المدرسة الذكية
المدرسة الذكية فى الدول العربية بين الواقع والمأمول
أولاً : دواعي التفكير في إنشاء المدرسة الذكية :-
لا شك أن التطور العلمي المذهل الذي حققه الإنسان في القرن العشرين قد أثر بفاعلية علي أسلوب الحياة في كافة المجتمعات المعاصرة. وقد ساهمت تكنولوجيا الاتصالات تحديدا في هذا التطور المعاصر عن طريق تسهيل سرعة الحصول علي المعلومات وسرعة معالجتها واستدعائها وتخزينها واستخدامها في كافة العمليات الحسابية والإحصائية والتحليلية لمواجهة متطلبات الحياة المعاصرة مما أدي أيضا إلي سرعة إنجاز المهام والأعمال وسرعة تحقيق الأهداف. ومع بداية القرن الحادي والعشرين أصبح لزاماً علي كافة المؤسسات المختلفة أن تتوافق أوضاعها مع الحياة العصرية التي تتطلبها تكنولوجيا المعلومات،
لذلك ومن هذا المنطلق أصبحت تكنولوجيا المعلومات بكافة أشكالها السلاح الحقيقي لمواجهة التحديات العديدة التي تواجهنا كأفراد وكأمة وبالتالي الاقتصاد الوطني، وأصبح التطور التكنولوجي هدفا قوميا واحتياجا حقيقيا لنمو المجتمع وقدرات أفراده وحسن استخدام موارده وحمايتها.
ومن هنا ظهر مفهوم المدرسة الذكية كأساس لتطوير التعليم العام والذي يهدف إلى خلق مجتمع متكامل ومتجانس من الطلبة وأولياء الأمور والمعلمين والمدرسة وكذلك بين المدارس بعضها البعض ارتكازا على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحديث العملية التعليمية ووسائل الشرح والتربية وبالتالي تخريج أجيال أكثر مهارة واحترافية.
كما أن مفهوم المدرسة الذكية يعتمد على القطاع الخاص في تقديم الأجهزة والمعدات والوسائط المتعددة والدعم الفني لخدمة المدارس والمنشآت التعليمية مما يغذى الاقتصاد الوطني بالشركات المتخصصة التي تقدم خدماتها بشكل احترافي متميز لخدمة المشروع، وبالتالي يتم إيجاد فرص عمل جديدة في ظل هذا المشروع القومي الراقي.
ثانياً : مزايا مشروع المدرسة الذكية :-
و يحتوي مفهوم المدرسة الذكية علي المزايا الفلسفية الآتية :-
- تقديم وسائل تعليم أفضل وطرق تدريس أكثر تقدما.
- تطوير مهارات وفكر الطلاب من خلال البحث عن المعلومات واستدعائها باستخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والإنترنت في أي مجال أو مادة تعليمية.
- إمكانية تقديم دراسات وأنشطة جديدة مثل تصميم مواقع الإنترنت والجرافيك والبرمجة, وذلك بالنسبة لكافة مستويات التعليم , والذي يمكن أن يمثل أيضا مصدراً إيراديا للمنشأة التعليمية.
- إمكانية اتصال أولياء الأمور بالمدرسين والحصول علي التقارير والدرجات والتقديرات وكذلك الشهادات, وذلك من خلال الإنترنت أو من خلال أجهزة كمبيوتر في المدرسة يتم تخصيصها لهذا الغرض
- تطوير فكر ومهارات المعلم وكذلك أساليب الشرح لجعل الدروس أكثر فاعلية وإثارة لملكات الفهم والإبداع لدى الطلاب .
- إقامة اتصال دائم بين المدارس وبعضها لتبادل المعلومات والأبحاث ودعم روح المنافسة العلمية والثقافية لدى الطلبة . كما يمكن إقامة مسابقات علمية وثقافية باستخدام الإنترنت مما يدعم سهولة تدفق المعلومات بين كافة أطراف العملية التعليمية وتحسين الاتصال ودعم التفاعل فيما بينهم.
