أشرف سعد الدين عبده - المحامي بالإسكندرية - مصر

<!--[if gte mso 9]><xml> <w:WordDocument> <w:View>Normal</w:View> <w:Zoom>0</w:Zoom> <w:PunctuationKerning/> <w:ValidateAgainstSchemas/> <w:SaveIfXMLInvalid>false</w:SaveIfXMLInvalid> <w:IgnoreMixedContent>false</w:IgnoreMixedContent> <w:AlwaysShowPlaceholderText>false</w:AlwaysShowPlaceholderText> <w:Compatibility> <w:BreakWrappedTables/> <w:SnapToGridInCell/> <w:WrapTextWithPunct/> <w:UseAsianBreakRules/> <w:DontGrowAutofit/> </w:Compatibility> <w:BrowserLevel>MicrosoftInternetExplorer4</w:BrowserLevel> </w:WordDocument> </xml><![endif]--><!--[if gte mso 9]><xml> <w:LatentStyles DefLockedState="false" LatentStyleCount="156"> </w:LatentStyles> </xml><![endif]--><!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

 

هذا الموضوع نقلاً عن مقال للأستاذ / محمد شعبان ، وارد بمجلة الأزهر الشريف التي تصدر شهرياً ، و هي المقالة الواردة بعددها الصادر في شهر نوفمبر 2011 – الجزء 12 لسنة 84 ،  و قد لمحت في الآراء التي صرح بها الفيلسوف و العالم البولندي حقائق هامة جداً ، يغفل عنها كثير منا ، رغم أهميتها في الحكم على الغرب و ديمقراطيته التي طالما تجمل بها ، و رغب في نشرها في العالمين ، طوعاً و كرهاً ، حال أنها قد ملئت زيفاً و ختالاً ،  و من هنا فقد رأيت لزاماً عليّ نقل هذا المقال الهام ، توسعة لدائرة المعرفة بما ورد به ، و حتى نكون على بينة من الأمر، و يكون لدينا بعضاً من حجج النقاش و الدفاع بشأن الحوار و الجدال الذي لا ينتهي بين الحضارة العربية الاسلامية و الحضارة الغربية و المقارنة بينهما ، و هاكم المقال الهام :

 

في أخطر " ملحمة فكرية " تعيد تفكيك الغرب

فيلسوف بولندي :  الحداثة إبادة للآخر .. و العلمانية تتاجربخوف الإنسان

 

        "  في ظل الجدال المحتدم الذي تشهده ساحة الفكر العربي المعاصرحول الموقف من الغرب و حضارته و قيمه و مفاهيمه ، و ذلك بين تيارين أحدهما : يري أن الغرب هو الأول و الآخرو المنتهى لنهضة الأمة و تقدمها ، في حين يرى اليتارالثاني : أن العودة للأصول الحضارية للأمة و الاستئناس بماضيها هو أساس النهضة و نقطة الانطلاق ، في ظل هذا الجدل ، تكتسب آراء " المفكرالغربي " في هذه القضايا قيمة جوهرية و أهمية عظمى في حسم الخلاف أو وضع الأمورفي نصابها ، لأننا بهذه الآراء سنكون بصدد أنباء من خبيرو شهادة " شاهد من أهلها " .

 

        المفكرالغربي الذي سنحتكم إليه في هذا السياق هو عالم الاجتماع و الفيلسوف البولندي المعاصر زيجمونت باومان ( 1925 م ) الأستاذ السابق بجامعة اليدز الإنجليزية ، و ذلك عبرقراءة كتابيه " و لكم في الاستهلاك حياة " و " حياة بلا روابط " ، الصادرين عن دارسطورالجديدة بترجمة متميزة للدكتورة فاطمة نصر فضلاً عن مطالعة بعض المقالات على صفحته بالفيس بوك .

 

 

تفكيك الغرب :

 

       تعد قراءة و تفكيك الحضارة الغربية و مفرداتها هي جوهرالمشروع الفكري لباومان ، و إذا أردنا الدقة هي " ملحمة فكرية " مكتملة لم تغادرصغيرة و لا كبيرة في المشروع الغربي إلا و كشفت النقاب عنها و عن مضارها بل و كوارثها في أحيان كثيرة .

