فيما اختص به صلى الله عليه وآله وسلم في شرعه في أمته في الدنيا

اختَصَّ صلى الله عليه وآله وسلم بإحلال الغنائم، وجعل الأرض كلها مسجداً، ولم تكن الأمم تصلي إلا في البيَع والكنائس، والتراب طهوراً وهو التيمم، وبالوضوء في أحد القولين وهو الأصح، فلم يكن إلا للأنبياء دون أممهم.
وعبارة ابن سراقة في "الأعداد": خص بكمال الوضوء والتيمم وبمسح الخف، وجعل الماء مزيلاً للنجاسة، وأن كثير الماء لا تؤثر فيه النجاسة، والاستنجاء بالجامد. ذكر ذلك أبو سعيد النيسابوري في "شرف المصطفى" وابن سراقة في "الأعداد".
وبالجمع فيه بين الماء والحجر، وبمجموع الصلوات الخمس ولم تجمع لأحد وبأنهن كفارات لما بينهن، وبالعِشاءَ ولم يصلها أحد، وبالأذان والإقامة، وافتتاح الصلاة بالتكبير، وبالتأمين وبالركوع فيما ذكره جماعة من المفسرين.
وبقول: اللهم ربنا لك الحمد، وبتحريم الكلام في الصلاة، وباستقبال الكعبة، وبالصَفِ في الصلاة كصفوف الملائكة، وبالجماعة في الصلاة كما يفهم من كلام ابن فرشته في "شرح المجمع".
وبتحية السلام، وهي تحية الملائكة وأهل الجنة، وبيوم الجمعة عيداً له ولأمته، وبساعة الإجابة، وبعيد الأضحى.
وذكر أبو سعيد في "شرف المصطفى"، وابن سراقة، أنه خص بصلاة الجمعة وصلاة الجماعة، وصلاة الليل، وصلاة العيدين والكسوفين والاستستقاء والوتر. انتهى.
وبقصر الصلاة في السفر، وبالجمع بين الصلاتين في السفر والمطر وفي المرض في أحد القولين وهو المختار.
وبصلاة الخوف، فلم تشرع لأحد من الأمم قبلنا، وبصلاة شدة الخوف عند شدة القتال، أينما وحيثما توجه، وبشهر رمضان، عدَّ هذه القونوي في "شرح التعرف".
وأن الشياطين تصفد فيه، وأن الجنة تزين فيه، وأن خَلُوفَ فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويغفر لهم في آخر ليلة منه،وبالسحور وتعجيل الفطر وإباحة الأكل والشرب والجماع ليلاً إلى الفجر، وكان محرماً على من قبلنا بعد النوم، وكذا كان في صدر الإسلام ثم نُسِخ، وبتحريم الوصال في الصوم، وكان مباحاً لمن قبلنا، وبإباحة الكلام في الصوم، وكان محرماً على من قبلنا، عكس الصلاة. عدَّ هذه ابن العربي في "الأحوذي".
وبليلة القدر، كما قاله النووي في "شرح المهذب". وبجعل صوم يوم عرفة بكفارة سنتين لأنه سُنَّته، وصوم عاشوراء كفارة سنة، لأنة سُنَّة موسى عليه السلام. ويوم عرفة ذكرها القونوي في "شرح التعرف".
وغسل اليدين بعد الطعام بحسنتين، لأنه شرعُه. وقبله بحسنة لأنه شرع في التوراة. وبالاستغسال من العين وأنه يدفع ضررها. وبالاسترجاع عند المصيبة، وبالحوقلة، وباللحد(في القبر)، ولأهل الكتاب الشق، وبالنحر، ولهم الذبح فيما قاله مجاهد وعكرمة.
وبفرق الشعر، ولهم السدل، وبصبغ الشعر، وكانوا لا يغيرون الشيب، وبتوفير العثانين (اللحية) وتقصير السبال (طرف الشارب)، وكانوا يقصرون عثانينهم، ويوفّرون سبالهم، وكانوا يعقون عن الذكر دون الأنثى، وشـُرِعت لنا عنهما معا.
وبترك القيام للجنازة، وبتعجيل المغرب والفجر، وبكراهة اشتمال الصماء، وبكراهة صوم يوم الجمعة منفرداً، وكان اليهود يصومون يوم عيدهم منفرداً، وبضم تاسوعاء إلى عاشوراء في الصوم، وبالسجود على الجبهة وكانوا يسجدون على حرف، وكراهة التميل في الصلاة وكانوا يتميلون، وبكراهة تغميض البصر فيها،والاختصار، والقيام بعدها للدعاء، وقراءة الإمام فيها في المصحف، والتعلق فيها بالحبال، وبالأكل يوم العيد قبل الصلاة، وكان أهل الكتاب لا يأكلون يوم عيدهم حتى يصلوا، وبالصلاة في النعال والخِفاف.
