من أوجه التفاؤل والتشاؤم عند العرب: (الطيرة والزّجْر..!!)
في رياضتي الصباحية المبكرة على طريق حماه، بالقرب من غابة الزراعة ،يتناهى إلى سمعي في مثل هذه الأيام من السّنة، أي في أواخر فصل الخريف تقريبا ،وبداية الشتاء، أصوات حشد كثيف من طيور الغربان، تحوم مبّكرة في سماء الغابة،تصوت بأصوات أشعر بها جدّ مزعجة وكريهة من وجهة نظري وشعوري.وربّما جلبت لي التشاؤم، وأنا في مثل هذا الوقت من الصباح المبكر،
ولقد تذكرت أنّ العرب قد يزجرون من الطير غير الغراب على طريقين: أحدهما على طريق الغراب في التشاؤم، والآخر على طريق التفاؤل به. قال الشاعر:
وقالوا تغنى هدهد فوق بانة == فقلت هدى يغدو به ويروح
وقال آخر:
وقالوا عقاب قلت عقبى من النوى ==دنت بعد هجر منهم ونزوح
وقال آخر:
وقالوا حمام قلت حم لقاؤها == وعاد لنا ريح الوصال يفوح
إلا أن أحدا لم يزجر من نغيق أو نعيب الغراب فألاً حسناً، والغراب عندهم ليس أنكد منه ،ويرون إن صياحاً أكثر إخباراً وإن الزجر فيه أعم. قال عنترة يصف الغربان:
حرق الجناح كان لحي رأسه == جلمان بالأخبار هش مولع
وقال غيره:
وصاح غراب فوق أعواد بانة == بأخبار أحبابي فقسمني الفكر
جاء في مجمع الأمثال للميداني:
فقلت غراب باغتراب وبانة == تبين النوى تلك العيافة والزجر
وهبت جنوب باجتنابي منه = =وهاجت صبا قلت الصبابة والهجر
ومن أجل تشاؤمهم بالغراب اشتقُّوا من اسمه الغربة، والاغتراب، والغريب.
والطيرة لغة: وتطاير الشيء: طال. وفي الحديث: "خُذْ ما تَطايَرَ من شَعرك". واسْتطارَ الفجرُ وغيره:انتشَر. واستُطيرَ الشيء: أي طُيِّرَ. وتَطَيَّرْتُ من الشيء وبالشيء. والاسم منه الطَيرةُ مثال العِنبَةُ، وهو ما يُتَشاءَمُ به من الفأل الرديء. وفي الحديث: "أنَّه كان يحبُّ الفأل ويكره الطِيَرَةُ".
أما الزجر:الزَجرُ: المَنْعُ والنَهْيُ. يقال: زَجَرَهُ وازْدَجَرَهُ، فانْزَجَرَ، وازْدَجَرَ. والزَجور من الإبل: التي تَعْرِفُ بعَيْنِها وتُنكِر بأنفها. والزَجرُ: العِياقةُ، وهو ضَرْبٌ من التكَهُّنِ تقول: زَجَرْتُ أنَّه يكون كذا وكذا. وزَجَرَ البعيرُ، أي ساقَهُ.
والطيرة من التشاؤم والزجر من التفاؤل، قالوا:عِفت الطَّيرَ، إذا زجرتَها من التفاؤل،قال الشاعر:
أماوي قد طال التجنب والهجر == وقد عذرتني في طلابكم العذر
أماوي إما مانع فمبينٌ == وإما عطاءٌ لا ينهنهه الزجر
وكان العرب يطيرون الطير فمنهم،من يتبرك به فإنما ذلك لأنه مرّ عن يمينه، ومن يتشاءم به فإنما ذلك لأنه ولاه مياسره.والذي يتشاءم به لا يسميه في تلك الحالة سانحا إنما هو عند بارح، لأن السنح عنده ما ولاه ميامنه، وإذا ولاه ميامنه إنما يمر عن يساره، والأعسر من الناس واليَسَر: يشتقُّون من اليد العُسْرى العُسْر والعُسرة، فلما سمَّوها الشِّمال أجْرَوْها في الشؤْم وفي المشؤُوم على ذلك المعنى، وسموها اليد اليَسارَ واليدَ اليسرى على نَفْي العُسروالنكَد.
جعل الله أيامكم كلّها يسر، وأبعدكم عن كلّ عسر،وطار طيركم ميامنة، ولم يطر مياسرة ،وأبعدكم عن صوت نغيق الغراب،
وجعلكم ممن يزجرون الطير أي: يتفاءلون، وليس ممن يتطيرون به ،أي : يتشاءمون.
وبعيداً عن عادات العرب، وقناعتهم في الطيرة، والزجر،نقول ونحن ندرك مايمرّ به وطننا من شدّة ومحنة ،نتمنّى لها أن لاتطول ،كما نبتهل إلى الها عزّ وجلّ، أن يفرّج الكربة، ويزيل الشّدة، ويعمر القلوب بالمحبّة، بدلا من البغضاء والكراهية،
و دوما أعزائي القراء، تفاءلوا بالخير تجدوه.
سلمية في /5/11/2012
الهدهد من الطيور التي يتفاءل العرب بزجرها.
وقالوا تغنى هدهد فوق بانة == فقلت هدى يغدو به ويروح