 

       ثمة ملحوظة بالغة الخطورة في مشروع باومان الناقض للحضارة الغربية و هي تقاربه الكبيرمع روح الحضارة الإسلامية ، و ليس في الأمرأي مبالغة ، يكفي أن نطالع في كتابه " حياة بلا روابط " فصلاً كاملاً عن حب الجار، واصفاً هذا الحب " بميلاد البشرية " ، كما رصد كيف قضت الحداثة الغربية على هذه القيمة الإنسانية ... و غني عن البيان أهمية و مكانة حب الجارفي الإسلام ، فضلاً عن تطابق كثيرمن رؤاه مع اجتهادات لأعلام في الحضارة الإسلامية مثل عمرو بن عبيد زعيم المعتزلة و بعض المتصوفة ... لكن ليس معنى ذلك أننا أمام اجتهاد اسلامي ؛ لأن ما يقدمه عالم الاجتماع البولندي مجرد تصورأخلاقي إنساني يقترب كثيراً مع الإسلام ، لأنه دين الفطرة السوية .

 

      لعل الجديد الذي تضيفه هذه الملحمة و يجعلها مختلفة عن مثيلتها أنها لم تسرد بانتقائية أخطاء التجربة الغربية المعروفة و التي قتلت بحثاً و تكرار شرقاً و غرباً ، كالحديث عن الحروب التي أشعلها الغرب أو الاستعمارأو العنصرية التي مارستها هذه الحضارة رغم خطورتها ، بل كشف باومان عن طبيعة القيم  التصورات اللانسانية قام عليها بالأساس المشروع الغربي و امتدت لأموريعتقد الجميع أنها مفيدة ، بل و من ثوابت الحضارة و يجب الأخذ بها لتقدمنا و نهضتنا كالعلم  والديمقراطية و حقوق الإنسان ... لكن باومان يكشف عن تلوث هذه القيم بالروح الغربية الداروينية .

 

      نقطة أخيرة ننوه القارئ إليها ، وهي ضرورة تخليه عن تصورات و شروح المثقفين العرب لمفاهيم الحضارة الغربية و متابعة مايقوله باومان عن هذه المفاهيم لسبب بديهي و هو أن " أهل مكة أدرى بشعابها " ، فضلاً عن الفارق بين المبدع والناقل ، وجل المثقفين العرب مجرد نقلة من الغرب ، أضف لذلك أننا نقف أمام رائد من رواد العلوم الإنسانية في الغرب .

 

 

الحداثة :

 

      يقدم الحداثيون العرب الحداثة و كأنها الطريق الوحيد للحضارة للدرجة التي أصبحت معها الكلمة في تصورالكثيرين مرادفاً للإبداع و الحرية و الانفتاح على الآخر، لكن يصدم المرء و يعرف كم الزيف و التضليل الذي يمارسه هؤلاء الحداثيون العرب تجاه القارئ ، فبماذا عرف باومان الحداثة ؟  و ما هي أبرز تجلياتها في الغرب ؟

 

      الإجابة كما يخبرنا بها عالم الاجتماع أن الحداثة ليست سوى خلق صورة أو رؤية محددة للعالم و المجتمع من خلال عملية إبادة للمختلف عن تلك الرؤية للوصول إلى هذه الصورة الواحدة أو النمط الوحيد في العالم وفق تصورالأقوى و هو الغرب في لحظتنا الراهنة .

