زحام على محطة وقود بالجيزة- أصوات مصرية

 كتب :محمد البعلي

يشتكي سيد علي سائق سيارة الأجرة الجماعية "الميكروباص" من وقوفه لساعات انتظارا للحصول على السولار المدعم من محطات الوقود، فيما يقول زملاء له في موقف حلوان إنهم يضطرون لشراء السولار من السوق السوداء، وتلقي معاناة سيد وزملاؤه الضوء على المصاعب التي تواجه عملية توزيع الوقود المدعم في مصر، وتدفع الحكومة للبحث في هيكلتها.


وخصصت الحكومة لدعم أسعار السولار نحو 35.7 مليار جنيه من إجمالي 70 مليارا مخصصة لدعم الوقود ضمن 145 مليارا هي إجمالي الدعم في موازنة العام المالي الحالي 2012-2013، وفقا للموقع الإلكتروني لوزارة المالية، لكن توافر السلعة ما زال يواجه اختناقات متتالية.


وتبلغ حصة السولار – وهو وقود يستخدم بالأساس في المنشآت الصناعية وقطاع النقل - 51% من إجمالي الدعم المخصص للوقود في موازنة العام المالي الحالي.


وتقدر موازنة العام الحالي نسبة دعم الوقود من إجمالي الدعم بنحو 48%، ولكن نظرا لعدم حدوث تغييرات جوهرية في وضع السوق المحلي أو العالمي للبترول ومشتقاته عن العام الماضي فمن المرجح أن يزيد المدفوع الفعلي عند إعداد الحساب الختامي إلى ما يفوق ذلك بكثير.


وشكل دعم الطاقة أكثر من نصف الدعم الموجه للسلع والمزايا الاجتماعية في موازنة الدولة للعامين الماضيين، حيث بلغت نسبته 55% من إجمالي دعم السلع في الحساب الختامي لعام 2010-2011 ثم ارتفعت  النسبة في الموازنة التقديرية لعام 2011-2012 إلى 60,5% بقيمة 95,5 مليار جنيه ارتفعت عند تنفيذ الموازنة إلى 111 مليارا وفقا لتصريحات وزيري التخطيط والمالية.


ويواصل الدعم ارتفاعه في مصر منذ 2005 بسبب الارتفاعات المتوالية في أسعار السلع والبترول بالأسواق العالمية، كما أن تجاوز واردات مصر البترولية لصادراتها منه منذ عام 2006 رفع بشدة نصيب دعم الوقود من إجمالي الدعم في مصر.


وسبق وأوضحت الحكومة في مشروع موازنة العام الحالي وجود توجه عام "نحو ترشيد دعم الطاقة وقصره ما أمكن على مستحقيه الحقيقيين من خلال مجموعة من الآليات التي تستهدف ضمان عدم تسريب هذه المواد فى غير قنواتها الشرعية"، ولكنها لم تحدد هذه الآليات.


وأكد رئيس الوزراء هشام قنديل في حوارين صحفيين لـ"رويترز" و"بلومبرج" هذا الشهر نية حكومته هيكلة دعم الطاقة، مشيرا إلى أن جزءا كبيرا من ذلك الدعم يذهب لشرائح غير مستحقة له.


ويعتقد اقتصاديون أن استنتاج الحكومة بعدم وصول الدعم لمستحقيه صحيحة، لكنهم يختلفون في كيفية تسرب هذا الدعم، حيث يرجح شيرين القاضي العضو المنتدب لشركة برايم للأوراق المالية أن تهريب السولار خارج البلاد يتسبب في جزء كبير من هذا التسرب، ولكن د. عمرو عادلي مدير وحدة العدالة الاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية يرى أن دعم الوقود تستفيد منه القطاعات الهادفة للربح في مصر أكثر من الفئات الأكثر فقرا.


ويشير عادلي إلى أكثر من نموذج يصب فيها الدعم مباشرة في أرباح الشركات الكبرى وبينها شركات أجنبية، لافتا إلى قطاع الاسمنت بشكل خاص.


ويقول إنه عند النظر لمسألة دعم الوقود من زاوية الفعالية والرشادة الاقتصادية أو العدالة الاجتماعية نجد أنه يجافي الفعالية الاقتصادية من ناحية ولا يستهدف اعتبارات العدالة من ناحية أخرى.


من جهة الرشادة الاقتصادية – يضيف عادلي - فإن استمرار دعم الطاقة تغيب عنه الرشادة لعدة أسباب أهمها كونه يرفع استهلاك الطاقة في بعض القطاعات عن المتوسط العالمي بسبب رخص أسعارها بالأساس، مشيرا إلى قطاعي الزجاج والأسمدة بشكل خاص.


ويتحفظ عمرو عادلي أيضا على فعالية دعم الوقود من زاوية العدالة الاجتماعية، مؤكدا أن أغلبه يتسرب إلى أرباح القطاعين الصناعي والتجاري، مشيرا إلى المصانع وقطاع النقل بشكل خاص.


وتقترح الحكومة مجموعة تعديلات في هيكل دعم الوقود تشمل خفضا في الدعم الموجه للغاز الطبيعي واستخدام الكوبونات والكروت الذكية لتوزيع البوتاجاز والبنزين والسولار و"المسارعة بتوصيل الغاز لبعض الصناعات التى تستخدم المازوت"، ولكن مشروع الموازنة يوضح أن دعم المازوت يبلغ صفرا في الموازنة.


