يعرف معجم مصطلحات الإعلام  الكتابة للإذاعة بأنها: "الكـتابة باللغـة الـتي يستعملها الناس عـادة، والتـي تتـمـيز بالإيـجاز، والوضوح، لإثارة اهتمام عامة الناس، كما تكتب للحديث، لا للقراءة ".


وكما يقول "أدوين واكين " في كتابه "مقدمة إلى وسائل الاتصال": فإنه في حالة الراديو، تحل الأذن محل العين، ونرتد إلى الكلمة المنطوقة. صحيح أن جميع العبارات المذاعة، تقرأ من نصوص مكتوبة، ولكنها معدة بحيث يصغي إليها الجمهور، وليست معدة للقراءة، وإذ يتلقى المستمع الرسائل الـمذاعة، فإنـها لا تلبث أن تنقضي سريعًا، وتزول بمجرد سماعها. فالكلام المنطوق -على نقيض المطبوع- لابد له من أداء مهمة الاتصال من اللحظة الأولى، فالكلام حـين يكتب، ويدون، يـمكن قراءتـه، وإعـادة قراءته، أما حين ينطق به فهو يتلاشى ".

ويقول الأستاذ فيرنون أ.ستون: "لعلك تجد في كتابة الأخبار للراديو أو التلفزيون تغييرًا عن الكتابة للصحف، فالنسخة التي تكتب خصيصًا للإذاعة،تتطلب التعبير الذي قد يكون طبيعيًا بالنسبة لك، أقصد أسلوب الكلام اليومي المعتاد، ونحن نتعلم الكلام قبل أن نتعلم الكتابة، ونتكلم أكثر كثيرًا مما نكتب خلال عملية التفاهم اليومي مع غيرنا من أبناء المجتمع.. غير أن الكلمة غالبًا ما تفقد طبيعتها عندما يفكر الكاتب في الأعمدة المحدودة المساحة، والقواعد الصحفية المتخلفة عن عهد غابر، بينما يفكر الكاتب الذي يكتب للإذاعة والتلفزيون -بدلاً من ذلك- في الكيفية التي سيكون عليها وقع الكلمات، وتكويناتها، على أذن المستمع.. والقاعدة هي أن تنطق الأخبار وأنت تكتبها ".

تتميز لغة الإذاعة بالوضوح، والاقتصاد، والسلاسة، حتى يمكن أن تصل إلى الجمهور من المستمعين في وضوح يساعد على الفهم والمشاركة في تتبع المضمون.. ومن جهة أخرى كان على هذه اللغة المذاعة أن تراعي أن من أصول الإلقاء الإذاعي تقدير القيمة الصوتية للألفاظ، والتدقيق في استخدامها، وفي معرفة وقعها الحقيقي على الأذن.. وفي ذلك كله، ما يتجه بهذه اللغة المذاعة إلى الاقتصاد في عدد الألفاظ، والاقتصار على القدر المطلوب لتحقيق الفهم والمشاركة

ويتمثل الأسلوب الإذاعي، بالمقارنة مع البلاغة المكتوبة، في شخصية الإذاعي، في بنية جملته، واختيار ألفاظه.. في نبرات صوته.. في إلقائه، وخفة النكتة، والبشاشة التي تصدر من كلمته وابتسامته (عبر الميكروفون )

ملاءمة العربية للأسلوب الإذاعي:

لا يختلف اثنان في أن اللغة العربية تعتبر من أهم اللغات العالمية ملائمة للأسلوب الإذاعي، فقد شكل الشعر العربي النموذج الأمثل في جدلية المشافهة، وكما يقول الشاعر: "والأذن تعشق قبل العين أحيانًا ".. كذلك يتيح ثراء اللغة العربية للصحفي الإذاعي بأن يعرض مادته، وفق الأسلوب الأكثر سحرًا ووضوحًا، يقول الأستاذ "بيثر ويليت "، أحد رواد الأخبار الإذاعية في الولايات المتحدة الأمريكية: "إن المستمع يستنجد بخياله الخاص، لتصوير المنظر، والمخبر الإذاعي الممتاز هو الذي يستطيع أن يصور المنظر بنفس الدقة والإتقان اللذين يلتزمهما المصور، فعلى المخبر الإذاعي أن يرسم بالكلمات صورًا حية ".

ويسعى رؤساء التحرير في محطات الإذاعة والتلفزيون في العالم بصفة مستمرة إلى مراجعة المادة الإخبارية، حيث يكون اختيارهم للكلمات مقصودًا، وقائمًا على دراسة دقيقة لطبيعة اللغة المستخدمة، والإطار الدلالي للألفاظ، أو مدى ما تحدثه من تأثير.

