كتب/ خالد المعلم
آمين أعلام حزب الاتحاد للبنان.

 

إن ثورة 23 تموز يوليو هدفت إلى تغيير الواقع العربي من خلال تغيير واقع مصر وقد تميزت هذه الثورة الفذة عن غيرها من الثورات بأنها سبقت النظرية كالثورة الشيوعية مثلا وبالتالي هنا فإن النظرة قد ولدت كنتيجة طبيعية ومنطقية للتجارب التي عاشتها الأمة العربية كلها وليس مصر أو الجمهورية العربية وحدها.

فلقد تبلورت النظرية الناصرية (وهي ثورة منفتحة على كل التجارب الإنسانية) كنظرية للثورة العربية الشاملة في سبيل إقامة مجتمع متحرر بعد أن طورت الأهداف الستة التي أعلنتها كمبادئ غداة إعلان قيامها.
فكانت الثورة درسا لنا بأن الحرية لا تتجزأ وأن شرف الوطن لا يتجزأ فلقد أدرك ناصر باكرا ان الحرية لا تتجزأ وأن التنمية لا تتجزأ وأن التقدم العربي لا يتجزأ وهي كلها دروس استوحاها تحت نيران القصف الصهيوني له أثناء حصاره في الفالوجا وكان ذلك تعبير فذ من جانبه على الاستفادة من تجارب الماضي لما يعينه على فهم الحياة وتوجيهها نحو الطريق الصحيح.
لقد بدأت نتائج الثورة النهضوية في الظهور فحققت للإنسان العربي والإنسانية إنجازات ضخمة وذات قيمة خاصة في تاريخ الحركات الثورية في العالم الثالث والمتخلف نوعا ما قياسا بالدول المتقدمة والذي يمتد عبر مناطق شاسعة في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وهي ما نسميها اليوم الناصرية لنميزها عن مجموعة النظريات التي ظهرت لمواجهة مشاكل الإنسان في العصر الحديث. وهي – أي ما أسميناه الناصرية – ليست ابتداعا خاصا لفرد لكنها نتيجة وحصيلة نضال أمة بأكملها استطاع من خلالها القائد جمال عبد الناصر أن يعي حقيقة هذا النضال وحقيقة إمكانات الأمة واستطاع بفكره المستنير أن يرسم للإنسان العربي في الوطن العربي خاصة وفي العالم الثالث عامة طريقا جديدا يلبي احتياجاته ويبلور مطالبه لتحقيق الخير والرفاهية.
لقد كانت منطقتنا تعم في ظلام دامس بعد أن توهجت وأرسلت شعاع النور لكل دول العالم المعروف آنذاك وكانت تعاني من إرهاصات الاحتلال العثماني وكان الإنسان العربي يعاني قهرا واستبدادا وأعمال سخرة في سبيل السلطنة وكذلك أثرت علينا الحملات المتكررة على منطقتنا مرة باسم الدين وأخرى باسم المادة وبقي الأمر كذلك في المنطقة العربية حتى وقت الحملة الفرنسية على مصر التي كانت بمثابة الصفعة التي وجهت لمنطقتنا وإنساننا العربي فبدأ هذا الإنسان ينظر إلى ما خارج حدوده بعد فترة من الغياب وأصبح له حب الفضول بالإطلاع على ما ينتجه الغرب فكرا وصناعة وبالتالي عرف الفارق الشاسع بين منطقتنا وبين أوروبا واتضحت في ذهنه الفوارق الشاسعة بين التقدم السريع لأوروبا والتخلف والقهر الإقطاعي في منطقتنا بسبب الاحتلال العثماني.
وبدأ الإنسان العربي يفكر كيف يشق لنفسه الطريق الذي يعوض به المسافات الشاسعة بينه وبين التقدم العلمي لتعويض ما فاته وكسر حلقة التخلق التي أحاطوه بها.
كانت البداية الحقيقية للصحوة العربية في العصر الحديث مع محمد علي حيث اكتشف النزعة التحررية والوحدوية للشعب العربي كما اكتشف أهمية الموقع العربي للعالم وحاول بناء على ذلك أن يبني امبرطورية جديدة ترضي طموحه وتتيح له فرصة الانسلاخ عن السلطنة العثمانية.