- الاتصال الدائم بالعالم من خلال شبكة الإنترنت بالمدارس يتيح سهولة وسرعة الاطلاع على واستقطاب المعلومات والأبحاث والأخبار الجديدة المتاحة فضلا عن كفاءة الاستخدام الأمثل في خدمة العملية التعليمية والتربوية.
- الاعتماد على الشركات الوطنية المتخصصة في توريد الأجهزة والمعدات والدعم الفني للمدارس الذكية ينشط ويسرع اقتحام الإنتاج الوطني لمجال صناعة البرمجيات وأدوات التكنولوجيا الفائقة بما يدره هذا المجال الواعد من قيمة مضافة عالية ويتيحه من تطوير لقدرات مجالات الإنتاج الأخرى .
ثالثاً : كيفية تنفيذ المدرسة الذكية :-
تحديد الأهداف الرئيسية :-
1- تطوير المنشأة التعليمية
2- إرساء قاعدة للتطوير المستمر للمناهج التعليمية
3- تطوير فكر ومهارات المعلم وبالتالي أساليب الشرح
4- تطوير مهارات الطلبة في استقطاب المعلومات واستخدامها
5- تأمين التواصل والتعاون المستمر بين أولياء أمور الطلبة والمؤسسات التعليمية .
ولتحقيق هذه الأهداف ينبغي التدرج في خطوات تراكمية وإنتشارية تتضمن الآتي:-
تحويل العملية التعليمية إلي عملية ترتكز علي تعليم الكمبيوتر والموضوعات المتعلقة بالكمبيوتر ( مثل تطبيقات الكمبيوتر والإنترنت) في المدارس بالمستويات التعليمية المختلفة وبمعدل حوالي (4) ساعات أسبوعيا لكل طالب وهذا بالفعل ما بدأت وزارة التعليم المصرية مؤخرا في تنفيذه علي أرض الواقع ولاشك أن التطور في تطبيق التعليم المبني علي استخدام الكمبيوتر بكافة المستويات التعليمية والاستفادة من التطورات الحديثة في تقنية الكمبيوتر كوسيلة لتحسين العملية التعليمية لمختلف المواد الدراسية مثل الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية سوف ينمي القدرات الابتكارية التي عانينا كثيرا من وأدها بمناهج الحفظ والاستظهار التقليدية .
ولا يقتصر مشروع المدرسة الذكية علي تزويد المدارس بما تحتاجه من أجهزة الكمبيوتر وملحقاته ليعتاد الطلبة علي استخدام والتفاعل مع الكمبيوتر بل الأهم من ذلك تطوير المناهج وإبداع البرامج التعليمية في
صورة اسطوانات ليزر أو مواقع ويب أو مزيج منهما وتزويد المدرسين ببرامج تدريبية في التكنولوجيا والتعليم وأساليب الشرح الحديثة مما يدعم انتشار تكنولوجيا المعلومات وتوظيفها بشكل سليم في تطوير منظومة التعليم ككل ونجاح مفهوم المدرسة الذكية .
وتأتي خطوات إنشاء الشبكات اللازمة لربط الأنظمة الداخلية للمدارس المختلفة والربط بين المدرسة والمعلمين والآباء والطلبة والمجتمع بالإضافة للربط بين المدرسة وشبكة مدرسة أخري بل والجهات الإشرافية وفق الاحتياجات لتيسر ترابط أطراف العملية التعليمية وتعاونهم الناجح فضلا عن الاستفادة من موارد الكمبيوتر المتاحة في المدارس الذكية لخدمات المجتمع في ساعات ما بعد الدراسة مما يجعل المدرسة مجتمعا تقنيا متكاملا لخدمة المجتمع.
ولقد أصبح بديهيا أن نجاح أى مؤسسة أو منشأة اقتصادية يقاس أولا بقدرة الإدارة على حسن إستخدام الموارد لتحقيق الأهداف بكفاءة وإتقان وذلك لا يتحقق إلا باتباع والاعتماد على أحدث أساليب الإدارة لإنجاز المهام والأعمال وبالتالي لابد من الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات في الإدارة المدرسية تطبيقا لمفهوم مشروع المدرسة الذكية كي يتحقق الحلم الواعد.