لقد كان الإعلامي الأمريكي "أودين نيومان "، بمحطة إن بي سي، ينكب على النصوص المكتوبة، يحذف العبارات المبتذلة المستهلكة والكلمات الزائدة (الحشو )، بهدف الوصول إلى أسلوب مقبول مصقول (سلس

وتتكون المادة الإعلامية الإذاعية عمومًا من عدة عناصر، وهي الكلمة الـمنطوقة، والمؤثرات الصوتية، والموسيقى، والحضور الإنساني المباشر.

ويشترط في اللغة المنطوقة، أن تتسم بالشمول، والسرعة، والمباشرة، والواقعية، وأن تستخدم أقل عدد ممكن من الألفاظ، للتعبير عن أكبر عدد ممكن من الأشياء، في وضوح وبساطة، وإيجاز، وتأثير

هناك فروق جوهرية بين الكتابة للعين، والكتابة للأذن، فمعالجة الخبر الإذاعي، تتطلب الأخذ باللغة السهلة المبسطة، والاعتماد المباشر على أسلوب التخاطب والحوار

يقول مؤلفا كتاب (3) (L,information radiotelevise ) هناك حدود لما يقوله صحافيو الإذاعة والتلفزيون، وأن غالبية هذه الحدود مفروضة، ليست بالقانون ولكن بالوقت وبالقدرة على اجتذاب الجمهور.. وتـحديات الوقت تفرض على الأخبار الـمذاعة والـمتلفزة، قيدين هامين:

أولاً: إن صحافيي الصحافة المنطوقة، مجبرون على اختصار أخبارهم، بحيث لا يمكنهم التطرق إلى كل مواضيع الأحداث، التي تتناولها الصحافة المكتوبة، ثم إن تحقيقاتهم لا تتضمن الكثير من التفاصيل، كما هو الشأن في الصحافة المكتوبة.. ويتمثل القيد الثاني في: صعوبة الوصول إلى أحسن نتيجة من خلال حصر وضغط الكتابة.. ومن هنا فإن الجمهور لا يمكنه الحصول على أكبر قدر من المعلومات انطلاقًا من الاستطلاع الإذاعي، أو التلفزيون، أي من خلال استطلاع مكتوب بطول قصير جدًا.

ويسدي الباحث الإعلامي الأمريكي "فيرنون " نصيحته الآتية إلى الصحافي العامل بالإذاعة، الذي يستخدم برقيات وكالات الأنباء، أو تقارير الصحف: لاتنقل كالببغاء أي قصة إخبارية في برقيات وكالات الأنباء، أو الصحف، ولكن اقرأ الموضوع بطريقتك الخاصة، وقصها بكلماتك أنت، دون أن تستخدم النسخة -المصدر- إلا كمادة خام فحسب، ولعل كثيرًا مما يدعى (نسخًا أعيد تحريرها )، ليس في الواقع أكثر من مقتطفات (أعيد نسخها ).

إن العربية باستطاعتها التأقلم مع أي أسلوب إذاعي أو تلفزيوني، نـظرًا لـثراء مـفرداتـها وتنـوعها، وقــوة تـعبيرهـا، وصـدى كلماتها، وما نلاحظه -اليوم - من قصور في اللغة المذاعة عندنا، يعود إلى الصحفيين أنفسهم، الذين لا يتحكمون في اللغة، أو في فنيات الكتابة، التي يقتضيها الاتصال الإذاعي الناجح. والأكثر فظاعة في الأمر أن هناك من يجعل من اللغة العربية كبش فداء لنقائص الصحفيين، ويوصمها ظلمًا وزورًا بعيوب هي بريئة منها.

هذا الواقع يفرض على القائمين على الوسائل السمعية البصرية، الناطقة بالعربية، ألا يتركوا أمر الأسلوب للصحفي وحده، لأنه من النادر أن تجد صحفيين إذاعيين يكتبون نصوصًا لا تحتاج إلى مراجعة وتصويب وصقل.

قام أحد أعضاء مجمع اللغة العربية بسوريا، بدراسة خمس نشرات من نشرات الإذاعة السورية، خلال يناير1983م، ثم قدم نقدًا للغة الخبر الإعلامي قائلاً: "إن الخبر أول ما يقصده قارئ الصحيفة، أو المستمع إلى الإذاعة، فوجب أن تكون العناية به صوغًا وأداء، من حيث سلامة لغته، وجودة أدائه.. وإذا كان لكل فن بلاغته فبلاغة الخبر هي في سرعة وعي القارئ أو السامع دون عناء، باللفظ السهل الموجز، الخالي من التزويق، أو التفخيم، أو الابتذال، وألا يثقل الخبر بالعواطف السلبية، أو الإيجابية "

ويضيف قائلاً: "تُعنى الـجملة العربية بالـحدث قبل المـحدث، لذلك كـثيراً ما يتصدرها الفعل، وحين تقوم أغراض بلاغية تدعو إلى العناية بالمـحدث أولاً، فإنهـم يقدمـونه، وهــذا طـبعًا غـير وارد في الأخبار.

