بقلم د.عمار عبد الغني 

 

إن الانفعالات تتصل بحياة الفرد اتصالا مباشرا ولها أهمية ودور كبير فيها . فالانفعالات عندما تكون في حالاتها الطبيعية المتزنة تستثير و تدفع الإنسان إلى العمل ومواصلته ، وتعطي السلوك قوة وزخما . كما أنها تساعده في تنظيم خبراته وتساعده في زيادة خصوبة خياله وتنشيط تفكيره ، وتشكيل إدراكه لذاته وللآخرين . والانفعالات تساعد على تحديد وتوجيه السلوك الذي يسهم في استمرارية الإنسان في الحياة .

 

<!--تعريف الانفعال :

يميل أغلب علماء النفس إلى إطلاق اصطلاح الانفعال emotion على الانفعالات القوية التي يصاحبها اضطراب في السلوك كالخوف والغضب الشديدين .أما الشعور بحالات خفيفة من المشاعر الوجدانية مثل السرور والضيق أو الانشراح والكدر فيطلقون عليها اصطلاح الوجدان feeling . فالوجدان شعور ذو صبغة انفعالية خفيفة .

 

2- أسباب حدوث الانفعال :

 يفترض أن هناك عددا من المواقف أو الظروف التي نصبح فيها منفعلين وهي بالصورة التالية:

<!--تتطور انفعالاتنا عندما تكون الدافعية قوية .

<!--تتطور انفعالاتنا حينما نصل إلى حالة تحقيق الهدف أو فقدان الأمل لتحقيقه .

<!--تتطور انفعالاتنا حينما نواجه إحباطا لدوافعنا .

 

3- مخاطر الانفعال :

<!--الانفعال يؤثر في السلوك : حيث يعتبر الانفعال من أهم الدوافع الشعورية فحالات الخوف أو الغضب أو الحسد أو الفرح أو المحبة هي في حقيقتها حالات من التوتر النفسي القوي أو الضعيف الذي يدفع صاحبه إلى سلوك يضمن له إشباع ذلك الدافع لتخفيف شدة ذلك التوتر وتنفيس طاقته .

<!--الانفعال يؤثر في التفكير : الانفعال هو طاقة مخزونة تندفع في توتر نحو إشباع عاجل تناله . وهذه الطاقة هوجاء لا تريد إلا التحرك والإشباع العاجل وبأقصر طريق . ولهذا الاندفاع الأعمى الأهوج أثره البعيد في سلامة التفكير ومستواه . وكلما كان الانفعال أكثر هيجانا كان مستوى التفكير أكثر بدائية وضعفا .

<!--الانفعال يؤثر في الصحة النفسية : إن كثيرا من الأمراض النفسية مصدرها انفعالات أصابها أحد عاملين مهمين ..أولهما أنها انفعالات متطرفة أرهقت أعصاب صاحبها ، وثانيهما محاولة الكبت الصارم للانفعالات الصحية الفطرية والسعي لقمعها والذي يقود إلى تحويل هذه الانفعالات إلى هم وغم واكتئاب وتشاؤم وانطواء وقد ينتهي ذلك إلى نقمة على النفس .

الانفعال يؤثر في بعض الأمراض الجسمية : هناك حقيقة إحصائية تقول : " إن غير قليل من الذين يترددون على المصحات والعيادات والمستشفيات لا يعانون من أمراض جسمية واضحة . رغم أعراضها البدنية والعضوية " وهناك حقيقة أخرى تؤكد على أن بعض الأمراض الجسدية ذات أصل انفعالي ، فبعض أسباب القرح المعدية والمعوية تعود إلى اضطراب الحياة المزمنة.

 

4- فوائد الإنفعالات :

 

تحقق الدرجات المعتدلة من الإنفعالات العديد من الفوائد بالنسبة للفرد ومنها ما يأتي:

أ/ تزيد الشحنة الوجدانية المصاحبة للإنفعال من تحمل الفرد وتدفعه إلى مواصلة العمل وتحقيق أهدافه.

 

ب/ للإنفعال قيمة إجتماعية . فالتعبيرات المصاحبة للإنفعال ذات قيمة تعبيرية تربط بين الأفراد وتزيد من فهمهم لبعضهم البعض .

 

ج/ تعتبر الإنفعالات مصدرا من مصادر السرور . فكل فرد يحتاج إلى درجة معينة منها إذا زادت أثرت على سلوكه وتفكيره . وإذا قلت إصابته بالملل.

 

د/ تهيىء الإنفعالات الفرد للمقاومة من خلال تنبيه الجهاز العصبي اللارادي .

