما كان ما تقدم و كان إعلان النتائج على النحو السالف بيانه من قبل كل من اللجان الفرعية و اللجان العامة يعتبر أحد مراحل عملية الانتخابات التشريعية و التي تبدأ بفتح باب الترشح لعضوية المجلس التشريعي و تنتهي بتحديد و إعلان نتيجة الانتخاب من قبل اللجنة العليا للانتخابات طبقاً لنص المادة (228) من الدستور، و من ثم فإنه يتعين تفسير عبارة إعلان النتيجة الواردة بنص المادة الثامنة عشرة مكرراً ، بأنها تعني مجرد إعلان لحصر عددي مبدئي لأصوات الناخبين لا ينبئ عن فوز مرشح أو خسارة آخر و ذلك حتى يكون النص متفقاً و حكم المادة (228) من الدستور.
و حيث إنه فيما يتعلق بما ورد بالنص ذاته من السماح لمندوبي وسائل الإعلام و ممثلي منظمات المجتمع المدني بالحضور لمتابعة الانتخابات و عملية الفرز و إعلان النتيجة ، فإن مصطلح " منظمات المجتمع المدني " ليس له مدلول محدد و واضح ، بل إنه من العموم و الاتساع بحيث يمكن أن يشير إلى مجموعة كبيرة من المنظمات غير الحكومية و المنظمات التي لا تهدف إلى الربح و لها وجود في الحياة العامة و تنهض بعبء التعبير عن اهتمامات و قيم أعضائها استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية و منها على سبيل المثال الأحزاب السياسية و النقابات المهنية و الجمعيات الأهلية ، و من ثم فإن الأمر يقتضي وضع معيار محدد و دقيق لهذه المنظمات ، حتى لا يسمح بحضور بعض هذه المنظمات غير المرخص لها وفقاً للقانون ، كما يتعين أن يوضع حد أقصى لعدد من يمثلون هذه المنظمات في كل لجنة انتخابية حتى لا يؤدي كثرة العدد إلى تعطيل عمل هذه اللجان أو اضطرابها على نحو يخل بالضمانات الدستورية لحقي الترشح و الانتخاب كما أن مشاركة هذه المنظمات في أعمال اللجان المذكورة يجب أن يقتصر على تلك التي يصرح لها من قبل اللجنة العليا للانتخابات ، و تصدق الملاحظة ذاتها على وسائل الإعلام بأن يقتصر الحضور على وسائل الإعلام المصرح لها من قبل اللجنة العليا للانتخابات .
تاسعاً – تنص الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 72 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية المستبدلة بالمادة السادسة من المشروع المعروض على أن ( على رئيس اللجنة أن يسلم لكل ناخب بطاقة مفتوحة على ظهرها خاتم اللجنة و تاريخ الانتخاب أو الاستفتاء ، و يجوز لرئيس اللجنة الفرعية أن يستعيض بتوقيعه عن خاتم اللجنة ، و ينتحي الناخب جانباً من الجوانب المخصصة لإبداء الرأي في قاعة الانتخاب ذاتها ، و بعد أن يثبت رأيه على البطاقة يعيدها مطلوبة إلى الرئيس ليضعها في الصندوق الخاص ببطاقات الانتخاب ، ثم يقوم الناخب بغمس أصبعه في مداد غير قابل للإزالة إلا بعد أربع و عشرين ساعة على الأقل بعد الإدلاء بصوته ، و يوقع قرين اسمه في كشف واحد لحضور الناخبين بخطه أو ببصمة إبهامه ).
و إذ تنص المادة (28) من القانون ذاته على أن تجري عملية الانتخاب أو الاستفتاء في يومين متتاليين ، و هو ما يجاوز مدة بقاء المداد المذكور، مما ينتفي معه اعتبار تلك الوسيلة ضمانة لتكرار الإدلاء بالصوت ، و من ثم فإن الأمر يقتضي تعديل النص بتخويل اللجنة العليا للانتخابات وضع الوسيلة المناسبة لتحقيق هذا الغرض إعمالاً للقاعدة الدستورية المرتبطة بحق الانتخاب و هي أن يكون للناخب الواحد صوت واحد ( one man – one vote ).
