رشوة الموظف  : وسيلة لإنجاز مهام العملاء

                               بقلم : محمد الدكروري

 

    وقف أحمد إبراهيم ذات يوم في طابور طويل لإنجاز

مهمة قيد ابنه عمرو في جامعة المرتشيين ، فوجد أن كل فرد

يأتي بعده ينجز مهمته في اقل من الثانية ، فعلي صوته وقال :

حرام عليكم أنا بقالي ساعة في الطابور ، فرد عليه الموظف

يا أستاذ لو مش عاجبك تعالي لنا بكرة ، وعندما يئس وكاد

أن يمشي نادي عليه العامل وقال له يا أستاذ فتح عقلك تأكل

 ملبن ... عشان تنجز لازم ترمي بالوينجز ، فتعجب من

الكلام فضحك العامل وقال يعنى ارمي بياضك في درج

الموظف تلاقي نفسك في بيتكم .....

    هذا بالفعل يكاد ما يحدث في أغلب القطاعات الحكومية ، فهذه دراسة قام بها أستاذي الجليل                       (د. عبدالمحسن جودة ) عن رشوة الموظف الحكومي المصري ، فكانت النتيجة أن أكثر من 10% من الموظفين يرتشون كل يوم لإنجاز المهام .. ونسوا أن هناك آخرة وحساب وسعوا لحياة دنيوية فانية لا محالة  ، وقد صدق النبي e عندما قال " لاتزول قدم ابن آدم حتي يسأل عن أربع ومنهم .. عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه " ، وحتي نقضي علي هذا المرض اللعين الذي لو تفشي بين الموظفين في العمل سنقول بعلو الفم " عليه العوض " يجب أن نعرف احتياجات العاملين ونحاول أن نشبعها ، وكما يقولون في العامية " أطعم الفم تستحي العين " وذلك من خلال رفع أجور العاملين بما يتماشي مع مصالحهم الدنيوية ، فأنا أتعجب وأتساءل عن وضع قانون يحرم الرشوة ويجرمها والحكومة ذاتها هي التي تسعي لخلق موظفين مرتشيين ، فهذا عسكري المرور الذي يقف لينظم سير السيارات في الشوارع والميادين ، تجده يقف فقط من أجل " جنيه أو اثنين " يتقاضاهم من كل سيارة تسير مخالفة ، وعندما تفتش عن السبب تجده يحصل علي مرتب زهيد .. فكيف يعيش بهذا المرتب هو وزوجته فقط ؟ ناهيك عن إن كان يعول طفلا أو اثنين ، فبديهي لا يجد حيلة أمامه سوي الرشوة .

    وهذا رجل آخر ، يتقاضى مرتبا كبيرا ومنصبا مرموقا تجده يفتح لك " درج مكتبه " من أجل إنجاز مهتك وإن سألته لماذا تفعل ذلك تجده يقول " الدنيا بقت صعبة يا أستاذ والعيشة غالية " وهذا سبب آخر لانتشار الرشوة وهو طمع الموظف وحب ذاته ،  ونسي أن هناك يوم عصيب وهو  " يوم لا ينفع مال فيه ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم " ، فيا أيها الموظف في عملك راقب ربك في ذلك العمل واعلم أن الراشي والمرتشي في نار جهنم وبئس المصير .

     وفي هذا يقول  د. حمد بن عبد الرحمن الجنيدل  إن تفشي ظاهرة الرشوة في أي مجتمع من المجتمعات مُؤْذِنٌ بتدمير أخلاقيات هذا المجتمع وقيمه وتُفقِد الثقة بين أفراده، وتؤدي الرشوة إلى عدم المبالاة والتسيب وعدم الولاء والانتماء والإحباط في العمل وكل هذا يعتبر عقبة أمام عملية التنمية وما تتطلبه من جهد بشري أمين، فيه تعاون من الجميع ،  وإذا كانت الرشوة لها راش ومرتش ورائش، فإن معنى هذا أن ثلاثة من المجتمع قد نُزعت الثقة منهم واعتبرهم المجتمع من المفسدين فيه ، فالرشوة مرض خبيث لابد من القضاء عليه ، ولكن العجب العجاب في هذا الأمر أن أغلب الموظفون يضعون أسماء تحلل لهم هذا المصطلح فمثلا تجده يقول لك ، هذه ليست رشوة بل هدية والنبي قبل الهدية ، ولهذا فأني أسوق لك رأي الفقهاء في هذه المسألة :