 

5-  عناصر الانفعال :

أن عناصر الانفعال " الهيجان " ثلاثة : الإنسان ، المثير ، الاستجابة ) :

<!--الإنسان : يتوقف انفعال الإنسان على أربعة عوامل هي :

<!--لا يكفي أن يكون المثير مخيفا أو مغضبا في ذاته ، بل لا بد من توافر عنصر المعرفة بأن هذا المثير يتطلب ذلك .

<!--حساسية الشخص : وهي التي نعبر عنها بقولنا : إنه سريع الانفعال أو بطيئ ، مرح أو كئيب، ويسمى ذلك "الطبع".

<!--استعداده للانفعال : ويتوقف ذلك على حالته العصبية ويسمى ذلك "المزاج " .

<!--اعتياد على الانفعال : فإنه يظهر عند المحاربين الذين تمرسوا رؤية القتلى في ساحة الحرب وألفوا هذه المناظر ..       فلم يعد يروعهم منظر شخص قتيل .

<!--المثير : يكون خارجيا كمنظر السبع أو الأفعى ، كما يكون داخليا كتوقع أمر يخشى وقوعه ، فعدم الشعور بالأمن يولد انفعالي الخوف والغضب .

<!--الاستجابة : وهي رد الفعل الذي يقفه الكائن الحي من الإثارة ، فنحن نبكي في الحزن ونضحك في الفرح ونعبس في الغضب .

 

 

 نظريات الانفعال

 

<!--نظرية جيمس – لانج : يرى أصحاب هذه النظرية أن الانفعالات تحدث عندما يحدث مثير في البيئة تغيرات فسيولوجية لدى الفرد ، ويدرك الانفعال من التغذية الراجعة الناشئة عن هذه التغيرات والمرسلة إلى الدماغ من الأعصاب الحسية للجسم . طبقا لهذه النظرية فإن الإنسان لا يرتعش لأنه يخاف ، بل يشعر بالخوف لأنه يرتعش . بمعنى آخر أن الانفعال يحدث نتيجة الشعور بالاستجابات الفسيولوجية والعضلية التي يثيرها الموقف الخارجي وليس نتيجة إدراك الموقف الخارجي .

<!--نظرية كانون – بارد : يرى أصحاب هذه النظرية أن الانفعال ينتج عندما يحدث مثير في البيئة أنماطا من النشاط العصبي في المهيد ( الهيبوتلاموس ) . هذه الأنماط ذات تأثيرين متأنيين :

<!--ترسل أنماط النشاط العصبي إلى الجهاز العصبي المستقل حيث تنبه التغيرات الفسيولوجية والعضلية للانفعال .

<!--ترسل أنماط النشاط العصبي أيضا – وفي نفس الوقت – إلى النخاع المخي حيث تسبب الإدراك .

<!--إن إدراك الموقف الانفعالي - حسب هذه النظرية – هو الذي يحدث التغيرات الفسيولوجية والعضلية. وليست التغيرات الفسيولوجية والعضلية هي التي تحدث الانفعال ، ولكنها تساعد على زيادة الشعور به.

<!--ج- النظرية المعرفية : ترى هذه النظرية أن الانفعال يتكون من معلومات معقدة كثيرة تتضمن ما يلي :

<!--معلومات عن الأحداث البيئية التي تصل إلى النخاع المخي عن طريق أعضاء الحس .

<!--المخزون الدماغي من المعلومات التي تساعد على تقدير الأحداث الجديدة وتفسيرها .

<!--أنماط النشاط العصبي في الهيبوتلاموس وباقي الجهاز العصبي الطرفي الذي ينبه الجهاز العصبي المستقل لإحداث التغيرات الفسيولوجية والعضلية .

<!--وحسب هذه النظرية فإن الانفعال يتقرر عن طريق النشاط المعرفي الناتج عن المثير الذي أحدث التغيرات الفسيولوجية والعضلية والموقف البيئي الكلي الذي تحدث فيه . وعليه فإن شعور الإنسان بالانفعال يكون نتاج تفسيره للموقف المثير للانفعال .

 

كيف تتم إدارة الانفعال ؟

<!-- العاقل هو الذي يعقل ( يربط ويضبط ويسيطر ) على سائر إنفعلاته ، فالانفعالات غير المنضبطة طاقة نفسية مرضية ، تعرض حياة الإنسان للخطر والخطيئة ، فجرعة زائدة من الشجاعة تؤدي الى التهور وربما القتل والإعتداء ، وجرعة زائدة من الكرم تؤدي الى التبذير والرياء ، وجرعة زائدة من الخوف تؤدي الى الجبن ، وجرعة زائدة من الغيرة تؤدي الى الشك والريبة .. وهكذا ، إضبط انفعالاتك والإ إنقلبت قيمك الى رذائل .