عن ابن عمر كانت بنو إسرائيل إذا قرأت أئمتهم جاوبوهم، فكره الله ذلك لهذه الأمة، فقال: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا).
وفي "المستدرك": أنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى رجلاً وهو جالس معتمد على يده اليسرى في الصلاة، وقال: "إنها صلاة اليهود".
وأذن لنسائنا في المساجد، ومنعت نساء بني إسرائيل، وكان في شرعهم نَسخُ الحكم إذا رفعه الخصم إلى حاكم آخر يرى خلافه.
وبالعذبة في العمامة وهي سيما الملائكة، وبالاتزار في الأوساط، وبكراهة السدل في الصلاة والطيلسان المقور، وشد الوسط على القميص، والقزع، وبالأشهر الهلالية، وبالوقف، وبالوصية بالثلث عند موتهم، وبالإسراع بالجنازة.
وأن أمته خير الأمم، وآخر الأمم، ففضحت الأمم عندهم ولم يفضحوا،واشتق لهم اسمان من أسماء الله: المسلمون والمؤمنون،وسمي دينهم الإسلام. ولم يوصف بهذا الوصف إلا الأنبياء دون أممهم.
وقال عبدالله بن يزيد الأنصاري: تسموا باسمكم الذي سماكم الله: بالحنيفية والإسلام والإيمان.
ورفع عنهم الإصر الذي كان على الأمم قبلهم، وأبيح لهم الكنز إذا أرادوا زكاته، وأحل لهم كثير مما تشدد على من قبلهم، ولم يجعل عليهم في الدين من حرج.
وأبيح لهم أكل الإبل، والنعام، وحمار الوحش، والأوز والبط، وجميع السمك، والشحوم، والدم الذي ليس بمسفوح، كالكبد والطحال والعروق.
وفي الحديث: "أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال".
ورفع عنهم المؤاخذة بالخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه، وحديث النفس، وأنَّ من همَّ منهم بسيئة ولم يعملها لم تكتب سيئة، بل تكتب حسنة، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، ومَن همَّ بحسنة ولم يعملها كتبت حسنة، فإن عملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة ضعف، ووضع عنهم قتل النفس في التوبة، وفقأ العين من النظر إلى ما لا يحل، وقرض موضع النجاسة، وربع المال في الزكاة.
ونسخ عنهم تحرير الأولاد، والتحصر، والرهبانية، والسياحة.
وفي الحديث: "ليس في ديني ترك النساء، ولا اللحم، ولا اتخاذ الصوامع". وكان من عمل من اليهود شـُغلاً يوم السبت يُصلَب، ولم يجعل علينا يوم الجمعة مثل ذلك.
وكانوا لا يطعمون طعاماً حتى يتوضؤا كوضوء الصلاة، وكان من سرق استـُرِقَّ عبداً، ومن قتل نفسه حرمت عليه الجنة، وكان إذا ملك الملك عليهم، اشترط عليهم أنهم رقيقه، وأن أموالهم له، ما شاء أخذ منها وما شاء ترك. 
وشـُرِع لهم نكاح أربع، والطلاق ثلاثاً، ورُخِّصَ لهم في نكاح غير ملتهم، وفي نكاح الأمة، وفي مخالطة الحائض سوى الوطء، وفي إتيان المرأة علىأي هيئة شاؤوا.
وشـُرعَ لهم التخيير بين القصاص والدية، وشـُرعَ لهم دفع الصائل وكانت بنو إسرائيل كتب عليهم إذا الرجل بسط يده إلى الرجل لا يمتنع منه حتى يقتله أو يدعه، قاله مجاهد وابن جريج.
وحرم عليهم كشف العورة، والنوح على الميت، والتصوير، وشرب المسكر وآلات الملاهي، ونكاح الأخت [واستعمال] أواني الذهب والفضة، والحرير وحلي الذهب على رجالهم، والسجود لغير الله، وكان تحية من قبلنا، فأعطينا مكانه السلام.