عاشراً – تنص الفقرة الثانية من المادة 36 المستبدلة بالمادة السادسة من المشروع على أن ( و في حالة الدوائر المخصصة للانتخاب بنظام القوائم المغلقة ، يعلن رئيس اللجنة العامة عدد أصوات الحاضرين ، و الأصوات الباطلة و الأصوات الصحيحة التي حصلت عليها كل قائمة ... ).
و يصدق على هذا النص ذات الملاحظة الواردة في البند سابعاً بالنسبة لإعلان النتيجة و أنها لا تعدو أن تكون مجرد إعلان لحصر عددي لا ينبئ عن فوز مرشح و خسارة آخر لأن إعلان النتيجة النهائية معقود للجنة العليا للانتخابات .
حادي عشر – نصت المادة السابعة من المشروع المعروض على إضافة مادة جديدة برقم 3 مكرراً (ل) إلى القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية نصها كالتالي :
( لكل مصري مقيم في الخارج يحمل بطاقة رقم قومي أو جواز سفر ساري الصلاحية ، و سبق له استخراج بطاقة رقم قومي ، الحق في الاقتراع في الانتخابات العامة و الاستفتاءات .
و يجب على كل مصري مقيم بالخارج ، و مقيد بقاعدة بيانات الناخبين و يرغب في ممارسة حق الاقتراع إبداء رغبته في ذلك بطلب لدى قنصلية جمهورية مصر العربية في الدولة التي يقيم بها ، أو إلى اللجنة العليا للانتخابات سواء باليد أو البريد الالكتروني ، و على أن يدون بالطلب تاريخ تقديمه و محل إقامته بالدولة و موطنه الانتخابي و هو محل إقامته داخل مصر الثابت ببطاقة الرقم القومي .
و يثبت في السجل المعد لقيد الطلبات بكل بعثة دبلوماسية أو قنصلية ، تاريخ تقديمه ، و تعد كل بعثة أو قنصلية كشفاً يعرض في مكان ظاهر مثبتاً به المسجلون بها والموطن الانتخابي لكل منهم ، و تنشأ مقار انتخابية في دوائر اختصاص البعثات البلوماسية و القنصلية ، و تعين مقارها و ينشأ بهذه المقار عدد من اللجان الفرعية لا يزيد عدد الناخبين بكل منها على ألف ناخب ، و تشكل لجنة عامة بمقر كل بعثة من عدد من أعضاء السلك الدبلوماسي أو القنصلي و يعين أمين لكل لجنة من العاملين بوزارة الخارجية .
و يصدر قرار من رئيس اللجنة العليا للانتخابات بتشكيل هذه اللجان من أعضاء السلك الدبلوماسي و القنصلي بناءً على اقتراح وزير الخارجية .... ).
و إذ تنص المادة (56) من الدستور على أن ( ترعى الدولة مصالح المصريين المقيمين بالخارج ، و تحميهم ، و تكفل حقوقهم و حرياتهم ، و تعينهم على اداء واجباتهم العامة نحو الدولة و المجتمع و تشجع إسهامهم في تنمية الوطن ، و ينظم القانون مشاركتهم في الانتخابات الاستفتاءات ).
و قد استحدث الدستور الصادر في ديسمبر 2012 نظاماً جديداً للإشراف على الانتخابات العامة و الاستفتاءات ، عهد بها إلى المفوضية الوطنية للانتخابات ( م 208) و بين تشكيلها في المادة (209) منه ، و في المادة (210) نص على أن ( يتولى إدارة الاقتراع و الفرز في الاستفتاءات و الانتخابات التي تديرها المفوضية ، أعضاء تابعون لها ، تحت الإشراف العام لمجلس المفوضية ، و يمنحون الضمانات اللازمة لأداء عملهم بما يكفل لهم الحياد و الاستقلال . و استثناء من ذلك تسند المفوضية الإشراف على الاقتراع و الفرز لأعضاء من السلطة القضائية و الهيئات القضائية لمدة عشر سنوات على الأقل من تاريخ العمل بالدستور، و ذلك كله على النحو الذي ينظمه القانون ) . كما تنص المادة (228) من الدستور على أن ( تتولى اللجنة العليا للانتخابات القائمة في تاريخ العمل بالدستور الإشراف الكامل على أول انتخابات تشريعية تالية ، و تؤول أموال هذه اللجنة و اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية إلى المفوضية الوطنية للانتخابات ، فور تشكيلها ).