 

       و بنص وصف الرجل للتوجه الحداثي "  أسميت هذا التوجه الحديث ، توجه الجناينية ؛ حيث يقوم الجناينية و قد تسلحوا برؤية للتناغم الكامل بفصل بعض النباتات و عزلها بصفتها حشائش ضارة ، ضيوفاً غيرمدعوة و غيرمرحب بها ، تدمرالتناغم و تشوه المشهد ، يقتضي تنفيذ الخطة أو التصميم إقامة النظام الذي خطط له ، اقتلاع الأعشاب من جذورها و تسميمها بحيث تزدهرالنباتات النافعة أو المحببة جمالياً " ، و يمضي باومان في وصف هذه الروح العدوانية " إنها الحل الأمثل التي يمكن برمجة المجتمع للوصول إليها من أجل أن يظل باقياً إلى الأبد فيما يتم إبادة جميع القوى المضادة نهائياً و على وجه حاسم و القضاء على جميع أعراض الانشقاق و المعارضة في مهدها " ، هذا هو جوهرالحداثة ، كما يصورها مفكرغربي ، فهي ليست سوى " تسميم " و " تدمير" و" إبادة للقوى المضادة على وجه حاسم "  للمختلف و وفق هذه الرؤية ينظرللإختلاف كأنه مجرد " حشائش ضارة " يجب التخلص منها .

 

      لذا يرى باومان أن عملية التطهيرالعرقي التي يمارسها الهلوكوست النازي ليست سوى تطبيق عملي لما هو مدون في سفرالحداثة من إعادة ترتيب العالم وفق منطق " الجنايني " ، ليس هذا هو المثال الحداثي الوحيد ، بل يحشد باومان العديد من الأمثلة كالاستعمارالغربي و إبادة الهنود الحمرو الحروب العالمية التي خاضها الغرب في بلدان العالم ، فضلاً عن التطهيرالعرقي في البوسنة و مذابح الهوتو و التوتسي و غيرها ...و من هنا يلخص باومان مسيرة الحداثة بقوله " أنتجت الحداثة منذ بدايتها كماً هائلاَ من النفايات البشرية و ما زالت تنتجها ".

 

       النقطة المهمة في هذا السياق أن عالم الاجتماع الغربي لا يرى هذه الأحداث أموراً استثنائية أو عرضية ، بل ثاوية و مستقرة في رؤية الحداثة ، لذلك ليس غريباً ، بل منطقياً ، أن تكون بداية معرفة عالمنا العربي و الإسلامي بالحداثة مع الحملة الفرنسية الغازية التي احتفل بها الحداثيون .

 

العلمانية :

 

       أي محاولة لقراءة الحضارة الغربية الحديثة ، فضلاً عن فهم أطرها و أسسها الفكرية لابد أن تنطلق من العلمانية .  دعاة الفكرالغربي يروجون للعلمانية على أنها المخلص و المنقذ لإخراج الفكرالبشري من منطق الوصاية لحالة الحرية و الإبداع بلا حدود ،  لكن باومان يقدم تصوراً مختلفاً للعلمانية ، فلا توجد فروق كبيرة من وجهة نظره بين سياسة العصور الوسطى في فترة الدولة الدينية و بين السياسة العلمانية ، كيف ذلك ؟  يرى باومان أن فكرة " الخوف " أو " عدم اليقين " ملازمة للطبيعة البشرية ،  و الشئ الوحيد الذي يهدئ من تأثيرهذه الصفة هو وجود قوة فوق بشرية يلجأ إليها الإنسان ، و من ثم يرى باومان أن العلمانية لم تفعل سوى نقل هذه المرجعية من " الله " إلى الأحزاب و الزعماء و القادة و الأمم ... بمعنى آخرلم يتحرر الإنسان من اللاهوت السماوي ، بل أصبح خاضعاً للاهوت آخرإنساني و هو العلمانية .

 

        و كما يقول مفكرنا " الحالة المؤبدة من عدم اليقين تفرز باستمرارطلباً هائلاً لا يمكن إشباعه لوجود قوة – أي نوع من القوة – يمكن ان تكون محل ثقة لمعرفة ما لا يعرفه و لا يستطيع الأناس العاديون الذين يعذبهم يومياً إدراكهم الكابوسي و مشاعرعدم الأمان أن يعرفوه " ،  و يوضح طبيعة هذه القوة قائلاً  "  لابد أن تكون تلك القوة التي يحلم بها الناس و يسعون إليها فوق بشرية ، بمعنى ما غيرمحررة من جميع أنواع الضعف الإنساني المستعصية ، و أيضاً محصنة ضد النقد البشري و المقاومة البشرية ..و يضيف " بالإمكان أن يكون حاكماً كاريزمياً يعلن أن لديه خطة صادقت عليا السماء و يملك خطاً مباشراً مع الإله القدير" ، و يوضح أكثر " قد تكون تلك القوة كياناً جمعياً مثل الكنيسة أو الحزب يلوح بسلطة المدعي العام التي وقعتها على بياض الإله الحق " ، أي أنه لا فرق بين إدارة الكنيسة لأمورالبشرو بين إدارة الحزب ،  الجميع يقول تصريحاً أوتلميحاً أن لديه الحل السحري أو الحق المطلق .. لذا فالعلمانية إذن ليست متاجرة بخوف الإنسان .

