المقدمة:
يعد الجانب الإنساني وإدارة الموارد البشرية موضوعاً هاماً، لأن الإنسان هو المسئول الأول والأخير عن الفشل والنجاح لأي شركة من الشركات أو مؤسسة من المؤسسات أو دولة من الدول. لذلك كان الاهتمام به وبإدارته وبتوجيهه وتحفيزه، من أهم الأمور التي تكاد تفوق أهميتها كل القضايا الأخرى المتعلقة بالمال والتكنولوجيا والهيكل والتصميم، وغيرها من الأمور الملموسة (Pfeffer, 1994).
تكمن في الإنسان معالم غير ملموسة كثيرة، فيصعب معرفة كنهه وعوالمه وأعماقه، وهو بحر من المواقف والانطباعات والغرائز والدوافع التي لا ترى، وتصعب ملاحظتها وتحتاج إلى من يسبر أغوارها، وقبل ذلك تحتاج إلى من يقف ويقدر أهمية التعامل معها.
إن القضايا المتعلقة بالبعد البشري كثيرة جدا، وإدارة الموارد البشرية موضوع معروف ومطروق في كتب الإدارة بأشكال كثيرة متعددة، تُجمع في مجملها على أهمية الاختيار والانتقاء ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتطوير الإمكانيات والتدريب والمحافظة على الموظفين وإعطائهم الحوافز والمكافآت المادية والمعنوية، إلى غيرذلك من أساليب التحفيز وتطوير الأداء والعلاقات العمالية.
لكنه يبرز من بين هذه القضايا موضوع ما زالت الإدارات العالمية في شركات العالم غربا وشرقا تتناوله بحذر مرات وبشكوك مرات أخرى وريبة أحيانا وباهتمام ورعاية أحيانا ثانية، وهو موضوع التمكين في الإدارة.
وما كان هذا الشك والاهتمام والريبة ليحدث لو أنّ الأمر متعلق بتطوير تكنولوجيا جديدة، أو في زيادة أرباح المنظمات أو الحصول على عدد أكبر من العملاء أو زيادة حصص المساهمين، أو غيرها من الأمور الملموسة التي لا تعد ولا تحصى.
ولكن عندما يتعلق الأمر بقضية سياسية كالسيطرة والنفوذ، فإن الصراعات لا تنتهي حتى بين الدول على النفوذ والسيطرة والقوة والسيادة. وموضوع التمكين هو موضوع نفوذ وإعادة توزيع لذلك النفوذ.
ولا يختلف الأمر لدى المؤسسات فقضية تمكين الإنسان بحق، معناها إعادة هيكلة مراكز القوى وإعادة توزيع للسلطة ولحقوق التصرف واتخاذ القرار. وهنا تصبح العملية صعبة ومعقدة أحيانا وتحتاج إلى تفكير وإعادة نظر. فتطبيق مفهوم التمكين في المنظمة يحتاج إلى تغييرات وتعديلات متعددة؛ منها سلوكية ونفسية وإدارية وسياسية وسلطوية، ومنها إعادة لهيكلة المنظمة كذلك.
وتثير بعض الدراسات شكوكا وأسئلة حول واقعية تطبيق مفهوم التمكين في الإدارة، وصعوبة تطبيقه على أرض الواقع، وعلى الرغم من هذه الشكوك فهنالك شركات عالمية ومؤسسات كبيرة وصغيرة بدأت تمارس هذا المفهوم وتطبقه، وتجد مردودا إيجابيا ليس على المستويات المعنوية (مثل رضا العاملين وولائهم) فحسب، بل على المستويات المادية مثل الأرباح والإيرادات كذلك.
وبالمقابل هنالك شركات ومؤسسات حاولت تطبيق المفهوم ولكنها فشلت، ولم تحقق النجاح المتوقع. وأخرى لم تحاول مستفيدة من تجارب الآخرين الفاشلة.
وفي الجانب الأكاديمي هنالك باحثون وعلماء استجابوا للنتائج الأخيرة، وأكدوا مثل Chris Argryis أنّ التمكين وهْم وخيال لا جدوى منه وآخرون كثر أكدوا عكس ذلك، أي أن التمكين هو أساس للتقدم والرقي والنجاح وعلى أنه واقعي، ويمكن تطبيقه وتنفيذه في منظمات الأعمال.
هذه الجدلية على المستوى الأكاديمي، وعلى المستوى الإداري، أي على مستوى المؤسسات وعلى المستويات المختلفة، تعطي أهمية خاصة في تسليط الضوء على هذا المفهوم، لمحاولة سبر أغواره بطريقة علمية، ومن ثم إبراز رأي موضوعي متكامل من خلال دراسة لعشرات الكتب ومئات المقالات الأكاديمية والعلمية التي تناولت الموضوع من جوانب وزوايا متعددة.