وفي رأينا أن أي منظومة إلكترونية تتعامل مع الجانب التعليمي والمدرسة الذكية لابد أن تنقسم إلي شقين:-
1- شق إداري
2- شق تعليمي
الشق الإداري :- ويشمل الجوانب الآتية:-
- نظام إدارة شئون الطلبة.
- نظام متابعة الدرجات والنتائج.
- نظام متابعة الانتقالات.
- نظام الجداول المدرسية .
- نظام الإدارة المالية والحسابات.
- نظام إدارة الموارد البشرية.
- نظام الحضور والانصراف.
- نظام إدارة الأصول الثابتة.
- نظام إدارة المخازن والمشتريات.
- نظام إدارة المكتبات.
- موقع تفاعلي للمدرسة بالإنترنت.
ويقوم الشق الإداري بالمنظومة بخدمة كافة الأنشطة والمهام الإدارية والمحاسبية عن طريق إدارة وتخزين ومعالجة كافة البيانات والمعلومات وطباعة التقارير المتنوعة وخاصة التقارير الخاصة بدعم القرار , وكذلك تحديث الموقع بالإنترنت تلقائيا.
أما الشق التعليمي :- فيشمل الجوانب الآتية :-
- نظام المحاضرات الإلكترونية.
- نظام الاختبارات الإلكترونية للطلبة
- وسائط متعددة للمناهج تعليمية
ويقوم الشق التعليمي للمنظومة بخدمة المدرسين عن طريق إطلاق قدراتهم الإبداعية لشرح المواد والمناهج والإشراف على عملية استقطاب المعلومات التي يقوم بها الطلبة. ويبدع الطالب أيضا في أساليب العثور على المعلومات المخزنة بسيرفر المدرسة أو بالإنترنت وربط تلك المعلومات بعضها ببعض واستخدامها على أرض الواقع وذلك تحت الإشراف المباشر للمعلم و/أو أولياء الأمور.
رابعاً : واقع المدرسة الذكية فى الدول العربية :-
إن الحديث عن: "مدرسة المستقبل" وما يحمله هذا المفهوم من الدعوة إلى تجديد التعليم وتطويره كي يصبح أكثر اعتماداً على الحاسب الآلي والتقنية، وما يصحب ذلك من وجود المدارس الذكية والفصول الإلكترونية وغيرها، يذكر بالحركة التقدمية التي ظهرت في العشرينيات من القرن الماضي، والتي انبعثت من كلية المعلمين بجامعة كولومبيا. ومع الانتشار الذائع الصيت لهذه الحركة وأفكارها، وكثرة المؤيدين لها إلا أن أصواتاً بدأت تعلو في الأوساط التربوية - الأمريكية خاصة - بإعادة النظر في كثير من الطروحات التي أدت إلى نشوء عيبين في نظام التعليم العام الأمريكي هما: انخفاض مستوى متوسط تحصيل الطلاب، وارتباط قوي بين الطبقة الاجتماعية والمستوى التعليمي.
إن إيراد مثل تلك الأصوات التربوية التي بدأت تعلو فى الدول العربية - بغض النظر عن مدى صحتها أو عدمه -، لا يعني الدعوة إلى إقفال الباب أمام التطوير والإصلاح التربوي -فهو ضرورة، كما أشير إلى ذلك في المقدمة- ولكنها دعوة إلى الحذر من النظرة غير الواقعية في التطوير التربوي، وما يصحب ذلك من الطروحات التربوية الجذابة التي سرعان ما تفشل إذا وضعت تحت التطبيق الفعلي، وفي الظروف الفعلية التي تعيشها المدارس، والظروف الاقتصادية والسياسية، والاجتماعية والثقافية التي تحيط بالمدارس من كل جهة، تؤثر فيها وتتأثر بها.
والواقعية في التطوير التربوي لا تعني الانجذاب التام إلى الواقع الفعلي، وعدم استشراف المستقبل، أو الرقي بمعايير التعليم، (هناك معايير واقعية لكنها غير راقية، وهناك معايير راقية غير أنها غير واقعية، وهناك معايير راقية وواقعية يطمح إليها الطلاب جميعاً ويمكن الوصول إليها)، ولكنها تعني أن "يكون المخططون واقعيين في تصوراتهم المستقبلية، بحيث تعكس ما يمكن عمله في ضوء الموارد المتاحة والمحتملة؛ ويجب ألا تبنى على تفاؤلات مطلقة، بحيث تكون حبراً على ورق يصعب تحقيقها في ضوء التحليل والتنبؤ الواقعي." (الغرياني ص 59).
