بعد أن فُقد بين شعابه المرجانية الكثيفة وُجد البحر عارياً ومجرداً من كرامته ومن سحنته الزرقاء يتناول طعام الغداء في مطعم شعبي في قلب العاصمة صنعاء، الشحاذة التي اعتاد الزبائن على وجودها عند باب المطعم تمد يدها في حياء وخفر متصنعين لم تتمكن من كبح جماح نفسها وظلت تختلس النظر إليه بدافع الفضول بداية الأمر ثم ما لبث الفضول أن تحول إلى شفقة مقيتة ولكن البحر كان شاردا تعتريه هموم كثيرة ولا يبدو أنه يكترث لأي شيء من حوله حتى حين جاء صاحب المطعم متكلفا الطيبة والإحسان وجاد له بمعوز رث وأعفاه من دفع ثمن الغداء لم يبد البحر أي امتنان لف المعوز حول خصره وذهب، لاح فاره الطول وسيما وجذابا ولكن الحزن كان يمور في عينيه ومد الألم وجزره لا يتوقفان عن رسم لوحة عذاب وضياع بدت جلية على سواحل وجهه، أشعل سيجارة وسار وحيدا في الشارع متجنبا العسكر ونقاط التفتيش خشية أن يكتشفوا خلو جيبه من الهوية التي انتزعها منه القراصنة وأحرقوها أمام ناظريه بعد أن سلبوه كل أملاكه وثرواته تموج في مقلتيه دمعتان فيلتقطهما بطرفي أصابعه مظهرا صلابته المعتادة في وجه الأنواء والعواصف يتساءل: هل سيعيد له الرجل الأول في هذا البلد كرامته المسلوبة، يهز كتفيه لا مباليا ويستمر في السير يغذ الخطى يكاد يقترب من هدفه، يستوقفه أحد الجنود يشهر بندقيته في وجهه طالبا منه إبراز هويته يضطرب البحر ويلوذ بالفرار.

المصدر: خالد الحيمي
kh-haimi

خالد الحيمي قاص

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 127 مشاهدة
نشرت فى 13 إبريل 2014 بواسطة kh-haimi

خالد الحيمي

kh-haimi
-خالد الحيمي 22 ديسمبر 1979 قاص وكاتب من اليمن حاز جائزة رئيس الجمهورية في فن القصة - اليمن له عدة إصدارات »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

8,836