الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

ليتها تكون عربية

مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

 

تعرف اللغة العربية مفردات عدة للدلالة على المركبات الآلية وغير الآلية التي يستخدمها الإنسان في ترحاله وتنقلاته أو في نقل الأمتعة والأشياء الخاصة به. ومن بين هذه المفردات، نذكر أولاً لفظ «السيارة»، والجمع «سيارات». والسيارة في اللغة تعني القافلة. ومن ذلك قوله تعالى في الآية التاسعة عشرة من سورة يوسف: ﴿وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم﴾. والسيارة مركبة آلية تسير بمحرك محرق للبنزين تستخدم للركوب والنقل (راجع: معجم المعاني الجامع). والسيارة عربة آلية سريعة السير، تستخدم في نقل الناس أو البضائع، تسير بالبنزين ونحوه (راجع: معجم اللغة العربية المعاصر). وورد في المعجم الرائد أن السيارة مركبة تسير على أربع عجلات من المطاط يدفعها محرك يعمل بوقود من البنزين أو المازوت. وقد ورد لفظ «السيارة» في المادة الرابعة من قانون المرور رقم 66 لسنة 1973م، معرفاً أياها بأنها «مركبة ذات محرك آلي تسير بواسطته».

 

ومن المفردات المستخدمة أيضاً في اللغة العربية، نذكر لفظ «الشاحنة»، ويطلق على سيارة الشحن، وهي السيارة التي تستعمل لنقل البضائع (راجع: معجم اللغة العربية المعاصر). وهكذا، يتحدد معنى الشاحنة في السيارات المستخدمة لنقل البضائع، فلا ينصرف معناها إلى السيارات المستعملة في نقل الركاب. على النقيض من ذلك، فإن لفظ «الحافلة»، وجمعها حافلات وحوافل، يعني سيارة كبيرة لنقل الركاب داخل المدينة (يراجع: معجم المعاني الجامع؛ المعجم المغني). والحافلة: سيارة أو مركبة كبيرة عامة تسير بالبنزين ونحوه تستخدم للنقل العام وتسع عدداً من المسافرين (يراجع: معجم اللغة العربية المعاصر). وبوجه عام، الحافلة مركبة كبيرة (يراجع: المعجم الوسيط). يقال: حافلة القطار، أي عربة من عرباته. حافلة الطعام: حافلة قطار يقدم الطعام بها. حافلة كهربائية: تسير بالكهرباء بلا قضبان أرضية. حافلة مائية: قارب بخاري كبير لنقل الركاب فوق الأنهار والقنوات (يراجع: معجم المعاني الجامع).

 

كذلك، تستخدم المعاجم اللغوية لفظ «مركبة»، وجمعها «مركبات»، وهي ما يعد للركوب والاعتلاء من سيارة أو حافلة أو دراجة بخارية أو غيرها. يقال: مركبة فضائية، وهي عربة رواد الفضاء. ويقال: مركبة برمائية، وتعمل على اليابسة وفي الماء. ويقال: مركبة جوية، وهي مركبة قادرة على الطيران في الجو. بل إن بعض التعريفات اللغوية تتوسع أكثر في معنى المركبة، بحيث يشمل كل ما يعد للركوب شاحنة أو سيارة أو عربة تجرها الدواب من بغال أو خيل (راجع: معجم المعاني الجامع). وقد استخدم المشرع المصري لفظ «المركبة» في قانون المرور رقم 66 لسنة 1973م، معرفاً إياها بأنها «كل ما أعد للسير على الطرق من آلات ومن أدوات النقل والجر» (المادة الثالثة الفقرة الأولى). وتعدد الفقرة الثانية من المادة ذاتها أنواع المركبات، بنصها على أن «المركبات نوعان: مركبات النقل السريع وهي السيارات والجرارات والمقطورات ونصف المقطورات والدراجات النارية والمعدات الثقيلة (اللوادر، الحفارات، الأوناش، الجرافات، البلدوزرات) وغير ذلك من الآلات المعدة للسير على الطرق. ومركبات النقل البطيء وهي الدراجات غير النارية والعربات التي تسير بقوة الإنسان أو الحيوان. ويلحق وزير الداخلية بقرار منه أي نوع جديد من المركبات بأحد الأنواع المذكورة في هذا القانون. ولا تسري أحكام هذا القانون على المركبات التي تسير على الخطوط الحديدية إلا فيما ورد به نص في هذا القانون».

 