إن النظر إلى مدرسة المستقبل بواقعية يمنحنا الحكمة في التعامل مع المعطيات المختلفة لتطوير تلك المدرسة، وما يستحق أن يبدأ به لأهميته، وما يمكن تأخيره، وما يمكن تطبيقه ومالا يمكن تطبيقه، وما يصلح لمجتمعنا ومالا يصلح، وما ينبغي تغييره ومالا ينبغي. وفي النهاية، فإن "الجهات التي ستتفوق على غيرها في حقبة ما بعد عصر المعلومات هي تلك الدول التي توخت جانب الحكمة باستثمارها في تطوير رأسمالها الفكري." (سبرينج، ص 221).
على الرغم من ان كثير من التربويين في الوطن العربي يتفاءل بمستقبل تعليمي زاهر في ظل الاعتماد على التقنية بشكل عام، والحاسب الآلي بشكل خاص، وما يصحب ذلك من انتشار ما يسمى المدرسة الذكية، والمكتبة الإلكترونية، والتعليم الافتراضي، فإن آخرين يميلون إلى عكس ذلك، ويتوقعون انتكاسة وخيبة أمل، بسبب التسرع في تطبيق التقنية (الحاسب الآلي بشكل خاص) في التعليم العام، في ظل المعوقات الكثيرة التي تحد من تطبيقه في مدارسنا، وكذلك في ظل عدم وجود البحث الكافي، والأدلة المقنعة – حتى الآن - لتأكيد فائدة استخدامه في التعليم العام (التركيز هنا على التعليم العام، حيث صاحب تطبيق الحاسب الآلي في التعليم الجامعي، خصوصاً ما يسمى "التعلم عن بعد" كثير من النجاح).
ومما يجعل بعض التربويين لا يتحمس أو يتسرع في قبول فكرة الاعتماد بشكل كبير على التقنيات التعليمية هو ما يصحب تطبيق تلك التقنيات (الحاسب الآلي بشكل خاص) من النواتج التعليمية الضعيفة، وتغليب الجانب المعرفي على الجانب التربوي، والنقص في إشباع الحاجات النفسية والوجدانية والروحية للتلاميذ، وصرف كثير من جهود الطلاب وأوقاتهم في النواحي الشكلية والتنظيمية، على حساب جودة العمل، فضلاً عن المبالغة في توفير البيئات الافتراضية من خلال الحاسب الآلي، التي تقل معها معايشة الطالب للواقع الفعلي، والممارسة الطبيعية والمحسوسة لكثير من الأشياء الممكن تعلمها واقعياً.
وثمة أمر آخر يقلق بعض التربويين يتعلق بالنواحي الاقتصادية التي هي عماد التقنية، ووقود قوتها واستمرارها. فمع النفقات الكثيرة المترتبة على انتشار الحاسبات الآلية، وخصوصاً في المدارس، وما يصحب ذلك من نفقات الصيانة والتحديث وشراء البرامج، فإن بعضهم يخشى من التراجع لاحقاً عن التوسع في تطبيق التقنيات التعليمية، بسبب عدم القدرة على دفع التكاليف المستمرة للحاسبات الآلية، ومن ثم خسارة كثير من الأموال، والجهود، والأوقات التي كان من الممكن توجيهها لسد الاحتياج من الأوليات التي تفرض نفسها، مثل توفير المباني الحكومية بدلاً من المستأجرة، والبيئة التعليمية النظيفة الآمنة، وغير ذلك من الدواعي الضرورية لنشر التعليم، والرقي بمستواه.