 

       و يضرب باومان مثالاً لتحول العلمانية إلى خطرأكبرمن الأصولية الدينية ملمحاً إلى سياسات الولايات المتحدة في العالم اليوم قائلاً : "  تستخدم الأصوليات السياسية ( التي تزعم أنها علمانية ) في غالبية الأحيان اللغة الدينية التقليدية ، لغة المواجهة الحتمية بين الخيرو الشر" ، و في سياق آخريقول "  يكثرالحديث عن تسييس الدين لكن لا يوجد سوى أقل القليل من الاهتمام بـ " تديين السياسة " وهو أمريمكن القول أنه كثيراً ما تكون تبعاته أكثردموية .

 

الدين

 

       موقف باومان من العلمانية يقودنا لعرض موقفه من الدين ... ابتداءً يرفض الرجل تصور كل من ماركس و فرويد للدين ، فكلاهما تصورالدين " وهم " ، لكن الأول يراه وهماً تاريخياً ،  الآخريراه وهماً غريزياً ، و هو يرفض ذلك لأننا ليس لدينا تجربة واقعية تثبت أي من الحكمين ، فيقول : "  بما أن الفرضيات المؤسسة لحكم كل من فرويد و ماركس لم تخضع لمستهلها إلى الاختبارات الإمبريقية ( التجريبية ) أرى أن نؤجل إصدارالحكم النهائي عليها حتى يتم ذلك " .  ثم يعرض لموقفه من الدين الذي يقترب كثيراً جداً من التصورالصوفي في الفكرالإنساني ، فالناس محتاجون للدين لعدم كفاية العقل البشري و عجزه عن إدراك اللاعقلانيات التي اكتشفها الإنسان في العالم ، فضلاً عن القوى الرهيبة فاقدة الحس البكماء العمياء التي لا يمكن استيعابها ، فيقول : " بإيجاز البشربحاجة إلى رب عليم قديربصيرلتفسيرعلة كل تلك القوى الرهيبة التي تبدو فاقدة الحس بكماء عمياء و التي لا يستطيع استيعاب البشرو قدرتهم على الفعل و الوصول إليها و تفسيرها و ربما ترويضها و تدجينها ".  لكنه يرفض الاعتماد على العقل و البرهان في الاستدلال على الله ، كما كان يقول أهل التصوف قديماً ، و من هنا يقول "  علماء اللاهوت أضروا بالدين أكثرمن نفعهم إياه حينما حاولوا الإتيان ببرهان منطقي على وجود الله "  ، و يضيف " يحتاج البشرإلى الله لمعجزاته و ليس لاتباع قوانين المنطق ".

 

 

العقلانية و الداروينية

     