وقد كثر الخروج على هذه البدهية في الأخبار، فكثيرًا ما نسمع في نشرة الأخبار "الرفيق فلان... [وبعد ثماني كلمات] يقول في جريدة النهار... ولو بدأ بالفعل "قال الرفيق فلان في جريدة النهار" لكان أقرب إلى طبيعة العربية "

بناء القصة الخبرية في الإذاعة:

ليس ثمة بديل للأسلوب المباشر للجملة، ولبناء القصة الخبرية.. وعندما تكون القصة الخبرية مكتملة في ذهنك، فينبغي عليك عندئذ أن تحكيها بطريقة مباشرة، وعليك أن تتجنب استخدام الجمل الاعتراضية، أو شبه الجملة في بداية الجملة (...)، وينبغي أن تجذب المقدمة (مقدمة الخبر ) الاهتمام إلى العنصر الرئيس في القصة الخبرية، ولا ينبغي أن تـحشوها بحـقائق عديدة، ولا تحاول حشد العناصر الخمسة وهي: (من، أين، متى، لماذا، كيف ) في المقدمة، لأنك بذلك تفقد أذن المستمع، عن طريق تحميله بما لا يطيق

إن الخبر المذاع كتب ليسمع، ولهذا فإن صياغة أخبار الإذاعة تتجه إلى إحداث الأثر السريع، بالعرض المباشر، والكلمات المؤثرة، والجمل القصيرة المقتضبة، والفقرات القصيرة، والكلمات المنتقاة بعناية.. ويوضع الخبر الإذاعي والتلفزيوني إذن في أقصر صيغة، ليؤدي المعنى في أقصر وقت، فالمطلوب لهذا الخبر مباشرة أكثر، وتركيزًا أعمق، وبساطة أوضح.

وبدوره، فإن الخبر التلفزيوني أقصر من الخبر الإذاعي، إذ أن الصورة تكمل الخبر.. وهناك قاعدة عامة للخبر التلفزيوني، هي أنه ما دامت الصورة تكمل الخبر، فلا يجوز إذن أن يتعرض للتفاصيل، حتى لا يوزع انتباه المشاهد بين الصوت والصورة، ومن الأهمية ربط الرواية بالصورة، أي أن تسير الكلمة المذاعة جنبًا إلى جنب مع الصور المرئية

إن للكلام في الصورة الفيلمية مهمة التوضيح، وإتمام المعاني، وبخاصة في الأفلام الإخبارية الوثائقية، أو التربوية، أو التاريخية، وفي مجمل الأفلام الأخرى الموجهة إلى طبقة معينة من الناس، تتمتع بقدرة متوسطة على الاستيعاب والإدراك والتفسير.. إن تصوير إعصار ضرب إحدى الولايات الأمريكية، لا يعطي محصلته الإخبارية إذا لم يشر فيه إلى المكان والزمان ومقدار الخسائر المادية وعدد الضحايا ومسار الريح ونتائجها المرتقبة... الخ

وبما أن الإعلام السمعي البصري، يشكل المصدر الأساس للإعلام والـمعرفة في المـجتمع ذي الأمـيـة والفئات المتمدرسة، التي لا تتقن العربية، وتتنوع فيه اللهجات، فإنه يمكن أن تُستغل الإذاعة والتلفزيون من أجل تعزيز الرصيد اللغوي للأفراد، ومنحهم الفرصة لاستيعاب الألفاظ الجديدة، ونطقها النطق السليم.

وتشير دراسات لغوية عديدة إلى أن لغة تلاميذ المراحل الأولى من التعليم هي مزيج مما يسمعونه في الإذاعة والتلفزيون، وفي الحديث اليومي، وكذلك في المؤسسة التعليمية، وبذلك لم تعد المدرسة تحتكر عملية إثراء الرصيد اللغوي للتلميذ. وهذا الواقع يفرض على القائمين على المؤسسات الإعلامية السمعية البصرية أن يحرصوا أشد الحرص، عند استخدامهم العبارات، والألفاظ في تبليغ الأخبار والمعلومات.

الوسيلة والأسلوب:

وهكذا، فبالإضافة إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أثر الوسيلة الإعلامية في صوغ الأساليب، ينبغي أن يوجه الاهتمام إلى اللغة ذاتها.. وفي هذا السياق نرى ضرورة ما يأتي:

1- الحرص على سلامة اللغة، واحترام قواعد النحو والصرف.