وبمناسبة الحديث عن النواحي الاقتصادية، فإنه من المفيد الإشارة إلى أن التوسع في استخدام الحاسب الآلي في التعليم يمكن أن يزيد من مستوى الارتباط بين الطبقة الاجتماعية والمستوى التعليمي. بمعنى أن يتمتع التلميذ الذي يمتلك الأجهزة التقنية المتطورة بمستوى من التعلم يفوق أقرانه الذين لا يستطيعون ذلك. ولا شك أن الفصول الذكية، والمدارس الإلكترونية التي هي من أبرز خصائص مدرسة المستقبل تتطلب قدرة شرائية عالية تساعد التلاميذ في اقتناء الجديد والحديث من الأجهزة التعليمية، وهذا لا يتوافر عادة إلا لميسوري الحال، مما يتوقع معه أن يفرض المستقبل على المجتمعات توفير نوعين من المدارس: مدارس إلكترونية - بما تحويه من تجهيزات تقنية عالية للتلاميذ الأغنياء - وأخرى مدارس عادية للتلاميذ الأقل ثراءً. ولاشك أن زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الوقت الحالي ينذر بشيء من ذلك، وهذا فيه من الخطورة على المدى البعيد ما يعلمه المتخصصون في علم الاجتماع.
وعملياً فقد بدأت بعض الدول العربية في اتخاذ خطوات هامة لتطبيق مشروع المدرسة الذكية فعلى سبيل المثال أنشأت المملكة العربية السعودية العديد من المشاريع فى هذا المجال وأهمها "مشروع عبد الله بن عبد العزيز وأبنائه الطلبة للحاسب "موجها إلى قطاع التعليم العام بمراحله الدراسية المختلفة بهدف تنمية مهارات الطلاب وإعدادهم إعداد جيدا يتناسب مع المتطلبات المستقبلية ، ورفع مستوى قدرات المعلمين في توظيف المعلومات في كافة الأنشطة التعليمية ،مع توفير البيئة المعلوماتية بمحتواها العلمي الملائم لاحتياجات الطلاب والمعلمين ، وإتاحة مصادر التعليم المباشر ة ، لتكون نواة لصناعة تقنية المعلومات المتقدمة بالمملكة ، ونشر المعرفة بتقنية المعلومات بين أفراد المجتمع.
ويهدف المشروع إلى توفير حاسب آلي لكل عشرة طلاب مع إكمال ربط المدارس بالشبكة الوطنية وبناء شبكات محلية داخل كل مدرسة . وتشمل مراحل التنفيذ الأربع : مرحلة الدراسات والاستقصاء والتجارب مع بدء عملية بناء الشبكة ، ومرحلة التنفيذ والمتابعة والتطوير والتعديل ليتم توفير تقنية التعليم لحوالي (50%) من الطلاب ومرحلة استكمال ربط المدارس وبناء شبكاتها بينما تتم في المرحلة الرابعة عملية المتابعة والتحديث والتعديل لمسايرة التطويرات التقنية العلمية في هذا المجال.
أما فى مصر فقد تزايد الاهتمام بمشروع المدرسة الذكية برعاية شخصية من الرئيس حسنى مبارك ووزير التربية والتعليم حسين كمل بهاء الدين الذي وقع مؤخراً عقداً مع جهات استشارية متخصصة فى إنشاء وتطوير برمجيات المدارس الذكية .
وفى سورية فقد شهد التعليم العالي مؤخراً قفزة نوعية في مجال التعليم الإلكتروني حيث تم اعتماد نظام التعليم المفتوح في الجامعات السورية بدءاً من العام الدراسي الحالي، وتوجت بإصدار مرسوم بإحداث الجامعة الافتراضية السورية التي تعتبر أول جامعة عربية في منطقة الشرق الأوسط تعتمد نظام التعليم عن بعد (التعليم الإلكتروني عن طريق الشبكة العالمية) وان كانت البداية تخص قطاع التعليم العالي إلا أن هذه الخطوة بلا شك تمثل لبنة أساسية لمشاريع اكثر طموحاً مثل المدارس الذكية والفصول الإلكترونية.
وهناك العديد من الدول العربية الأخرى مثل الإمارات العربية وسلطنة عمان وقطر والتي اتخذت خطوات مماثلة فى هذا المجال وان كانت بمستوى اقل إلا أنها تسير بوتيرة متسارعة .