 

<!-- الانفعال يؤثر على صواب التفكير ، فهو طاقة هوجاء مخزونة تندفع في توتر نحو إشباع عاجل تناله . وكلما زاد الهياج الانفعالي قل الوعي وكان مستوى التفكير أكثر بدائية وضعفاً . فلا عجب أن تفرز الحرب العالمية الأولى والثانية أكثر من 100 مليون قتيل وجريح ومعاق، وينتحر مليون شخصاً سنوياً في العالم في لحظة قرارٍ طائشة ، أي ما يعادل حالة إنتحار كل أربعين ثانية ، ولا عجب فالإنفعال يصنع أكثر من ذلك .

 

<!-- الإنفعال يؤثر على السلامة النفسية ، فكثيرٌ من الأمراض النفسية مصدرها انفعالات مختلفة ، فإما هي إنفعالات متطرفة أرهقت أعصاب أصاحبها وخنقت سلامهم الداخلي كالتعلّق والخوف والغضب والإنتقام ، أو محاولة كبت للانفعالات الصحية الفطرية مثل الرغبة في الحب و الزواج وفي حرية التعبير وتحقيق الذات ، فيسبب الكبت والقمع هماً وغماً واكتئاباً وتشاؤماً ، وقد ينتهي ذلك إلى نقمة على النفس ... إعتدل بإنفعالاتك .

 

<!-- الإنفعال ينمو ويتطوَّر ، عندما يكون الدافع قوياً لتحقيق شيء ما أو لتجنب شيء ما ، كالرغبة في الاستقرار ، والخوف من الفوضى ، وتتطوَّر عندما تصل إلى حالة تحقيق الهدف اعتقاداً منك بانتهاء الرحلة ، أو فقدان فرصك في تحقيق هدفك ، ويتطوَّر انفعالك عندما تواجه إحباطاً لدوافعك ، كالخسارة أو الرسوب أو الإخفاق الوظيفي ، أو الطلاق بعد رغبة أكيدة بحياة زوجية دائمة . راقب إنفعلاتك قبل أن تتطوَّر .

 

<!-- الإنفعال له ثلاثة عناصر ، وأول وأهم عنصر هو الإنسان ، إذ يزداد الهياج الانفعالي لديه عندما يكون ذو شخصية حسّاسة ، تفرح من كلمة ، وتحزن من كلمة ، حتى وإن كانت غير مقصودة ، أو اعتاد وبرمج نفسه على سرعة الإنفعال بفعل تكرار ذلك بدون وعي ، بحيث يغضب ويزبد ويعربد من أدنى شيء ، ويكون رد فعله سريعاً غاضباً مدمراً ... راقب نفسك وإياك ورد الفعل والشخصنة ، فانهما إيجو .

 

<!-- العنصر الثاني للانفعال هو المثير ، وقد يكون موقفاً ، وقد يكون شخصاً ، وقد يكون خارجياً كمنظر الكلب المفترس أو الأفعى ، كما يكون داخليا كفكرة من الماضي أو توقع في المستقبل يخشى حدوثه ، فعدم الشعور بالأمن مثلاً يولد انفعالي الخوف والغضب ، وعدم الشعور بالحب يولد الكراهية والأنانية ، هذه المثيرات وغيرها قد تواجهك ، إكتشف ما يثير إنفعالك ، إكتشف ذلك بنفسك ، قال تعالى : "بل الإنسان على نفسه بصيرة" .

 

<!-- العنصر الثالث للإنفعال هو الإستجابة ، ويقصد به رد الفعل الناتج عن التفاعل مع المؤثر ، فنحن نبكي في حالة الحزن ، ونضحك في حالة الفرح ، ونعبس في حالة الغضب ، ونتأثر سلباً وايجاباً مع الأحداث بناءً على مانحمل في أعماقنا من مخزون خبرات سابقة ، فلهذا نجد اختلافاً بين شخص وشخص آخر في تفسير المؤثرات ، الواعي يتفاعل ولاينفعل ، يهتم ولاينهم ، يستجيب ولا يرتبك ، غير الواعي يعمل برد الفعل ، يتهز ، يضطرب .

 

<!-- نفّس عن إنفعالاتك ، فالإنفعال يتراكم ، و يخنق صاحبه إن لم يتم التخلص منه ، نفس عنه بالتعبير ، كنْ واضحاً صادقاً كنْ نفسك ، ولا تقل مالا تؤمن به ، ولا تفعل مايزعجك او يخالف مبادئك ، هناك مئات الوسائل السلمية للتنفيس عن الكبت والهياج الداخلي ، جرّب الحوار ، جرّب التقاضي ، جرّب الكتابة في الصحف ، جرّب الإعتراض و التظاهر ، جرّب ونفسّ عن مافي داخلك ، عبّر عن إنفعالك بدون إنفعال ، عبّر عنه بسلام .

