1- لا تنتظر استكمال الحصول على أدوات الكتابة الجيدة حتى تبدأ بالكتابة، بل ابدأ فوراً، فإنّ من الوسائل التي تصنع الكاتب الجيد ممارسةَ الكتابة، أي أن طريقك إلى احتراف الكتابة وإتقانها يمر بالضرورة عبر الكتابة نفسها، تماماً كما أن احتراف ركوب الدراجة أو السباحة -مثلاً- يكون بممارسة السباحة والإكثار من ركوب الدراجات.

2- اكتب كلما شعرت أنك راغب في الكتابة أو أن في ذهنك موضوعاً يستحق أن يُكتب فيه، لكن لا تتسرع بالنشر، بل "خَمِّرْ" كتابتك أياماً حتى تتأكد من مناسبتها للنشر، فإذا بدا لك بعد ذلك أنها مناسبة فانشرها في المنتديات والمواقع التي تلائمها، وإذا رأيتها غير صالحة للنشر العام فاحفظها في مجلد كتاباتك الخاصة، فإن المرء يكتب لنفسه كما يكتب للناس، وسوف يسرّك أن تعود إلى كتاباتك المبكرة فتقرأها ذات يوم.

3- الذين يكتبون في أكثر المنتديات لا تعدو كتاباتهم أن تكون رَصْف كلمات، فلا تصنع مثلهم، بل اكتب -حين تكتب- كتابة ذات معنى. والمعيار في تمييز الكلام النافع من الكلمات المتراصة هو في وجود فكرة واحدة مفهومة ونافعة (على الأقل) في الموضوع، فإذا انتهيت من الكتابة فأعد قراءة ما كتبته أو اعرضه على أخ أو صديق، فإذا استطعت أو استطاع الخروج بمثل هذه الفكرة فالكتابة ناجحة، أما إذا كانت النتيجة: "هذا كلام جميل، ولكن ماذا تريد أن تقول للقارئ؟" فاعلم أنك إنما رصفت كلمات ولم تأت بشيء، فلتكن تلك إذن كتابة تجريبية أو من باب التمرين على الكتابة، ثم ألقها جانباً ولا تنشرها وفكر في أمر آخر تكتب فيه.

4- يمكنك أن تنشر باسم مستعار وأنت مطمئن، فلن يلصق بك هذا الاسم إلا إذا قررت أنت التشبث به والمحافظة عليه. نعم، لقد عرف عالم الأدب والكتابة مؤلفين كباراً أمضوا حياتهم وهم يكتبون بأسماء مستعارة، لكنهم صنعوا هذا لأنهم أرادوه لا لأنهم انجرّوا إليه بحكم الابتداء، ومن الأمثلة المشهورة الروائي الأميركي المعروف مارك توين، فهو اختار هذا الاسم لطرافته وسهولة تذكّره مقارَنةً باسمه الأصلي، صاموئيل كليمنز. وقد يختار المؤلف اسماً مستعاراً ليخفي شخصيته الأصلية، كما فعل جورج أورويل (صاحب الرواية المشهورة "مزرعة الحيوانات") واسمه الأصلي إريك بلير، أو أماندين دوبين التي أرادت أن تخفي أنها أنثى فكتبت باسم جورج صاند. أما أشهر مؤلفة للروايات البوليسية في العالم، أغاثا كريستي، فقد نشرت أكثر أعمالها باسمها الأصلي، لكنها استعملت اسماً مستعاراً (ماري وستمَكوت) حينما أرادت نشر روايات اجتماعية غير بوليسية، وذلك حتى يبقى لاسمها الأصلي ارتباطه المتين بالروايات البوليسية حصراً.

 

إذن يمكنك أن تبدأ بالكتابة باسم مستعار، فإذا انقضى وقتٌ كافٍ وشعرت أنك تمرست في الكتابة وملكت ناصيتها فاطرح عن نفسك هذا الاسم واظهَرْ للناس باسمك الأصلي.