وكرهت لهم المحاريب، وعصموا من الاجتماع على ضلالة. ومن أن يظهر أهل الباطل على أهل الحق، ومن أن يدعو عليهم نبيهم بدعوة فيهلكوا، وإجماعهم حُجَّة، وإختلافهم رَحمة، وكان اختلاف من قبلهم عذاباً، والطاعون لهم شهادة ورحمة، وكان على الأمم عذاباً، وما دعوا به استُجيب لهم.
ويؤمنون بالكتاب الأول، والكتاب الآخر، ويحجون البيت الحرام لا ينأون عنه أبداً، ويغفر لهم الذنب بالوضوء، وتبقى الصلاة لهم نافلة، ويأكلون صدقاتهم في بطونهم ويثابون عليها،ويعجل لهم الثواب في الدنيا مع ادخاره في الآخرة، وتتباشر الجبال والأشجار بمرهم عليها لتسبيحهم وتقديسهم، وتـُفتّح أبواب السماء لأعمالهم وأرواحهم،وتتباشر بهم الملائكة، ويصلي عليهم الله وملائكته.
قال سفيان بن عيينة: أكرم الله أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فصلى عليهم كما صلى على الأنبياء فقال: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته).
ويقبضون على فرشهم وهم شهداء عند الله، وتوضع المائدة بين أيديهم فمايرفعونها حتى يغفر لهم، ويَلبَسُ أحدهم الثوب فما ينفضه حتى يغفر له.
وصدِّيقهم أفضل الصديقين، وهم علماء حكماء، كادوا لفقههم أن يكونوا كلهم أنبياء.
ولا يخافون في الله لومة لائم، وأذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وقرباتهم الصلاة، وفربانهم دماؤهم، وسـُتِرَ على من لم يُتقَبَّل عمله منهم، وكان من قبلهم يَنفضِح إذا لم تأكل النار قربانه، وتغفر لهم الذنوب بالاستغفار، والندم لهم توبة، قاله رزين.
وروي أن آدم قال: الله أعطى أمة محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم أربع كرامات لم يعطينيها: كانت توبتي بمكة، وأحدهم يتوب في كل مكان، وسلبت ثوبي حين عصيت، وهم لا يسلبون، وفرق بيني وبين زوجتي، وأخرجت من الجنة.
قال: وكان بنو اسرائيل إذا أخطاؤا حرم عليهم طيب الطعام، وتصبح خطيئته مكتوبة على باب داره، انتهى.
ووُعِدوا أن لا يهلكوا بجوع ولا بعَدوّ من غيرهم يستأصلهم، ولا بغرق، ولا يعذبوا بعذاب عذب به من قبلهم، وإذا شهد الاثنان منهم لعبد بخير وجبت له الجنة، وكانت الأمم السابقة إذا شهد منهم مئة.
وهم أقل الأمم عملاً، وأكثرهم أجراً، وأقصر أعماراً، وكان الرجل من الأمم السابقة أعبَدَ منهم بثلاثين ضعفاً، وهم خير منه بثلاثين ووهب لهم عند المصيبة الصلاة والرحمة والهدى، وأوتوا العلم الأول والآخر، وفتح عليهم خزائن كل شيء حتى العلم، وأوتوا الإسناد والأنساب والإعراب، وتصنيف الكتب، وحفظ سنة نببيهم. 
قال أبو علي الجيّاني: خص الله هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها: الإسناد، والأنساب، والإعراب.
وقال ابن العربي في "شرح الترمذي": لم يكن قط في الأمم من انتهى إلى حد هذه الأمة من التصرف في التصنيف والتحقيق، ولا جاراها في مداها من التفريع والتدقيق.
وقال القرافي في "شرح المحصول": من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم أن الواحد من أمته يحصل له في العمر القصير من العلوم والفهوم ما لا يحصل لأحد من الأمم السابفة في العمر الطويل.
قال: ولهذا تهيأ للمجتهدين من هذه الأمة من العلوم والاستنباطات والمعارف ما تقصر عنه أعمارهم. انتهى.
وقال قتادة: أعطى الله هذه الأمة من الحفظ شيئاً لم يعطه أحداً من الأمم قبلها، خاصة خصهم بها، وكرامة أكرمهم بها، ولا تزال طائفة منهم على الحق حتى يأتي أمر الله، ولا تخلو الأرض من مجتهد فيهم قائم لله بالحجة، حتى يتداعى الزمان بتزلزل القواعد، وتأتي أشراط الساعة الكبرى.
ويبعث الله لهم على رأس كل مائة سنة من يجدد لهم أمر دينهم، حتى يكون في آخر مائة عيسى ابن مريم.