خامساً : مستقبل المدرسة الذكية :-
إن الجدل حول فائدة استخدام التقنيات التعليمية أو ضرورتها في التعليم العام لم يحسم بعد، لكن الذي لا يختلف عليه اثنان هو ذلك التحدي الكبير الذي يواجه مدارسنا اليوم، وهو كيف تتغير المدارس لتواجه متطلبات المستقبل، بما في ذلك تسخير التقنيات المختلفة تسخيراً فاعلاً، وتحتل موقعاً فيما يسمى "طريق المعلومات السريع" (Information Superhighway). يقول البروفيسور لاري كيوبان من جامعة ستانفورد بولاية كليفورنيا: "إن التقنيات الجديدة لا تغير المدارس، بل يجب أن تتغير المدارس لكي تتمكن من استخدام التقنيات الجديدة بصورة فعالة" (مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2000). بمعنى، أن مدارسنا يجب أن تشتمل على بنية تحتية جيدة ، ونظام مرن، وإدارة وفاعلة، كي تكون مهيأة لاستخدام التقنيات التعليمية بفاعلية، وليس مجاراة للآخرين.
وبالإضافة إلى الحاجة إلى تغيير المدارس، فإن الحاجة تبدو ماسة أيضاً للاهتمام بالمعلمين الذين هم حجر الزاوية في العملية التعليمية. وإذا كان هدف المدرسة - أي مدرسة - هو بناء الإنسان عقدياً ومعرفياً، ووجدانياً ومهارياً وسلوكياً، فلا مناص من النظر إلى التعليم على أنه يقوم على أساس علاقات إنسانية مؤثرة، ومن ثم ضرورة التركيز على المعلمين وتطوير أدائهم التدريسي، وتعريفهم بالاحتياجات الإنسانية المتجددة للتلاميذ، وسبل إشباع تلك الاحتياجات بما يمنحهم الاستقرار العاطفي والنمو العقلي والقوة البدنية، وهذا ما تقصر عن تحقيقه الأجهزة التقنية المتطورة وحدها.
ودور المعلمين في ظل استخدام التقنية التعليمية - بما في ذلك الفصول الذكية، والمناهج الإلكترونية - سيكون أكبر وأكثر فاعلية. وفي هذا الصدد، تؤكد ريل (2000) أن التقنية سوف تزيد، ولن تقلل من الحاجة إلى معلمين جيدين وأساليب تدريسية بارعة. وتضيف قائلة: إننا بحاجة إلى زيادة استثماراتنا في الموارد البشرية وفي التنمية المهنية للتربويين، لا في المناهج التقنية، مثل "التعلم في الوقت المناسب" بوصفه مفهوماً مفيداً لأهداف محددة. (ص، 165).
كما يجب النظر في مدرسة المستقبل إلى برامج الحاسوب والإنترنت على أنها وسائل معينة على التعلم الذاتي، ولا يمكن الاستغناء معها عن المعلمين؛ بل إن النظرة العلمية تجعل المستقبل مشرقاً أمام المعلمين الجيدين، يقول جيتس (رئيس ومؤسس شركة ميكروسوفت): "إن مستقبل التدريس – وخلافاً لبعض المهن - يبدو مشرقاً للغاية. فمع تحسين الابتكارات الحديثة، المطرد لمستويات المعيشة، كانت هناك –دائماً- زيادة في نسبة القوة العاملة المخصصة للتدريس، وسوف يزدهر المربون الذي يضفون الحيوية والإبداع إلى فصول الدراسة، وسيصادف النجاح أيضاً المدرسين الذين يقيمون علاقات قوية مع الأطفال، بالنظر إلى أن الأطفال يحبون الفصول التي يدرس بها بالغون يعرفون أنهم يهتمون بهم اهتماماً حقيقياً، ولقد عرفنا جميعاً مدرسين تركوا تأثيراً مختلفاً... إلخ" (1998، ص 304).
لاشك أن التقنيات العلمية والتعليمية غيرت كثيراً في حياتنا، ووفرت كثيراً من الوقت والجهد. ولا شك أن الحاسبات الآلية وسيلة جيدة للتعليم والتعلم، ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة، كما أنها ليست -دائماً- الوسيلة الأفضل. لذا، فمن الحكمة وضع استخدام الحاسب الآلي في التعليم (العام) في موضعه، وعدم إعطائه أكثر من حجمه، ومراقبة آثاره الإيجابية والسلبية على المتعلمين والمعلمين، والعملية التعليمية على حد سواء.
