بقلم محمد سعيد أبو النصر
كيف نحفظ الوطن ونحمي المستقبل ؟
كيف نحفظ الوطن ونحمي المستقبل ؟ سؤال ما زلنا نحاول الإجابة عليه وطرحنا عدة نقاط للمناقشة وهي
1-احترام التعددية .
2-العدالة والمساوة .
3- خيار المصالحة
وها نحن اليوم نكمل مناقشتنا لهذا الأمر عبر هذه النقاط :
4-إحياء القيم :
لعل أول طريق للخلاص من ظاهرة فقدان القيم النبيلة هو وجود رؤية تدعو إلى وقفة جادة تتضافر فيها جهود المؤسسات التعليمية والتركيز على الوعي القيمي وأهميته في بناء الإنسان، وإعادة دور رجال الدين والأدباء والمؤسسات الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني في محاولة لدعم إعادة أهمية أدبيات الثقافة الأخلاقية التي كدنا نفقدها ، كل ذلك يسهم في وضع حلول عملية لإعادة الذاكرة الأخلاقية. ولنردد هذه الآية القرآنية التي تدعونا إلي اللين والتسامح والصفح ، ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 22 ﴾ [ سورة النور، الآية : 22]
5-أخذ العبر من أحداث التاريخ :
حدثنا التاريخ أن سعد زغلول قال في كلمته الرائعة: «لو لم يكن لي عند ربى حسنة سوى أنني جمعت الأقباط والمسلمين في بوتقة واحدة لكفاني ذلك فخرًا وذكرًا». وكان من كياسة هذا الزعيم أنه حينما أعجب بمكرم عبيد في شبابه لكفاءته وإخلاصه قرّبه إليه واتخذه كابن له.. وكان سعد زغلول لا ينجب فكان مكرم عبيد نعم التلميذ اللصيق به حتى إن الذين لا يعرفون ذلك كانوا يقولون عنه إنه «ابن سعد زغلول».
وهذا القمص بولس باسيلي الوطني الشهير يقول: «إن الذى علمني الوطنية الحارة هو الزعيم أحمد حسين زعيم مصر الفتاة ذات التوجه الإسلامي».. فقد كان القمص بولس سكرتير شعبة مصر الفتاة في حي شبرا.
أما فخري عبدالنور –والد الوزير منير فخري- فقد كانت هناك حجرة خاصة مجهزة في بيته لسماحة المفتي حسنين مخلوف مفتى مصر في الخمسينات والستينات يبيت فيها كلما نزل إلى مدينة جرجا ولا يأكل عند أحد قبل أن يأكل فيها.
أما شاعر الرسول محمد التهامي فزوجته مسيحية ولا يجد في ذلك غضاضة ولا حرج..
أما الشيخ عبدالباسط عبدالصمد فكان لا ينزل إلا في بيت تاجر مسيحي في لبنان قبل أن يذهب إلى المؤتمر الذى استضافه.. وكانت أسرته تحب الشيخ عبدالباسط حتى إن ابنته الشابة عرضت على أبيها في وجود الشيخ عبدالباسط أن تتزوج من الشيخ.. وصمت الأب ولكن الشيخ عبدالباسط بفطنته وحكمته صرفها عن هذا الأمر بمزاح لطيف أنه لا يصلح لها وأن الذى ينال شرف زواجها شاب جميل وسيم رقيق من عمرها بدلًا من شيخ كبير مسن أسمر.. فضحكت الأسرة جميعاً وانتهى الأمر.