        يربط باومان بطريقة رائعة بين العقلانية الغربية و الداروينية الاجتماعية المتوحشة كآلية للهيمنة و القضاء على الآخر ، فيوضح أن العصرالحديث بدأ بنزع القداسة عن الطبيعة ، كما يقول ماكس فيبر، و من ثم تم التمهيد لتأليه البشربدلاً من الله من أجل إخضاع الحياة لإرادة الإنسان ، فغابت الأخلاق باعتبارها أحد التصورات الدينية الغيبية .. لكن ما الذي حل محل الأخلاق ؟  الإجابة كما يقدمها باومان أنه عالم دارون الكئيب و يعبرعن ذلك بقوله : "  إذا لم تكن أكثرقسوة و انعداماً للضميرمن غيرك سهزمونك دون شعوربأي ندم و أحياناً مع الشعوربه ، هنا نعود إلى حقيقة عالم دارون الكئيبة : البقاء للأصلح على الدوام ، أو الأحرى ، فإن البقاء هو البرهان على الصلاحية ". و بلغة مؤلمة يصف هذه الروح " أكثردروس الهلوكست بشاعة هو حق الأقوى الأكثردهاء ، الأكثرمكراً و حيلة في فعل ما بوسعهم التخطيط له كي يبقوا أطول من الأضعف عديمي الحيلة .  درس دموي مخيف لكن يتم تعلمه و تبنيه و حفظه و تطبيقه بحماس لذات السبب لابد و أن يفرغ هذا الدرس تماماً من كل الدلالات الأخلاقية حتى نخاع لعبة البقاء ذات الحاصل الصفري كي يكون صالحاً للتبني ، الحياة تعني البقاء ..يبقى من يوجه الضربة الأولى و طالما انك الأقوى فستفلت دون أي عقاب من أي شئ ترتكبه ضد الضعفاء .. ".

 

الديمقراطية

 

      لم تحظ فكرة في الحضارة الغربية بقداسة مثلما تحظى الديقراطية التي تصورعلى أنها أنبل فكرة انسانية في المجال السياسي خصوصاً في عالمنا العربي ، بل إن الكثيرين يرون الديمقراطية امتداداً لفكرة الشورى الإسلامية ، و رغم خطأ و خطل هذه الفكرة إلا أنها مازالت تتردد بثقة مدهشة ، لكن ما هي مشكلات أو أخطاء الديمقراطية ما يصورها باومان ؟

 

     الفكرة الجوهرية التي يضعها الرجل في سياق مناقشته لهذه القضية هي أن الديمقراطية لم يتخذها الغرب اتخاهاً له عن اقتناع أو إيماناً بإنسانيتها ؛ أو لأنها رؤية متكاملة ، بل الأمركله كان نتاج عوامل اقتصادية اقتضتها ظروف القرن التاسع عشرو العشرين ، و تطلب وجود هذا الشكل السياسي – الديمقراطية – وفق النهج الحداثي الذي يزيل ما يعوق رؤيته للعالم .

 

 

       يقول باومان : "  نشأت الديمقراطية الحديثة عن احتياجات مجتمع من المنتجين و طموحاته صنعت الأفكارعن تقريرالمصيرو الحكم الذاتي على مقياس مهارات المنتجين و ممارسات الإنتاج " ، ثم يطرح تساؤلاً عن مدىملائمة هذه الفكرة للعصرالحاضر قائلاً : "  أعتقد أن السؤال الكبيرهو ما إن كان بإمكان مثل هذه الأفكارالبقاء بعد تحول المجتمع من مجتمع منتجين إلى مجتمع مستهلكين ؟ " ،  و من ثم يتساءل عن إمكانية تواجد الديمقراطية في ظل تزايد الروح الفردية الأنانية في مجتمعنا المعاصر؟

 

       ثم يوجه الفيلسوف البولندي أخطرطلقة وجهت للديمقراطية الغربية على الإطلاق و هو أن نظام السوق الحر سيطرعلى فضاء المجتمع و حول المواطنين إلى رعايا مستهلكين ، ومن ثم غابت الروح النقدية اللازمة للمقارنة و الاختياركما تطلب اللعبة الديمقراطية و بنص كلامه " في ظل حكم أصولية السوق الحر و سعت علاقات السوق من سيطرتها على الفضاء العام و عرفت الناس بتزايد ، إما على أنهم رعايا مستهلكين أو سلع ، و بذلك قيدت فرصتهم لتعلم كيفية تطويرالمدى الكامل لقدرتهم العقلية و العاطفية كي يصبحوا مواطنين ناقدين ".  كما يوضح باومان أن الديمقراطية كآلية سياسية للحكم الذاتي تطلب معتقدات و قيم لاعتناق المساواة و التعاون و الحرية  ، و هو الأمرالذي يصعب وجوده في ظل وجود سيطرة الرأسمالية أيضأً .