قال الشوكاني: ليحذر الحاكم المتحفظ لدينه ، المستعد للوقوف بين يدي ربه من قبول هدايا من أهدى إليه بعد توليه للقضاء ، فإن للإحسان تأثيرًا في طبع الإنسان، والقلوب مجبولة على حبّ من أحسن إليها، فربما مالت نفسه إلى المُهْدي إليه ميلاً يُؤثرُ على الحق عند عروض المخاصمة بين المُهْدي وبين غيره، والقاضي لا يشعر بذلك ويظن أنه لم يخرج عن الصواب بسبب ما قد زرعه الإحسان في قلبه والرشوة لا تفعل زيادة على هذا. { نيل الأوطار ج8 ص375}

 والسؤال الذي أطرحه الآن : ماذا يجوز للموظف أن يقبل الهدية ؟

 والجواب هو : يجوز لولاة الأمور والعُمَّال قبول الهدية ممن كان يهدي إليهم قبل توليتهم مناصبهم، كهدية من قريب أو صديق بشرط أن لا تزيد قيمة هذه الهدية عما كان يُهْدى إليهم قبل تولي مناصبهم ولا تكون لها أيَّة علاقة بأعمالهم.

     وأخيرا فإني أتوجه بخالص الشكر لكل عامل راعي ربه وضميره في عمله ، وعرف أن المال الحرام سبب من أسباب الهزيمة النفسية فقد قال e حينما سئل عن متي يستجيب الله لدعاء العبد  فقال عليه الصلاة والسلام     " أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة " ، كما أني أتوجه لكل موظف فتح درج مكتبه من أجل أن ترمي فيه قاذورات مالية وأقول له : أيها الموظف التعيس في حياتك والشقي في آخرتك ، اتقي الله في ذلك العمل ، فهناك ملايين من الأفراد حاصلين علي شهادات عليا ولم يعملون نصف عملك ، وأنت الآن تنسي نعمة الله عليك بأموال زائلة ؟ !!

 وصدق من قال :  ( شعر : محمد السعيد )

                 يا جامع المال ما أغرك                           فهذه نصيحة ، تنفعك في مثواك

            المال لله هو الذي أعطاك                           فلا هو دهاء منك ولا مكر علاك

             فاذكر بأن الذي أغناك                              قادر أن يعيدك إلي فقر قد حواك

             فكم من فقير جاء يترجاك                          فما وجد منك عطف ولا قد رآك

            وكم من طفل يتيم بكي لك                          فما قولت له من ذا الذي أبكاك

             وكم من مال أتي لك من حرام                      فاشتهيته وقولت من ذا الذي حلاك

               وإن سألوك عن حرمته ادعيت                      هديته من شيطان قد أعطاك

             

محمد السعيد عبدالغفار الدكروري

معيد بقسم إدارة الأعمال

ر . ماجستير في التنمية البشرية

كلية التجارة – جامعة المنصورة

 

                                       

 

kotler

اللهم ارزقنا ثواب هذا العمل واجعله في ميزان حسنات آبائنا وأمهاتنا وانفعنا بما عملتنا

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 479 مشاهدة
نشرت فى 5 فبراير 2011 بواسطة kotler

ساحة النقاش

محمد الدكرورى

kotler
هذا الموقع يختص بمساعدة الباحثين فى الحصول على الابحاث العلمية التي تفيدهم في الواقع العملي ، كما انه يقدم أهم وأحدث الأفكار العلمية لمجال إدارة الاعمال بصفة عامة . وللتواصل معنا يرجي الاتصال على الارقام التالية 0020168500828 0020502091236 email : [email protected] [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

66,001