وقد أكد ديفيز (2000) أن انعكاسات أهمية التقنية في التعليم في المستقبل متعددة، وتشمل ما يلي:-
- الحاجة إلى تدريب المعلمين وإعادة تدريبهم على استعمال التقنية بشكل خلاق.
- الحاجة إلى المحافظة على العلاقات البشرية ذات الأهمية التقليدية في التعليم؛ وذلك لمواجهة الآثار المحتملة المجردة من الإنسانية لبعض أنواع التقنية.
- الحاجة إلى أخذ الحيطة من أن توسع التقنية –لا أن تضيّق- الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة،والمناطق الغنية والمناطق الفقيرة في الدولة الواحدة أيضاً.
وبعد الإشارة إلى تلك الانعكاسات، علق ديفيز بقوله: "ربما كان أهم هذه المضامين هو الحاجة إلى الإبقاء على التقنية التربوية في سياقها القويم. ففي كل تجلياتها يمكن أن تصبح التقنية أداة مهمة، غير أنها ليست علاجاً ناجعاً للمشكلات الاجتماعية والتربوية كافة." (ص، 13).
سادساً : الخاتمــة :-
لقد أصبح إيقاع السرعة والتغير السمة البارزة لهذا العصر. وإذا كان هذا الإيقاع يفرض على الاقتصاديين والسياسيين يقظة مستمرة، وسعياً إلى التفكير الدؤوب فإنه مفروض على التربويين من باب أولى. إن الحاجة إلى التطوير والإصلاح التربوي أصبحت أكثر إلحاحاً من ذي قبل، ولكنها في الوقت نفسه أصبحت
أكثر حاجة للتخطيط السليم المبني على التقويم الصحيح للواقع التعليمي، والتقييم الفعلي للمؤثرات المختلفة والشفافية التي تربط بينهما.
إن طموح التربويين للارتقاء بمستوى التعليم يزداد يوماً بعد يوم. وإن هذا الطموح هو الوقود الذي يبقي شمعة التفكير والعمل مضيئة باستمرار. وعند ترجمة هذه الطموحات إلى أفكار عملية ينبغي ألا تغيب عن الأنظار الأهداف الأساسية للتعليم، وما تنبني عليه تلك الأهداف من الأسس الدينية والمبادئ الاجتماعية والثقافية التي تميز هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات.
كما يجب أن يكون حاضراً دائماً عند التفكير في التطوير أن الإنجازات الأكاديمية، والأنشطة الفكرية في التعليم لا يمكن فصلها - بأي شكل من الأشكال - عن التطورات الاجتماعية والعاطفية والأخلاقية. وقد أكد عبد الحليم أحمد (من ماليزيا) هذه القضية عندما قال: "في الوقت الذي نتحدث فيه عن التعليم والتصنيع والتقدم، فإن علينا أن نركز على حاجة البشرية المتزايدة إلى المحافظة على القيم الروحية والأخلاقية. إننا بحاجة إلى "الكائن البشري بأكمله"، لسنا بحاجة إلى إنسان آلي أو آلة. إن الإسلام يركز على سعادة البشرية بأكملها، وعلى رفاهية المجتمع، وهذا ما يتعين على نظامنا التعليمي أن يهدف إلى تحقيقه" (ديفيز، ص، 78).
وقد هدفت هذه الورقة إلى التأمل في بعض الجوانب المرتبطة بمدرسة المستقبل فى الدول العربية . والتأمل ما هو إلا خطوة أولى من خطوات الإصلاح والتطوير التربوي، ومن ثم فهو عرضة للصواب والخطأ، ولكنه قد يكون الشرارة الأولى التي تشحذ التفكير الجاد في كيفية الوصول إلى الأهداف والنتائج الصحيحة، كما قد يكون النافذة التي تفتح على مشاهد جديدة تساعد في اكتمال الصورة ووضوحها.