2- محاولة توظيف من العامية، الألفاظ التي هي من أصل اللغة العربية والتي بدأ يأفل استخدامها.

3- العمل على إدخال كلمات من صلب اللغة العربية، ووضعها في جمل، من أجل توليف الاستئناس بها، وجعل المستمع يعي سياق توظيفها التوظيف السليم.

يعمل بعض الإعلاميين -اليوم - على إغراق لغة الإعلام المسموع في التبسيط الشديد، بحجـة مسايرة التـطـورات الـجارية في المـجالات كافة، بـما فيها تطـور اللغة، غير أنه -في اعتقادي- من الـخطأ مجـاراة مثل هــذه الأفــكار الـتي ستفضـي إلـى تغـذيـة روح الرفض للألفاظ الفصيحة، والألفاظ القرآنية بالـخصوص، لأنها -كما يزعمون- ليست من طبيعة العصر.. ومن هذا المنطلق أرى أن استخدام أحد صحفي إذاعة عالـمية للفظ {في يوم ذي مسغبة}، للتعبير عن المجاعة والفقر في الصومال، قد أتاح للغة القرآن سبيل ذيوعها، كما أحيا لفظها.

وكذلك يمكن استخدام عبارة: (وضعت الحرب أوزارها )، إذا كنا بصدد الحديث عن نهاية حرب من الحروب.

إذن، فإن التزاوج بين الألفاظ القديمة والحديثة في اللغة المذاعة أمر من الأهمية بمكان، بشرط أن يتم وفق رؤية واضحة وتوظيف واع.

كما تعتبر لغة الإعلانات المذاعة، خادمًا قويًا لإثراء لغة المستمعين، حيث تلقنهم عبارات وجملاً ترن في رؤوسهم كلما شاهدوا منتجًا من المنتجات معروضًا سواء في الشاشة، أو في الواقع.

كان على اللغة المذاعة، أن تراعي أن من أصول الإلقاء الإذاعي تقدير القيمة الصوتية للألفاظ، والتدقيق في استخدامها، وفي معرفة وقعها الحقيقي على الأذن، وفي ذلك كله ما يتجه بهذه اللغة المذاعة إلى الاقتصاد في عدد الألفاظ، والاقتصار على القدر المطلوب، لتحقيق الفهم والمشاركة

إن لغة الإذاعة هي اللغة المنطوقة المجهورة، التي نتوسل بها في الإعلام وصوغ العالم على النحو الذي يجعلها قسمة شائعة بين أفراد المجتمع جميعًا

تعلم فن المحادثة:

ولئن كانت الصحافة قد دفعت باللغة المشتركة خطوات واسعة إلى الأمام على النحو المتقدم، فإن الإذاعة، وهي صحافة مسموعة، ستكون عظيمة الأثر في زيادة الثروة اللغوية بين عامة الشعب، وفي توحيد نطق المفردات، وفي التقريب بين اللهجات، وليس من المستبعد أن تنجح في إحلال الفصحى المبسطة محل العامية السائدة، ومن ثم تصبح رموزًا صوتية، بالنسبة إلى كاتب أنباء الإذاعة، بدلاً من أن تتخذ شكل رموز بصرية

إن الإذاعة والتلفزيون، يمكنهما خدمة اللغة العربية بالأنباء والحصص الترفيهية والعلمية، والرياضية، والفيلم، والمسرحية...

ويـمكنهما أيضًا أن يكونا بمثابة الدرس التطبيقي أو المسرح، فـي الـتـعـامل مـع اللـغـة العربيـة، توظـيفًا، ونطـقًا، وإبـداعًا، وإحـياءً أو تجديدًا.

وكذلك يمكنهما أن ينجحا في توحيد العاميات، في لغة مشتركة، لا تفرط في اللفظ القديم، ولا تجاري كل جديد حديث، ولكن تكون بين ذلك قوامًا.

ويقترح الباحث الجزائري الحاج صالح، تنظيم دورات تدريبية للمذيعين، وكل الذين يشافهون الجمهور، من خلال الإذاعة والتلفزيون، لتدريبهم على التمييز بين الأداء الاسترسالي، الذي يجب أن تكون عليه المائدة المستديرة والمناقشات غير الأكاديمية، وكذلك لغة المسرح، والأفلام، التي تحتل واقع الحياة، كما يعوَّد المذيعون على استعمال الرصيد اللغوي العربي حتى تتوحد اللغة.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 628 مشاهدة
نشرت فى 20 ديسمبر 2011 بواسطة ketaba

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

233,750