احدى المطلقات
كتبت إيناس الشيخ
لا يختلف كثيراً عن باقى المنازل المتهالكة التى ازدحم بها شارع "أبو بكر الصديق" بإحدى حوارى إمبابة الضيقة، لا يدل مظهر البيت القديم على ما تحتويه جدرانه من حكايات طالما تندر بها أهالى الشارع عن "بيت المطلقات" كما أطلق عليه سكان المنطقة الشعبية البسيطة التى تابعت عاماً بعد عام حكايات "طلاق" ساكنات المنزل واحدة تلو الأخرى، ليتحول المنزل المكون من عدة طوابق إلى "عمارة المطلقات" التى اشتهرت بقصص طلاقهن بداية من الأم إلى الحفيدة الكبرى.
بدأت الحكاية عندما قررت "أم رمضان" أو "كبيرة عيلة المطلقات" أن تحسم أمرها بشأن زوجها الذى توقف عن الإنفاق عليها وترك لها مشقة تدبير قوت اليوم، فكان قرارها الحاسم برفع قضية "خلع" بالرغم من سنوات عمرها التى تجاوزت الخمسين فى ذلك الوقت، وبعد أن ترك زوجها المنزل "مخلوعاً" توالت قصص الطلاق على بناتها واحدة تلو الأخرى.
"مبيصرفش على البيت يبقى ميلزمنيش" هكذا حكت "أم رمضان"، أو "أم كلثوم أحمد" حكايتها بصوت واهن من فوق كرسيها المتحرك بعد أن انتهت من تربية الفتيات والصبية وتجاوز عمرها الستين عاماً.
"مكنش ليه لزمة عندى ومتجوز عليا، وكل ما أجى أغير بطاقة التموين لازم هو إللى يمضى، فقررت أمسحه من السجل المدنى بتاع حياتى وخلعته!" تحكى "أم رمضان" بخفة دم عن حكايتها مع الخلع وبداية قصة بيت المطلقات.
"نبيلة" التى تزوجت فى سن الثالثة عشرة لم تكن أفضل حالاً من والدتها، بعد أن أنجبت طفلتين ليترك لها زوجها مسئولية الإنفاق عليهما ويتزوج بأخرى، وتحتل نبيلة الشقة التى تقع أسفل شقة والدتها.
"اشتغلت كل حاجة، وقفت فى محلات هدوم، وكافيتريات فى وسط البلد، واشتغلت مضيفة فمطاعم، وعاملة ففنادق، المهم أرجع لعيالى بلقمة ياكلوها وأحوشلهم مصاريف تضمنلهم مستقبلهم" تكمل "نبيلة 44 عاماً: تعبت فحياى أوى وأبو العيال عمره ما سأل عليا".
الحكاية الثالثة والتى حصل بها المنزل القديم على لقب "عمارة المطلقات" كانت حكاية "إيمان" شقيقة نبيلة التى لاقت نفس المصير بعد أن طلقها زوجها نتيجة لمرضه وعدم قدرته على إعاشة أسرته الصغيرة التى تركت منزل الزوجية، وانتقلت ل"بيت المطلقات" الذى بدأ أسمه فى إثارة العبارات الضاحكة بين سكان الشارع.
أما الواقعة التى أثبتت "نحس البيت" عن جدارة فكانت حالة "نسمة" الابنة الكبرى "لنبيلة"،والتى انضمت لقائمة مطلقات "المنزل" بعد مرور ستة أشهر فقط من زواجها، تركت بعدها منزل زوجها، وعادت للحياة مع باقى سكان البيت الذى ذاعت شهرته بالمنطقة كأغرب منزل "للسيدات فقط" ممن لم يجدن حظاً فى الزواج، وضربن مثلاً بزيادة معدلات الطلاق، بعد أن جمعن منه عددا لا بأس به من قصص الطلاق الذى يترك الكثير من سيدات مصر أمام هموم إعانة ما تركه لهن الزواج من أطفال، وفرص ضئيلة لعمل يرفضه المجتمع بنظرة قاسية للمطلقة التى تعود لمنزل أهلها.