ولكن هذه النزعة التحررية جعلت الغرب يحس بخطورة ما يمكن في وجدان العرب فتدخل لوقف التقدم المصري خاصة بعد بلوغه مراحل وصل فيها إلى القرب من سواحل أوروبا فركزت أنظارها من جديد على المنطقة كي لا تتيح لحاكم عربي ان يخرج من قبضتها وكي تقضي على أي نزعة جديدة نحو الوحدة والانصهار.
وفي بدايات القرن العشرين تمخضت الحربين العالميتين عن استعمار يحتل معظم أجزاء الوطن العربي وارثا بقايا التركة العثمانية ومستغلا العرب في الانقلاب عليها ومن ثم الانقلاب عليهم بعد تحقيق النصر. فانتهت الحرب العالمية الأولى تزامنا مع إعلان سايكس بيكو التي قسمت المنطقة فوضعت العراق وفلسطين وشبه الجزيرة العربية ومصر والسودان تحت الاستعمار البريطاني وسوريا ولبنان والجزائر وتونس والمغرب تحت الاستعمار الفرنسي فيما ليبيا تحت الاستعمار الإيطالي. وبهذا بدأت مرحلة جديدة من الاحتلال للمنطقة العربية واستنزاف الموارد العربية وأصبحت هذه المنطقة مسخرة لخدمة المستعمر الجديد بشريا وماديا.
وإزاء هذا الواقع الجديد بدأت ترتفع أصوات عربية مطالبة بالتحرر والانعتاق من نير المستعمر فكانت ثورة عرابي ومصطفى كامل في مصر وعبد الكريم الخطابي في المغرب وعبد القادر الجزائري في الجزائر وعمر المختار في ليبيا وابراهيم هنانو في سوريا وطالب النقيب في العراق ولكن المستعمر لم يلق إذانا صاغية لنضال الأمة وأصواتها التحررية بل على العكس زاد من تنكيله بها واستهان بمطالبها بحقها في الحياة وتنكر للعهود التي قطعها على نفسه عندما طلب من العرب مساعدتهم في الحرب الكونية فصدر وعد بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 معطيا الحق للصهاينة في أن يقيموا وطنا عنصريا في قلب الوطن العربي وعلى حساب الشعب الفلسطيني فاصلا مشرق الوطن العربي عن مغربه وبالتالي منعه من أي وحدة حقيقة وبالتالي أي نهضة مرتقبة.
في ظل هذا الواقع كان المستعمر يجد له بين أرجاء الوطن العربي بعض المتعاملين والخانعين فتم استغلالهم على إرساء التناقضات في بنية المجتمع الوطني وبالتالي القومي.
وكان وعد بلفور وما نتج عنه من ضياع جزء من فلسطين أقسى الضربات التي تتلقاها الأمة وهكذا وفي ظل هذه الظروف المعقدة للأمة نشأ جيل جديد يحمل الصحوة الوطنية والقومية في معظم أجزاء الوطن العربي وقد عبر عن ذلك القائد في فلسفة الثورة حين قال بأن ما يحصل في مصر لا ينفصل عن ما يحصل في فلسطين فاكتمل وعيه ونضجه قوميا على أرض فلسطين بدروس مستفادة جعلته يضع قدميه على بداية الطريق الصحيح فكانت ثورة 23 يوليو التي كان من الممكن أن تكون مجرد انقلاب لولا الشعارات التي رفعتها والتي كانت الفيصل بين عصر ظلام وتبعية وعصر يرسم بداية نهضة مصرية ومن خلفها عربية واسلامية وافريقية كل بحسب دائرته المرسومة.
ثم بدأت مراكز القوى رغم الإنجازات الكبرى تعمل على تقوية مراكز نفوذها الأمر الذي أثر سلبا على مسيرة النهضة وكانت الضربة في حزيران يونيو 1967 حيث تصور الغرب والكيان الصهيوني انه وجه الضربة القاسمة لمشروع النهضة العربية فمن المعروف أنه في الستينيات، زار وفد من مجلس النواب الأمريكى مصر، والتقى الرئيس جمال عبدالناصر، وشاهد التقدم والبناء الذي يعمل عليه ناصر وعلم منه أن إحدى أهم معاركه هي تنمية مصر والوطن العربي ووضعهم في مصاف الدول المتقدمة وعلى الفور سافر الوفد إلى "إسرائيل" وقابلوا رئيس وزراء العدو "دايفد بن غوريون" وأخبروه أن اليوم هو أحسن يوم في تاريخ "إسرائيل" لأن ناصر مشغول بالتنمية وهذا يبعده عن منطق الحرب فرد عليهم "بن غوريون": إن ما أخبرتموني به يجعل هذا اليوم أسود بل أسوأ يوم في إسرائيل" لأن نهضة مصر هو موت إسرائيل، ومنذ ذلك التاريخ أخذ يعد العدة لاستدراج مصر فكانت حرب 1967 كما كانت قبلها حرب 1956 وما بينهما نكسة الانفصال.