5- أهم ما ينبغي على المرء فعله ليصبح كاتباً جيداً هو القراءة الجيدة، الجيدة من حيث أسلوب كاتبها ومن حيث جودة محتواها. فاقرأ ما استطعت، وتخيَّرْ كتابات البُلَغاء من القدماء والمحدثين. اقرأ للقدماء حتى تمتلك زمام الفصاحة، وإن شئت الاقتصادَ في الوقت والنجاةَ من التشتت بين المؤلفين فاقرأ كتاباً جامعاً من المختارات الأدبية، وهذا الباب في أدبنا مزدحم بالتآليف، كالعقد الفريد وعيون الأخبار وما في بابَتهما. وإن شئتَ أن اختار لك واحداً منها فليكن "البصائر والذخائر" لأبي حيان، فهو متوسط في حجمه (إذ يقع في خمسة مجلدات فقط)، ثم إنه يتميز من أمثاله من المجاميع الأدبية في تدخل مؤلفه المتكرر في مادته، فهي ليست جمعاً للنصوص الراقية والنوادر والأخبار فقط، بل إن فيها كثيراً من التعليقات النافعة واللفتات الفريدة التي تدل على عقل أبي حيان الكبير ولغته العالية. أما عيب الكتاب (ولا يخلو عمل بشري من عيب) فهو اضطراب تنظيمه وتداخل مادته، فإن أبا حيان لم يكلف نفسه عناء ترتيب مواد الكتاب كما صنع -مثلاً- ابن قتيبة في "عيون الأخبار" وابن حمدون في "التذكرة" والزمخشري في "ربيع الأبرار"، إلخ، بل ركم مادّةَ كتابه بعضَها فوق بعض، فصار الكتاب فصلاً متصلاً من أوله إلى آخره بلا تبويب ولا تنظيم. وفي السوق طبعة ممتازة من هذا الكتاب بتحقيق الدكتورة وداد القاضي وإشراف الدكتور إحسان عباس، وقد نشرتها دار صادر في لبنان.

ثم اقرأ للمعاصرين من الكتّاب حتى يبقى أسلوبك قريباً مما يألفه الناس من أساليب فتكون أقرب إلى الفهم والقبول. أنصحك -على سبيل المثال لا الحصر- بقراءة مؤلفات المنفلوطي (النظرات والعبرات وسائر الروايات) والرافعي (وحي القلم) والزيات (وحي الرسالة) وأحمد أمين (فيض الخاطر)، واقرأ كتب الشيخ علي الطنطاوي فإن فيها كثيراً من الأدب ومن الفائدة، وهي تجمع بين الأسلوب العالي والالتزام الأخلاقي والإسلامي.

 

6-  سوف تصقل أسلوبك وتمتلك أدوات الكتابة الراقية بعد تلك القراءات، لكن الكتابة ليست فقط أسلوباً وكلمات متراصّات (كما قلت لك آنفاً)، بل لا بد من أفكار تدور الكتابة حولها وإلا صارت لغطاً لا خير فيه. وقد قلت لك إن مَن أراد أن يكون كاتباً جيداً فعليه أن يقرأ قراءة جيدة، ولا شك أنك ستجد الكثير من الخير لو أنك قرأت ما نصحتك به قبل قليل، لكنك بحاجة إلى توسيع قاعدة القراءة لتصبح كاتباً جيداً، وقد قلتَ في سؤالك إن اهتماماتك متنوعة، وذكرت فيما ذكرت الثقافة الشرعية، فأنت لست غريباً عن مواردها إذن. لا أدري ما الذي تقرؤه من الكتابات الشرعية حالياً، لكني سأنصحك بأن تركز قراءتك في باب الشروح والتفاسير لأن مادتها واسعة ومتنوعة، وسوف أقترح عليك أن تبدأ بقراءة تفسير كبير هو القرطبي، وشرح وسيط هو شرح النووي على صحيح مسلم. اخترت لك هذا الشرح وهذا التفسير على التحديد لتبدأ بهما لأن في أسلوبهما ترسلاً ينفعك في تنمية أسلوبك، ولأن في مادتهما العلمية تنظيماً وتبويباً ييسر لك قراءتهما. وليس شرطاً أن تقرأ الكتابين جميعاً، بل اقرأ ما يشدّك فيهما، فلا حرج أن تقفز فوق مادة لم تستهوِك لتصل إلى أخرى أقرب إلى قلبك، ولا تحمّل نفسك ما لا تطيق من العبء بل اقرأ ما تيسر، ولو أنك قرأت مثل هذه الكتب في العدد من السنين فسوف يظل هذا إنجازاً محموداً وعملاً نافعاً 

 

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 438 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

234,923