ويمكن اختتام هذه الورقة بما بدأت به من التسليم بأهمية التطوير والإصلاح التربوي، وتقدير جهود جميع المصلحين والمفكرين، والباحثين والعاملين الذين يسعون إلى الرقي بمستوى التعليم الذي هو مفتاح الرقي بمستوى الأمم. وإن النافذة التي فتحتها هذه الورقة تصب في الهدف نفسه ولا تتعداه إلى غيره، وللتذكير باهم ما ورد فى هذه الورقة يمكن الإشارة إلى النقاط الآتية :-
1- إن تحديد الغاية للوصول إلى مدرسة المستقبل أمر تتطلبه مبادئ التخطيط السليم.
2- الوضوح في تحديد المفاهيم والأهداف المرتبطة بمدرسة المستقبل يقلل من أسباب الخلاف والاختلاف حول مدرسة المستقبل.
3- الواقعية في النظر إلى مدرسة المستقبل تساعد في تحقيق الأهداف المنشودة.
4- النظر إلى مدارس اليوم على أنها نواة مدارس المستقبل يساعد في تطويرها والنهوض بمستواها.
5- النظر إلى التقنية (والحاسبات الآلية بشكل خاص) على أنها وسيلة جيدة للتعليم والتعلم، ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة، كما أنها ليست -دائماً- الوسيلة الأفضل، يساعد في البحث عن بدائل أخرى، ووسائل جديدة تكون في متناول الجميع.
6- التركيز على المعلمين، وتطوير أدائهم التدريسي، وتدريبهم على استخدام التقنية بفاعلية يساعد في تحقيق أهداف مدرسة المستقبل.
7- التقويم المبني على الشفافية والوضوح والمصارحة لواقع التعليم اليوم يفيد في العمل على حل مشكلات مدارس اليوم وتطويرها لتتلاءم وحاجات المستقبل القريب.
المراجــع
المراجع العربية:-
- "المدارس التي نحتاج". (1423). (لم يذكر اسم المؤلف). تعريب: محمد بن شحات الخطيب، وفادي وليد دهان. مدارس الملك فيصل.
- آليات التخطيط الشامل للإصلاح التعليمي: وثيقة تعليمية من الولايات المتحدة الأمريكية. (1412). ترجمة: بدر الديب. الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج.
- جيتس، بيل. (1998). المعلوماتية بعد الإنترنت (طريق المستقبل). ترجمة عبدالسلام رضوان، سلسلة عالم المعرفة، يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، الكتاب رقم 231.
- الحر، عبدالعزيز. (2001). "مدرسة المستقبل". مكتب التربية العربي لدول الخليج.
- ديفيز، دون. (2000). التعليم والتدريب في القرن الحادي والعشرين. مقدمة كتاب: التعليم والعالم العربي: تحديات الألفية الثالثة. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
- ديفيز، دون. (2000). التعليم والمجتمع: نظرة مستقبلية نحو القرن الحادي والعشرين. الفصل الثاني من كتاب: التعليم والعالم العربي: تحديات الألفية الثالثة. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
- رسلان، عثمان عبدالمعز. (1420). دستور المعلمين. طنطا: دار البشير للثقافة والعلوم.
- ريل، مارجريت. (2000). التعليم في القرن الحادي والعشرين: التعليم في الوقت المناسب أم جماعات التعلم؟ الفصل الخامس من كتاب: التعليم والعالم العربي: تحديات الألفية الثالثة. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
- سبرينج، جيف. (2000). مدارس المستقبل: تحقيق التوازن. الفصل السابع من كتاب: التعليم والعالم العربي: تحديات الألفية الثالثة. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
- القباني، بكر. (1968). الإدارة العامة. القاهرة: دار النهضة العربية.
- المشيقح، عبدالرحمن بن صالح. (1422). رؤى في تأهيل المعلم الجديد. الرياض: مكتبة التوبة.
المراجع الأجنبية :-
- Criswell, L. (1996). Why education must change: Making education the center of our lives. [On-line]. Available: http://www.wd.psu.edu/dept/ae-insys-wfed/insays/esd/Need/LC_Why.html.
ساحة النقاش