وحكى أمين عز الدين عن قريته «ميت ياعيش» قائلاً: «جدى الحاج دحروج عمدة المسلمين كان يجلس مع عم بطرس عمدة المسيحيين ليلَ نهار في دوار العمدية.. ولا ينفصلان إلا ساعة النوم.. وكنت أظن وأنا صغير أن عمى بطرس هو عمى الحقيقي وليس المجازي من كثرة جلوسه مع جدى. وكان العمدة بطرس -جد طبيب القلب العالمي مجدى يعقوب- عمدة للجزء المسيحي من البلدة.. وأنشأ المسيحيون المدرسة الأمريكاني بقريتهم وفتحوها للمسلمين وكان لها تأثير جيد على التعليم في القرية عامة». ويردف قائلاً: «وفى الثلاثينات فكر المسيحيون في بناء كنيسة ففرض جدى العمدة المسلم على كل فدان أرض 30 قرشًا مساهمة في بناء الكنيسة يدفعها المسلمون.. وبعدها في الأربعينات قرر جدى العمدة ترميم ثلاثة مساجد ففرض عمى بطرس ضريبة على المسيحيين مساهمة في ترميم المساجد».
وحكى كاتب أدب الأطفال الشهير عبدالتواب يوسف أن المسلمين في الحى الذى وُلد فيه احتاجوا إلى مسجد فقام ببنائه رجل مسيحي ثرى، وقال: وما زال المسجد يحمل اسمه حتى الآن وهو «جامع عوض عريان».. وأسعدني أن يحمل الاسم أسماء المسلمين والمسيحيين معًا. وقال أيضًا: «وما زلت أذكر المسجد الذى بناه في مغاغة قليني باشا فهمى إلى جوار الكنيسة التي شيّدها.. وفى طنطا شيّد مرقس بك يوسف مسجداً في بلدته جناح».
6-التسامح الفريضة الغائبة
ذكرت لك جزء من هذا التاريخ المعاصر في التسامح بين المصرين وبين بعضهم البعض فهل يا تُرَى يمكن أن تتكرر هذه الصور في أيامنا هذه بين المسلمين والمسيحيين؟ بل هل يمكن أن تتكرر بين المسلمين بعضهم بعضاً في مصر؟! إذا نظرنا الى الثورتين 25،و30 كما يقول ناجح إبراهيم نجد أن " هذا الانسان مع ثورة 25 يناير والآخر مع 30 يونيو وثالث ضدهما. وهل يمكن أن تتكرر بين السنة والشيعة.. أو بين الجماعات الإسلامية والأزهر.. أو بين قناة الجزيرة والقنوات المصرية.. أو بين قطر وتركيا من جهة ومصر من جهة أخرى.. أو بين الحوثيين والقاعدة.. أو بين الحوثيين وقبائل اليمن.. أو بين أي أحد مع خصمه السياسي أو الفكري أو الديني؟ لقد غاب التسامح عن دنيا الناس، ليس في مصر وحدها ولكن في الوطن العربي كله.. فماذا حل ببلادنا وما الذى جعل عقدها ينفرط بهذه الطريقة المزرية؟.. وأي تعصب ديني وفكري وسياسي صب في عقول وقلوب أبنائها صباً؟ وهل يمكن تكرار أي نموذج من نماذج التسامح السابقة؟.. ولماذا غابت مثل هذه النماذج؟! فهذه الأيام هي أغرب وأصعب الأيام التي تمر ببلادنا.. فإذا قرأت أي صحيفة تجدها تحرض تحريضًا صريحًا على خصومها السياسيين.. فإذا قرأت الصحيفة الأخرى المنافسة لتيارها رأيتها تحرض أيضًا أكثر منها.. وإذا استمعت إلى قناة للسنة رأيتها تحرض على الشيعة وترغّب في تدميرهم.. فإذا استمعت إلى أخرى للشيعة شعرت وكأنها تدعو إلى إهلاك السنة جميعًا. أما إذا طالعت الفيس بوك فحدّث ولا حرج.. فمؤيدو «رابعة» تراهم يكرهون الجيش والشرطة المصرية وكل أتباع السيسي كراهية أكثر من كراهية أعتى الخصوم ويتمنون لهم الويل والثبور وعظائم الأمور. وإذا قرأت العكس وجدت الأمر نفسه إن لم يكن أكثر.. مع شتائم متبادلة بين الفريقين يندى لها الجبين.. وكل فريق ينسب للآخر كل السوءات ولا يرى لخصمه أي فضل أو خير ولا يترك للصلح موضعًا ولا مكانًا حتى في الخيال ولا تجد أحدًا يتحدث عن التسامح والصلح.. فقلت لنفسي: «أي حياة هذه تلك التي يغيب عنها التسامح ويرتفع عنها الحلم والعفو والصفح.. وأي قيمة للحياة مع هذا الكدر المتواصل؟». هل هذه حياة؟ لقد تأملت حياتنا فرأيت أن فريضة مهمة غابت عنها وخلق كريم ضاع منها: «التسامح».. إنها الفريضة الغائبة التي غاب معها الحب والود والألفة والتغافر وكل شيء جميل في حياتنا.. فهذا يكبر ويهلل لحرق كنيسة أو تفجير في جنود الجيش.... وميليشيات الشيعة تفجر مساجد السنة في العراق في وقت صلاة الجمعة للمصلين الآمنين.. وأتباع القاعدة ومِن بعدها «داعش» يفجرون الأسواق أو مراقد الشيعة بمن فيها من البسطاء والعوام.. وكل يسعد بهلاك الآخر.. فالكل في خصام وشقاق.. والكل في حرب وتقاتل.. أو في تلاسن وتشاتم. ناسين جميعاً أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أطلق صيحته الرائعة ملخّصاً رسالته في كلمتين: «بُعثت بالحنفية السمحة».. فلا تفوّق لجنس على جنس ولا تمييز لعنصر على عنصر ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا 13 ﴾ [الحجرات: 13] لكن القوم جميعًا قرأوها خطأ لتتقاتلوا.. أو لتتشاتموا أو لتتباغضوا.. يا قوم ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾.. وأكثركم نفعاً للناس.. فما يجمع الناس من أفكار ومبادئ ومصالح وبنوّة لآدم أكثر مما يفرقهم.. فالتسامح لا يعنى أن يدخل أحد في دين أو مذهب أحد.. ولكنه يعنى في المقام الأول الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الإنساني والثقافي والديني بين البشر جميعًا.. وهذا التنوع هو الذي قال عنه
تعالى ﮋ قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (33) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)ﮊ [ سورة الكافرون، الآيات : ١ – ٦]
وقال لحبيبه { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) } [سورة يونس: 99] إن هذه الآية "عزاء للنبي الكريم. ومواساة له عن مصابه في قومه الذين أبوا أن يستجيبوا له، وأن يتقبلوا الخير الذي جاءهم به.. إنه لا إكراه في الدين، وذلك لأمرين:
الأمر الأول: أن الدّين عقيدة، والعقيدة إيمان بالمعتقد فيه، والإيمان بالشيء لا يكون حتى يرضاه العقل، وتميل إليه النفس، ويطمئن له القلب..
وليس في شيء من هذا مكان للإكراه، بل إن الإكراه هو الآفة التي تحجب القلب عن الإيمان، وتغتال الإيمان إذا هو وجد طريقا إلى القلب.
والأمر الثاني: أن القلوب وهى مستودع الإيمان، هي يد الله ´، إن شاء ساق إليها الإيمان، وهيأها لاستقباله، ونفعها به، فأزهر فيها وأثمر، وإن شاء صرفها عن الإيمان، وختم عليها، فلم تقبله، ولم تنتفع به.. «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً» ..
وعلى هذا، فإنه غير مطلوب من الرسول أن يكره أحدا على الإيمان بالله.. لأنه لن يؤمن مؤمن إلا عن مشيئة الله وإرادته.. ثم لأن الإيمان عن إكراه هو زرع في أرض مجدبة، لا تنبت زرعا ولا تطلع ثمرا.! { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)}.
نشرت فى 12 إبريل 2017
بواسطة janjeel