 

حقوق الإنسان

 

      لا يكف الغرب – و خدمه في عالمنا العربي – عن الحديث عن مبادئ حقوق الإنسان التي أرساها الغرب ، و ذلك كدليل على أن العقل الإنساني يمكنه إيجاد إنسانية بدون حاجة للدين ، و لكن إذا سألت أحد المدافعين عن الغرب بأن حقوق الإنسان لا تطبقها القوى الكبرى سوى على مواطنيها ، يجيبك بعبارة متكررة مفادها أن العيب ليس في النظرية لكن في التطبيق الذي يخضع للكيل بمكيالين ..لكن باومان يقدم حقائق مدهشة و مذهلة عن فكرة  " حقوق الإنسان " منذ نشأتها للدرجة التي تعلم بها تماماً أن الغرب لا يكيل بمكيالين ، و أن ما يحدث في أبي غريب و جوانتامو و ما أسموه الحرب على الإرهاب مطابق تماماً لفكرة حقوق الإنسان ..أي و الله هذا ما يكشف عنه مفكرنا الكبيرمن خلال فصل كامل و مواضع أخرى متفرقة ، فعن أي أسراركشف هذا الرجل ؟

 

        يسجل باومان عددا من الملاحظات الغائبة عن الكثيرين بخصوص حقوق الإنسان ، أول هذه الملاحظات أن " الإعلان العالمي لحقوق الإنسان " ظهربعد الحرب العالمية الثانية ديسمبر1948 م ، و كان الهدف كما يوضح باومان هو تثبيت الوضع القائم و عدم نشوب أي منازعات بين الدول مرة أخرى ، و من ثم صاحب الاعتراف بحقوق الإنسان الاعتراف بسيادة الدولة .

 

       نقطة أخرى بالغة الخطورة يلاحظها عالم الاجتماع البولندي أن حقوق الإنسان استندت لوثيقة وضعها الفيلسوف الألماني " كانط " بعنوان " حقوق الإنسان و المواطن " ، و من ثم ينقلنا باومان لفكرة أن المواطنة كانت متضمنة أو مفسرة للفظة إنسان ، بمعنى آخرأن المقصود بالإعلان ليس حق الإنسان كإنسان ، لكن حق الإنسان المواطن المنتمي لكيان الدولة ، حيث يقول : وثيقة حقوق الإنسان و المواطن " علق عليها جورجيورآجامين لاحقاً بعد أن أفاد من خبرة قرنين قبله ، قائلاً : إنها لم توضح إذا كان التعبيران " الإنسان و المواطن " هما مسميان لواقعين متمايزين أم أنه بدلاً من ذلك ، فقد قصد دائماً أن يكون التعبيرالأول مضمراً في الثاني أي أن حامل الحقوق هو الإنسان الذي هو أيضاً مواطن أو بقدرما هو مواطن " ، و يقول في موضع آخر: " كان مفهوم حقوق الإنسان في فترة عصبة الأمم مصطلحاً عقيماً بلا معنى سوى ذاك الذي يشيرإلى الحقوق التي تمنحها الدولة ذات السيادة " ، و من ثم يتحدث باومان عن الانتهاكات الرهيبة لحقوق الإنسان ، لكن في إطارخارج المواطنة ، كما في حالات ما يسمى " الحرب على الإرهاب " ، و معسكرات الاعتقال و التعذيب المختفية التي لا يعلم مكانها ، بمعنى أنها بعيدة تماماً عن سيادة الدولة ، لذلك فهي ليست مخالفة لحقوق الإنسان بل تجسيد لفكرة ذاتها .

 

 

الزيادة السكانية

 

       لا تتوقف الولايات المتحدة و الدول الغربية عموماً و منظماتهم المسماة دولية عن مطالبة الدول العربية و الإسلامية و دول العالم النامي جميعاً بتحديد النسل و استخدام وسائل منع الحمل ، و ذلك بحجة أن موارد هذه الدول لا تتناسب مع الزيادة السكانية .