 

<!-- تخلّص من إنفعالك بتحويل إنتباهك لأشياء أخرى ، التركيز على المؤثر يزيد إنفعالك ويوسّعه ، بينما إشغال نفسك بشيء آخر يخفف عنك ، ويريحك ، جرّب أن تستخف بالمؤثر ، أطرده ، تجاهله ، فأن كل ذلك من التحويل الذهني ، وهو مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع " ، وقال عليه الصلاة والسلام : " فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " .

 

<!-- تخلّص من إنفعالك بالتبديل ، فحاول إثارة استجابات معارضة للانفعال تحل بديلاً عنها ، فإستبدل انفعال الكراهية بالحب ، والحزن بالفرح ، وإنفعال الكبر بالتواضع ، وهكذا ، فكلها إنفعالات موجودة في داخلك ، ما عليك سوى إستخراجها ، كما يستخرج الماء من البئر ، الفرح قرارك ، والحزن قرارك ، لإنك أنت من يقرر في النهاية كيف ينفعل ، لذلك صدقتُ حين ذكرت مراراً ، أن السعادة أو التعاسة قرار شخصي ، إختر إنفعالك .

 

<!-- تخلّص من إنفعالك بالاسترخاء ، لأن الإنفعال يحدث من التوتر في عضلات الجسم ، جرّب بنفسك هذا التمرين : قف في وضع استقامة . ثم إرفع ذراعيك لأعلى خلف الرأس ، وضم الذراعين في وضع تقاطع بحيث يقابل الكفين بعضهما البعض ، ثم شد الذراعين لأعلى وإلى الخلف قليلاً ، خذ شهيقاً عميقاً أثناء إبقى لمدة 10 ثوان ، إخرج الزفير واسترخي مع العودة لوضع البداية ، كرر التمرين عدة مرات وواجه انفعالك .

 

<!-- تخلّص من إنفعالك بالبهجة ، فالفرح والابتسام والمرح من مظاهر السعادة ، بل هي السبب في صناعة السعادة في حياتك ، جّرب وأنت مهموم متوتر أن تسمع طرفة أو شاهد مشهد كوميدي ، او اصطنع موقف فرح ، وأنظر كيف سيتغير انفعالك 360 درجة ، البهجة تقرب البعيد وتصنع الألفة وتطيب النفوس وتخفف الإحتقان ، ابهج نفسك ومن حولك ، لاتتردد ، إبتسم لانفعالك .

 

<!-- تخلّص من إنفعالك بالتأنّي ، لا تتخذ قراراً وأنت منفعل ، سيأتي قرارك مرتبكاً مدمراً ، لانك ستكون في غيبوبة و إضطراب ذهني ونفسي وبدني ولإنك في هذه الحالة لست على مايرام ، فلا تقل شيئاً ، ولا تفعل شيئاً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علِّموا ويسروا ولا تعسروا ، وإذا غضبت فاسكت ، وإذا غضبت فاسكت ، وإذا غضبت فاسكت " ، تأنّى ، وواجه إنفعالك بالصبر .

 

<!-- تخلّص من إنفعالك بتجنّب المثيرات ، فإذا ما حدث انفعال تجنبه ، أترك المكان الذي يزعجك ، أطرد الفكرة التي توترك ، لاتكن كمن يلعب بالنار ويندهش إذا احترق ، لايغشك من أدمن حرق الدم وتلف الأعصاب ، تجنب قنوات الاخبار المفزعة ، مواقع حروب الاديان والمذاهب والفتن الطائفية ، دع اصدقاء السوء ومثبطي الهمم ، لاتستغرب إنهم حولك .. لإنك لم تذهب بعيداً عنهم .

 

وختماً وبناءً على ماتقدم نخرج بنتيجة هامة وهي إن السيطرة على الانفعالات وضبطها وتربيتها ضرورة ومطلب للحياة السوية والصحة النفسية لأي أحد من بني البشر فالانفعالات طاقة نفسية تؤثر في جميع أنشطة الإنسان .

 

 

 

journaliste

من أجلك ..دائما نبحث عن الحقيقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 4330 مشاهدة
نشرت فى 26 سبتمبر 2014 بواسطة journaliste

الصحفي الاستقصائي

journaliste
دائماً نبحثُ عن الحقيقة من أجلك »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

27,500