يعتبر مجلس الدولة المصري هو القاضي العام للمنازعات الإدارية ، أي المنازعات التي تنشأ عن نشاط السلطة الإدارية و التي تكون إحدى إداراتها طرفاً فيها ، و لذلك فإنه لا يختص بالنظر في الأعمال التشريعية التي تصدرها السلطة التشريعية كسلطة عامة مستقلة ، و من ناحية أخرى ، فإن مجلس الدولة لا يملك النظر في الأعمال القضائية التي تصدر عن السلطة القضائية باعتبارها إحدى السلطات العامة التي أنشأها الدستور ، و ينتج عن ذلك أنه لا يجوز أن تكون الأعمال التشريعية أو الأعمال القضائية موضوعاً لدعوى إلغاء أو تعويض أمام القضاء الإداري .
و إذا كانت الأعمال التشريعية و الأعمال القضائية تتمتعان بحصانة أمام القضاء الإداري ، فإن الأمر يختلف بالنسبة للقضاء العادي الذي يحق له التصدي لرقابة الأعمال القضائية دون الأعمال التشريعية ، و ذلك لأن الأعمال التشريعية تتمتع بحصانة قضائية عامة ، سواء أمام القضاء الإداري أو العادي ، و لقد درج فقه القانون العام في مصرعلى تحديد نطاق الأعمال التشريعية التي تخرج من دائرة اختصاص القضاء الإداري في التشريعات العادية أو القوانين من جهة ، و الأعمال البرلمانية من جهة أخرى .
( يراجع مشكوراً : د/ عبد الغني بسيوني عبد الله – القضاء الإداري - ص 109 )
و قد ثار في اللحظة التاريخية الراهنة التي تعيشها البلاد ، خلاف و تداعي أمام القضاء الإداري بشأن لجنة تأسيس الدستور المنصوص عليها في المادة 60 من الإعلان الدستوري ، و المطالبة بإلغاء القرار الصادر بوضع معاييرها و النسبة الخاصة بتشكيل أعضائها و التي أسفرت عن تحديد نسبة 50 % من داخل البرلمان و نسبة 50% من خارج البرلمان ، و لذا كان من الأهمية بمكان تبيان مدى اختصاص القضاء الإداري بذلك النزاع ، و ذلك من خلال تحديد الأعمال البرلمانية التي لا يختص بها القضاء الإداري ، و ذلك على النحو التالي و بإيجاز .
من المقرر أن الأعمال البرلمانية هي تلك القرارات الصادرة عن البرلمان أو إحدى هيئاته أو أحد اعضائه بحكم وظيفته النيابية ، في شأن تأدية وظائفهم ، أو بصدد النظام الداخلي للبرلمان ، ومثال ذلك ، اللوائح التي يضعها المجلس لنظامه الداخلي و سير العمل فيه ، و ما يتخذه البرلمان من قرارات تتعلق بتشكيل و عمل لجانه و هيئاته البرلمانية المتنوعة ، و إجراءات الاتهام التي تصدرعن المجلس ، و كافة الأعمال التي تصدر عن اللجان المؤقتة و الدائمة للبرلمان أو لجان التحقيق التي يشكلها ، أو مكاتب البرلمان و رئاسته ، و كل ما يقوم به عضو البرلمان في ممارسته لمهمته النيابية كالخطب و الآراء و الأقوال التي يبديها في الجلسة إو في اللجان أو في التقاريرالتي يقدمها في البرلمان ، فضلاً عن القرارات التي يتخذها البرلمان بشأن أعضائه ، مثل رفع الحصانة و قبول الاستقالة ، بالإضافة إلى الأعمال التي تندرج تحت مهمته في الرقابة السياسية على السلطة التنفيذية ، مثل حق الأعضاء في توجيه أسئلة و استجوابات إلى رئيس مجلس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء أو نوابهم في الشئون التي تدخل في اختصاصاتهم ، و تقرير سحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو نوابهم ، و كذا تقرير مسئولية رئيس مجلس الوزراء .
و بمعنى آخر ، يمكن القول أن الأعمال البرلمانية هي كل القرارات التي تصدر من البرلمان في غير صورة القانون ، أي أنها كل ما عدا القوانين مما يصدره البرلمان ، و استناداً إلى المعيار الشكلي ( الذي يعتد بكون تلك الأعمال صادرة عن البرلمان ) تأخذ الأعمال البرلمانية حكم الأعمال التشريعية ، و بالتالي تخرج من نطاق اختصاص القضاء الإداري ، مثلها في ذلك مثل القوانين تماماً .
ومع ذلك فإن القضاء الإداري أخذ في بعض الحالات الاستثنائية بالمعيار الموضوعي ( الذي يستند إلى جوهر العمل أو مادته ) لتحديد طبيعة بعض الأعمال البرلمانية ، مما أدى إلى اعتبارها أعمالاً إدارية ، تدخل بهذه الصفة في نطاق اختصاص القضاء الإداري بالرقابة على مشروعية أعمال الإدارة ، و أهم هذه الحالات القرارات الفردية الصادرة بشأن موظفي البرلمان ، مثل تعيينهم و ترقياتهم و توزيع المهام الوظيفية عليهم و تأديبهم ، و غيرها من الشئون ذات الطابع الإداري ، و هذا الاستثناء تبناه مجلس الدولة في كل من مصر و فرنسا.
( يراجع : د/ عبد الغني بسيوني عبدالله – مرجع سابق ص 124 و ما بعدها ، د/سامي جمال الدين – الرقابة على أعمال الإدارة – طبعة 1992 – ص 235 ، الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الأول من ديسمبر سنة 1948 في القضية رقم 200 لسنة 1 ق مشارإليه بالمرجع الأول السابق ص 130 هامش 1 )
و بناءً على ما تقدم ، و إذ كان البين أن من الأعمال البرلمانية ما يتميز بكونه ينبع من فكرة الوظيفة النيابية لاسيما تلك التي أسندها الدستور إلى البرلمان و جرى به العرف الدستوري ، و إذ كان الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011 و الساري حتى الآن قد تضمن في مادته رقم 60 النص على قيام أعضاء مجلسي الشعب و الشورى غير المعينين بانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو ، تتولى إعداد مشروع دستورجديد للبلاد ....إلخ ، فإن المستفاد من ذلك يقيناً أن من المهام الوظيفية النيابية التي أوكلها الإعلان الدستوري إلى البرلمان تشكيل الجمعية المذكورة ، و قد جاء هذا النص بصيغة العموم و الإطلاق ، دون قيد يتعلق بكيفية انتخاب أعضاء الجمعية ، و ممن ينتخبون ، اللهم سوى كونها مكونة من مائة عضو فقط ، و يترتب على ذلك لزوماً أن انتخاب الجمعية و تحديدها أعضائها يعد من الأعمال البرلمانية ، و تخرج بالتالي عن اختصاص القضاء الإداري و العادي .
أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية
ساحة النقاش