و مؤدى ما تقدم من نصوص ، أن مشاركة المصريين المقيمين في الخارج للاقتراع في انتخابات مجلس النواب القادم ، يجب أن يكون تحت إشراف قضائي كامل ، خاصة عمليتي الاقتراع و الفرز ، و ذلك على ما تقضي به الفقرة الثانية من المادة (210) من الدستور، و إذا كانت مشاركة المصريين المقيمين في الخارج في انتخابات مجلسي الشعب و الشورى و انتخاب رئيس الجمهورية و الاستفتاء على الدستور التي أجريت خلال عامي 2011 و 2012 قد تمت بمعرفة لجان فرعية و لجان فرز عامة مشكلة من أعضاء من السلك الدبلوماسي أو القنصلي ، إلا أنه كان ثمة سند دستوري لهذا الأمر و هو نص المادة (39) مكرراً من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 ، و المضاف بالإعلان الدستوري الصادر في 19 نوفمبر 2011 و التي كانت تنص على أن ( و استثناء من أحكام المادة (39) من هذا الإعلان ، تنظم بقانون خاص أحكام تصويت المصريين المقيمين خارج البلاد في الانتخابات و الاستفتاء ) ، و كان نص المادة (39) المشار إليه تنص في عجز فقرتها الثانية على أن ( يجري الاقتراع و الفرز تحت إشراف أعضاء من هيئة قضائية ترشحهم مجالسهم العليا ، و يصدر باختيارهم قرار من اللجنة العليا ).
و إذ نصت المادة (236) من الدستور على أن ( تُلغى جميع الإعلانات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة و رئيس الجمهورية منذ الحادي عشر من فبراير سنة 2011 و حتى تاريخ العمل بالدستور.... ) ، و من ثم فإن السند الدستوري الذي كان يجيز إسناد عمليتي الاقتراع و الفرز لغير أعضاء الهيئات القضائية قد تم إلغاؤه اعتباراً من تاريخ العمل بالدستور الجديد ، و صار لازماً اتباع ما ورد به من أحكام و التي خلت من مثل هذا الاستثناء .
فلهذه الأسباب
قررت المحكمة :
أولاً – أن المادة الثانية و الفقرتين الأولى و الرابعة من المادة الثالثة المستبدلة بالمادة الأولى من المشروع و البند 7 من المادة الخامسة المضاف بالمادة الثانية من المشروع و المادة (3) مكرراً (ل) المضافة بالمادة السابعة من المشروع تتعارض مع أحكام الدستور على النحو المبين بالأسباب .
ثانياً – أن الفقرة السادسة من المادة الثالثة المستبدلة بالمادة الأولى من المشروع و البندين (1، 5) من المادة الخامسة و الفقرة الأولى من المادة التاسعة مكرراً (ب) المستبدلة بالمادة الأولى من المشروع ، و المادة 18 مكرراً المضافة بالمادة الثالثة من المشروع ، و الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 73 لسنة 1956 ، و الفقرة الثانية من المادة 36 من القانون ذاته مستبدلتين بالمادة السادسة من المشروع تتفق و أحكام الدستور وفقاً للتفسير الذي حددته هذه المحكمة على النحو المبين بالأسباب .
أمين السر رئيس المحكمة
( منشور بالجريدة الرسمية العدد 7 مكرر – في 18 فبراير سنة 2013 )
ساحة النقاش