تتميز بيئة العمل في عصرنا الحالي بالتقلّب والتغيّر الحيويّ المُتسارع الذّي تزلزلت فيه أسُس الثوابت، و أفلتت فيه ملامح السكون و الاستقرارمن عقالها، و أصبح شِعار التغيير عقيدة و ممارسة و قيماً، بدأت تترسّخ في بيئة العمل المحيطة بنا شيئا فشيئا.
و لقد ساهم التطوّر التكنولوجي الهائل في السّنوات الأخيرة ِبدفع موْجة التغييرفي المنظمات إلى أقصاها حيث كشف هذا التطور عن ضعْف و اشكالية ادارة الموارد المادية و البشرية، واستدعى ذلك أساليب جديدة لمعالجتها بطريقة فعّالة، و ابتكار نوعيات جديدة من الأنماط والمناهج الإدارية الملائمة للأوضاع المستحدثة، كإدارة الجودة الشاملة و خلق منهج الادارة المفتوحة، و مديرين ينعتون بمديري التغيير و هم العناصر الذين يهتـمون بتوليد أفــكارالتغــيير و تطبيقه عمـليا، لمواكـبة إحداث هذا التغيير.
إذن فلا أحد يستطيع أن يتكهـّن بما يُخفيه المستقبل المخيف ممّا يجعل عملية التغيير وإعادة تشكيل المنظمات ضرورة لمواجهة المخاطر المتربصة، فبات لزاماً علينا التدخل الحازم لتطوير المنظمات و الوقوف على تشخيص نقاط الضعف و استيعاب المشكلات الطارئة لمعالجتها للمضي قدما نحو المستقبل.
فالمناخ الذي تعيش فيه المنظمات يخيم عليه الاضطراب و عدم الاستقرار، ممّا يهدّد كياناتها ووجودها. فقد شهد العالم كيف انتهجت المنظمات تَـبنِّي سياسة الاستراتيجيات والتحالف و الاندماج، و استخدام تقـنيات الانتاج و الاتصالات من أجل ضمان وجودها و اثبات كيانها.. و بما أن البيئة كثيرا ما تتحوّل و تتغير فإنّ هذه الاستراتيجيات ستظلّ عُرضة هي أيضا للتغييرو إعادة الهيكلة.
ولاشك أنّ لفظ التغيير سيبقى الشعار الاكثر تألقا وجاذبية لدى قطاع واسع من الناس وأصحاب القرارات، ذلك بعد أن رفعه رجال السّياسة لنيْل مكاسب انتخابية، أمثال توني بلير رئيس حزب العمال البريطاني السابق. كما رفعه مؤخرا الرئيس الامريكي باراك أوباما في حملته الانتخابية، بل إن دولا تتميز بالدكتاتورية تسارع هي أيضا لرفع هذا الشعار، وذلك ِلما وجدُوا في طيّاته من فعْل السّحر، وقدرة على تحريك المشاعر و كسْب أصوات الناخبين إضافة الى ما يحمله هذا اللفظ من معاني الحداثة التي تروق للجماهير الذين ملّوا الافكار التقليدية و مَجّوها.
و لا يُمكن للفظ التغيير أنْ يكتسب قدْره وجلاله الا اذا تحقق في الواقع وغدا عقيدة ومُمارسة، بل ثقافة مؤسّسية و تصوّرا استراتيجيًا و إنجازا عبقريا يرتقي بنا الى عالم رحْب من الإبداع. و إذا لم يكن التغيير بهذا الطّرح فإنّه لا يغدو أن يكون الا جُثثا مُحنّطة تفتقد إلى الرّوح. فمنظمات الأعمال المعاصرة تهدف إلى التغـيير و التطويروذلك عن طريق زْرع ِقيم وسلوكيّات جديدة واستخدام التكنولوجيا العالية، و تغيير الهياكل التنظيمية
وهذه العمليّة المُضنية، تتطلّب أسْلوباً قياديّا حكيمًا و اتخاذ قرارات صائبة و تكّيفا مع التحديّات المُحدقة في الأوقات المناسبة.