 

        لكن عندما سئل باومان عن السبب في دعوة بوش الدول الأفريقية استخدام وسائل منع الحمل و الإجهاض و رفضه القاطع تطبيق ذلك في الولايات المتحدة ، كشف عن أسرارهذه الدعوة و بالأرقام الصلبة التي تؤكد مدى طمع هذه الدول و المنظمات الكاذبة في ثروات العالم النامي ، حيث يوضح الفيلسوف البولندي أن الدعوة لزيادة أعداد السكان في أمريكا و أوروبا فقط يرجع إلى استفادة الشركات الكبرى من مثل هذه الزيادة السكانية من خلال ضمان مستهلكين أكثربخلاف الإنسان الذي يعيش في العالم الثالث بدخل متواضع ، هذا إن وجد دخلاً، و من ثم يصبح هذا الإنسان الإفريقي كيان لا قيمة له و لا استفادة منه بالنسبة للموؤسسات الصناعية الكبرى في الغرب .

 

       ثم يدلل باومان بالأرقام فيوضح أن الكثافة السكانية في أفريقيا 55 شخصاً في كل ميل مربع ، أما في أوروبا 261 شخص لكل ميل مربع و في اليابان 857 و في هولندا 1100 و في تايوان 1604 و في هونج كونج 14218 و يوضح " على الرغم من ذلك فإن القليلين هم من يعتبرون هولندا مكتظة بالسكان فيما تسمع انذارات لا تنتهي عن الاكتظاظ السكاني في أفريقيا وجميع أنحاء آسيا باستثناء نمورالمحيط الهادي " ، و يضيف باومان " التفسيرالذي يقدم لهذا التناقض الأخيرهو أنه ليس ثمة رابطة كبيرة بين كثافة الاستيطان و اكتظاظ السكان حيث يقاس الاكتظاظ السكاني وفقاً لأعداد الناس الذين يجب إمدادهم باحتياجاتهم من خلال الموارد التي يمتلكها البلد و قدرة بيئتهم و محيطهم على الحفاظ على الحياة البشرية " ..و يكمل فكرته " باستطاعة الأمم الثرية أن يكون لديها كثافة سكانية عالية لأنها مراكز أنتروبيا مرتفعة تجتذب الموارد  و بخاصة مصادرالطاقة من بقية أنحاء العالم و تعيد بدلها نفايات ملوثة للبيئة و سمية في كثيرمن الأحيان بعد عملية المعالجة الصناعية و استنفاد موارد الطاقة في أنحاء العالم و تدميرها " ، فالقضية إذن ليست ارتفاع عدد السكان ، بل الخوف على نقص الموارد الواردة من أفريقيا للغرب .

 

       ثم ينقل ما كتبه الألماني بول أرليخ في مؤتمرالسكان بالقاهرة عام 1994 م ، حيث قال " لا يتقرر تأثيرالبشر على نظام دعم الحياة على الأرض بعدد الناس الذين يعيشون على الكوكب فقط ، بل يعتمد أيضاً على الأسلوب الذي يتصرف به هؤلاء الناس ، و حينما نأخذ هذا في الاعتبارتتبدى لنا صورة مختلفة تماماً : تكمن مشكلة السكان الرئيسية في البلدان الثرية في الواقع ، فإن ثمة عدداً من الأثرياء أكثرمما يجب " .

 

      هذا بلاغ للناس ، و ليعلموا أنما هو إله واحد ، و ليذكر أولوا الألباب .

 

 

 

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية

 

 

 

 

 

 

                                

المصدر: مجلة الأزهر الشريف
lawing

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية 0126128907

ساحة النقاش

أشرف سعد الدين عبده - [email protected]

lawing
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,901,748

راسلنا على الاميل

نرحب بكل الزائرين للموقع ، و نتمنى لهم أن يجدوا ما ينفعهم و يحتاجون إليه ، و لمن أراد التواصل معنا أوالاستفسارأو تقديم الاقتراحات الخاصة بالموقع و محتوياته ، عفلى الرحب و السعة ، و ذلك على الاميل الخاص بالأستاذ / أشرف سعد الدين المحامي :
[email protected]