أنكر علي بعض الأصدقاء أن أتطرق لموضوع صناعة المفهوم، معتبرا أن ذلك من قبيل التخوض في مسائل خلافية بين أهل الاختصاص يصعب معها الوصول إلى الحقيقة !
قلت: 1- مسألة التطرق إلى صناعة المفهوم إنما هي جديدة تماما ـ على الأقل فيما يخص الخطوات المتبعة في الوصول إلى حقيقة أي مفهوم ـ
2- إنه من المؤسف حقا أن نصادق على صحة الخطوات المتبعة في الوصول إلى المفهوم ـ أي مفهوم ـ ثم نرفض المصادقة على صحة المفهوم ذاته! فهذا ما لا يليق بمنهج باحث عن الحقيقة!
3- إن غايتي من التطرق إلى موضوع صناعة المفاهيم هو إثارة إشكالية المفهوم و ذلك بعد أن عمد القاصي و الداني إلى التلاعب بالمفاهيم و توظيفها بما يخدم توجهات سياسية أو فلسفية أو فكرية تخرج عن المعنى الحقيقي التوقيفي للكلمة
أيها السادة و السيدات:
كنت قد بينت لكم بضعة مراحل لصناعة المفهوم، وهي: 1 التفريق بين حقيقة و مجاز الاسم في استعمالات لغة العرب 2 الخروج بصيغة توافقية تجمع المتشابه من الأسماء تحت مسمى واحد و تزيل اللبس عن الأضداد ذات المعاني المتباينة للفظ واحد. 3 إزالة أية شائبة علقت بالاسم العربي الحقيقي بحسب ما كان قد تلقاه آدم ـ عليه السلام ـ عن ربه ـ جل و علا ـ بحيث يصار إلى التعامل مع الاسماء الفصيحة فحسب دون التعامل مع أسماء قد غيبت حقيقتها اللغوية وغدت تسبب إشكالا في فهمها و ما يلزم عنه من سلوك.
والآن أبحث معكم المرحلة الأخيرة في صناعة المفهوم، وهي:
عندما نضع في الاعتبار القيمة الحركية لكل اسم من الأسماء التوقيفية ـ أي بحسب ما تلقاها آدم عليه السلام ـ فإننا بذلك ننطلق من رؤية ثابتة لحقيقة أي مسمى و لن نتردد في معرفة الخصائص الثابتة الملازمة لذاك المسمى و هذا مما يجعلنا نبني علاقتنا على أسس سوية لا اعوجاج فيها .. و لئن رجعنا إلى مفهوم الظلم كمثال لا نزال بصدده فإننا نقول: إن الصفة الملازمة للظلم باعتباره اسما حقيقيا توقيفيا هو الولوج اختيارا في ظلمة وظلام، فهذا يعني أن كل فعل صادر عنا مبني على غير هذا المعنى وهذه الصفة الملازمة للظلم فهو بناء باطل لا يستقيم معه سلوكنا وهو لا يصح، و من شاء منكم فلينظر كيف حين أطلقنا نعت ظالم على من لم يتعمد وضع الأمور في غير محلها فإننا أبعدنا النجعة و سلكنا سلوكا أخرقا
وكتب: يحيى محمد سمونة.حلب