وبالفعل أطلق جمال عبد الناصر مرحلة صناعية مهمة عنوانها مصر تصنع كل شيء من الإبرة حتى الصاروخ وأصبح وكان الميثاق في العام 1968 بداية مرحلة جديدة من مراحل النهضة الفكرية المترافقة مع النهضة الصناعية فلقد كان ناصر واعيا للعلاقة التي تربط العمل الثوري بالعمل العلمي المنظم والتنمية الصحيحة وهو القائل بأن "الثورة هي علم تغيير المجتمع" فالعلم هو الذي يصنع التقدم والهو الفيصل بين الحرية والتبعية. لقد كان عبد الناصر وتوازيا مع المكاسب الشعبية الكبيرة التي حققها يبحث عن طريق للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ليعوض مسافات التخلف الطويلة بين الشعب العربي والشعوب المتقدمة مع الإيمان بأن الحياة الاجتماعية تتميز بالحركة الدائمة وهي في تغير وتطور مستمر مما يفرض علينا دائما مضاعقة جهوردنا وخطواتنا في محاولة الللحاق بالركب العلمي. والحق يقال أنه على قدر ما كانت الآمال عظام بقدر ما كانت هناك من تحديات جسام أولها تمثل في احتلال فلسطين وثانيها في الرجعية التي حاولت دائما الحد من الانطلاقة الناصرية إضافة إلى عوامل داخلية كالبيروقراطية وبقايا الإقطاع.
إن أية نظرة للمستقبل العربي يجب ان تقف بشدة أمام أي محاولة يقوم بها الغرب لتشويه صورة ناصر بل يجب أن يدفعنا ذلك إلى استعادة النهضة العربية التي أرساها ناصر والمضي بها قدما نحو مزيد من التقدم والحرية والإثبات بأن هذه النهضة لم تنته بمجرد وفاة باعثها لأنها مستمرة حتى تحقيق الأهداف التي نادى بها وهي التغلب على التخلف وتحقيق التقدم وبناء الدولة العربية الواحدة التي تجاري العصر في التقدم العلمي والفضائي وإذا كان التطلع إلى المستقبل تحكمه الثوابت السابقة فإن النظرة إلى المستقبل يجب أن تراعي ما يلي:
- وجود ثروات عربية لو أحسن استثمارها فهي يمكن أن تحقق معدلات عالية من التنمية العربية.
- مراعاة الاتجاهات الوحدوية التي تتصاعد في العالم أجمع والاقتداء بها من أجل أن يكون للأمة العربية مكان تحت الشمس.
- مراعاة السعي نحو التقدم العلمي المذهل والذي يفصلنا عن اللحاق به سنوات وسنوات.
- استغلال وجود اقطاب صاعدة في العالم وكسر الأحادية القطبية واحتكار العلم من قبلها.
وفي النهاية فنحن لسنا بحاجة لزعامة بديلة عن زعامة القائد جمال عبد الناصر ولكننا بالتأكيد بحاجة لقيادة تسير على نهج جمال عبد الناصر وطريقه لا نجرد شعارات ترفعها فقط بل فكرا وحركة ومنهجا وسلوكا كي نعيد محاولة بعث النهضة العربية من جديد.

 

المصدر: عزةالشيخ
janjeel

.: عدد زوار الموقع :.


  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 131 مشاهدة
نشرت فى 23 يناير 2019 بواسطة janjeel

تفاصيل

janjeel
معا لصالح الوطن والمواطن »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

300,230
نتيجة بحث الصور عن فانوس رمضاننتيجة بحث الصور عن جاك للاجهزة الكهربائية