وتواجه الحكومة مقاومة لعملية إعاة هيكلة الدعم من جهة واحتجاجات على نقص الوقود من جهة أخرى، فقد أعلن مستثمرون بقطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة الاثنين الماضي في مؤتمر باتحاد الصناعات اعتراضهم على رفع سعر الغاز الذي تستهلكه مصانعهم.


كما نظم سائقو الميكروباص في حلوان وأحياء أخرى إضرابا الأسبوع الماضي كان من ضمن المطالب التي أعلنت خلاله توفير مزيد من السولار في محطات الوقود.


وتبدو الحكومة مترددة أكثر أمام السلعتين اللتين تستحوذان معا على أكثر من 70% من دعم الوقود وهما البنزين والسولار، بسبب تأثير ذلك المتوقع على التضخم، فضعف شبكات النقل العام في مصر يجعل الاعتماد على وسائل النقل الخاصة سواء الشخصية مثل السيارات والتاكسيات أو الجماعية مثل الميكروباصات أساسيا.


وأكد خالد الجمصي رئيس النقابة المستقلة لسائقي الميكروباص في حلوان خلال الإضراب أن السائقين مازالوا ينتظروا إجراءات من الحكومة قبل رفع تعريفة الركوب، وقال "سهل جدا أن نرفع الأجرة، ولكننا رفضنا".


ولكن خطوطا عديدة لسيارات الأجرة الجماعية "الميكروباص" في حلوان رفعت بالفعل تعريفة الركوب بنسب تتراوح بين 5% و33%.


وبسبب ضعف أدوات وأجهزة الرقابة الحكومية على الأسعار فإن القطاع الصناعي من جهة وقطاع النقل من جهة أخرى يستطيع نقل تكلفة رفع الدعم إلى المستهلك، بحسب عمرو عادلي، وذلك أهم أسباب تردد الحكومة الحريصة على ضبط معدلات التضخم تجاه رفع الدعم عن وقود السيارات.


ورغم المقاومة المتوقعة والتردد تجاه عمليات خفض دعم الطاقة فإن هذه الخطوة تبدو شديدة الأهمية للحكومة في ظل العجز المتزايد في الموازنة الذي توقعت الحكومة أن يصل إلى 135 مليار جنيه العام المالي الحالي، لكنه على الأغلب سيكون أكبر، خاصة بعد أن بلغ العام الماضي 170 مليارا مقابل 134.4 مليار عند إعداد الموازنة وذلك مقابل 134.5 مليار في الحساب الختامي للعام المالي 2010-2011.


ويدعو د. سامر سليمان أستاذ مساعد الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية الحكومة للنظر لموضوع خفض دعم الطاقة ضمن رؤية أشمل لعملية إعادة هيكلة الموازنة ككل.


ويوضح أن الطريقة المثلي لإنجاح خطوة مثل هذه هي تنفيذها ضمن منهج شامل يعمل على إعادة توزيع الثروة عبر الأدوات المختلفة خاصة الضريبية منها بحيث يسحب جزءا من المساندة الاجتماعية التي تقدمها الدولة للفئات الأقل احتياجا ويمنحها إلى فئات أكثر احتياجا.


ويشير إلى أن مصر في مرحلة تسمح بتحول مثل هذا بعد أن وضعت ثورة 25 يناير أقدام المواطنين على أول طريق الديمقراطية.


وأطاحت انتفاضة شعبية العام الماضي بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، وأوصلت أول انتخابات رئاسية ديمقراطية بعدها محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين إلى قصر الرئاسة.


ويتحدث عمرو عادلي عن تجربة اندونيسيا التي تعاملت مع قضية خفض دعم الطاقة بشفافية ومسؤولية، حيث خفضته على مراحل وقامت بتخصيص جزء كبير من الأموال التي كانت موجهة لهذا الدعم إلى الفئات الفقيرة مباشرة من خلال دعم نقدي، مشيرا إلى أن ذلك أمن تأييدا شعبيا للخفض.


ويمكن أيضا طرح عدة سيناريوهات مساندة لضمان هذا التأييد، فتوصيل الغاز للمصانع التي تستهلك السولار بكثافة ومساندتها من خلال قروض ميسرة أو برنامج تحديث الصناعة لتحويل آلاتها للاعتماد على الغاز سيكون أكثر رشادة اقتصادية على المدى الطويل، كما أن إدخال عمالها ضمن برامج تدريبية لرفع إنتاجيتهم قد يكون أمرا ملائما أيضا.


كما سيكون من المفيد أن تدعم الحكومة برنامجا لاستبدال سيارات النقل والأجرة الجماعية القديمة الأقل كفاءة في استهلاك الوقود بأخرى جديدة، أو برامج لتحويلها لاستخدام الغاز.


أخيرا فإن فتح باب استيراد مشتقات البترول أمام القطاع الخاص مع تطوير آليات ومؤسسات لمراقبة الأسعار سيساعد على توافر هذه السلع في الأسواق دون اختناقات متكررة.


وفي جميع الأحوال فإن اتخاذ أي خطوات في هذا الاتجاه يجب أن يتم بشفافية وضمن آلية تضمن تواصلا دائما مع القطاعات التي يؤثر خفض دعم الطاقة على حياتها وأعمالها بشكل مباشر مثل سيد علي سائق الميكروباص، وإلا فإنه قد يرد على ذلك من خلال الخبرات الاحتجاجية التي تابعها ومارسها خلال أكثر من عام ونصف العام من الثورة.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 50 مشاهدة
نشرت فى 23 سبتمبر 2012 بواسطة kalamtha2er

عدد زيارات الموقع

421,020

تسجيل الدخول

ابحث