وتستخدم المعاجم اللغوية أيضاً لفظ «عربة»، والجمع «عربات»، وتعني مركبة ذات عجلتين أو أربع، يجرها حمار أو حصان، تنقل عليها الأشياء. أو هي مركبة ذات عجلتين أو أكثر يجرها حيوان أو إنسان، تنقل عليها الأشياء. يقال: عربة طفل، عربة نقل، عربة مدفع، عربة حنطور. يقال أيضاً: وضع العربة أمام الحصان، أي وضع الأمر في غير محله، خالف نظام الأمور، عكس الترتيب. ويقال: العربة القلابة، وهي عبارة لها جسم قابل للتقلب، بحيث تعمل على تفريغ محتوياتها. ويقال: عربة نوم، وهي مقطورة سكة الحديد مزودة بوسائل الراحة والنوم (راجع: معجم المعاني الجامع). ويقال: عربة صندوقية، وهي عربة سكة حديد مغلقة تماماً ذات أبواب جانبية منزلقة تستخدم لأغراض الشحن. ويقال: عربة نوم، وهي مقطورة سكة الحديد مزودة بوسائل الراحة والنوم. ويقال: عربة يد للتسوق. ويقال: تجر الخيل العربة. ويقال: عربة حصان، وعربة حمار (راجع: معجم اللغة العربية المعاصر؛ المعجم الرائد). وتورد المادة التاسعة من قانون المرور رقم 66 لسنة 1973 تعريفاً للعربة بأنها «مركبة معدة لنقل الأشخاص أو الأشياء، وأنواعها كالآتي: (1) عربة ركوب حنطور: وهي تسير بقوة الحيوان ومعدة لنقل الأشخاص. (2) عربة نقل كارو: وهي تسير بقوة الحيوان ومعدة لنقل الأشياء. (3) عربة نقل الموتى: وهي تسير بقوة الحيوان ومعدة لنقل الموتى. (4) عربة يد: وهي تسير بقوة الإنسان ومعدة لنقل الأشياء».

 

وتجري اللغة الدارجة في المجتمع المصري على استعمال لفظ «العربية» للدلالة على المركبة أو السيارة. ولا ندري ما هو السبب وراء هذه التسمية. وربما يكون ذلك نوعاً من الاستعمال المحرف للفظ «العربة». وعلى كل حال، فإن استخدام اللفظ «عربية» يستدعي إلى الأذهان ما هو منسوب إلى الأمة العربية. ويثير هذا الأمر الشجون فيما يتعلق بحلم تصنيع سيارة مصرية من إنتاج شركة النصر لصناعة السيارات أو سيارة عربية من إنتاج الهيئة العربية للتصنيع. ولعل ما يثير الأسى أن يكون العالم العربي حتى تاريخه غير قادر على إنتاج سيارة محلية الصنع. ونعتقد من المناسب في هذا الصدد التذكير بالسيارة رمسيس ذلك الحلم المصري الذي انتهي بالفشل. ففي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان شعار المرحلة هو «من الإبرة إلى الصاروخ»، أي تشجيع الصناعة وتطويرها والاعتماد على المنتج المصري وتحقيق فكرة الاكتفاء الذاتي. ومن أهم المشروعات التي انطلقت في عهده هي إنتاج أول سيارة مصرية، أطلق عليها اسم «رمسيس». وبالفعل بدأ إنتاجها عام 1959م، بمعدل إنتاج قليل لا يتعدى ثماني سيارات يومياً، وتم الإعلان عنها في العام 1960م، وقدر سعرها في هذا الوقت بمائتي جنيه مصري فقط، أي ما يعادل ثلث ثمن أي سيارة أخرى في نفس الفئة. وقد استطاعت السيارة رمسيس تحقيق نجاح مبهر، ليس لجودة السيارة، وإنما لسعرها الزهيد واستهلاكها القليل للوقود، وأيضاً لتشجيع المنتج المحلي، حيث جسدت هذه السيارة أولى محاولات «صنع في مصر» ومثلت لجموع المصريين الحلم الذي راودهم في فترة الستينيات.

 

ورغم أن الإعلان الأهم لهذه السيارة في تلك الفترة هي أنها سيارة مصرية 100%، إلا أن الواقع كان مختلفاً، حيث كان محرك السيارة مصنوعاً في ألمانيا فضلاً عن أن 70% من مكوناتها مستوردة من الخارج. وقد دعا ذلك البعض إلى الحديث عن الغش والتضليل أو التضليل في الحلم. إلا أن السيارة رمسيس كانت وستظل رمزاً وحلماً لم يكتمل وستظل حلماً انهار سريعاً. فقد تعرضت السيارة «رمسيس» لمنافسة شرسة من العملاق الإيطالي «فيات»، وذلك بعد أن قامت الحكومة المصرية بإجراء يتسم بالغرابة، وهو التوقيع على اتفاقية بينها وبين شركة فيات عام 1963م لتجميع سياراتها في مصر، بشرط وضع رمز شركة النصر لصناعة السيارات (نصر) على السيارات الإيطالية التي يتم تجميعها في مصر بأيد مصرية بدلاً من رمز شركة فيات. ونظراً لأنها لم تكن على استعداد كاف لمنافسة شركة ضخمة كفيات، فقد دخلت السيارة رمسيس في دوامة الخسائر الاقتصادية، حتى صدر قرار بوقف إنتاجها في عام 1972م.

 

وهكذا، وعلى الرغم من انخفاض جودتها مقارنة بمثيلاتها من السيارات الأجنبية، ورغم قلة معدل الإنتاج والذي لم يتجاوز ثماني سيارات يومياً، وبالرغم من أن أكثر من نصف مكوناتها كانت مستوردة من الخارج، إلا أن السيارة رمسيس شكلت بداية الحلم نحو إنتاج سيارة مصرية، وكان يمكن لهذا الحلم أن يكتمل إذا تحلت الدولة المصرية بالصبر والعزيمة والإصرار على الاستمرار في هذا المشروع الوطني المهم. ويبقى الأمل قائماً في تكرار التجربة مع تفادي أوجه القصور التي اكتنفت تجربة السيارة رمسيس.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 113 مشاهدة
نشرت فى 6 يوليو 2016 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

154,722