ومنهم أقطاب وأوتاد ونجباء وأبدال، ومنهم من يصلي إماماً بعيسى ابن مريم، ومنهم من يجري مجرى الملائكة في الاستغناء عن الطعام بالتسبيح، ويقاتلون الدجال، وعلماؤهم كأنبياء بني إسرائيل، وتسمع الملائكة في السماء أذانهم وتلبيتهم.
وهم الحامدون لله على كل حال، ويكبرون على كل شرف، ويسبحون عند كل هبوط، ويقولون عند إرادة الأمر: أفعله إن شاء الله، وإذا غضبوا هللوا، وإذا تنازعوا سبحوا، وإذا أرادوا استخاروا الله ثم ركبوا، وإذا ركبوا على ظهور دوابهم حمدواالله، ومصاحفهم في صدورهم، وسابقهم سابق ويدخل الجنة بغير حساب، ومقتصدهم ناج يحاسب حساباً يسيراً، وظالمهم مغفور له، وليس منهم أحد إلا مرحوماً، ويلبسون ألوان ثياب أهل الجنة، ويراعون الشمس للصلاة، وهم أمة وسط،عدول بتزكية الله، وتحضرهم الملائكة إذا قاتلوا، وافترض عليهم ما افترض على الأنبياء والرسل، وهو الوضوء والغسل من الجنابة، والج، والجهاد، وأعطوا من النوافل ما أعطي الأنبياء.
وقال الله في حق غيرهم: (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون).
ونودوا بالقرآن بـ (يا أيها الذين آمنوا)، ونوديت الأمم في كتبها بـ (يا أيها المساكين)، وشتان ما بين الخطابين.
وقال الدَّميري في "شرح المنهاج": قال بعض العلماء: خاطب الله هذه الأمة بقوله: (فاكروني أذكركم)، فأمرهم أن يذكروه بغير واسطة، وخاطب بني اسرائيل بقوله: (اذكروا نعمتي)، فإنهم لم يعرفوا الله إلا بآلائه، فأمرهم أن يقصدوا النِّعم ليصلوا بها إلى ذكر المـُنعِم.
قال الزركشي في "الخادم": فما كان مجتمعاً فيه صلى الله عليه وآله وسلم من الأخلاق والمعجزات صار متفرقاً في أمته، بدليل: أنه كان معصوماً، وأمته إجماعها معصوم.
قال بعضهم: ولهذا لما أودع أسراره وخُيِّر بين الحياة والموت، اختار الموت. ولما لم يحصل لموسى ذلك، وجاءه ملك الموت لطمه. وهم أكثر الأمم أيامى ومملوكين، وفي "تفسير ابن أبي حاتم" عن عكرمة قال: لم تكن أمة دخل فيها من أصناف الناس غير هذه الأمة.
وفي الحديث: لما أُنزِلت: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) قال صلى الله عليه وآله وسلم: "هذه لأمتي كلها وليس بعد الرضى سخط".
وقال معاوية: ما اختلفت أمة قط إلا غلب أهل باطلها أهل حقها إلا هذه الأمة.
وفي "شرح الرسالة" للجزولي: قيل: أهل القبلة اسم خصت به أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي سنن أبي داود حديث: "لن يجمع الله على هذه الأمة سيفين، سيفاً منها وسيفاً من عدوها".
وقال ابن مسعود: ولا يحل في هذه الأمة التجريد، ولا مدٌّ،ولا غِلٌّ، ولا صفد، يعني: لا تجرد ثيابه ولا يمد عند إقامة الحدود، بل يضرب قاعداً وعليه ثوبه.
وفي الحديث: "لا ترث مِلَّة ملة، ولا تجوز شهادة ملة على ملة إلا أمة محمد، فإن شهادتهم تجوز عل من سواهم".
وقال ابن الجوزي: بَدء الشرائع كان على التخفيف، ولا يعرف في شرع نوح وصالح وابراهيم تثقيل، ثم جاء موسى بالشدائد والأثقال، وجاء عيسى بنحو ذلك. وجاءت شريعة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بنسخ تشديد أهل الكتاب ولا يطلق بتسهيل من كان قبلهم فهي غاية الاعتدال

المصدر: كنزنور
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 182 مشاهدة
نشرت فى 20 يناير 2011 بواسطة kanznour

ساحة النقاش

كنزنور

kanznour
إذا أردت أن تحافظ على صديقك فكن أنت أولا صديقا له »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

51,402