قد يظن كثــيرون أن نظــام الكتـــابة في لغات العالم متماثل، بالرغم من اختلاف اللغــات فيما بينها، في نحوها وصرفها ومعاني ألفاظها. غير أن الواقــع يدلنا على أن هناك حالياً نظمًا ثلاثـة بيَّنَها علماء اللغة المحدثون(1). فلننظر فيها لنرى موقع الكتابة العربية ونعرف، من ثم، ميزة النظام الذي تستعمله العربية.
أ- النظام الألفبائي Alphabetic System
يقوم هذا النظام على أساس إعطاء مقابل مكتوب (أي:حرف) للصوت المنطوق. فإذا نطق المتكلم بكلمة مَلِك (المؤلفة من صوت الميم المتبوع بصائت قصير هو الفتحة ثم بصوت اللام المتبوعة بصائت قصير هو الكسرة ثم الكاف) فإن الكلمة المكتوبة تجسِّد أو تمثِّل خطّيًا الأصوات المنطوقة، مع وجود تلازم أو ترابط (تفرضه الجماعة اللغوية) بين تلك الحروف المكتوبة والأصوات المنطوقة. فإذا تغيّر ترتيب الأصوات المنطــوقة نفســها، تغيــر ترتيب الحروف بما يعبر عن ذلك التغيير. فإذا قَلَب المتكلم اللفظة السابقة ونطق بكلمة (كلم) فإن الحروف تجاري ذلك القلب الذي جرى في ترتيب الأصوات. ويكاد الأمر يشبه أرقام الهاتف: ففي وسعنا استحداث أرقام جديدة من أرقام محدودة (من صفر-9)، وذلك بإعادة ترتيب الأرقام. ولهذا السبب نجد في اللغات التي تتبع هذا النظام عددًا معينًا من الحروف (كأن يكون عشرين أو ثلاثين حرفًا)، يستطيع أن يستوعب ألفاظًا ينيف عددها على عشرات الآلاف.
تتبع العربية وأكثر اللغات هذا النظام، لمحاسنه الكثيرة التي نوّهنا بها. وقد عمد الألسنيون الذين دونوا اللغات المكتشفة حديثًا في هذا القرن، مما لم يكن لها نظام كتابي أصلاً بسبب أمية الناطقين بتلك اللغات، عمدوا إلى استخدام هذا النظام دون النظامين الآخرين.
ب- النظام المقطعي: Syllobic System
خلافًا للنظام الألفبائي الذي يعطي رمزًا كتابيًا للصوت المفرد في الكلام، نجد النظام المقطعي يعطي رمزًا كتابيًا للمقطع الواحد، لا للصوت الواحد. وبغية توضيح المقصود بالمقطع، من غير الدخول في تفاصيل دقيقة لا مجال لها في هذا الكتاب(2)، يمكن القول: إن المقطع يتألف (عادة) من صامت (حرف صحيح) أو شبه صائت (حرف علة متحرك) متلو بصائت (حركة، أو حرف علة ساكن)، وقد يأتي بعد الصائت حرف علة، أو صامت أو صامتان. فقولنا: (كَتَبَ) مؤلف من ثلاثة مقاطع: كَ، تَ، بَ، كل مقطع مكون من صامت متلو بحركة. وقولنا: (وَلَدان) مكون من المقاطع الآتية: وَ، لَ، دان، (إذا سكّنا النون)، فالمقطع الأول مؤلف من شبه صائت وصائت قصير، والمقطع الثاني يحوي صامتًا متلوًا بشبه صائت، والمقطع الثالث يتألف من صامت وصائت طويل وصائت ساكن.
يتضح مما سبق أن الكلمة العربية (كَتَبَ) مثلاً تكتب بثلاثة رموز لاحتوائها ثلاثة مقاطع. وقد استعملت بعض اللغات القديمة هذا النظام، علاوة على استخدام اليابانية الحديثة لهذا النظام جزئيًا.
جـ- النظام الفكري: Ideographic System
يختلف هذا النظام اختلافًا كبيرًا عن النظامين السابقين، لأن الكلمة المكتوبة وفقًا لهذا النظام لا تمثل (أصوات) الكلمة المنطوقة، وإنما تشير إلى الفكرة أو المفهوم.
فإذا ما استطعنا تقطيع أصوات كلمة (ملك) في النظام الألفبائي وتتبعنا ذلك التقطيع في الأحرف المستعملة لكتابة الكلمة نفسها، فإن الأمر يختلف كل الاختلاف في النظام الفكري، إذ لا يمكن اتباع الخطوات نفسها. ولعل خير مثال على ذلك هو العلامة (+) التي نستخدمها في الوقت الحاضر.
فإذا اتفقنا على أن الفكرة التي يحملها هذا الرمز هي (زائد)، فلن نتمكن من تحليل أو تقطيع هذه العلامة (أي +) لتتطابق أو تمثل الأصوات المكوِّنة لكلمة (زائد)، كما فعلنا مع كلمة ملك العربية.
والملاحظ أن هذه العلاقة يمكن أن تنطق بأشكال متعددة، فعلاوة على كلمة (زائد) يمكن أن ندل عليها بالكلمات: موجـــب، فضــلاً عـــن، عــــلاوة على، فصاعــدًا ...إلخ. ومن ثم تنعـــدم العــلاقة انعــدامًا كامــلاً بين نطق هذه الكلمات وتلك العـــلامة. ومن الأمثــلة الأخــرى العـــلامات: =، -، ¢ إلى غير ذلك.
تعد اللغة الصينية خير ممثل لاستخدام هذا النظام الكتابي(3)، وهي لغة ربع سكان العالم.
ولا ريب أن موازنة عجلى بين هذه النظم توضح تفوق النظام الألفبائي، ذلك أن اللغة تستوعب به -برموز قليلة- أصوات اللغة، وخاصة الأصوات المهمة في تغيير المعنى، في حين أن النظام الفكري يعطي للفكرة (وليس للصوت) رمزًا، مما يجعل عدد الرموز كثيرًا جدًا. وتكثر في النظام المقطعي أيضًا، وإن كان ذلك بدرجة أقل، الرموز الكتابية، فنجد رمزًا خطيًا منفصلاً للمقاطع (ما، مو، مي ... إلخ).
وهذا يعني أن الكتابة العربية، باتباعها النظام الألفبائي، متفوقة على الكتابات التي تتبع النظامين الآخرين، ومنها الصينية كما مر.
ساحة النقاش